اليوغا في الصين

اليوغا مجموعة تمارين وطقوس روحية يرجع أصلها إلى الهند. وتعتمد فلسفة اليوغا على ممارسة بعض التمارين البدنية وتمارين التحكم بالنفس، بالإضافة إلى التحكم بالروح والتحكم بالتنفس والاسترخاء الذهني والبدني.

 شهدت اليوغا انتشاراً كبيراً في الأعوام الأخيرة في مختلف أنحاء العالم، خاصة في الصين التي يتجاوز عدد ممارسي اليوغا فيها عشرة ملايين شخص، ويصل عدد الصالات الرياضية والنوادي الصحية التي تقدم تمرينات اليوغا أكثر من خمسين ألفا. كما يزداد عدد مدربي اليوغا المتخصصين بسرعة في الصين.

رياضة سحرية

خه مينغ، وهي حاليا مدربة في صالة جينغلان الرياضية لليوغا في مدينة هانغتشو، كانت تعاني من الاكتئاب والتهاب المعدة والأرق والتهاب المفاصل والتهاب الكلية المزمن، وبعد سنوات من ممارسة اليوغا والعلاج الطبي، استعادت صحتها. قالت خه: "اليوغا رياضة سحرية بكل المقاييس، لا يعرف كثير من الناس فوائدها. حماسة الناس حاليا لليوغا ترجع إلى أن  هذه الرياضة تحقق الانسجام بين الجسد والعقل والروح. الناس يسعون إلى اللياقة، بالإضافة إلى الرغبة في الشعور بالانتعاش والراحة. اليوغا تمنح الهدوء النفسي والطمأنينة، كما أنها تخلص الفرد من الاضطرابات العصبية والطاقة السلبية وتحولها إلى طاقة إيجابية."

بينما يجد بعض الشباب في العشرين من عمرهم، صعوبة في ثني ركبتيهم، يستطيع تشن شان، مدرب اليوغا البالغ من العمر خمسة وثمانين عاما، ثني جسده بطريقة مدهشة، تكاد تكون مستحيلة بالنسبة لأي إنسان عادي.

بدأ تشن شان يتعلم اليوغا بعد تقاعده من العمل قبل 30 عاما، في إحدى النوادي الصحية بمدينة تشانغجياكو في مقاطعة خبي، بهدف تخفيف الألم الناجم عن مشاكل صحية مختلفة أصابته بعد بلوغه الخمسين من العمر. حاليا، السيد تشن معلم يوغا ويتمتع بصحة جيدة، ويشجع الناس على ممارسة اليوغا لتحسين صحتهم وتعزيز لياقتهم البدنية، ويعلم الجمهور بسخاء كل ما يعرفه عن اليوغا.‏

لقد أثبتت الأبحاث الطبية الحديثة أن اليوغا تساعد في شفاء جميع الأمراض التي يسببها الإجهاد والضغط والتوتر النفسي، فاليوغا تخفف الضغط وتساعد على التوازن والاستقرار النفسي. وكذلك في حالة أمراض المناعة الذاتية والاكتئاب والأرق والإرهاق، وحتى آلام الظهر وآلام الرقبة وتهيُّج الأمعاء. اليوغا تعالج الأسباب الجذرية وليس الأعراض.

التطور والتحدي

يرجع تاريخ اليوغا في الصين إلى فترة أسرة هان الشرقية (25-220م) مع قدوم البوذية إلى الصين. في ثمانينات القرن الماضي، بدأت تشانغ هوي لان تنشر اليوغا في الصين عبر القنوات التلفزيونية الصينية. خلال نحو عشرين سنة من التطور، ظهر في الصين عدد كبير من صالات اليوغا الرياضية المتخصصة، في المناطق الحضرية والمناطق النائية، وتقدم معظم النوادي الصحية دروسا في تمرينات اليوغا.

مع التطور السريع، حظيت تمرينات اليوغا بالاعتراف على المستوى الحكومي داخل الصين وخارجها. في عام 2014، حددت الأمم المتحدة الحادي والعشرين من يونيو كل عام يوما عالميا لليوغا. في مايو عام 2015، حضر لي كه تشيانغ، رئيس مجلس الدولة الصيني، مع نظيره الهندي ناريندرا مودي أنشطة لرياضتي "اليوغا " و"تايجي" في المعبد السماوي ببكين، حيث شاهدا عرضا جماعيا قدمه أكثر من أربعمائة صيني من ممارسي اليوغا وتايجي. وفي الثامن عشر من مايو 2016، افتتح مؤتمر الصين والهند حول رياضة اليوغا في مدينة كونمينغ، حاضرة مقاطعة يوننان بجنوب غربي الصين، حيث تجمع أكثر من ألف ممارس صيني لهذه الرياضة للمشاركة في عرض جماعي لليوغا. لذلك، أصبحت اليوغا وسيلة تبادل ثقافي هامة بين الصين والهند.

ولكن مع تطورها السريع، ظهر في سوق اليوغا الصينية عدد من المشكلات.

بدأت تشانغ تسان، البالغة من العمر خمسة وعشرين عاما، معرفة اليوغا أول مرة قبل تخرجها في الجامعة، عندما أصابها القلق والتوتر العصبي بسبب الصعوبات التي واجهتها في البحث عن عمل. أرادت تشانغ تغيير هذا الوضع غير السليم، فلجأت إلى ممارسة اليوغا. قالت تشانغ: "كنت أتعلم اليوغا بفيديو تعليمي، ثم تعلمتها في صالة رياضية لليوغا لزيادة معارفي. في النهاية، بسبب قلة عدد مدربي اليوغا، قررت أن أكون مدربة متخصصة، ونجحت في الامتحان وحققت حلمي."

قالت تشانغ إن هناك أنواعا عديدة من اليوغا، بالإضافة إلى تطبيقات وبرامج كثيرة لفهمها. لكن مع ازدهار تطور اليوغا في الصين، ظهرت بعض نوادي اليوغا التي تسعى وراء الكسب التجاري، وتركز على تعليم مختلف الوضعيات فقط، بحيث يحصل المتدرب على الفوائد الجسدية فقط. هذه النوادي تهمل التمارين للشعور بالبهجة الجسدية والعقلية والروحية، وصولا إلى تحقيق الاسترخاء الذهني والبدني.

وفقا لأحد الاستطلاعات، يعرف 10% فقط من ممارسي اليوغا في الصين أن تمارين اليوغا يمكن أن تصبح خطيرة إذا لم تُمارس بصورة صحيحة. ويقول الخبراء إن اليوغا يمكن أن تكون خطيرة إذا لم تمارس على النحو السليم من الناحية الجسدية. وإذا لا يراعي ممارسوها حدود قدراتهم، سيقومون بحركات انحناء خاطئة ومؤلمة. لذلك من المهم ممارستها تحت إشراف متخصص، ووفق جدول ونظام محدد، فالشباب في سن العشرين يمارسون نوعاً مختلفاً من اليوغا عن النوع الذي يمارسه من هم في سن السبعين مثلاً. كما أوضحت تشانغ أن استخدام اليوغا في الحياة اليومية يتطلب حالات ذهنية أرقى وممارسة اليوغا بصورة مركزة ومكثفة.

وظيفة جديدة واعدة

مدربو اليوغا هم وسيلة الاتصال بين هذه الرياضة وممارسيها. وفقا للإحصاء، 26% من مدربي اليوغا كانوا معلمي رقص أو ممثلين، و21% كانوا مدربي لياقة بدنية، و18% كانوا موظفين ذوي ياقات بيضاء. ولأن دخل مدربي اليوغا عال نسبيا، وأعمال التدريب مفيدة للصحة ولا تسبب ضغوطا كبيرة، جذبت اليوغا كثيرا من ذوي الياقات البيضاء للمشاركة في ممارستها وتعليمها.

على الرغم من الإقبال على العمل في تعليم اليوغا، ما زال هناك نقص في عدد مدربي اليوغا، ولا توجد معايير موحدة لتقييم مستوى مدربي اليوغا وضبط تطور هذه السوق. في أكتوبر عام 2009، أعلن مركز التعليم والتدريب بوزارة الموارد البشرية والضمان الاجتماعي الصينية إصدار شهادة عمل لمدربي اليوغا، الأمر الذي يهدف إلى وضع ضوابط لسوق تدريب اليوغا ورفع المستوى المهني لمدربي اليوغا بشكل شامل، حتى يمكن تأهيل المزيد من المدربين الممتازين، الذين يعلمون المزيد من الصينيين بأفكار اليوغا العلمية والصحية ويرفعون مستوى الصينيين جسديا وعقليا، وصولا إلى تحقيق التنمية السليمة لليوغا في أنحاء البلاد.