ربيع الصينيين في مصر
أشواق وذكريات وتشبث بالتقاليد

"عيد الربيع بالنسبة لنا نحن الصينيين هو أن يجتمع أفراد الأسرة معاً، فهو عيد التئام الشمل"، هكذا وصف عيد الربيع من التقينا بهم من الصينيين المقيمين في مصر، والذين لم تسمح ظروفهم بالعودة إلى الصين لقضاء عيد الربيع مع أسرهم. كان حديثهم عن عيد الربيع مفعما بمشاعر حنين العودة إلى الوطن.

بان تشاو يوي، شاب صيني عمره تسعة وعشرون عاما، يعمل مصوراً صحفياً في مكتب القاهرة لمؤسسة إعلامية صينية. نظراً لطبيعة عمله التي تقتضي منه أن يكون موجوداً في مصر لمتابعة الأحداث المختلفة، لم يستطع السفر لقضاء عيد الربيع مع أسرته هذا العام. قال: "قبل أن التحقتبهذا العمل كنت أدرس في الخارج، لذلك هذه ليست أول مرة أقضي فيها عيد الربيع خارج البلاد. أكثر ما أشتاق إليه هو الأطعمة المميزة الخاصة بنا في جنوبي الصين، التي نتناولها خصيصاً في هذا العيد والتي لا يمكنني الحصول عليها في الخارج." أضاف السيد بان: "عشية عيد الربيع، لا بد أن أتصل بأسرتي عن طريق برنامج ويتشات لأراهم وأهنئهم بالعيد. نظراً لطبيعة عملي، لا تتاح لي في أحيان كثيرة فرصة الاحتفال بعيد الربيع ولو بمفردي، وهذا أكثر شئ يشعرني بالتأثر."

الشاب هاي تشاو وزوجته وانغ لينغ لين، يدرسان في جامعة الأزهر العريقة. وانغ لينغ لين عمرها خمسة وعشرون عاما، وهي من مقاطعة خنان في وسط الصين. حضرت إلى مصر في عام 2014، ومنذ ذلك الوقت لم ترجع إلى الصين.عن احتفالها بعيد الربيع في مصر، قالت إنها تبدأ أولاً بالاتصال بأهلها في الصين بواسطة تطبيقات الهاتف للاتصال المرئي والمسموع، ثم تقوم بتحضير بعض الأطعمة مع أصدقائها، قبل أن يرجع كل منهم إلى بيته أو يذهبوا معا للتسوق. أضافت: "عيد الربيع في مخيلتي منذ صغري، هو عيد التئام شمل الأسرة. قبل ثلاث سنوات لم يحدث أن أحداً من أفراد أسرتي لم يرجع إلى البيت في عيد الربيع. كنا دائما معاً؛ أبي وأمي وأخي وجدي وجدتي، نشاهد حفل عيد الربيع بمحطة التلفزيون الصينية المركزية (CCTV) عشية رأس السنة الجديدة، ونأكل جياوتسي (كرات من العجين محشوة باللحم والخضروات)، بعد مجيئي إلى مصر، أفتقد هذا الإحساس فأقوم مع أصدقائي الصينيين هنا بعمل بعض الأطعمة البسيطة التي نجيدها، ثم نشاهد معاً حفل عيد الربيع لمحطة (CCTV)، وبسبب فرق التوقيت نشاهد الحفل في وقت الظهيرة، أما في الصين فيشاهده الأهل في المساء. مع انتهاء الحفل تحل السنة الجديدة حسب التقويم القمري الصيني، ويكون علينا في مصر أن ننتظر ست ساعات حتى يحل العام الجديد قد يرى البعض أن تلك التفاصيل بسيطة، ولكن بالنسبة لنا نحن الصينيين، فإنها تُشعرنا بالحزن والاشتياق الشديد للأهل والوطن."

وانغ لينغ لين وهاي تشاو مضى على زواجهما أربعة أشهر فقط. قال هاي تشاو إن عيد الربيع الصيني يصادف دائما عطلة منتصف العام الدراسي في مصر، ولكنه على مدى الثلاث سنوات التي قضاها في مصر لم يرجع إلى الصين لقضاء عيد الربيع، نظراً لارتفاع تكلفة السفر إلى الصين بالنسبة له كطالب. يفضل هاي تشاو أن يقضي عطلة منتصف العام الدراسي في مصر، وقد يجد خلالها عملا مؤقتا يساعده على رفع مستواه في اللغة العربية وكسب بعض النقود في ذات الوقت. قال: "هذا العام يختلف عن العامين الماضيين، فأول عيد ربيع لي في مصر احتفلت به مع صديقي في السكن،أنا وهو فقط. قمنا بتحضير الأطعمة وشاهدنا حفل عيد الربيع لمحطة (CCTV). في العام الثاني، لم أفعل شيئا غير الاتصال بأهلي لتهنئتهم بالعيد، فقد كنت مشغولا في بعض أعمال الترجمة في تلك الفترة. هذا العام مختلف، فأنا ووانغ لينغ لين عروسان جديدان، فقررت أن نذهب معا إلى جنوبي مصر؛ الأقصر وأسوان، للتنزه في فترة عيد  الربيع."

وو جيو تشيانغ يعمل في مصر منذ ثلاث سنوات، في مجال النقل البحري. ظروف عمل السيد وو تمنعه من العودة إلى الصين لقضاء عيد الربيع مع زوجته وطفليه، فقرر أن يأتوا هم إلى مصر لقضاء عيد الربيع معه. قال: "يتطلب عملي مني أن أكون موجودا طوال الوقت في مصر، حيث أننا نعمل في مجال خدمات السفن، ففي أي وقت قد يُطلب منا الذهاب إلى الميناء للعمل." وأوضح السيد وو أنه على الرغم من اختلاف مظاهر الاحتفال بعيد الربيع عن السابق، هناك بعض الأشياء التي مازال يحرص على القيام بها في هذه المناسبة، سواء في الصين أو في أي بلد آخر، مثل شراء الملابس الجديدة ولصق المقصوصات الورقية الحمراء على النوافذ والجدران والأبواب، والتي تُكتب عليها عبارات تحمل تمنيات بالخير والسعادة، وكذلك تقديم "هونغباو" (مظروف أحمر به نقود) للأطفال الصغار. قال: "في العامين الماضيين كنت أرسل هونغباو (العيدية) لطفليّ عن طريق ويتشات. هذا العام، أتيحت لي الفرصة أن أقدم لهم هونغباو بيدي، وأن أفاجأهم ببعض الهدايا في صباح يوم العيد، وهذا حقاً شعور مختلف." قال أيضا إنه بعيدا عن بلده يفتقد بعض الأطعمة الخاصة والأطباق المميزة، التي تٌعد في عيد الربيع ولا توجد في مصر، كما أنه يفتقد بشدة الألعاب النارية المبهجة، وهي من أبرز ملامح الاحتفال بعيد الربيع في الصين.

يرجع تاريخ عيد الربيع، وهو أهم أعياد الصينيين، إلى أكثر من أربعة آلاف سنة، ويبدأ من اليوم الثالث والعشرين للشهر الثاني عشر حسب التقويم القمري الصيني.

عندما يقترب عيد الربيع، ومن أجل توفير أجواء الاحتفال بالعيد لمن حالت ظروفهم دون قضاء العيد مع ذويهم، تنظم بعض الشركات والاتحادات الصينية في مصر بعض الأنشطة والاحتفالات للمغتربين الصينيين في مصر.

في بداية شهر يناير 2017، نظمت غرفة التجارة المصرية- الصينية حفلا ضخما في أحد فنادق القاهرة للاحتفال بقدوم عيد الربيع، استمرارا لتقليد تتبعه الغرفة كل عام. حضر الحفل سفير الصين لدى مصر، والعاملون في الشركات الصينية بمصر. خلال الحفل، قدم الجميع فقرات فنية مبهجة وأغنيات تعكس مشاعر الحنين والاشتياق للوطن.