معا ضد الإرهاب

بعد أن بات عام 2016 في ذمة التاريخ، فإننا عندما نسترجع القضايا الساخنة التي شهدها، تظل الأعمال الإرهابية ماثلة أمامنا. قبيل مغادرة 2016، وقعت ثلاثة أعمال إرهابية متتالية؛ في تركيا وسويسرا وألمانيا. تم اغتيال سفير روسيا لدى تركيا، أندريه كارلوف، بإطلاق النار عليه، في حادثة صدمت العالم وأصابته بالرعب. بعد ذلك، أعلنت الشرطة الأسترالية أنها أحبطت مخططا لهجمات إرهابية كانت تستهدف وسط مدينة ملبورن في أعياد الميلاد، وألقت القبض على سبعة أشخاص. حسب التحقيقات، المشتبه بهم متأثرون بفكر تنظيم "داعش" (الدولة الإسلامية في العراق والشام)، وخططوا لأعمال تفجير، والقيام بهجمات إرهابية باستخدام البنادق والسكاكين وغيرها من الأسلحة. إضافة إلى ذلك، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أن تنظيم "داعش" حرض أتباعه على القيام بأعمال إرهابية في الشوارع والمقاهي والأسواق والمتاجر المزدحمة خلال عيد الميلاد، وحدد أهدافا للهجوم داخل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وفرنسا وهولندا وغيرها. وقد أسفرت الأعمال الإرهابية التي وقعت في دول الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية عن عدد كبير من الضحايا المدنيين الأبرياء. "عند الحديث عن الإرهاب، يشعر الناس بالخوف"، هذه العبارة صحيحة تماما وليست مبالغة، فأرقام بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق تقول إنه في شهر إبريل 2016 فقط، قتل 741 شخصا وأصيب 1374 شخصا على الأقل نتيجة أعمال العنف والهجمات الإرهابية في العراق. منطقة الشرق الأوسط ليست فقط منكوبة بمخاطر الإرهاب والإرهابيين، وإنما أيضا المنبع الرئيسي لانتشار الإرهاب.

خلال 2016، كثفت الأطراف المعنية قوتها في مكافحة الإرهاب، وحققت تقدما هاما في ضرب المنظمات الإرهابية المتطرفة. وقد تعرض تنظيم داعش، المتمركز في الموصل بالعراق وحلب السورية لهجوم كبير وواجه الانهيار. التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب يتعمق باستمرار. وبفضل الجهود المشتركة للمجتمع الدولي، اضطرت المنظمات الإرهابية المتطرفة إلى تغيير وسائلها وتكتيكاتها، في وقت ظلت فيه الحرب على الإرهاب سجالا.

.

أولا، خصائص جديدة للإرهاب الدولي

بفضل الضربات المستمرة من جانب قوات الحكومتين العراقية والسورية، والهجمات الجوية المشتركة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، حقق العراق وسوريا نتائج أولية. ومع تعمق الحرب الدولية لمكافحة الإرهاب تتخذ الأعمال الإرهابية خصائص جديدة: "العولمة" و"التوطين" و"الفردية" و"شبكة الإنترنت"، لذا، فإن مكافحة الإرهاب الدولية تدخل مرحلة جديدة وتواجه تحديات جديدة.

1. العولمة. المنظمات المتطرفة تغير هدفها الأصلي المتمثل بتأسيس دولة، وتتوسع إلى الخارج بشكل خطير، فيظهر اتجاه "العولمة". ينتشر الإرهاب من جنوبي آسيا والشرق الأوسط إلى أفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وغيرها، أهداف الإرهاب تتوسع من الولايات المتحدة الأمريكية ودول جنوبي آسيا ودول الشرق الأوسط إلى أفريقيا وأوروبا وجنوب شرقي آسيا وغيرها.

2. التوطين. القوى الإرهابية المحلية تتطور سريعا. "التوطين" يعني أن مرتكبي العنف هم مواطنون محليون أو مواطنون مقيمون من أصل الدول الإسلامية الأخرى، أو الجيل الثاني والجيل الثالث من المواطنين المسلمين.

3. الفردية. "الفردية" هي الإرهاب بأسلوب "الذئب المنفرد". هم لا يتبعون تنظيما إرهابيا محددا يخضع لمراقبة طويلة المدى، ويتفاعلون ويتعاملون مع العالم الخارجي قليلا، ومن الصعب أن يتم كشفهم. الأعمال الإرهابية الفردية تتميز بخداع أكبر واختفاء أعمق وضرر أكبر. خلال السنوات الأخيرة، تشكل تدريجيا جيل جديد من الإرهابيين الدوليين باعتماد أسلوب "الذئب المنفرد". هذا النوع من الهجمات الإرهابية يسمى بـ"الحرب الفردية"، يتميز بأنه فجائي وعشوائي، وهناك صعوبة بالغة في تجنبها ومجابهتها. من الواضح أن المنظمات الإرهابية لا تتمتع بقوى عسكرية لضرب الدول الغربية على نحو شامل، لذا، تبعث إرهابيين يحملون جنسيات دول غربية إلى دولهم للقيام بالهجمات الإرهابية بأسلوب الذئب المنفرد، لكي تحقق هدفا مزدوجا؛ تخويف الدول الغربية، وإثارة الاضطرابات الاجتماعية. عبر شبكات التواصل الاجتماعي، تحرض المنظمات المتطرفة أتباعها على القيام بهجمات إرهابية بأسلوب الذئب المنفرد، وتستخدم تلك الشبكات وألعاب الإنترنت لجذب وتوظيف وتدريب الإرهابيين. في عام 2016، وقعت أعمال إرهابية بأسلوب الذئب المنفرد باسم المنظمات المتطرفة في الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وبريطانيا وأسبانيا وغيرها، وكان كل مخططي ومنفذي تلك الهجمات من السكان المحليين.

4. "شبكة الإنترنت". تنشر المنظمات الإرهابية أفكار التطرف والإرهاب، وتتدرب على استخدام وسائل الاتصال والتطبيقات للقيام بتنفيذ الهجمات الإرهابية، وباتت تنظم وتخطط وتنفذ الأعمال الإرهابية عن طريق شبكة الإنترنت أكثر وأكثر. يستخدم الإرهابيون وسائل الإعلام الحديثة لنشر المعلومات الإرهابية وخلق أجواء الترهيب والتهديد والتخويف. طريقة نشر رؤى التطرف الديني وتوظيف "الجهاد" عن طريق وسائل الإعلام الاجتماعية أصبحت شائعة بين المنظمات المتطرفة. تتقن المنظمات المتطرفة استخدام شبكة الإنترنت لجمع التمويل، وتم بناء نظام ناضج ومتكامل نسبيا لجمع الأموال، وموارد التمويل تشمل تهريب النفط وتمويل من مانحين خارجيين، وابتزاز وسرقة آثار ثقافية. هذه المنظمات تستخدم نظام الدفع الجديد الذي يقدم خدمات مجهولة الهوية، ثم تنقل التمويل إلى الإرهابيين ولمؤيديهم، وتجمع التمويل لها عن طريق وسائل الإعلام الاجتماعية. العديد من الأمثلة المختلفة تجسد أن قدرات المنظمات المتطرفة على القيام بهجمات عبر الإنترنت ترتفع باستمرار، وتظهر تغيرات قرصنتها الجديدة في قدرات التكنولوجيا والأهداف المختارة، وهذا يجب أن يكون تحذيرا للدول المعنية التي يجب عليها أن تولي اهتماما بذلك.

ثانيا، انتشار الإرهاب في الشرق الأوسط لا يتعلق بعناصر الاقتصاد والمجتمع والسياسة الطبيعية والأيديولوجية فحسب، وإنما أيضا يندمج مع القضايا الساخنة الإقليمية أيضا. يمكن القول إن التناقضات في الشرق الأوسط تعزز انتشار الإرهاب، وانتشار الإرهاب يعزز هذه التناقضات في نفس الوقت. فشل المنظمات المتطرفة في معارك المواجهة، يجبرها على تعديل تكتيكاتها، فمن جانب، تستمر في مواجهة القوات الحكومية المهاجمة، ومن جانب آخر، تسرع في تطوير منظمات فرعية في أفريقيا وجنوب شرقي آسيا وآسيا الوسطى وغيرها. لا ينضم أعضاء جدد بحجم كبير للتنظيمات الإرهابية، ولكن هذه التنظيمات تقسم الأعضاء القدامى إلى مجموعات صغيرة، وتشجع أتباعها على القيام بـ"الجهاد" محليا، لكي تظهر قوتها وترفع المعنويات وتغطي على هزيمتها في معارك الميدان، وتسعى لزعزعة عزيمة قوات مكافحة الإرهاب. هناك هجوم وقع خلال شهر رمضان المبارك، جسّد بوضوح اتجاه تعديل التكتيكات.

لا شك أن هذا التعديل يزيد من صعوبات المكافحة الدولية للإرهاب، واستمرار اتجاه "قواعد" في هجمات "داعش" الإرهابية، و"العلامة التجارية" و"التوطين" و"أسلوب الذئب المنفرد" وغيرها من الأعمال الإرهابية، سيأتي بالمزيد من التهديدات للمزيد من الدول بلا شك. أشار خبير غربي متخصص إلى أن وسائل الهجوم مختلفة ومتنوعة باختلاف الأماكن، لكنها تظهر أن جهود المجتمع الدولي لم تنه الإرهاب الحديث الناتج عن الحروب في منطقة الشرق الأوسط، فوضع الشرق الأوسط هو بداية القضايا.

الحروب والاضطرابات تؤدي إلى إغراق الشعوب في الشقاء والعذاب، وتضعف قدرات الحكومات، مما يساهم في توفير تربة خصبة لنمو الإرهاب، والمنظمات الإرهابية تغتنم هذه الفرص لتطور وضعها، مما يؤثر سلبا وبشدة على تنمية وسلام منطقة الشرق الأوسط وكل العالم. لذلك، ومن أجل القضاء على الإرهاب في الأساس، لا بد حل المشكلة من السطح والجذور واتخاذ الإجراءات على نحو شامل. السبب الجذري الأول المؤدي إلى الإرهاب المتطرف هو قضايا اقتصادية؛ ففي عملية العولمة، وقع بعض الناس في التهميش، ويريدون التنفيس عن مظالمهم عن طريق أساليب التطرف، وهذا يستدعي منا إعادة النظر في مفهوم الحوكمة العالمية، بينما تحقيق التنمية الشاملة هو وسيلة أساسية لمكافحة الإرهاب. من أجل القضاء على "التوطين" و"الفردية" للإرهاب، يجب تحقيق التنمية الشاملة، وليس بتحقيق التنمية الاقتصادية والقضاء على الفقر فحسب، بل بجعل الشعوب تستفيد من إنجازات التنمية أيضا، لكي تتم إزالة التربة التي ينمو فيها الإرهاب. وأن تحل الحوكمة العالمية العادلة والمتساوية محل "توسع فجوة الممتلكات". في الوقت نفسه، تعتبر التدخلات الخارجية بمختلف أنواعها، وخاصة التدخل العسكري، عاملا هاما يسبب تفاقم الأوضاع. يجب احترام اختيار الدول لأساليب التنمية المتناسبة مع ظروفها الوطنية، وحل النزاعات والصراعات عن طريق التشاور، وهذا يتفق مع المصالح المشتركة للدول، وسعادة شعوب العالم.

تزامن عام 2016 مع الذكرى السنوية العاشرة لتوافق الأمم المتحدة على ((الاستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب))، والذكرى الخامسة عشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، وكان عاما هاما لبدء جولة جديدة من حملة عسكرية واسعة النطاق ضد الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط.

"الحكيم يرمم البيت قبل هطول المطر." ولن يتم استكشاف وسيلة حوكمة أمن عالمية إلا عن طريق دراسة معمقة للسمات الجديدة للإرهاب العالمي. يمكن تلخيص خصائص الوضع العالمي الجديد لمكافحة الإرهاب بالآتي:

أولا، مكافحة الإرهاب العالمية تتطلب تعزيز الالتزام السياسي باستمرار، وتركيز التوافق العام على مكافحة الإرهاب. وعلى مكافحة الإرهاب الالتزام بميثاق الأمم المتحدة وأهدافها ومبادئها، وتعزيز دورها والدور القيادي لمجلس الأمن الدولي، وتعزيز التخطيط والتنسيق، وحفز إمكانيات الأجهزة القائمة لمكافحة الإرهاب، وتعزيز التنسيق والمشاركة، لكي تلعب أجهزة مكافحة الإرهاب أفضل أدوارها وتتشكل قوة جماعية لمكافحة الإرهاب تحت إرشاد الأمم المتحدة.

ثانيا، لا بد من التخلي عن "المعايير المزدوجة". إن مكافحة الإرهاب تحتاج إلى التعاون الصادق والمتساوي بين دول العالم، وبناء أجهزة التنسيق العالمية والإقليمية، وتعزيز تبادل المعلومات والتعاون القضائي؛ ضرب الإرهاب على الإنترنت وقطع وسائل نشر أفكار التطرف على الإنترنت؛ وفي جانب بناء النظم، يجب تعزيز آلية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، وتحسين الاتفاقيات الدولية واتفاقيات التعاون القضائي بين الدول، وكبح إمكانية وجود أي أرضية قد تكون مرتعا للإرهاب.

ثالثا، مكافحة الإرهاب على الإنترنت تستدعي التعاون الدولي العميق والعاجل بين دول العالم. خلال السنوات الأخيرة، يتقدم التعاون الدولي على الإنترنت لمكافحة الإرهاب من السطح إلى العمق ومن الداخل إلى الخارج ومن الجزء إلى الكل، وقد بنيت من حيث الأساس منصة شبكات دولية لمكافحة الإرهاب، لكن ما زالت بحاجة إلى التحسين. تحسين نظام الشبكات الدولية لمكافحة الإرهاب يحتاج إلى صياغة النظام بثقة متبادلة وإلى نظام رشيد لتعزيز الثقة المتبادلة. وفي ظل تزايد اعتماد العالم على الشبكات الإلكترونية، كيف يمكن تحقيق الوقاية والسيطرة على الإرهاب وانتشاره، خاصة الهجمات الإرهابية على الإنترنت؟ يجب على المجتمع الدولي الالتزام بالقوانين واللوائح في إطار الأمم المتحدة والنظم الدولية، والتعريف الدقيق لأعمال الإرهاب وكبحها والقضاء على جميع أنواع التصرفات الإرهابية على الإنترنت.

رابعا، مكافحة الإرهاب تتطلب التعامل الصائب مع العلاقات بين الوطن والمجتمع. لأن السلوك الإرهابي لن يتوقف إلا عن طريق مراقبة وإشراف الأفراد والجماعات على مستوى المجتمع. فسياسات مكافحة الإرهاب لن تلعب دورها وتثير توافق وقوة كل المجتمع لمكافحة الإرهاب، إلا عن طريق التعمق في كل مستويات المجتمع. انطلاقا من بناء العالم المتناغم وبناء اتحاد المصير المشترك للبشرية، طرحت الصين برنامجها ودعواتها لمكافحة الإرهاب، وتقدم حكمة الصين للحوكمة العالمية، في مشاركة إيجابية منها في مكافحة الإرهاب. أثبتت الممارسات العالمية ضد الإرهاب أنه لا يمكن القضاء على الإرهاب وتربة نموه، وكسب النجاح في مكافحة الإرهاب، إلا عن طريق بناء الأمن المشترك على أساس التعاون المتساوي ودفع حل القضايا الساخنة الإقليمية بالوسائل السياسية، والبحث عن برنامج الحل المستدام وضمان البيئة الدولية السلمية والمستقرة والتنمية المستدامة.  

في عام 2017، نأمل أن ينتصر ضمير الإنسانية على الشر والإرهاب، وأن يصبح العالم أكثر جمالا.