المساعدات الخارجية الصينية تعزز التنمية في الدول المتلقية

مع تعاظم المساعدات الخارجية الصينية في السنوات الأخيرة، يولي المجتمع الدولي اهتماما متزايدا بتأثير الصين، باعتبارها قوة ناشئة لتقديم المساعدات. في الحقيقة، لم تتخلف الصين في السابق عن تقديم المساعدات الخارجية، فقد بدأت ذلك عقب تأسيس الصين الجديدة عام 1949، برغم شح مواردها المالية في ذلك الوقت. في البداية، كانت الصين تقدم معونات للدول الصديقة المجاورة لها. حاليا، وبعد خمسة وستين عاما من التنمية، تغطي المساعدات الصينية أكثر من مائة وعشرين دولة ومنظمة إقليمية في العالم، وتشكلت لديها سلسلة من المبادئ والتجارب ذات الخصائص الصينية للمساعدات الخارجية.

منفعة متبادلة وفوز مشترك من دون شروط

لا تربط الصين مساعداتها الخارجية بأي شروط سياسية، ولا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول المتلقية للمساعدات، وتحترم تماما حقوق الدول المتلقية للمساعدات في اختيار طرق وأساليب التنمية التي تناسبها. المبادئ الأساسية للمساعدات الخارجية الصينية، هي الاحترام المتبادل والمعاملة المتساوية والحرص على الوفاء بالوعد والمنفعة المتبادلة والكسب المشترك.

الفرق الأساسي بين المساعدات الصينية والمساعدات الغربية هو أن الصين لا تربط مساعداتها بشروط سياسية. مبدأ المساعدات غير المشروطة، الذي طرحه رئيس مجلس الدولة الأسبق شو آن لاي لأول مرة عام 1964، ظل المبدأ الأساسي للصين في تطوير سياساتها التعاونية مع الدول النامية الأخرى خلال السنوات السابقة، ويرجع ذلك إلى عاملين: الأول، هو أنه يتفق مع سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية الذي تنتهجها الصين؛ الثاني، هو أنه ثمرة لتجارب الصين، كدولة نامية، في تقديم المساعدات والحصول عليها على مدى فترة طويلة. الصين، التي كانت أكبر دولة في العالم متلقية للمساعدات، تراكمت لديها خبرات مفيدة بشأن استخدام المساعدات الخارجية، ومن ذلك أن أي مساعدة خارجية لا تلعب دورها كاملا إلا بإدراجها ضمن خطة تنمية وطنية شاملة تحددها الدولة المتلقية للمساعدات بنفسها. الإصلاح الاقتصادي والسياسي يحتاج إلى جهود داخلية، ولا يفيد التدخل والضغط الخارجيان التنمية، لأنهما لا يتفقان مع أحوال الدول المتلقية للمساعدات.

"التعاون المتبادل المنفعة"، الذي يعد سمة خاصة للمساعدات الخارجية الصينية، يعني أن المساعدات لا تكون في اتجاه واحد فقط. المساعدات الخارجية الغربية تتخذ دائما صورة "المنح"، فيكون من الصعب إقامة علاقات شراكة متساوية مع الدول المتلقية للمساعدات. تسعى الدول الغربية للتدخل في وضع برامج التنمية وتحديد النقاط الأساسية للتنمية في الدول المتلقية للمساعدات، وهذا يكون له تأثير سلبي على المبادرات الذاتية للدول المتلقية للمساعدات. الضغط على الدول المتلقية للمساعدات في وضع خطط تنميتها وتجاهل احتياجات تلك الدول يمثلان مشكلة رئيسية تواجهها سياسة المساعدات الخارجية الغربية. تنتهج الصين مبدأ التعاون المتبادل المنفعة، ولا تتخذ مساعداتها الخارجية صورة المنح في اتجاه واحد، وتعتبر المساعدات ذاتها نوعا من التعاون الثنائي الاتجاه، بهدف تحقيق التنمية المشتركة مع الدول المتلقية للمساعدات. المساعدات الخارجية الصينية تؤدي إلى بناء علاقات متساوية بين الطرفين وحماية المبادرات الذاتية للدول المتلقية للمساعدات. المساعدات الخارجية على أساس التعاون الثنائي صائبة وتتفق مع العلاقات الدولية القائمة على الاعتماد المتبادل في العصر الراهن. تجارب الصين تدل على أن خبرات التعاون أثناء المساعدات تلعب دورا أكبر من المساعدات ذاتها في دفع التنمية الصينية. وأخيرا، يفيد مبدأ التعاون الثنائي الاتجاه في جعل أنماط المساعدات مرنة ويضمن استدامة سياسة المساعدات.

ربط المساعدات بالتجارة والاستثمار

لقب "القوة الناشئة"، الذي تحمله الصين في مجال المساعدات الخارجية، جاء من إبداع الصين نمط ربط المساعدات بالتجارة والاستثمار. هذا النمط من المساعدات يعد تلخيصا لخبرات الصين وثمارها خلال انتهاج سياسة المساعدات على أساس التعاون المتبادل المنفعة، في إطار تعاون الجنوب- الجنوب.

"نمط أنغولا"، الذي اتخذته الصين في تقديم المساعدات لأفريقيا، نال اهتماما واسعا من المجتمع الدولي، ونظرت إليه بعض الأطراف بريبة. ساعدت الصين على إعادة بناء أنغولا بعد اتفاق البلدين على أن تقوم أنغولا بسداد الديون الصينية باستخدام نفطها في المستقبل، هذا النوع من المساعدات، وصفه تقرير صادر عن البنك الدولي بـ"نمط أنغولا". الشكوك في هذا النمط تركز على مقايضة البنية التحتية بالموارد وعدم وضوح التمييز بين المساعدات والتجارة والاستثمار. في الحقيقة، "نمط أنغولا" هو اتفاقيات وعقود وقعت بين المؤسسات الصينية والأنغولية بدعم من حكومتي البلدين وعلى أساس الاحترام المتبادل للسيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ومن ثم فإنه يتفق مع مصالح الطرفين ويعد فوزا مشتركا. "مقايضة البنية التحتية بالموارد" يعني تحويل موارد التنمية الكامنة الأنغولية إلى أساس تنمية حقيقي. منحت الحكومة الصينية قروضا تفضيلية لتشجيع المؤسسات الصينية على الاستثمار في مجالات البنية التحتية والطاقة والموارد، وهذا النمط لم يساهم في دفع التنمية الاقتصادية في أنغولا فحسب، وإنما أيضا ساعد على انطلاق المؤسسات الصينية إلى الخارج، وحققت الصين وأنغولا الفوز المشترك بفضل هذا النمط. استخدمت الصين وغينيا "نمط أنغولا" في التعاون الثنائي، وقد قال الرئيس الغيني ألفا كوندي: "الدول الأفريقية ترحب بدخول الصين" و"نشعر بارتياح في التعاون مع الصين"، و"الصين فرصة لأفريقيا، وأفريقيا فرصة للصين أيضا".

إن منح القروض التفضيلية في مجال المساعدات الخارجية، وتشجيع رأس المال غير الحكومي الصيني على دخول الدول المتلقية للمساعدات، وربط المساعدات بالاستثمار، تعكس مسيرة الإصلاح الصيني وتعتبر استجابة لطلب الدول المتلقية للمساعدات. في عام 1992، قررت الصين إقامة نظام اقتصاد السوق الاشتراكي، لتحديد دور السوق الحاسم في توزيع الموارد، ويستخدم هذا النظام في المساعدات الخارجية الصينية. الممثلون الأفارقة في الدورة الأولى لمؤتمر طوكيو للتنمية الأفريقية التي عقدت في اليابان عام 1993، تحدثوا عن العلاقة بين التنمية والمساعدات، وقالوا إن زيادة الاستثمار في أفريقيا أكثر فعالية من تقديم المساعدات المباشرة في دفع التنمية الأفريقية. في عام 1995، عقدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني مؤتمر المساعدات الخارجية لمناقشة سياسة المساعدات الخارجية الصينية، وقد جاء في هذا المؤتمر: "أنه بعد إقامة نظام اقتصاد السوق، أصبحت المؤسسات ركيزة التطور الاقتصادي، وتلعب الهيئات المالية دورا متزايدا في الشؤون الاقتصادية، وتشهد الدول النامية تغيرات في الوضعين الاقتصادي والسياسي وتحتاج بإلحاح إلى اشتراك رأس المال الأجنبي في تنميتها الاقتصادية، لذا نشجع المؤسسات الصينية على لعب دور أكثر أهمية في المساعدات الخارجية." بعد سنوات من النقاش، نال ابتكار الصين في ربط المساعدات بالاستثمار والتجارة قبولا بشكل واسع من المجتمع الدولي، وصار استخدام الوسائل الشاملة موضوعا رئيسيا لإصلاح سياسة المساعدات الخارجية الأوروبية حاليا.

البنية التحتية جوهر المساعدات

رغم أن المساعدات الخارجية الصينية تهتم بالبنية التحتية الاجتماعية التي تتعلق بالتعليم والصحة وغيرهما، تستخدم معظم قروض المساعدات الخارجية الصينية في تطوير البنية التحتية الاقتصادية من خلال منح قروض بدون فائدة أو قروض تفضيلية. تشير بيانات البنك الدولي إلى أن أكثر من ثلث القروض تستخدم في مجال الكهرباء ومرافق المواصلات، في إطار التعاون الصيني- الأفريقي بشأن المساعدات الخارجية للمنشآت الأساسية الاقتصادية. استفادة من تفوقها التكنولوجي وتكلفة العمالة المنخفضة، ساعدت الصين بعض الدول النامية الأخرى على بناء مشروعات البنية التحتية المتعلقة بالمواصلات والاتصالات والكهرباء.

 حتى نهاية عام 2012، قدمت الصين مساعدات خارجية لإكمال بناء 598 مشروعا للمنشآت الأساسية الاقتصادية في الدول النامية. لماذا اختارت الصين البنية التحتية الاقتصادية لتكون ركيزة المساعدات الخارجية؟ ذلك يرجع إلى عدة أسباب، هي:

أولا، طلب الدول المتلقية للمساعدات. مع تحول ركيزة المساعدات الخارجية الغربية منذ زمن طويل، أصبح تخلف البنية التحتية حاجزا رئيسيا لتخفيف الفقر والتنمية في الدول المتلقية للمساعدات وتحقيق التكامل الاقتصادي الإقليمي. وعلى سبيل المثال في أفريقيا، نسبة السكان الذين تصل إليهم الكهرباء 43% فقط، وهي نسبة أقل كثيرا من المتوسط العالمي البالغ 82%؛ وتصل الطرق إلى 43% فقط من سكان الريف الأفارقة، مقارنة مع المتوسط العالمي البالغ 69%؛ ويسكن 50% من الأفارقة في أحياء فقيرة، مقارنة مع 33% في الدول النامية. لذا، نقول إن أفريقيا تحتاج بإلحاح إلى الاستثمار في المنشآت الأساسية الاقتصادية. فرص تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية في أفريقيا تتوقف إلى حد كبير على معالجة ضعف البنية التحتية الاقتصادية فيها. تساعد البنية التحتية الاقتصادية على تقليل التكاليف التجارية وتوسيع الأسواق ودفع التنمية الزراعية، إضافة إلى دفع عملية التكامل الاقتصادي الإقليمي والعالمي. ثانيا، خبرات الصين كدولة نامية. لقد مثّل التطور السريع للمنشآت الأساسية الصينية عاملا هاما لدفع النمو الاقتصادي السريع. والمقولة الصينية "إذا أردت الثراء، عليك بناء الطرق أولا" تستخدم في المساعدات الخارجية الصينية. ثالثا، تفوق الصين في مجال البنية التحتية الاقتصادية، كما أن التعاون في هذا المجال يتيح فرصا وافرة لتحقيق التعاون المتبادل المنفعة والتطور المشترك.

النتائج التي حققتها الصين في بناء البنية التحتية لأفريقيا نالت تقديرا عاليا من الأوساط الأفريقية، حيث قالت إلهام إبراهيم مفوضة البنية التحتية والطاقة بالاتحاد الأفريقي، في مؤتمر صحفي قبل الدورة السابعة والعشرين لقمة الاتحاد الأفريقي: "التعاون الصيني- الأفريقي يحقق مكاسب مشتركة." وأضافت: "شاركت الصين في بناء البنية التحتية في العديد من الدول الأفريقية، يرحب الاتحاد الأفريقي بالتعاون في البنية التحتية بين الصين وأفريقيا، ويتمنى أن يتم تنفيذ المزيد من المشروعات بين الصين وأفريقيا في المستقبل." وقال عبد الله حمدوك كبير الاقتصاديين باللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة: "تطور عملية التكامل وعملية التصنيع في أفريقيا يحتاج إلى بنية تحتية عالية الفعالية، ونتائج المساعدات الصينية في بناء البنية التحتية في أفريقيا مثمرة. نرحب بالتعاون الصيني- الأفريقي في هذا المجال."

مساعدات خضراء ومنفتحة

سياسة المساعدات الخارجية ذات الخصائص الصينية نالت قبولا واهتماما من المجتمع الدولي تدريجيا. تحسنت السياسة في مسيرة تطورها، وتسعى إلى تحقيق الخضرة والانفتاح والتسامح. لعبت الصين في السنوات الأخيرة دورا هاما لدفع وضع ((أجندة التنمية المستدامة 2030)).

أضافت الصين "الخضرة" إلى سياسة مساعداتها الخارجية لمواجهة تغير المناخ. في دورات مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ التي عقدت في كانكون وديربان والدوحة، لم تتقاسم الصين مع الدول الأخرى خبرتها في توفير الطاقة وتخفيف الانبعاثات فحسب، وإنما أيضا تعهدت بزيادة استثماراتها في الدول الأقل نموا والدول الجزرية الصغيرة والدول الأفريقية في مجال حماية البيئة لمساعدتها على تنمية الطاقة النظيفة ورفع قدرتها على مواجهة تغير المناخ. في عام 2015، أعلنت الصين إنشاء "صندوق تعاون الجنوب- الجنوب الصيني لتغير المناخ" باستثمار عشرين مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي 9ر6 يوانات) لمساعدة الدول النامية الأخرى في مواجهة المناخ. إضافة إلى المساعدة في بناء المشروعات الخضراء والتبرع بالمواد والأموال، تولي الصين أيضا اهتماما كبيرا بتطوير التعاون مع الدول النامية في رفع قدرتها على مواجهة تغير المناخ، حيث قامت الصين بالتعاون التكنولوجي مع أثيوبيا وبوروندي والسودان لرفع مستواها الإداري وقدرتها على استخدام الطاقة الشمسية والطاقة الكهرومائية وغيرهما من مصادر الطاقة النظيفة في الفترة ما بين عام 2010 وعام 2012. كما أقامت الصين أكثر من مائة وخمسين دورة تدريبية حول حماية البيئة ومواجهة تغير المناخ لمتخصصين من أكثر من 120 دولة نامية، وتجاوز إجمالي عدد المشاركين في تلك الدورات التدريبية أربعة آلاف موظف حكومي ومهندس، وتناولت محتويات التدريب تطور الصناعات المنخفضة الكربون وسياسات الطاقة وحماية البيئة البيولوجية.

تتميز سياسة المساعدات الخارجية الصينية بالشفافية والانفتاح. أصدرت الحكومة الصينية "الكتاب الأبيض حول المساعدات الخارجية الصينية" للمرة الأولى عام 2011، ثم أصدرت من جديد "الكتاب الأبيض" عام 2014، وتسعى إلى التعريف بمفهوم الصين للمساعدات الخارجية وتوسع المجالات والمناطق المتلقية للمساعدات الصينية. وفي الوقت نفسه، أصبحت سياسة المساعدات الخارجية الصينية أكثر انفتاحا، فالصين لا تدعم الهيئات المتعددة الأطراف في تقديم مساعدات التنمية فحسب، وإنما أيضا تشارك في التعاون التنموي والتبادل الدولي وتوسع بنشاط التعاون الدولي في المساعدات الخارجية. بواسطة التدريبات المشتركة ومشاطرة الخبرة في التعاون التنموي والقيام بالتعاون مع طرف ثالث بشكل تجريبي وغيرها من الطرق، عملت الصين على تبادل الخبرة في المساعدات التنموية الدولية، والإسهام في رفع فعالية المساعدات وتنويع أشكالها.

جين لينغ: باحثة مساعدة في مؤسسة أبحاث القضايا الأوروبية بمعهد الصين لأبحاث القضايا الدولية