"التعاون مربح للجانبين بينما المواجهة ضارة لكليهما"
السفير تسوي تيان كاي يتحدث عن العلاقات الصينية- الأمريكية

الصين أكبر دولة نامية في العالم، والولايات المتحدة الأمريكية أكبر دولة متقدمة، وكلاهما من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن للأمم المتحدة، ولكليهما تأثير كبير في العالم. إن كيفية معالجة العلاقات الثنائية بينهما، أي بين أكبر اقتصاد وثاني أكبر اقتصاد في العالم، لا ترتبط بمصالح الجانبين الأساسية فقط، بل وتؤثرعلى العالم بأكمله.

في مقابلته الصحفية مع "الصين اليوم" يوم الرابع من مارس عام 2017، أكد تسوي تيان كاي، عضو المجلس الوطني الثاني عشر للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني وسفير الصين لدى الولايات المتحدة الأمريكية، أن مبدأ "التعاون بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية مربح للجانبين، في حين أن المواجهة بينهما ستكون كارثية لكلا البلدين والعالم" قد أصبح توافقا أساسيا لدى قادة البلدين.

العلاقات الصينية- الأمريكية السليمة والمستقرة مسؤولية للجانبين تجاه العالم

أجرى الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الأمريكي دونالد ترامب محادثتين هاتفيتين حتى الآن. في المحادثة الهاتفية الثانية في فبراير عام 2017، أعرب الرئيس شي عن تقديره الكبير  لموقف ترامب المتمثل في توسيع التعاون الصيني- الأمريكي وتعزيز العلاقات الثنائية البناءة، التي تعود بالفائدة على البلدين والمجتمع الدولي. ومن جانبه، أكد ترامب تمسك الحكومة الأمريكية بسياسة "الصين الواحدة". وتعهد الرئيسان بالحفاظ على علاقات وثيقة، معربين عن رغبتهما في عقد لقاء رسمي في وقت قريب.

وأضاف تسوي: "هذه إشارة إيجابية للغاية أرسلها الجانبان إلى العالم، فقد توافق رأي الرئيسين بشأن إقامة علاقات ثنائية قوية، تعود بالنفع على شعبي البلدين والمساهمة في تحقيق سلام واستقرار العالم." وقال تسوي: "أنا سعيد جدا لرؤية هذا التوافق الذي توصل إليه الرئيسان في بداية فترة رئاسة ترامب."

إن النمط الجديد لعلاقات القوى الكبرى بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية المتمثل في "عدم الصراع وعدم المواجهة من ناحية، والاحترام المتبادل والتعاون المربح للجانبين من ناحية أخرى"، هو ثمرة المحادثات الثلاثة الطويلة بين الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، الأولى أجريت في منتجع أننبرغ بولاية كاليفورنيا الأمريكية عام 2013. بينما الثانية عقدت في تشونغنانهاي في بكين عام 2014. والأخيرة كانت في البيت الأبيض في واشنطن عام 2015.

في استعراضه لتاريخ العلاقات الصينية- الأمريكية خلال الأربعين عاما الماضية، قال السفير تسوي إن البلدين ظلا يبذلان الجهود لبحث وتحديد العلاقات بينهما. وبرغم ما شهده العالم من تغيرات عميقة، من أبرزها انتهاء الحرب الباردة والأزمة المالية العالمية وانتشار الإرهاب وتغير المناخ والأوبئة الوافدة وغيرها من التحديات العالمية، ظلت العلاقات الصينية- الأمريكية تتقدم إلى الأمام بخطى ثابتة بشكل عام.

وأوضح السفير تسوي أن أجيالا متعاقبة من قادة البلدين أولت أهمية كبيرة للعلاقات الثنائية، ولم تتغير رغبتهم، بشكل عام، في حفظ تطورها السليم والمستقر، انطلاقا من مصالح البلدين، فالعلاقات الصينية- الأمريكية السليمة والمستقرة تتفق مع مصالح الجانبين، كما أنها مسؤولية صينية- أمريكية تجاه العالم. أضاف تسوي: "سيكون أمرا كارثيا بالنسبة للبلدين وللعالم كله إذا تأزمت العلاقات الصينية- الأمريكية ووصلت إلى المواجهة أو الصراع. وهذا أمر يأمل جميع الأطراف المعنية عدم حدوثه."

السيطرة على المشكلات ممكنة، بدون سوء الفهم والتفسير الخاطئ

أشار السفير تسوي إلى أنه خلال الأربعين سنة الماضية، حدثت أشياء كثيرة بين البلدين. ما هو النمط الجديد لعلاقات القوى الكبرى بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية؟ فقد توصل البلدان تدريجيا إلى توافق حول عدد من المبادئ الأساسية المتمثلة في "عدم الصراع وعدم المواجهة من ناحية، والاحترام المتبادل والتعاون المربح للجانبين من ناحية أخرى". وتثبت الممارسات أهمية هذه المبادئ. قال تسوي: "تمسك الجانبين بهذه المبادئ، يضمن للعلاقات الصينية- الأمريكية تحقيق التنمية السليمة المستقرة."

قال تسوي، الذي يشغل منصب سفير بلاده لدى الولايات المتحدة المريكية منذ عام 2013، إن الصين ودول رابطة جنوب شرقي آسيا (آسيان) وقعت في عام 2002، ((إعلان سلوك الأطراف في بحر الصين الجنوبي))، الذي نص بوضوح على أنه: يجب حل النزاعات عن طريق المشاورات والمفاوضات السلمية بين الدول المعنية وليس عن طريق المواجهة والصراع. هذا هو التوجه الذي تبذل الصين جهودا مستمرة لتحقيقه على مدى العقود الماضية. أضاف تسوي: "وجهة النظر هنا هي أن قضية بحر الصين الجنوبي ليست مشكلة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية في الأصل، إذ أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست لها مطالب إقليمية بشأن الأراضي في هذه المنطقة."

وحول قضية حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي، التي يهتم بها كثير من الأمريكيين، قال السفير تسوي: "الصين هي الدولة الأكثر اهتماما بحرية وسلامة الملاحة في بحر الصين الجنوبي، بالمقارنة مع أي دولة أخرى، لأنها تتعلق بشريان الحياة بالنسبة لاقتصاد الصين الخارجي. الصين حاليا دولة تجارية كبرى في العالم، وكثير من شحناتها التجارية تمر ببحر الصين الجنوبي. إن سلامة واستقرار هذه المنطقة وحرية وسلامة الملاحة فيها تتفق مع مصالح الصين، وهذا موقف دائم لنا تجاه هذه القضية."

"أمريكا العظمى" و"الحلم الصيني"

تواجه الصين والولايات المتحدة الأمريكية مهاما وتحديات جمة للتنمية الوطنية في كل منهما في عام 2017. في يناير 2017، تم تنصيب دونالد ترامب ليصبح الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية، بينما سيُعقد المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني في خريف عام 2017.

قال السفير تسوي إن الصين وصلت إلى مرحلة حاسمة في تحقيق هدفها الأول بالذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية. إن جهودنا الحالية ستقرر ما إذا كان هذا الهدف يمكن تحقيقه في حينه، وإلى حد كبير مسيرة هدف المئوية الثانية.   الصين، من دون شك، أمامها فرصة كبيرة للتنمية التي لن يمكن تحقيقها إلا بمواجهة التحديات المختلفة. وأضاف تسوي: "الانتخابات الرئاسية الأمريكية في العام الماضي عكست المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المختلفة في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد وعد ترامب باستعادة "أمريكا العظمى مرة أخرى"، الأمر الذي يدل على التحديات الكبيرة التي تواجه الولايات المتحدة الأمريكية."

يرى السفير تسوي أن التحديات الرئيسية الجوهرية لجميع دول العالم تأتي من داخل البلاد، وأن ضمان جودة الحكم في البلاد والتنمية السليمة للاقتصاد والاستقرار الاجتماعي ومستوى سعادة الشعب، عناصر حاسمة لمواجهة التحديات المختلفة. وأضاف تسوي: "حكومة الصين والحزب الحاكم فيها يعتبران دائما رفاه الشعب المصلحة العليا، وسيبذلان أقصى جهودهما لتحقيق هذا الهدف."

وقال السفير تسوي إنه يشعر بمطالب ورغبات الأمريكيين في حياة أفضل، وأنهم ينتظرون من الحكومة الأمريكية تلبية مطالبهم ورغباتهم. لذا، أهم شيء بالنسبة للحكومتين الصينية والأمريكية، كما هو الحال بالنسبة لأي حكومة في العالم، هو  تحقيق مطالب الشعب وجعل حياة الناس أفضل.

أشار السفير تسوي إلى أن تعاون البلدين سيساهم بالتأكيد في تحقيق الأهداف الداخلية لكل منها، أما المجابهة فلن تسبب فوضى في العالم فحسب، وإنما سيكون لها تأثيرات سلبية على تحقيق الأهداف الداخلية في كلا البلدين.

أضاف تسوي: "في ظل العولمة، ترتبط دول العالم ببعضها البعض. لا يمكن لأي دولة تحقيق التنمية بدون التواصل مع الدول الأخرى. لاستعادة "أمريكا العظمى" مرة أخرى، وتحقيق "الحلم الصيني"، لابد للبلدين أن يتكاتفا في تحقيق أحلامهما المنفردة عن طريق التعاون والفوز المشترك.