أشجار الدلب تحكي قصص "باريس الشرق"

تنتشر أشجار الدلب، وهي نوع من أشجار الظل، داخل منطقة الامتيازات الفرنسية السابقة في مدينة شانغهاي. أمام هذه الأشجار طرق متعرجة هادئة، ومن خلفها تقع بيوت قديمة لكثير من الشخصيات السياسية والثقافية والاقتصادية الهامة. شهدت أشجار الدلب التغيرات الضخمة في حياة تلك الشخصيات والمجتمع الصيني.

تقع منطقة هنغفو الثقافية والتاريخية في شارعي هنغشا وفوشينغ في حي شيويهوي بمدينة شانغهاي. كان حي شيويهوي جزءا من منطقة الامتيازات الفرنسية بالمدينة. شهدت منطقة هنغفو، التي تبلغ مساحتها 66ر7 كيلومترات مربعة، الحكايات الأسطورية، وخاصة القصص الرائعة في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، في المدينة التي حملت لقب "باريس الشرق"، وانصهرت فيها الثقافتان الشرقية والغربية.

 

بنايات بطراز غربي

لا تزال البنايات الفاخرة التي تقع في منطقة هنغفو الثقافية والتاريخية محتفظة بمعالمها الأساسية. من بين تلك البنايات، بناية ووكانغ التي كانت من أوائل البنايات التي شيدت بطراز الشرفة في شانغهاي. صممها المعماري المجري المشهور لاديسلاف هوديتس، على شكل سفينة راسية عند تقاطع شارعي هوايهاي وووكانغ. وقد حملت هذه البناية اسم "بناية نورماندي"، ومن بين الشخصيات الكبيرة التي أقامت فيها، كونغ لينغ جيون، الابنة الثانية لكونغ شيانغ شي، سياسي مشهور في مطلع القرن العشرين ووو ين، نجم سينمائي في ذلك العصر وتشنغ جيون لي، مخرج مشهور وغيرهم.

بالقرب من بناية ووكانغ، يقع مقر الإقامة السابق للسيدة سونغ تشينغ لينغ، عقيلة صون يات صن، المشيد بطراز العمارة الألمانية، حيث السقف الأحمر والجدران البيضاء وأشجار الكافور. تجذب هذه البناية بأسلوب عمارتها الساحر كثيرا من الزوار. في داخلها بعض الأشغال اليدوية واللوحات الزيتية المهداة من أصدقاء السيدة سونغ، وصور لسونغ تشينغ لينغ وزوجها صون يات صن مع شخصيات بارزة. هذا إضافة إلى فستان من طراز "تشيباو" أسود اللون كانت ترتديه سونغ تشنغ لينغ.

تحتضن هذه المنطقة أيضا بيت الأديب الصيني المشهور با جين، المكون من ثلاثة طوابق وله سور رمادي اللون. في هذا البيت، المشيد بالطراز الغربي البسيط والذي يزخر بكميات هائلة من الكتب، أبدع با جين الكثير من أعماله الأدبية.

هوانغ شينغ، وهو أحد رواد ثورة 1911، أقام لمدة أربعة أشهر في أحد بيوت هذه المنطقة. خلال هذه المدة القصيرة، ذهب إليه صون يات صن مرتين لمناقشة الشؤون السياسية الهامة. بعد ترميم البيت وترتيبه، صار بيت هوانغ شينغ مقر مركز الاستشارات السياحية في شارع ووكانغ ومركز الفنون للمنازل القديمة.

يقع بيت فنان الكوميديا المشهور تشانغ له بينغ، في أحد الأزقة الضيقة بشارع وويوان. الأغراض البسيطة في فناء هذا البيت الذي يعمه السكون، تتذكر "رحلة سان ماو"، ذلك الكتاب الساخر الذي يحكي قصة اليتيم سان ماو، وحياته القاسية بسبب الحرب والفوضى. عاش تشانغ له بينغ هنا نحو خمسين سنة، وسجل الحياة الحقيقية في شانغهاي بأسلوب هزلي.

 

طريق مميز في شانغهاي

في أعماق الطريق الضيق بمنطقة هنغفو الثقافية والتاريخية، تشعر بهدوء البيئة وسحر الحياة، وخاصة في نهاية الخريف، أفضل فترة في شانغهاي.

شارع ووكانغ، الذي حمل في السابق اسم "شارع فيرغسون" (فيرغسون مبشر أمريكي عمل مستشارا سياسيا لجمهورية الصين في بداية تأسيسها) تغمره أشعة الشمس المتسللة من بين شقوق أوراق الدلب، ويحفل بالحكايات الأسطورية التي سطرها سكانه من الشخصيات المشهورة.

شارع هونان ليس ضيقا كثيرا، ويمتد إلى الأمام في سكون يزيل متاعبك ويمحو أوجاع قلبك ويعيد إليك الراحة والسعادة عندما تمشي فيه.

يحمل شارع دونغبينغ، الذي يمتد لمسافة لا تتجاوز خمسمائة متر، لقب "شارع العشاق". يمزج هذا الشارع بين الحياة البسيطة لأهل شانغهاي والحياة المعقدة لأبناء العصر الحديث. تم ترميم نصف بنايات هذا الشارع وتحويلها إلى مراكز ترفيهية ومطاعم، وأُبقِي على النصف الآخر في حالته الأصلية.

شارع تاوجيانغ الممهد بالأحجار يعيد إلى ذاكرة أبناء شانغهاي مشاهد طفولتهم الجميلة. عندما يرخي الليل سدوله، يتمشى المحبون والعشاق ويتهامسون تحت أضواء مصابيح الشارع.

يتميز شارع يونغفو بوقار ورزانة تليق بأشجار الدلب المصطفة على جانبيه. في هذا الشارع، تشعر بالبهجة حتى وإن لم تفعل شيئا غير الوقوف واستنشاق الهواء النقي. تنتشي هنا بأجواء الهدوء حتى يخيل إليك أنك في الفردوس.

شارع هنغشان هو شارع البارات في شانغهاي. تستمتع فيه بسحر ليل شانغهاي وأنت ترى البنايات الممتدة بأسلوب العمارة الغربية والأفينة المفتوحة. تعايش الحياة الغربية في مدينة شرقية.

شارع وويوان، شارع ضيق وقصير، لكنه لا يخلو من الروعة. يمكنك أن تقطع الشارع من أوله إلى آخره في عشر دقائق، تعيش خلالها وتدرك اختلاف أسلوب الحياة بين الشرق والغرب. الجزء الغربي للشارع كان مصدر إلهام العديد من الروايات المشوقة لكثير من الشخصيات، مثل تشانغ له بينغ وتشن دان يان، أديبة مشهورة معاصرة، بينما يزهو الجزء الشرقي للشارع منه بنمط الحياة العادي لأهل شانغهاي.

 

صورة مصغرة لشانغهاي

منطقة هنغفو الثقافية والتاريخية فريدة ومتميزة، تجمع بين نخبة عناصر الثقافتين الشرقية والغربية، بين الأصالة والمعاصرة، وبين نمط الحياة في شانغهاي ونمط الحياة في المناطق الأخرى. لا تخلو هذه المنطقة من الفنون الغربية والرسوم الصينية والقهوة والشاي والفيلات بالأسلوب الغربي وبالأسلوب الشرقي. في هذه المنطقة، يمكنك أن ترى الماضي وتعيش الحاضر وتتطلع إلى المستقبل. هذه المنطقة صورة مصغرة لتطور شانغهاي كلها. إن ذكريات في هذه المدينة تظل محفورة في ذهنك حتى بعد أن تغادرها.

--

شيوي تشي: كاتب حر