الأغراض الخفية لخطة "حرية الملاحة" الأمريكية

في السادس من مارس 2017، أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية ((تقرير حرية الملاحة لعام 2016))، الذي جاء فيه أن الولايات المتحدة الأمريكية مارست حق حرية الملاحة في اثنتين وعشرين دولة ومنطقة فيها "متطلبات مفرطة للحقوق البحرية"، بما فيها شرقي آسيا وبر الصين ومنطقة تايوان، والفلبين وفيتنام وماليزيا وإندونيسيا، ومناطق بحرية مرتبطة ببحر الصين الجنوبي. ورغم أن إصدار هذا التقرير هو أمر روتيني، ولكن له تأثيرا سلبيا بلا شك في ظل الوضع الدولي المعقد  والعلاقات الصينية- الأمريكية غير الواضحة في الوقت الحاضر.

"خطة حرية الملاحة" الأمريكية تستهدف ما تسميه الولايات المتحدة "متطلبات مفرطة للحقوق البحرية". أما وضعها الصين ضمن هذه الخطة فهو وضع قيود على حق اختصاص الصين على أجواء المنطقة الاقتصادية الخالصة البحرية للصين، ووضع حد لمسعى الصين لوضع قيود على تحليق الطائرات الحربية الأجنبية في منطقة تحديد الهوية للدفاع الجوي في بحر الصين الجنوبي. في الحقيقة، يقر القانون الدولي حقوق حرية الملاحة المختلفة في البحار الإقليمية والمناطق الاقتصادية الخالصة والبحار العامة. في عام 1992، أصدرت الصين ((قانون المياه الإقليمية والمناطق المتاخمة))، الذي نص على ضرورة حصول السفن الحربية الأجنبية على موافقة الصين قبل دخول المياه الإقليمية للصين. هذا النص يتفق مع القانون الدولي والممارسات الدولية، وتوجد نصوص مشابهة له في الكثير من  الدول، لكن الولايات المتحدة الأمريكية ترفضها، وتصر على دعوتها، وتطالب بأن تتمتع السفن الحربية بنفس حقوق السفن الأخرى، وعدم الحاجة إلى الحصول على موافقة الدول الساحلية، بل عدم ضرورة إخطارها. تستعرض واشنطن "خطة حرية الملاحة" الأمريكية وتصر عليها عن طريق الممارسة الفعلية، فمن الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تحل معاييرها محل القانون الدولي، بل وتفرضها من جانب واحد على الدول الأخرى.

"خطة حرية الملاحة" الأمريكية لها أهداف سياسية عليا وأغراض خفية. رغم أن وزارة الدفاع الأمريكية ذكرت أن الخطة يتم تنفيذها وفقا للمبادئ ولا تستهدف دولا ومناطق محددة، فإن الحقيقة هي أن  المناطق والدول التي تحديدها ضمن هذه الخطة تم اختيارها بدقة بالغة، وأن "حرية الملاحة" في بحر الصين الجنوبي لها أغراض خفية. فإذا كانت واشنطن تقوم بتلك الممارسات وفقا للمبادئ المستقرة، فلماذا لا تطبق نفس المبادئ في جزيرة أوكينوتورشيما؟

مغامرات الولايات المتحدة الأمريكية تجاه بحر الصين الجنوبي تجسد استفزازها المستمر للصين وتزعج الصين في بناء الشعاب المرجانية في بحر الصين الجنوبي، باسم "ضمان حرية الملاحة"، فهي بذلك لا تنكر فقط سيادة الصين وفوائد الصين في جزرها على بحر الصين الجنوبي، وإنما أيضا تلحق ضررا بسمعة الصين، وتثير تداعيات سلبية بالنسبة للأطراف المتنازعة المعنية، مما يؤدي إلى تعقيد الوضع في بحر الصين الجنوبي.

وضع بحر الصين الجنوبي في الوقت الحالي مستقر نسبيا. وقد قال وزير خارجية الصين وانغ يي، في مؤتمر صحفي في العاشر من مارس عام 2017: "في السنة الماضية، شهد الوضع في بحر الصين الجنوبي تغيرا متواصلا، وأخيرا وصل إلى مرحلة الهدوء، وانخفضت حرارة الوضع بشكل ملموس. وقد تحقق هذا نتيجة للجهود المشتركة من جانب الصين ودول آسيان، مما يرسخ سلام واستقرار المنطقة والعالم." في الحقيقة، بعد إصدار ما يسمى بـ "الحكم في قضية التحكيم بشأن بحر الصين الجنوبي"، ورغم تأكيد واشنطن وسدني على أن "الحكم" ملزم للأطراف المعنية، لم تقبله دول آسيان (رابطة دول جنوب شرقي آسيا)، واتخذت الأطراف المعنية بما فيها فيتنام والفلبين وماليزيا وإندونيسيا، مواقف حذرة تجاهه. وقد قام رئيس الفلبين رودريغو دوتيرتي بزيارة ناجحة إلى الصين في أكتوبر عام 2016، ما أنهى "حالة الجمود" في العلاقات بين الصين والفلبين التي سببها "الحكم". فضلا عن ذلك، شهدت قضية بحر الصين الجنوبي "هبوطا سلسا" ناجحا. إن التغيرات التي طرأت على قضية بحر الصين الجنوبي في عام 2016، جعلت الأطراف المعنية تدرك أن التصرفات الأحادية الجانب لا يمكن أن تحل القضية، وأنه من الضروري العودة إلى "نهج المسار المزدوج" الذي طرحته الصين ودول آسيان معا، والذي يعني أن تحل الأطراف المعنية القضية على أساس احترام الحقائق التاريخية والقوانين الدولية عبر المفاوضات والتشاور السلمي. الصين ودول آسيان تحافظ على السلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي.

يمكن المحافظة على حالة الاستقرار الحالية في بحر الصين الجنوبي. قال وانغ يي إن ((إعلان سلوك الأطراف في بحر الصين الجنوبي)) يسير على طريق التطبيق الشامل، ويعيد النزاعات إلى طاولة التشاور. وأضاف: "نحن ندفع مع دول آسيان تطبيق قواعد السلوك في بحر الصين الجنوبي، ونريد وضع قواعد إقليمية تحظى بتوافق الدول الإقليمية. وقد حققنا تقدما ملموسا ووضعنا مسودة لإطار إعلان السلوك. وهذا يسعدنا بالتأكيد." إن خطة "حرية الملاحة" الأمريكية سوف تعقد الوضع المستقر. وفي هذا الوقت، "إذا أراد أحد خلق التناقضات والنزاعات، فسوف تقاطعه شعوب ودول المنطقة من دون شك. نحن لا نوافق على التدخل والتخريب الذي يضر الوضع المستقر".

بجانب ذلك، فإن "حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي" قضية زائفة. قالت فو ينغ، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني: "حسب معلومات من مدينة لندن، بحر الصين الجنوبي ليس ضمن المناطق العالية المخاطر، ولم ترفع أي شركة من شركات التأمين الدولية الكبرى تكاليف التأمين على السفن المارة ببحر الصين الجنوبي. فما الذي يقلق سلامة الملاحة في بحر الصين الجنوبي؟." من هنا، نفهم أن "حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي" مجرد ذريعة، وأحد أغراضها هو جمع معلومات عن الصين عن طريق الملاحة. اعتمادا على التفوق التكنولوجي، وبذريعة "حرية الملاحة"، تحصل الولايات المتحدة الأمريكية على معلومات سرية عن الدول الأخرى. ويمكن إدراك أن "حرية الملاحة" في الحقيقة تساعد في ضمان هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية.

لقد شهدت الصين والولايات المتحدة الأمريكية أزمات عديدة حول مواقف مختلفة بشأن "حرية الملاحة"، مثل حادثة تصادم طائرتين في بحر الصين الجنوبي في عام 2001 وحادثة السفينة "ووشياهاو" في عام 2009. وبالنظر إلى العلاقات الصينية- الأمريكية، والأسلوب الدبلوماسي للرئيسين الصيني والأمريكي، إذا وقعت أزمة أخرى، فإن تأثيرها المدمر سيكون بالغ الخطورة. لذا، ربما يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تتخلى عن الهيمنة وأن تضع في الاعتبار أمن الدول الأخرى المعقول، بدلا من الإصرار على دعوتها وموقفها.

لين مين وانغ: باحث في أكاديمية دراسة القضايا الدولية بجامعة فودان وباحث في مركز الابتكار والتنسيق لبحر الصين الجنوبي في جامعة نانجينغ