جولة الرئيس شي في أمريكا اللاتينية
مرحلة جديدة للعلاقات الصينية- اللاتينية

قام الرئيس الصيني شي جين بينغ في الفترة من السابع عشر إلى الثالث والعشرين من نوفمبر 2016، بجولة في أمريكا اللاتينية، زار خلالها الإكوادور وبيرو وتشيلي، وحضر الدورة الرابعة والعشرين للاجتماع غير الرسمي لقادة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك) في ليما عاصمة بيرو. هذه الجولة ليست فقط معلما تاريخيا للعلاقات الصينية- اللاتينية، وإنما أيضا دشنت "مرحلة جديدة" للعلاقات الصينية- اللاتينية.

عملية دبلوماسية هامة تجاه أمريكا اللاتينية 

في السنوات الأخيرة، واجه الاقتصاد الصيني صدمات الأزمة المالية الدولية وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية وضغوط التلوث البيئي الشديد الناتج عن التصنيع السريع، ودخل اقتصاد الصين "الوضع الطبيعي الجديد" المتمثل في"إعادة الهيكلة والنمو المستقر والنمو المدفوع بالإبداع". الاقتصاد الصيني حاليا في المرحلة الحاسمة لتعميق الإصلاح على نحو شامل وإنجاز بناء مجتمع الحياة الرغيدة.

في الوقت نفسه، وبسبب تدهور اقتصاد الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية والهبوط المستمر لأسعار السلع الرئيسية، دخلت منطقة أمريكا اللاتينية "مرحلة التعديل العميق" للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، مع التراجع المستمر منذ ست سنوات لمعدل نمو الاقتصاد، إذ من المتوقع أن يكون معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة -6ر0% في عام 2016. ولهذا، تسعى دول أمريكا اللاتينية لركوب "قطار التنمية الصيني" لتغيير اتجاه تراجع النمو الاقتصادي.

بالإضافة إلى ذلك، شهدت السنوات الأخيرة تراجعا في حجم التبادل التجاري بين الصين ودول أمريكا اللاتينية؛ من 5ر263 مليار دولار أمريكي في عام 2014 إلى 5ر236 دولار أمريكي في عام 2015. ومن هنا، أصبح تعاون الجانبين من أجل التقدم معا إلى الأمام موضوعا واقعيا لابد من مواجهته، وتوافقا ستراتيجيا مشتركا للجانبين.

هناك جولتان سبقت جولة الرئيس شي الأخيرة في أمريكا اللاتينية، الأولى في عام 2013 والثانية في عام 2014، وهذا يعكس حجم الاهتمام الذي يوليه الرئيس الصيني لعلاقات بلاده مع دول أمريكا اللاتينية، ورغبة الصين الشديدة في التعاون معها لتحقيق الفوز المشترك في ظل الوضع الجديد. خلال جولته التي استمرت سبعة أيام، أجرى الرئيس شي محادثات مع قادة دول مختلفة والتقى مع شخصيات من مختلف الأوساط، وحضر أكثر من سبعين فعالية دبلوماسية، وشهد توقيع اتفاقيات تعاون وعقود مشروعات بلغ عددها أكثر من أربعين. كان برنامج الجولة مكتظا وكانت النقاط اللامعة خلالها كثيرة والثمار وافرة، فجذبت اهتمام الرأي العام داخل الصين وخارجها، وكان هناك اتفاق عام على أن هذه الجولة تدفع بقوة التعاون في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وتطور العلاقات بين الصين وأمريكا اللاتينية، وتؤثر تأثيرا عميقا وبعيد المدى في انتعاش الاقتصاد العالمي وتطور الهيكل الدولي. وقد قال وزير خارجية الصين وانغ يي، إن جولة الرئيس شي جين بينغ أقامت جسر تعاون يربط حلم الصين وحلم أمريكا اللاتينية وحلم آسيا والمحيط الهادئ معا، لتحقيق الفوز المشترك،  مشيرا إلى أنها تعد تطبيقا جديدا لمواصلة خلق رابطة المصير المشترك للبشرية وصفحة جديدة للعمل الدبلوماسي الصينية برؤية شاملة.

رفع مستوى التعاون الاستراتيجي 

منذ عام 1993، أقامت الصين علاقات الشراكة الاستراتيجية التعاونية مع البرازيل والمكسيك والأرجنتين وفنزويلا وبيرو وتشيلي والإكوادور وكوستاريكا وأوروغواي على التوالي. ومنذ عام 2011، رفعت الصين علاقاتها مع البرازيل والمكسيك والأرجنتين وفنزويلا وبيرو إلى "الشراكة الاستراتيجية التعاونية الشاملة". خلال جولة الرئيس شي اللاتينية، وقعت الصين مع كل من الإكوادور وتشيلي ((البيان المشترك بشأن إقامة الشراكة الاستراتيجية الشاملة)) الذي يرمز أن "الشراكة الاستراتيجية" التي أقامتها الصين مع تشيلي في عام 2012 والتي أقامتها الصين مع الإكوادور في عام 2015 تم رفعها إلى مستوى "الشراكة الاستراتيجية الشاملة"، ليصل عدد دول أمريكا اللاتينية التي تقيم معها الصين "الشراكة الاستراتيجية التعاونية الشاملة" إلى سبع دول من بين التسع دول التي تقيم معها الشراكة الاستراتيجية في أمريكا اللاتينية. أقامت الصين "الشراكة الاستراتيجية" مع بيرو في عام 2008، وارتفعت هذه الشراكة إلى "الشراكة الاستراتيجية الشاملة" في عام 2013. وخلال زيارة الرئيس شي إلى بيرو في 2016، أعلن الرئيس الصيني و رئيس بيرو بدرو بابلو كوزينسكي ((برنامج العمل المشترك للصين وبيرو 2016- 2021))، مما يرمز إلى أن الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وبيرو تتعمق بشكل متزايد. الآن، من بين الدول التي أقامت علاقات الشراكة مع الصن في منطقة أمريكا اللاتينية، ست دول في قارة أمريكا الجنوبية، مما يعكس تطور هيكل التعاون الاستراتيجي بين الصين وأمريكا اللاتينية من النقطة إلى الخط، ثم إلى السطح، وقد تشكل هيكل جديد لتنمية العلاقات بين الصين وأمريكا اللاتينية بشكل أوليّ. لقد زار الرئيس شي أمريكا اللاتينية ثلاث مرات خلال أربع سنوات، وذلك لا يجسد فقط اهتمام حكومة الصين المتزايد بمنطقة أمريكا اللاتينية، وإنما أيضا يؤكد ارتفاع الحاجة الاستراتيجية والتعاون الاستراتيجي بين الجانبين.

دفع التعاون الاقتصادي والتجاري 

بحلول عام 2015، كانت الصين قد وقعت اتفاقيات للتجارة الحرة مع ثلاث من دول أمريكا اللاتينية؛ وهي اتفاقية التجارة الحرة بين الصين وتشيلي في عام 2005، واتفاقية التجارة الحرة بين الصين وبيرو في عام 2009 واتفاقية التجارة الحرة بين الصين وكوستاريكا في عام 2010. منذ توقيع اتفاقيات التجارة الحرة، زاد حجم التبادل التجاري بين الصين والدول الثلاث بسرعة، حيث تضاعف حجم التبادل التجاري بين الصين وتشيلي خمس مرات خلال عشر سنوات بعد توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الجانبين. وخلال ست سنوات بعد توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الصين وبيرو، تضاعف حجم التبادل التجاري. ولكن اتفاقية التجارة الحرة بين الصين وتشيلي وبين الصين وبيرو لا تغطي كافة السلع والاستثمارات والخدمات. خلال جولته اللاتينية الأخيرة، اتفق الرئيس شي مع رئيس بيرو ورئيس تشيلي على الدخول في مفاوضات لترقية اتفاقيتي التجارة الحرة في أقرب وقت ممكن، الأمر الذي سيدفع نمو التبادل التجاري بين الصين وبيرو وبين الصين وتشيلي إلى الحد الأقصى.

بالإضافة إلى ذلك، تواصل الرئيس شي وأجرى حوارات واسعة مع مختلف الأوساط في مجتمع أمريكا اللاتينية، وشهد توقيع اتفاقيات وعقود مشروعات بلغ عددها أكثر من أربعين مع الإكوادور وبيرو وتشيلي، في مجالات صناعة التعدين والطاقة وصناعة الإنتاج والزراعة والأسماك والاتصالات والمنشآت التحتية وغيرها، الأمر الذي لا يدفع التعاون الفعلي بين الصين وأمريكا اللاتينية في مجالي الاقتصاد والتجارة فحسب، وإنما أيضا يساعد على رفع ثقة دول أمريكا اللاتينية في الاقتصاد ودفع التعاون والفوز المشترك للعلاقات بين الصين وأمريكا اللاتينية وتحقيق التنمية المشتركة والتقدم المشترك. "صنع في الصين" و"المشروعات الصينية" و"السرعة الصينية" ستعطي شعوب أمريكا اللاتينية مزيدا من الشعور بالمشاركة والكسب والسعادة من خلال التعاون بين الصين وأمريكا اللاتينية.

تحول دور الصين في تعاونها مع آسيا والمحيط الهادئ

في كلمته أمام قمة القادة الاقتصاديين لمنتدى "أبيك" في ليما، دعا الرئيس شي إلى تعزيز التكامل الاقتصادي والترابط والتواصل والإصلاح والإبداع والتعاون والفوز المشترك؛ وفي اجتماع قادة "أبيك"، ألقى الرئيس شي كلمة هامة بعنوان ((التقدم إلى المستقبل وتعزيز تنمية وازدهار منطقة آسيا والمحيط الهادئ)، طرح فيها اقتراحات جديدة  لقيادة اقتصاد العالم ورفع مستوى انفتاح اقتصاد منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وتحطيم عراقيل الترابط والتواصل في المنطقة، وخلق هيكل جديدة للإصلاح والإبداع. في الحقيقة، كان ذلك إعلان أمام العالم بأن الصين تعارض الحمائية بكافة أشكالها وتطالب بحرية وتسهيل التجارة والاستثمار، وعزمها وثقتها في المحافظة على تنمية التجارة العالمية وعملية العولمة.

كما دعا الرئيس شي جي بينغ أعضاء "أبيك" إلى تحويل التوافق المشترك إلى أفعال ملموسة بإقامة منطقة التجارة الحرة لآسيا والمحيط الهادئ في أسرع وقت ممكن. ووافق الاجتماع على دراسة استراتيجية جماعية لمنطقة التجارة الحرة لآسيا والمحيط الهادئ، وأقر ((بيان ليما بشأن منطقة التجارة الحرة لآسيا والمحيط الهادئ))، وتم تحديد الأهداف والمبادئ لبناء منطقة التجارة الحرة، وتلخيص الطرق المحتملة لتحقيق إقامتها، ووضع برنامج عمل لها في مختلف المجالات، وإقامة آلية تقديم التقرير حول التطورات، الأمر الذي حقق تطورا مرحليا هاما في بناء منطقة التجارة الحرة. سلسلة المبادرات الهامة التي طرحها الرئيس شي جين بينغ لا تمثل فقط استمرارا قويا لثمار اجتماع "أبيك" في بكين في عام 2014، وإنما أيضا تعتبر تواصلا للتوافقات المشتركة التي تم التوصل إليها في قمة هانغتشو لمجموعة العشرين. لقد قدمت "آراء الصين" و"مشروعات الصين" مساهمات طيبة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ والعالم، ونالت ثناء واسعا من المجتمع الدولي، وزادت قوة تأثير الصين وصوتها في الشؤون العالمية بشكل ملحوظ. الصين ليست فقط مشاركة وبناءة للتعاون في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وإنما أيضا ستصبح داعية وقائدة للتعاون في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في المسبقبل.

 

الكاتب: وو هونغ ينغ، مدير معهد بحوث أمريكا اللاتينية بالأكادمية الصينية  للعلاقات الدولية المعاصرة.