جامعة بكين تحتفل بالذكرى السنوية العاشرة بعد المائة لميلاد مكين

أقامت جامعة بكين، في الخامس من نوفمبر 2016، ندوة أكاديمية بمناسبة الذكرى السنوية السبعين لتأسيس قسم اللغة العربية فيها، والذكرى السنوية الـعاشرة بعد المائة لميلاد الأستاذ محمد مكين ما جيان (1906-1978)، أحد رواد نشر اللغة العربية في الصين.

شارك في الندوة تشو شان لو، أمين لجنة الحزب الشيوعي الصيني بجامعة بكين والأستاذ ما تشي شيويه، ابن الأستاذ محمد مكين والدكتور تشانغ شين قانغ، رئيس جامعة هونغ كونغ السابق، وما تشونغ بينغ نائب الأمين العام للجمعية الإسلامية الصينية، وشخصيات كبيرة من جامعات صينية وأمريكية وإماراتية.

وقد أثنى الضيوف على جهود محمد مكين في تعليم اللغة العربية وآدابها في الصين، وما قدمه من مساهمات عظيمة لنشر الثقافة العربية في أنحاء الصين مما عزز التبادلات بين الحضارتين الصينية والعربية. وخلال الندوة، أقيمت مراسم إزاحة الستار عن تمثال لمحمد مكين، تبرع به فنغ تسي ين، خريج قسم اللغة العربية بجامعة بكين.

واستعرض المشاركون في الندوة، الإنجازات الأكاديمية التي حققها العالم المسلم الكبير محمد مكين،  مؤسس النظام الحديث لتدريس اللغة العربية في الصين، واتفقوا على أن مكين قدم إسهامات سيذكرها التاريخ إلى الأبد في بناء جسور التفاهم بين الأمتين الصينية والعربية بكتاباته وترجماته الوافرة في هذا الصدد.

وقال تشانغ جيا مين، أستاذ اللغة العربية وثقافتها بجامعة بكين: "في كل الدول العربية التي زرتها، وجدت كثيرين معجبين بثقافتنا الصينية. وأعتقد أن ترجمة مكين لكتاب ((الحوار)) لعبت دورا بارزا في تعريف العرب بالثقافة الصينية التي يتمثل جوهرها في الفكر الكونفوشي." وتذكر تشانغ جيا مين، وهو أحد الطلاب الذين درسوا على يد مكين في خمسينيات القرن الماضي، أن مكين كان يهتم بإطلاق العنان لروح المبادرة للطلاب عند تعلم العربية، مستشهدا بأن مكين يطلب من كل طالب  قراءة النص الأصلي لـ((كليلة ودمنة)) منفردا، ويشجعهم على تفسير ما فهموه من قراءته. هذا أسلوب مختلف عن الآخرين الذين يهتمون بالتلقين بدون فهم تام.

 وقال تشي فو هاو، الباحث المتخصص في الآداب الأجنبية بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إن ((كتاب الحوار)) دشن أحد أول جسور التعارف بين الأمتين الصينية والعربية. بل احتل مكانة هامة في تاريخ التبادل الأكاديمي بين الحضارتين العريقتين أيضا.

ونالت نسخة ((كتاب الحوار)) التي طبعت في مصر في ثلاثينات القرن الماضي إقبالا كبيرا من المثقفين المصريين والعرب آنذاك.

وتذكر الأستاذ تشونغ جي كون (صاعد)، الرئيس الشرفي لجمعية بحوث الأدب العربي في الصين، أنه عندما زار الأديب المصري الكبير نجيب محفوظ في نهاية سبعينات القرن الماضي، سمعه يقول إنه قرأ ((كتاب الحوار)) الذي ترجمة أحد الطلاب الصينيين وأبدى إعجابه بمحتواه.

وقال ما تشونغ بينغ، نائب الأمين العام للجمعية الإسلامية الصينية: "إننا كمسلمين صينيين، كلما استشهدنا بآيات من القرآن الكريم، نتذكر فضل الأستاذ مكين وندعو له بالرحمة من قلوبنا.

بمجرد ترجمته لمعاني القرآن الكريم و((كتاب الحوار))، صار السيد مكين كبير العلماء المسلمين في الصين. وإنني على ثقة بأن التاريخ سيحفظ إسهاماته البارزة في تعزيز التبادل الصيني- الإسلامي للأبد."

وقال فو تشي مينغ، نائب عميد كلية اللغات الأجنبية بجامعة بكين، إن الأستاذ مكين أنشأ نظاما متميزا لتعليم اللغة العربية، يأخذ بعين الاعتبار خصائص الصينيين في تعلم اللغات الأجنبية، والتزام العرب بالنظام القاعدي التقليدي لدى تعليم اللغة.وأضاف: "نحن نفخر بالنظام الذي أسسه السيد مكين، لأنه يساعدنا فعلا على فهم الثقافة العربية- الإسلامية الأصيلة."

ومن جانبه، أكد الأستاذ لين فنغ مين رئيس قسم اللغة العربية وثقافتها بجامعة بكين، أنه في الوقت الذي تتمتع فيه اللغة العربية بأهمية بارزة في تنفيذ مبادرة الحزام والطريق، "يجب علينا أن نرث ونخلد روح المثابرة والإصرار التي تمتع بها أستاذنا مكين، لكي ندفع مهمة تعليم اللغة العربية في الصين قدما ونخدم استراتيجية الحزام والطريق".

محمد مكين، وهو من أبناء قومية هوي المسلمة في الصين، ولد في مقاطعة يوننان جنوبي البلاد عام 1906، وبدأ دراسة اللغة العربية والدين الإسلامي منذ طفولته. وبعد تخرجه في معهد شانغهاي الإسلامي لإعداد المعلمين عام 1931، اُبتعث مع عدد من زملائه المسلمين إلى مصر لاستكمال دراساته ضمن أول بعثة طلابية صينية إلى جامعة الأزهر.

وخلال ثماني سنوات من دراسته في مصر، ترجم مكين أهم الكتب الكلاسيكية الكونفوشية ((كتاب الحوار))، إلى اللغة العربية.

وتعتبر مساهمة محمد مكين في تأسيس كلية اللغات الشرقية في جامعة بكين وإنشاء قسم اللغة العربية فيها، أساسا للتدريس الجامعي للغة العربية في الصين وإليه يعود الفضل في إدراجها لأول مرة رسميا في مناهج التعليم العالي الصيني بعد أن كان تعليمها مقتصرا على المساجد منذ مئات السنين.

 وأمضى مكين عشرات السنين من عمره في ترجمة أول نسخة من معاني القرآن الكريم إلى اللغة الصينية. وتمتاز هذه الترجمة بدقتها وأمانتها ورقي أسلوبها، وبذلك تفوقت على الترجمات الأخريات. وأشرف مكين على تأليف أول معجم عربي- صيني، كما ألف كتاب "لمحة عن الإسلام في الصين"، وقام بترجمة بضعة عشر كتابا من أمهات الكتب في التراث والأدب التي ساهمت في تعريف الشعب الصيني بكنوز الثقافة العربية. ومن هذه الكتب "تاريخ العرب" لفيليب حتى، و"رسالة التوحيد" لمحمد عبده، و"العقائد" و"منهاج التقويم الهجري"، و"تاريخ الفلسفة في الإسلام" للمستشرق الهولندي دي بور.