السينما الصينية تنطلق في العواصم العربية
جائزة خاصة في مهرجان القاهرة السينمائي و"النجمة الذهبية" في مراكش

 تشهد الأجواء العربية بداية جديدة لانطلاق السينما الصينية، بعد مشاركة ناجحة للأفلام الصينية في كل من مصر والمغرب خلال الأسابيع الأخيرة من عام 2016. حلت الصين ضيف شرف على الدورة الثامنة والثلاثين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في مصر، بينما فازت الصين بالجائزة الذهبية في مراكش المغربية. أقبل الجمهور العربي على مشاهدة الأفلام الصينية بشغف كبير، رصدته ((الصين اليوم)) طوال أيام مهرجان القاهرة في دور العرض الكبيرة بوسط العاصمة المصرية على مدار أسبوع، حيث وجدنا إقبالا من المتخصصين الراغبين في التعرف على صناعة السينما الصينية الحديثة، بينما أقبل الجمهور المتلهف لمشاهدة أهم صناعة ثقافية يمكنها نقل الواقع الثقافي والاجتماعي للشعوب ببساطة، وتعرّف على تاريخ الحضارة الصينية خلال فترة وجيزة لا تتعدى زمن الفيلم الواحد. رغم قلة الأفلام المترجمة إلى اللغة العربية والتي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، تابع الجمهور الأفلام عبر الترجمة على الشاشات باللغتين الفرنسية والإنجليزية، وساعد كثير من شباب الجامعات من المصريين الذين يجيدون اللغة الصينية، أقرانهم في مواجهة الصعوبات التي قابلتهم في متابعة الأفلام، وفي المؤتمرات الصحفية التي أقيمت على هامش المهرجان على ضفاف النيل بدار الأوبرا المصرية، ومقر المجلس الأعلى للثقافة بمصر.

اختارت اللجنة المنظمة لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي الصين كضيف شرف في أعمال الدورة الثامنة والثلاثين، بالتزامن مع عام الصداقة المصرية- الصينية، والتي شارك فيها مائتان وأربعة أفلام، من إحدى وستين دولة.  تنافس على جوائر المهرجان ستة عشر فيلماً، من أكثر من عشر دول،  للفوز بـ"الهرم الذهبي"، الذي تمنحه لجنة تحكيم المسابقة الرسمية، لأفضل فيلم ولأحسن مخرج، بالإضافة لجوائز في فئة السيناريو والتمثيل والإسهام. عرض المهرجان عشرين فيلما صينياً، تتنوع ما بين الكلاسيكي، والتجاري، والتاريخي، والكوميدي، وأفلام الحركة،  وفيلمين آخرين في الأقسام التي تركز على زوايا مختلفة للإنتاج السينمائي العالمي. واختارت إدارة المهرجان أن تكون "الصين" ضيف الشرف، تزامنًا مع الاحتفال بعام الصداقة المصرية- الصينية.

من الأفلام الصينية الجديدة، التي حرص المصريون على رؤيتها، فيلم "الجبال قد تنتقل" للمخرج الصيني جيا تشانغ كه الذي ينتمي إلى الجيل السادس من المخرجين الصينيين، وفيلم "حياة بسيطة" الروائي للمخرجة آن هوي. فيلم "الجبال قد تنتقل" الذي تدور أحداثه حول حياة الفتاة "تاو" الحائرة بين المال والحب، ويحكي حياة الغربة التي اختار أن يعيشها بعض الصينيين، بعد اتخاذهم قرار الهجرة، من الريف إلى المدن وإلى الخارج، حتى وإن كانوا في البداية لا يشعرون بحجم الكارثة التي يعيشونها. يتضح ذلك من خلال شخصية طليق "تاو"، الذي تنازل عن ذكرياته في وطنه الصين، ووضع كل ماضيه خلف ظهره، وقرر الهجرة إلى أستراليا، رغم استقرار حياته الاقتصادية إلا أنه يلهث وراء المال، فيغير اسمه إلى الاسم الإنجليزي "بيتر"، ويمحو متعمدا جذوره الصينية، لدرجة أنه لا يستطيع التواصل مع ابنه بلغتهما الأم التي يجهلها الابن.

في مقابلة خاصة مع ((الصين اليوم))، قال المخرج جيا تشانغ كه: "السينما الصينية قطعت مشوارا طويلا قبل أن تصل إلى هذا المستوى من الناحية الفنية"، مشيرا إلى العديد من المشكلات والعراقيل التي واجهتها السينما الصينية في بداية فترة الانفتاح، قبل أن تعود إلى الانطلاق مع مطلع الألفية الثالثة، بعد دخول التقنيات الحديثة. وقال، خلال ندوة السينما الصينية التي نظمها المجلس الأعلى للثقافة على هامش مهرجان القاهرة السينمائي، إن المجال السينمائي شهد نهضة متسارعة في مطلع تسعينيات القرن العشرين، مما ساعد صناعها من الشباب على الانفتاح على السينما العالمية، فضلا عن تعلم كيفية إدارة مشكلات السينما الصينية والتعامل معها. وأضاف: "الكثير من الشباب درسوا تقنيات الإخراج الحديثة خارج الصين، وبعد عام 1999، توجهوا إلى صناعة الأفلام التسجيلية التي تناقش العديد من المجالات؛ لتأريخ الحياة الصينية، بينما أتيح لأبناء جيلي فرصة الاطلاع على تجارب العالم الخارجي والاستفادة منها، وبخاصة السينما الفرنسية، مما كان له بالغ الأثر على تجاربهم السينمائية خلال الفترة اللاحقة وطور السينما في كل من بر  الصين الرئيسي وتايوان وهونغ كونغ." وقال المخرج الصيني الحاصل على جائزة من مهرجان القاهرة السينمائي، إن نموالاقتصاد الذي شهدته الصين خلال السنوات الأخيرة، ساعد بشكل كبير على نهضة السينما، وساهم في ضخ استثمارات هائلة في مجال الإنتاج السينمائي، وأتاح فرصا عديدة أمام المخرجين؛ لتقديم أعمالهم الفنية.

وقد أثنت الفنانة المصرية منال سلامة على السينما الصينية التي شاركت في المهرجان بقولها: "إنها رائعة جدا وإنسانية ومتنوعة." هذا التنوع دفع عددا كبيرا من النجوم المصريين والعرب للمشاركة في أيام المهرجان، ومنهم محمود حميدة وخالد النبوي وإلهام شاهين ودرة ولقاء الخميسي ومادلين طبر وإنجي المقدم وفاروق الفيشاوي وإيمان وهنا شيحة وناهد السباعي وأروى وصبا مبارك وسامح الصريطي وإياد نصار ومحمد أبو داوود ووفاء سالم وأحمد شاكر، ورجاء حسين، والمخرج جلال الشرقاوي، والمنتج حسين القلا، ومئات من شباب الفنانين والدارسين للسينما من مصر والدول العربية.

واكب التكريم الذي حظي به المخرج الصيني الكبير، مشاركة الأفلام الصينية بالدورة السادسة عشرة للمهرجان الدولي للفيلم الذي أقيم بمدينة مراكش المغربية، والتي فاز فيها الفيلم الصيني "المتبرع" للمخرج تسانغ تشي وو بجائزة "النجمة الذهبية"، كبرى جوائز المهرجان.يتناول الفيلم قصة أب يضطر إلى بيع إحدى كليتيه لتوفير نفقات الدراسة لابنه وإنقاذ منزل العائلة من قرار الهدم، لكن العملية تفشل ويصبح الدور على الابن ليقدم هو الآخر كليته للبيع. وحصل الفيلم الصيني "سكين في مياه صافية" للمخرج وانغ شيويه بو على جائزة أفضل إخراج في نفس المهرجان.