الشراكة الاستراتيجية الصينية- العربية في عالم متغير

يواجه تطور الوضع الدولي في عام 2017 سلسلة من العوامل غير المؤكدة: ما هو اتجاه سياسات حكومة ترامب؛ وما هو تأثير انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والانتخابات الفرنسية والألمانية على الوضع السياسي للقارة الأوربية؛ مسيرة مكافحة الإرهاب على المستوى العالمي، وكيفية تحقيق الاستقرار والتحول والتطور في منطقة الشرق الأوسط؟ هذه أسئلة تهم الجماهير. وفي ظل هذا الوضع المعقد، مازالت هناك عوامل إيجابية مؤكدة، منها أن الصين سوف تحافظ على العلاقات الودية والتعاونية مع الدول العربية مهما تغير الوضع السياسي الدولي، وسوف يرتقي التعاون المتبادل المنفعة إلى مستويات أعلى.

  التنمية السلمية الصينية تحتاج إلى التعاون مع الدول النامية بما فيها الدول العربية

تنظر الصين دائما إلى علاقاتها مع الدول العربية من زاوية استراتيجية، وترى أن الدول العربية لا بد أن تكون قطبا هاما في العالم المتعدد الأقطاب. تقع الدول العربية في ملتقى قارتي آسيا وأفريقيا، وتجذب أنظار الدول والقوى الكبرى في العالم بموقعها الجغرافي الاستراتيجي الهام، وثرواتها الاستراتيجية، وهيكلها الإنساني الفريد. وفي مسيرة تدفق نهر التاريخ الطويل، يظل التعاون السلمي، والانفتاح والتضامن، والتعلم المتبادل، والمنفعة المشتركة والفوز معا اللحن الرئيسي للتبادلات الصينية- العربية.

ومن ثم، يعد توطيد وتعميق الصداقة التقليدية الصينية- العربية سياسة تتمسك بها الصين منذ وقت طويل. منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، حقق التعاون الودي بين الصين والدول العربية اختراقا تاريخيا، وصار نموذجا للتعاون بين بلدان الجنوب. في عام 2004، تم تأسيس منتدى التعاون الصيني- العربي، ليكون منصة هامة للحوار الجماعي والتعاون العملي على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة بين الجانبين الصيني والعربي، بما يرتقي بالعلاقات الصينية- العربية إلى علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة المتمثلة في "التعاون الشامل والتنمية المشتركة".

حاليا، تسعى الدول العربية إلى طرق تنمية تتفق مع أوضاعها المختلفة، وتسعى إلى دفع عملية التصنيع، وتوسيع التوظيف وتحسين معيشة الشعب، والحث على السلام والاستقرار الإقليمي بشكل إيجابي، لتلعب دورا هاما في الشؤون الإقليمية والدولية.

تحتاج التنمية السلمية الصينية إلى التعاون مع الدول النامية، بما فيها الدول العربية. تماشيا مع زيادة القوة الشاملة للصين ونهضة الأمة الصينية، سوف تلعب الصين دورا أكثر أهمية في الشؤون الدولية، بينما تعتبر الدول العربية شريكا استراتيجيا هاما للصين في صيانة السيادة، والأمن، وعوائد التنمية، ودفع مسيرة تعددية الأقطاب، وصياغة نظام دولي مناسب للتنمية السلمية. وفي الوقت نفسه، تأمل الدول العربية أن تلعب الصين دورها اللائق بها في الشؤون الدولية، لحماية المصالح المشروعة للدول النامية. كما أن الصين تحتاج إلى الجهود والتعاون الاستراتيجي مع الدول النامية، بما فيها الدول العربية لجعل النظام الدولي أكثر توازنا؛ والمصالح الدولية أكثر عدالة؛ ودفع ديمقراطية العلاقات الدولية.

كما تضع الصين تقوية العلاقات مع الدول النامية في مكانة هامة في سياساتها الخارجية، وتدعو بشكل واضح إلى حل النزاعات الدولية والقضايا الساخنة بأسلوب سلمي، وتعارض اللجوء إلى القوة أو التهديد بالقوة، وتعارض فرض تغيير السلطة في الدول الأخرى أو أي شكل من الإرهاب.

وفي المستقبل، سوف تكون مكانة الدول العربية الأساسية أكثر بروزا وأهمية في السياسة الخارجية الصينية. ولا بد أن يعمل الجانبان على التضامن والتعاون بشكل أكثر، وأن يتبادلا التعلم حول طريق التنمية، وأن يتعاونا في السعي إلى تحقيق التنمية المشتركة، وأن يقفا يدا بيد في حماية الأمن الإقليمي، وأن يتساندا وينسقا فيما بينهما لصياغة علاقات دولية أكثر عدالة وإنصافا، لدفع الاستقرار والتنمية الاقتصادية وتحسين معيشة الشعب وخدمة الشعبين الصيني والعربي.

الصين والدول العربية شركاء للتعاون الاستراتيجي في الحوكمة العالمية

في السنوات الأخيرة، تنتشر في بعض الدول الغربية فكرة اللاعولمة والشعبوية، الأمر الذي يؤثر سلبيا على الحوكمة العالمية والتنمية المشتركة للبشرية. لكن، مع تطور التعددية القطبية في العالم، وتعمق العولمة الاقتصادية، والتعددية الثقافية، والاختراق في التنمية العلمية والرقمنة، تكثر التبادلات بين الحضارات المختلفة، ويشتد الترابط والاعتماد المتبادل في المجتمع الدولي، فهذا هو الاتجاه الرئيسي. يستحيل أن تخرج نهضة أي دولة عن المعادلة الدولية. إن الوحدة عند المصائب، والتنمية السلمية، وتحقيق التعاون والفوز المشترك بين الدول هو الهدف المشترك للمجتمع الدولي. تتحمل الصين مسؤولية هامة، بصفتها دولة مشاركة ومشيدة ومساهمة هامة للنظام الدولي، في دفع التقدم الحضاري للبشرية، وبناء عالم متناغم يسوده السلام الدائم والازدهار المشترك. وسوف تشهد الشراكة الاستراتيجية الجديدة بين الصين والدول العربية تطورا مطردا بجهودها المشتركة.

تعد منطقة غربي آسيا وشمالي أفريقيا، بموقعها الجغرافي الفريد، منطقة هامة تتلاعب وتتنافس فيها الدول الكبرى والنفوذات السياسية. السياسة الخارجية الصينية تجاه هذه المنطقة تعد مكونا هاما لسياساتها الشاملة. تثابر الصين على طريق التنمية السلمية، وتتمسك بالسياسة الخارجية السلمية المستقلة، وممارسة استراتيجية الانفتاح الهادفة إلى المنفعة المتبادلة والفوز المشترك، ومن محاور هذه السياسة، المشاركة الإيجابية في الحوكمة العالمية إيجابيا وصياغة هيكل تعاون يحقق المنفعة المتبادلة، وتحمل المسؤوليات والواجبات الدولية، وتوسيع التقاء المصالح لمختلف الدول وبناء رابطة مصير مشترك للبشرية.

تدعو الصين إلى المساواة والديمقراطية في العلاقات الدولية؛ والبحث عن التعاون والفوز المشترك أثناء مسيرة التنمية؛ وتحقيق العدالة والفائدة الفعلية في الحوكمة العالمية؛ ودفع التقدم المشترك بين الحضارات المتنوعة؛ والسعي إلى تحقيق الأمن العام في علاقات الاعتماد المتبادل. تصر الصين على بذل الجهود لتحقيق السلام وتعزيز المحادثات السلمية حول القضايا الساخنة في منطقة غربي آسيا وشمالي أفريقيا، لتلعب دورا بناء هاما في دفع الحل السياسي للشؤون المعنية وتحسين الوضع.

تتفق الدعوة الصينية إلى تحقيق العلاقات الدولية الجديدة التي تركز على تحقيق التعاون والفوز المشترك، مع أهداف الدول العربية في تحقيق التحول والتنمية. بصفتها دولة صديقة للشعب العربي، تؤكد الصين بشكل واضح على احترام إرادة الشعب العربي واختياراته، وينطلق دائما موقفها تجاه قضايا المنطقة من التمسك بحماية السلام والاستقرار في المنطقة، وحماية المصالح الطويلة الأمد والأساسية للشعب العربي، وضمان العلاقات الودية بين الشعبين الصيني والعربي.

على خلفية التقلبات والتغيرات الهائلة المستمرة منذ ست سنوات في منطقة غربي آسيا وشمالي أفريقيا، يمكن تلخيص موقف الصين ودعواتها فيما يلي: أولا، احترام إرادة ومتطلبات الدول وشعوبها في المنطقة لتحقيق الإصلاح والتنمية، ودعم الدول والشعوب للبحث عن طريق التنمية المتفق مع أوضاعها الذاتية. تتخذ الصين موقفا إيجابيا ومنفتحا تجاه اختيارات الشعوب في المنطقة. ثانيا، تدعو الصين الدول في المنطقة والأطراف المعنية لحل الخلافات عن طريق الحوار السياسي المستند إلى التسامح والسلام، وتعارض معارضة صارمة اللجوء إلى القوة، تدعو الصين إلى وقف الصراعات العنيفة وأن تعيش شعوب المنطقة حياة مستقرة وسلمية. ثالثا، تدعو الصين إلى التزام المجتمع الدولي بأهداف ((ميثاق الأمم المتحدة))، واحترام سيادة الدول واستقلالها وسلامة أراضيها. تعارض الصين بصرامة أي سلوك لفرض أي إرادة على شعوب المنطقة. رابعا، تأمل الصين أن ينظر المجتمع الدولي إلى التحول في المنطقة من زاوية الحكم الشامل، ويهتم بقضية فلسطين اهتماما بالغا، مع تعزيز جهوده السياسية والدبلوماسية، لأن هذه القضية هي قضية جذرية تهم سلام الشرق الأوسط، وجوهر قضية الشرق الأوسط. تؤكد الصين أن قضية فلسطين لا بد أن تُحل بشكل شامل وعادل، لبناء دولة فلسطين على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وتتمتع بالسيادة الشاملة في نهاية المطاف؛ كما تؤكد الصين على زيادة دعم الدول المعنية في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومساعدة الدول في المنطقة لتحقيق التغير. تظهر دعوات الصين وموقفها أن الصين كدولة كبيرة مسؤولة، تشارك دول العالم، بما فيها الدول العربية، في السراء والضراء، وتتكيف مع حاجة الدول المختلفة لخلق بيئة سلام مستقرة وتحقيق التنمية والازدهار المشترك.

تدعو الصين إلى حل القضايا الساخنة والنزاعات الإقليمية بالسبل السلمية، وهذه الدعوة من النقاط الساطعة للسياسة الخارجية الصينية. وبالنسبة لقضايا الشرق الأوسط، تدعو الصين من البداية إلى حل النزاعات من خلال الحوار، وحل الخلافات بالمحادثات السياسية. تؤكد الصين أن القوة ليست الأسلوب المناسب لحل المشكلات، وأن التفكير بطريقة المحصلة الصفرية لا يحقق الأمن الدائم. مع أن مسيرة الحوار تستغرق وقتا أطول، وقد تمر بصعوبات، فإن السير في هذا الطريق تداعياته أقل ويمكن أن يستمر لفترة أطول. ولمواجهة القضايا الساخنة، على هامش النزاعات، لابد من إجراء الحوار والبحث عن القواسم المشتركة لدعم الحل السياسي. ومن أجل حل القضايا الساخنة، تدعو الصين دائما إلى حل جذور المشكلات وفروعها، وتعتقد أن عدم الاستقرار في الشرق الأوسط يرجع إلى مشكلة التنمية، وترى أن الحل يكمن في التنمية. ذلك أن التنمية تتعلق بمعيشة الشعب وكرامته. لا يمكن إبعاد الشعب، وخاصة الشباب، عن التطرف والإرهاب إلا بحصولهم على الحياة الكريمة، فبهذا يرفض الشعب العنف. ومن المهم احترام اختيارات الشعوب في مختلف الدول للطرق التي تناسب أوضاعهم لتحقيق هذا الأمر.

 المشاركة في بناء "الحزام والطريق" لإضافة قوة محركة لتعميق التعاون الصيني- العربي

الصين أكبر دولة نامية في العالم، ويرتبط مستقبلها ومصيرها بمستقبل ومصير كافة دول العالم. طرحت الصين مبادرة "الحزام والطريق" لتعميق الإصلاح والانفتاح، ولرسم خريطة التعاون والفوز المشترك مع الدول على الطريق. حظيت مبادرة "الحزام والطريق" بقبول كبير في الدول العربية، مما ساعد في تسريع خطوات التعاون والارتقاء بمستوى التعاون بين الصين والدول العربية. وفي يناير عام 2016، قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة تاريخية لثلاث دول في الشرق الأوسط، الأمر الذي ارتقى بالتعاون الشامل بين الصين والدول العربية. وحتى الآن، أقامت الصين علاقات الشراكة الاستراتيجية مع ثماني دول عربية، ووقعت اتفاق التعاون في بناء "الحزام والطريق" مع ست دول عربية. أصبحت سبع دول عربية من الدول الأعضاء المؤسسة للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، كما أن آلية الحوار الاستراتيجي السياسي بين الصين والدول العربية تصبح أكثر اكتمالا وحيوية.

وفي ظل ضعف التنمية الاقتصادية العالمية، يحافظ التعاون الاقتصادي بين الصين والدول العربية على زخم جيد. تعد الصين ثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية. في عام 2016، بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية 96ر170 مليار دولار أمريكي، حيث استوردت الصين 154 مليون طن من النفط الخام من الدول العربية، وذلك يحتل 52ر40% من واردات الصين من النفط.