من "الزواج العاري" إلى "ذراع التمساح":
كيف تعكس المفردات الجديدة التغيرات الاجتماعية في الصين

من شاء أن يعرف تغيرات أي مجتمع والظواهر الجديدة فيه، ليس عليه إلا أن ينظر في تغير مفردات اللغة المستخدمة في هذا المجتمع. تحطم الأنماط القديمة وظهور اتجاهات وتطورات جديدة، لا بد أن ينعكس في مفردات اللغة المستخدمة. في البداية، قد لا تكون هناك مفردات تصف بدقة الأشياء الجديدة، وذلك يعني أن تلك الأشياء الجديدة لم تشكل مفاهيم جديدة في اللغة والوعي العام. عندما تظهر مفردات جديدة تصف الأشياء الجديدة، ويعترف بها عموم الناس، يصبح لتلك الأشياء الجديدة أسماء جديدة، فتدخل الوعي الاجتماعي العام. لمعرفة اتجاه تطور الصين في الوقت الراهن، لا بد من دراسة التيار الجديد للثقافة والمجتمع في اللغة الصينية.

في السنوات الأخيرة، فتحت شبكة الإنترنت بابا جديدا للتواصل السريع، فصار استخدام الكلمات الجديدة بشكل إبداعي ونشر المفاهيم الجديدة أكثر سرعة. انتشرت على ألسنة الصينيين الكثير من المفردات والعبارات الصينية قبل دخولها في معاجم اللغة رسميا، وهي مفردات وعبارات تصف الظواهر والأشياء الجديدة بدقة. يختفي بعض هذه المفردات بنفس سرعة ظهورها، بينما يبقى بعضها الآخر. المفردات الجديدة لا تتعلق بالموضوعات الجديدة فحسب، وإنما ايضا تتعلق بأشياء ذات مغزى عميق وتأثير طويل المدى بالنسبة للمستخدمين.

ظهرت مفردات جديدة كثيرة في السنوات الأخيرة، تعكس تطور المجتمع الصيني، وتوفر  مادة رائعة للأجانب للتعرف على التغيرات الحالية في الصين. الصينيون، يستخدمون عبارات مثل "الزواج العاري" و"داء الغضب على الطريق" "ذراع التمساح" و"التفتيش في لحم البشر"، وغيرها،فماذا يقصدون بها؟

 

الزواج  العاري

كان الصينيون، فيما مضى، يهتمون عند الزواج بمسألة المهر. فقبل حفل الزفاف، كان يفكرالعروسان في شراء شقة واللوازم المنزلية. بالإضافة إلى ذلك، يشتري العريس، حسب حالته الاقتصادية، لعروسه خاتما من الماس وسيارة جديدة. ومن العادي أن يحرص الزوجان على التقاط صورة زواج فاخرة، وأن يقضيا شهر العسل في خارج البلاد ويقيما حفل زفاف كبيرا. هذه النفقات الضخمة الهدف منها تقديم البراهين والأدلة على أن الزوجين لديهما الضمان الاقتصادي لحياتهما في المستقبل. كان هدف الزواج من هذا النوع هو إقامة أسرة وإعالة الأطفال، ومن ثم ينبغي أن يتوفر أساس اقتصادي متين للزواج، يمكن القول إنه لا يقوم على أساس مشاعر الحب، وإنما من أجل تشكيل وحدة اجتماعية، أي الأسرة. لكن الآن، انتشرت بين الشباب الصينيين ظاهرة "الزواج العاري". ابعد عنك حمرة الخجل وأنت تسمع هذه العبارة، فهي لا تعني أن العروسين يذهبان إلى مكتب تسجيل الزواج من دون ملابس، وإنما تعني أنهما يتزوجان من دون ممتلكات كثيرة أو ضمان اقتصادي. مع ارتفاع تكاليف المعيشة، وخاصة في المدن الكبيرة، تحول شباب الصين من اللهاث وراء "زواج المصلحة" إلى الزواج من أجل الحرية والحب. يتحرر هذا النوع من الزواج من قيود التقاليد والواجبات، ولا يرتبط بالالتزامات المادية؛ من مهر وشقة وسيارة وحفل زفاف فاخر. يختار كثير من الشباب الزواج بدون شقة أو سيارة. في عام 2010، بث عدد من القنوات التلفزيونية الصينية مسلسلا بعنوان ((عصر الزواج العاري))، يتناول قصة حب بين شاب وفتاة، ويصف الزواج العاري بأنه مثل زواج آدم وحواء، ليس له متطلبات غير الحب

 

داء الغضب على الطريق

عبارة "مرض الغضب على الطريق" تصف غضب قائد السيارات الصينيين على الطرق. لم تعد الصين "مملكة الدراجات"، فقد صار عدد السيارات بها هائلا. مع الازدهار الاقتصادي، ازداد عدد السيارات بسرعة على الطرق في الصين، وساءت حالة المرور، ما يصيب بعض قادة السيارات بالغضب دائما. في ثمانينات القرن الماضي، أدرج قاموس أكسفورد هذه الظاهرة تحت اسم "road rage". "داء الغضب على الطريق" في الصين له أعراض مختلفة، فبعض قادة السيارات يغيرون بتهور مساراتهم على الطريق، ويصرخ كل منهم في الآخر، بل ويسبه. البروفيسور تشانغ يو تشينغ، الأستاذ بمعهد علم النفس في الأكاديمية الصينية للعلوم، أجرى دراسة استنادا إلى استطلاعات شملت تسعمائة قائدة سيارة في بكين وشانغهاى وقوانغتشو، أكبر ثلاث مدن في الصين. حوالي 35% ممن شملتهم الدراسة قالوا إنهم يشعرون بأن لديهم أعراض داء الغضب على الطريق.يعزو قائدو السيارات المشاعر السلبية إلى حالة المرور السيئة، وسوء حالة الطقس، والحوادث وسلوك قائدي السيارات الآخرين. وقد انتشرت في السنوات الأخيرة أخبار المشاجرات والعراك بين قائدي السيارات بسبب الغضب. يقترح بعض الخبراء أن يمضغ قائد السيارة اللُّبان "العلكة" أثناء القيادة للمساعدة في ضبط النفس، لكننا لا نعرف ما إذا كان ذلك مفيدا. الشيء المؤكد هو أن عبارة داء الغضب على الطريق" قد دخلت اللغة الصينية.

 

ذراع التمساح

في الثقافة الغربية، هناك فصل واضح بين المال والصداقة، ولكن في الثقافة الصينية الأمر يختلف. في الصين، عندما يدعو صديق صديقه لتناول الطعام، لا يدفع كل منهم حسابه، وقد يدفع صديق الحساب هذه المرة ويدفع االآخر في مرة أخرى. يفعل الصينيون ذلك سواء في المناسبات التجارية أو الشخصية. يجلس الأصدقاء على مائدة واحدة، فكيف يتقاسمون الحساب فيما بينهم؟ لكن ظروف الحياة الجديدة في مدن الصين، أحدثت "ثورة صغيرة" في حافظة النقود. بعد تناول الطعام وعندما يأتي النادل ليأخذ الحساب، قد يظهر مشهد محير؛ فلا أحد يمد ذراعه لتناول فاتورة الحساب، وكأن أذرع الجالسين صارت قصيرة مثل ذراع التمساح. هذه العبارة المستعارة من حيوان تجسد الضغط الاقتصادي الذي يعيشه شباب الصين في ظل ارتفاع تكاليف الحياة في المدن الكبيرة، مع توسع الاستهلاك وزيادة المستلزمات الشخصية المختلفة. ومن أجل تجنب هذا الوضع المحير بين الأصدقاء، ينتشر بين الشباب في المدن أسلوب AA، أي تقاسم الحساب. وهم يستخدمون تطبيقات الهواتف الذكية، مثل Alipay، لتحقيق هذه الوظيفة.

 

التفتيش في لحم البشر

هل قمت بـ"التفتيش في لحم البشر"؟ هذا السؤال الذي قد يبدو أنه مأخوذ من فيلم رعب مخيف، ولكن لا لاقة له في اللغة الصينية بأي نوع من العنف. المقصود بـ"التفتيش في لحم البشر" هو البحث الجذري والشامل عن شخص أو موضوع عبر شبكة الإنترنت. عن طريق "التفتيش في لحم البشر" يستطيع مستخدمو الانترنت من خلال المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت تحديد الهوية شخص معين والحصول على بعض المعلومات الأساسية عنه. من خلال تحديد هذه المعلومات، يمكن البحث عن المجرمين  ومساعدة الشرطة في القبض عليهم، أو استهجان بعض السلوكيات غير الملائمة على الإنترنت. أثناء هذه المسيرة، يشارك عدد هائل من مستخدمي الإنترنت في عملية البحث. الباحثون من عامة الشعب، قد يعرفون كثيرا عن الشخص المستهدف، الذي قد يكون من أصدقائهم أو جيرانهم. أخيرا، تُعلن كثير من المعلومات عن الشخص المستهدف على الإنترنت، والتي لا يمكن العثور عليها من خلال محركات البحث التقليدية.

في عام 2008، عندما هاجم البعض مسيرة انتقال الشعلة الأولمبية في بكين، قام مستخدمو الإنترنت بالتفتيش في لحم البشر، وأدانوهم على الإنترنت.

في السنوات الأخيرة، يساعد "التفتيش في لحم البشر" الحكومة في مكافحة الجرائم. على سبيل المثال، يتعقب مستخدمو الإنترنت الفاسدين عبر هذا الأسلوب، ويعلنون معلومات الهاربين في حوادث المرور، كما يكشفون السلوكيات المخالفة للقانون في الحياة العامة. هذا التعبير يستخدم دائما للعثور على المعلومات الشخصية على الإنترنت. لكن، ما زالنا ننتظر لنرى كيفية استخدام هذا الأسلوب بشكل ملائم وموضوغي.

 

الثري المتخلف

ما هو الذوق الرفيع والأناقة؟ هذا سؤال معقد، فكثرة المال لا تعني الذوق الرفيع والأناقة. ظهر في السنوات الأخيرة بالصين نوع من لأغنياء  يصفهم الناس بـ "الأثرياء المتخلفين". في الحقيقة، هذا التعبير ليس جديدا، فقد كان يصف في الماضي أصحاب الممتلكات والأراضي في الريف. أما اليوم، فما زال يستخدم  لوصف الأثرياء الذين يفتقرون إلى الذوق، حيث ينقصهم التعليم العالي والإحساس بالفن والجمال.

هذا التعبير يجسد التحسن في الحياة المادية للبعض بسرعة في السنوات الأخيرة، بينما لم يواكب ذلك ارتقاء في حياتهم الروحية. توفر سياسة الإصلاح والانفتاح الفرص للبعض لتحقيق الثراء المادي، بينما لم توفر لهم الفرص لتلقي التعليم العالي. هؤلاء يفتقرون إلى الذوق العالي وتقدير الجمال. يرتدي هؤلاء"الأثرياء المتخلفون" الملابس ذات العلامات التجارية المشهورة، ويتباهون بأموالهم.   

 

مسنون في الأعشاش الخاوية

تطبق الصين سياسة تنظيم الأسرة، التي تسمح حاليا للزوجين بإنجاب الطفل الثاني إذا كان كل من الزوج والزوجة وحيد أبويه. برغم ذلك، برفض كثير من المتزوجين إنجاب الطفل الثاني بسبب ارتفاع تكاليف الحياة، ويفضلون السعي وراء أحلامهم في العمل. صارت الأسرة الصينية التقليدية الممتدة، حيث يعيش عدد  كبير من أفرادها تحت سقف واحد، مفهوما قديما. حاليا يغادر كثير من الشباب مواطنهم من أجل العمل في مدن أخرى، ويتركون من خلفهم الآباء والأمهات. هؤلاء المسنون الذين لا يعيشون مع أبنائهم، يسكنون في "أعشاش خاوية".

لقد صارت الصين مجتمع شيخوخة، إذ من المتوقع أن يبلغ عدد المسنين الصينيين فوق سن الستين أربعمائة مليون فرد بحلول عام 2050. من بين هؤلاء المسنين تسعة وسبعون مليونا يعيشون في "أعشاش خاوية"، يعيشون بعيدا عن أبنائهم ويعانون من الوحدة والضغوط النفسية في حياتهم. ينبغي أن تواجه الحكومة الصينية تحديات إعالة هؤلاء المسنين وأن تقوم بإصلاح في نظام الرعاية الصحية الاجتماعية.

تثبت هذه المفردات والعبارات الجديدة في اللغة الصينية، أن اللغة تتطور وتتغير مثل ثقافتها ومجتمعها. وفي المستقبل، سيكون هناك المزيد من المفردات والعبارات الجديدة التي تثري اللغة الصينية. تصفح المعاجم الصينية مفيد للأجانب الذين يدرسون الصينية.