طريق الحرير
في كتاب بمكتبة الإسكندرية

من مقتنيات مكتبة الإسكندرية المصرية كتاب رائع يحمل عنوان "طريق الحرير". هذا الكتاب الذي أصدرته مكتبة الإسكندرية في عام 2016 بمناسبة زيارة الرئيس شي جين بينغ وعام الثقافة المصري- الصيني، قام بتأليفه أشرف أبو اليزيد، وهو روائي وصحفي وشاعر ومترجم مصري.

في مقدمة هذا الكتاب المصور، المكون من مائتين واثنتين وعشرين صفحة موزعة على ثلاثة أقسام، يقول المؤلف إن طريق "الحرير" اسم جامع لخطوط القوافل المنقولة برًّا من وإلى الصين في أقصى الشرق، مرورا بالقارة الآسيوية غربا، وصولا إلى قلب أوروبا. ومن المصادر الصينية يمكننا العثور على بداية ذلك الطريق عند عدة خطوط رئيسية، أولها الطريق الذى كان ينطلق من تشانغآن (شيآن حاليا) ليعبر ليانغتشو الواقعة في ممر خشي وقانسو وسوتشو وآنسي، حتى يصل إلى واحة دونهوانغ، حيث يتفرع إلى الخط الشمالي والخط الجنوبي. وكان طريق الحرير الشمالي يجتاز الصحراء بداية من واحة دونهوانغ ويتقدم مع السفوح الجنوبية لجبال تيانشان، فيمر بما يقع على امتدادها من توربان ويانتشي وتشوتسي (كوتشار)، حتى يصل إلى مدينة كاشغر في أقصى شمال غربي الصين بمنطقة شينجيانغ، قرب الحدود مع باكستان وقرغيزستان وأوزبكستان وأفغانستان مع الهند. أما الخط الجنوبي، فكان مستهله واحة دونهوانغ ثم يتقدم مع السفوح الشمالية من جبال ألتن وجبال كونلون فيمر من شانشان (روتشيانغ) ويوتييان (خوتان حاليا) وشاتشه حتى كاشغر أيضا. كانت واحة دونهوانغ، التي تقع عند ملتقى خطوط المواصلات بين الصين والغرب همزة مواصلات بين الصين وآسيا الوسطى وغربي آسيا وأوروبا ومركزا للتبادلات الحضارية بين الصين والغرب."

وقال مؤلف الكتاب: "الأيام التي عشتُها في مدن طرق الحرير، سواء في الصين، أوزبكستان، والهند، وسواها من الدول، هي التي أحيت فيَّ فكرة كنتُ أظنها مرهونة بالتاريخ وحسب، ورغم أننا نعد طريق الحرير تاريخا، إلا أن مدنه ما تزال تنعمُ بذكريات الازدهار." وأضاف: "طريق الحرير الصيني، يأتي اليوم على رأس قائمة مواقع الجذب السياحي في منطقة شينجيانغ شمال غربي الصين، التي يعبرها إلى وسط وغربي آسيا، وفي الوقت نفسه يربط طريق الحرير شينجيانغ بالمناطق الداخلية في الصين. في القرن الخامس الميلادي، عرفت شعوب الأرض للمرة الأولى في تاريخها، مدينة يبلغ عدد سكانها مليون نسمة، تلك كانت تشانغآن، في زمن لم يكن أحد يدري عن قرية لوتيتا شيئا؛ وهي التي ستصبح لاحقا عاصمة فرنسا؛ باريس. وفي زمن كان صيادو السمك بدأوا يتجمعون عند نهر التايمز، وعصر كانت فيه موسكو تحت المعاول تنشأ، ولم يكن كريستوفر كولومبس تحرك نحو عالمه الجديد بعد. لذلك، كان طريق الحرير ابن هذه المدينة وأخواتها من المدن الزاهرة في عصرها والعصور اللاحقة، التي واصلت تألقها حتى ظهر طريق الحرير البحري بعد الاكتشافات البحرية لخطوط الملاحة حول رأس الرجاء الصالح." 

في القسم الأول الذي يتناول المدن التي وصل إليها طريق الحرير أو عبر بها، أوضح أبو اليزيد أنه حين زار كاشغر للمرة الأولى عام 2008، تبينت له أهمية موقعها الاستراتيجي على طريق الحرير. ولا عجب أنها كانت، ولاتزال، تعتبر البوابة الغربية للصين. كما كانت تعرف بدرة طريق الحرير لما فيها من واحات وارفة الظلال غنية بشتى المنتجات. الطريق الذي يبدأ في كاشغر كان ينطلق باتجاه الغرب متفرعا إلى خطين آخرين؛ يدخل أحدهما في وادي فرغانة عبر فجاج تيريك دافن، ثم يمر بسمرقند وبخارى حتى مرو (مدينة ماري في تركمانستان حاليا)، أما الآخر فكان يجتاز هضبة البامير ويخرج من قلعة البرج الحجري ويمر ببكتريا (باختريا) حتى مرو أيضا.

أضاف المؤلف أنه كان يظن أن طريق الحرير يمر بعشرين أو ثلاثين مدينة، فإذا به يتخطى في عدد المدن إلى أكثر من مائة وستين مقصدا لطريق الحرير، سواء كانت تلك المقاصد مدنا سادت ثم بادت أو بقاعا غيرت أسماءها ولغاتها وتعاقب عليها الملوك مثلما تبدلت بها الأديان.

كان الأمن والخطر يتقاسمان طريق الحرير، وكان من الطرق المحفوفة بالمتاعب أكثر من سواه، مع وجود تقلبات سياسية عديدة. وقد سبق للصينيين بأقوامهم الغالبة وأقلياتهم على حد سواء ممارسة التبادل الاقتصادي والثقافي مع الأمم القاطنة في آسيا الوسطى وغربي آسيا قبل أسرة هان (206 ق.- 220 م).                                                               

على طريق الحرير، سافر التجار مع الرحالة وعبرت جيوش الغزاة وفلول المهاجرين، فأقاموا في مدينة أو أنشأوها من العدم وربما أعادوا بناء أخرى فوق قديمة زالت، فكانت لهم مدن ارتبطت بهم وارتبطوا بها. وكان طريق الحرير يصل السهول الوسطى بالصين بالدول الغربية، ويربط الشعب الصيني بالشعوب الغربية مما عزز التمازج بين الحضارتين الشرقية والغربية.

 قبل ظهور الإسلام، كانت بلاد العرب وسيطا تجاريا هاما بين الشرق والغرب، وقامت التجارة في أغلبها على جلب الحرير من الصين والتوابل والبخور من الهند، وكان طريق الحرير يتفرع إلى عدة طرق تنتهي كلها إلى موانئ البحر الأسود والبحر المتوسط، ويمر معظمها في الأراضي الإسلامية، ثم تنتقل التجارة إلى أوروبا الشرقية والجنوبية. أما أوروبا الغربية وشمالي أفريقيا والأندلس، فكانت معظم تجارتها تأتي عبر الطريق الأول الذي يمر بالموانئ.

في القسم الثاني، يستعرض المؤلف "فنون وآداب" طريق الحرير. يشمل ذلك الآثار الباقية من القرون الخالية، مثل أسواق حلب وطاولة الأطباق التسعة والصفوف الثلاثة لأبناء قومية هوي في الصين، والأغاني والآلات الموسيقية ومتحف البرونز في مدينة أردوس الصينية، وفنون التصوير والجوامع والحصون، والخزف وطرق تصنيعه وفنون الخط الصيني والفارسي، والرسوم المختلفة، وتناول أبو اليزيد سور الصين العظيم كنوع من العمارة من القرن السابع قبل الميلاد وحتى زمن أسرة مينغ. وتتواصل فصول الموسوعة إلى الكثير والكثير، حتى أنواع الشاي المختلفة وأماكن زراعته وكذا الأعياد ثم القصور والكهوف.

 أما القسم الثالث، الذي جاء بعنوان "ممالك وأعلام طريق الحرير"، فيتحدث عن ممالك وشخصيات، مثل ابن الأثير وابن بطوطة وابن حوقل والأتابك وأبو فرج الأصفهاني والاسكندر الأكبر، وإمارة آل عثمان والإمبراطورية المغولية وبهادر الشاه الثاني وتانغ تاي تسونغ، وغيرهم.