أوقفوا الحمائية التجارية

صادف الحادي عشر من ديسمبر عام 2016، الذكرى السنوية الخامسة عشرة لانضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية. وافقت الصين في عام 2011، كشرط لدخولها منظمة التجارة العالمية، على أن الدول الأعضاء الأخرى يمكن أن تتعامل معها باعتبارها "اقتصاد غير سوقي" لمدة خمس عشرة سنة، تنتهي في 11 ديسمبر 2016. هذا الشرط سمح لشركاء الصين التجاريين بانتهاج "نظام البلد البديل"، والذي يعني استخدام أسعار بلد ثالث لقياس ما إذا كانت الصين تبيع بضائعها بأقل من القيمة السوقية، ومن ثم رفع دعاوى مكافحة إغراق ضد الصين. المادة الخامسة عشرة لبروتوكول انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية تنص بشكل جلي على أنه "بأي حال من الأحوال، فإن الأحكام التي تبيح هذه الممارسات سوف تنقضي بعد خمسة عشر عاما من الانضمام. هذا التزام يجب أن يتقيد به جميع أعضاء منظمة التجارة العالمية بحلول هذا اليوم.

ومع ذلك، قدمت المفوضية الأوروبية، في التاسع عشر من أكتوبر 2016، اقتراحا بشأن منهجية جديدة لتحقيقات مكافحة الإغراق بعنوان ((اتخاذ سياسات مستقرة لتشجيع زيادة التوظيف والنمو الاقتصادي))، ودعت أعضاء الاتحاد الأوروبي لدعم اقتراحها الجديد لتحديث تشريعات التعويضات التجارية. هذا الاقتراح الجديد يعني القيام بتحقيقات لمكافحة الإغراق تستند إلى ما إذا كان هناك تشويه للسوق (market distortion)، واتخاذ ذلك أساسا لإجراء المقارنات بين التكلفة والأسعار النهائية للسلع في سوق الدولة المتضررة والأسواق الخارجية. كما تعد العوامل الأخرى، مثل مدى تأثير السياسات الحكومية وتوزيع الشركات المملوكة للدولة في الدولة الخاضعة للتحقيق، ودرجة استقلالية مؤسسات التمويل، عناصر رئيسية في تحقيقات الإغراق.

قال شيويه رونغ جيو، نائب رئيس الجمعية الصينية لدراسات منظمة التجارة العالمية: "على الرغم أن الاقتراح، بشكل عام،لا يستهدف الصين، فإن بعض شروط التحقيق موجهة ضد الصين." وفي التاسع من نوفمبر عام 2016، قدمت المفوضية الأوروبية مقترحا رسميا إلى البرلمان الأوروبي ومجلس الاتحاد الأوروبي لتعديل النظام القانوني لمكافحة الإغراق.

قال شيويه رونغ جيو: "تلتزم الصين، منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، بقواعد المنظمة ومبادئها، بما حقق المصالح لكل من الصين والعالم"، وأعرب عن أمله في أن يدعم أعضاء منظمة التجارة العالمية الصين لإنهاء العمل بنظام البلد البديل لمكافحة الإغراق وفقا للجدول الزمني المحدد، وإلا فإن التجارة بينها وبين الصين سوف تتأثر سلبيا".

التزام الصين بالقواعد والمبادئ

قال شيويه رونغ جيو إن الصين أصبحت في الحادي عشر من ديسمبر عام 2000، العضو رقم 143 في منظمة التجارة العالمية، وذلك بعد خمسة عشر عاما من المفاوضات الشاقة. وأضاف: "خلال المفاوضات، وافقت الصين على حوالي ثلاثين مادة متعددة الأطراف، بالإضافة إلى أربع مواد خاصة بالصين؛ وهي مادة المراجعة في الفترة الانتقالية، ومادة الحماية الخاصة بالصين، ومادة الحماية الخاصة بالغزل والنسيج، ومادة الاقتصاد غير السوقي في مكافحة الإغراق.

وفقا لمادة المراجعة في الفترة الانتقالية، خضعت الصين لكل المراجعات التي أجريت لكافة أعضاء المنظمة، بل خضعت لتحقيقات سنوية خاصة فيما يتلعق بسياساتها التجارية. استمرت هذه المراجعات عشرة أعوام، وانتهت في عام 2011.

مادة الحماية الخاصة بالصين، تتيح لأعضاء المنطمة اتخاذ تدابير للحد من صادرات الصين، إذا شكلت تلك الصادرات ضربة لنفس الصناعة في أسواق أعضاء المنظمة. وانتهت صلاحية تلك المادة في عام 2012.

مادة الحماية الخاصة بالغزل والنسيج، وضعت في سبعينات القرن الماضي لتحديد صادرات أنواع معينة من الألياف من الدول النامية إلى الدول المتقدمة. وفي عام 2005، في مفاوضات أوروغواي، وافقت الدول المتقدمة على إلغاء هذه المادة تدريجيا. لكن الصين، كدولة كبيرة مصدرة للمنسوجات، التزمت بهذه المادة ثلاثة أعوام إضافية، انتهت في عام 2008.

وقد أوضح السيد شيويه، أنه عندما أوشكت فترة صلاحية المادة الرابعة، اقترحت المفوضية الأوروبية اتخاذ "تشويه السوق" كبديل لمبدأ "اقتصاد السوق" لتحديد الإغراق التجاري، وذلك بقصد محدد هو تمديد مادة "البلد البديل". كما أشار إلى أن مادة أسعار البلد البديل لمكافحة الإغراق هي التزام دولي لكل أعضاء منظمة التجارة العالمية.

الصين أكثر انفتاحا مما تعهدت به

قال شيويه رونغ جيو: "تطبق الصين قواعد منظمة التجارة العالمية وتحافظ عليها، وأصبحت عضوا مسؤولا في المنظمة. خلال السنوات الخمسة عشر الماضية، التزمت الصين بقواعد منظمة التجارة العالمية فيما يتعلق بتخفيض الرسوم الجمركية وتخفيف شروط النفاذ لسوق  تجارة الخدمات بها، وتعزيز حماية الملكية الفكرية، كما أحرزت إنجازات ملموسة." وأضاف: "من أجل التوافق مع قواعد منظمة التجارة العالمية، عدلت الصين الكثير من قوانينها ولوائحها، بما في ذلك أكثر من 2000 مادة قامت بتعديلها الوزارات الصينية، وأكثر من تسعين ألف قانون ولائحة عدلتها الحكومات المحلية."

كما خفضت الصين تدريجيا الرسوم الجمركية بعد انضمامها إلى المنطمة. ووفقا لبيانات وزارة التجارة، أوفت الصين بتعهدها بشأن خفض الضرائب على جميع المنتجات منذ يوم الأول من يناير عام 2002. وحتى الأول من يناير عام 2010، انخفض متوسط الرسوم الجمركية من 3ر15% إلى 8ر9%في عام 2010، وإلى 3ر9% في عام 2015. وأشار السيد شيويه، إلى أن هذه النسبة برغم أنها أعلى من الدول المتقدمة، فإنها أقل من النسبة في الدول النامية.

كما أوفت الصين بتعهداتها في مجال تجارة الخدمات، مثل مجالات المصارف والأوراق المالية والتأمين. وقال السيد شيويه: "مع أن الأعضاء الآخرين في منظمة التجارة العالمية يطالبون بأن تفتح الصين تجارة الخدمات بشكل أكبر، فالواقع هو أن انفتاح تجارة الخدمات في الصين تجاوز مستوى الدول النامية."

علاوة على ذلك، تم تعزيز حماية الملكية الفكرية في الصين. وأشار السيد شيويه إلى أن المدير العام لمنظمة التجارة العالمية وأعضاء المنطمة قد أعربوا عن تقديرهم العالي لأداء الصين في هذا المجال.

الفوز المشترك

قال شيويه رونغ جيو: "مرت الصين بتغيرات جذرية منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية وهذا أمر معروف للجميع، فقد تحسنت البيئة الاقتصادية والتجارية للصين بشكل كبير، مما أدى إلى زيادة وعي الالتزام بالقواعد الدولية وإنشاء النظم الاقتصادية والقانونية المنفتحة والشفافة للتجارة الدولية، ونظام اقتصاد السوق القائم على قواعد منظمة التجارة العالمية. وقد عزز ذلك إصلاح المؤسسات المملوكة للدولة، وساعد في تنشيط أعمال مؤسسات القطاع الخاص، وفي جذب الاستثمارات الأجنبية إلى الصين. أصبحت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر دولة من حيث حجم التجارة الخارجية."

عززت الحكومة والشركات الصينية بشكل كبير قدرتها على تطبيق القواعد القانونية والدفاع عن نفسها منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية. قال شيويه رونغ جيو: "عندما كانت الصين طرفا في الدعاوى القضائية في السابق، كان الجانب الصيني يفتقر إلى المترجمين والمحامين. الآن، الصين لديها عدد كبير من المتخصصين، مما عزز بشكل كبير قدرتها على تطبيق القواعد القانونية والدفاع عن نفسها."

واستعرض السيد شيويه حقائق تؤكد الإنجازات الصناعية المثمرة للصين منذ دخولها منظمة التجارة العالمية. من بين أهم خمسمائة منتج صناعي في العالم، تحتل الصين المرتبة الأولى بمائتين وعشرين منتجا. إلى جانب ذلك، تتميز الصين بصناعاتها الناشئة، والصناعات الجديدة والعالية التكنولوجيا؛ مثل السكك الحديدية الفائقة السرعة، والفضاء، وأجهزة الكمبيوتر وغيرها. وقد أصبحت الصين عضوا محوريا بمنظمة التجارة العالمية، ويعترف المجتمع الدولي ببعض قواعدها.

علاوة على ذلك، ساهمت الصين بنشاط في حوكمة الاقتصاد العالمي، ولا سيما من خلال اقتراح مبادرة "الحزام والطريق"، وإنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وبنك التنمية الجديد لمجموعة دول بريكس، واستضافة قمة مجموعة العشرين.

وأعرب السيد شيويه عن قلقه إزاء رفض البعض للعولمة. وقال: "الاتجاه المناهض للعولمة يتعارض مع التنمية الاقتصادية في العالم. العودة إلى الحمائية التجارية وخلق الحواجز التجارية سيكون على حساب تقسيم الأعمال العالمية وسلسلة القيمة العالمية. الصين تؤيد التجارة الحرة وترفض الحمائية التجارية في أنحاء العالم. وبالنسبة إلى الصين، سوف تستمر سياسة الإصلاح والانفتاح في التطور، وسيعود تكثيف التبادل والتعاون مع الدول الأخرى بالنفع على كل من الصين والأعضاء الآخرين في منظمة التجارة العالمية."