لماذا يشكل اليوان طوق نجاة للعرب من أزمات مالية؟

l     بنوك الخليج تفتح أبوابها أمام اليوان ومصر تحتفي برصيدها منه في البنك المركزي

l     خبراء: اليوان سيحتل المرتبة الثالثة عالميا في 2018

 

"حدث تاريخي مهم"، هكذا أعلنت كريستين لاغارد مدير صندوق النقد الدولي، مع اللحظات الأولى لإضافة العملة الصينية "اليوان" في مطلع أكتوبر 2016، كأول عملة دولية تضاف لسلة العملات في صندوق النقد الدولي منذ إدراج اليورو محل العملات الأوروبية القوية، عام 1999. ووصف بنك الشعب (المركزي الصيني) الخطوة بأنها "مرحلة تاريخية لليوان"، تعكس نجاحات الصين على صعيد تطور الاقتصاد، وثمرة الإصلاحات وفتح قطاعها المالي. وقال شيانغ سونغ نائب مدير معهد النقد الدولي التابع لجامعة رنمين الصينية، إن تلك الخطوة ستجعل اليوان ثالث أكبر العملات استخداما في العالم، بحلول عام 2018. وأشار الخبير الصيني إلى توقيع الصين اتفاقيات لتبادل العملة مع 36 دولة ومنطقة، بقيمة 3ر3 تريليونات يوان حتى الآن.

هذه الأنباء التي وردت للعواصم العربية، عقب مشاركة ناجحة في قمة العشرين، التي عقدت بمدينة هانغتشو في سبتمبر 2016، دفعت العديد من الدول العربية إلى اعتماد اليوان كعملة صعبة في بنوكها المركزية، ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر والسعودية، وتسعى مصر إلى تنفيذها على وجه السرعة بعد أن أعلنت القاهرة عن حصولها على قرض قيمته عشرين مليار يوان، لدعم الاحتياطي النقدي للبلاد، من أجل تقوية مركزها المالي والسياسي في مفاوضاتها الشاقة مع صندوق النقدي الدولي، الذي سيوفر لمصر قرضا قيمته 12 مليار دولار أمريكي. لقد أصبح اليوان الصيني منذ بداية العقد الحالي، في وضع منافس في أسواق المال العالمية لكل من الجنيه الأسترليني والين الياباني، ويثق فيه الخبراء، بعد أن أصبحت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وغدت إحدى قاطرات النمو للاقتصاد الدولي، بالنظر إلى حجم استثماراتها واستهلاكها في الداخل والخارج. ويشهد الخبراء، بثبات أداء الاقتصاد الصيني، واستقرار السياسة المالية، والتزام الدولة بالحوكمة الضريبية الدولية، واحتلال عملتها مرتبة متقدمة في قائمة أكثر العملات استخداما في العالم.

 واعُتمد ضم اليوان للسلة المستخدمة لتحديد متوسط أسعار صرف العملات يوميا، بعد أن استوفى اليوان كل المعايير المطلوبة. ويستخدم اليوان لقياس قيمة ما يعرف بحقوق السحب الخاصة لكل الدول الأعضاء التي يبلغ عددها 188 دولة.

في أوائل 2016، كان هناك عشرون مركزا لليوان تعمل في تسوية وخدمات العملة الصينية، أو مُقرر فتحها. ويعمل أكبرها حاليا في هونغ كونغ وسنغافورة وتايوان وسيول ولندن وفرانكفورت وباريس ولوكسمبورج. وتؤكد الصين أنها ستضخ نحو تريليون دولار أمريكي كاستثمارات عبر العالم حتى عام 2020. ويبين مراقبون أن عملية تدويل اليوان ستصب في صالح الصين وسيترتب عليها زيادة جاذبية الأصول الصينية للمستثمرين في كافة أنحاء العالم، وتعمل على زيادة معدلات الاستثمار في الأصول الصينية. ويشيرون إلى إحدى العقبات أمام تدويل اليوان هي فائضه التجاري، فالصين تحتفظ بثبات، بل وتعمق ميزانها التجاري الإيجابي في عام 2014، بلغ الفائض التجاري للصين نحو 384 مليار دولار أمريكي، وفي عام 2015 بلغ 5ر594 مليار دولار أمريكي.

ومع هذا الميزان التجاري الضخم الذي يصب في صالح الصين، يرى مراقبون أنه لا يمكن أن يكون اليوان عملة احتياطية واقعيا إلا بوجود كمية لدى البلدان الأخرى تستخدمها بكين في مدفوعاتها لتغطية عجزها التجاري.

ويمكن المزج، وفقا لرأي خبراء، بين طريقتين: أن يتحول الميزان التجاري من إيجابي إلى سلبي، وأن يتسارع تدفق رأس المال الأجنبي إلى داخل الصين. ويؤكد خبراء على أنه عند هذه النقطة سيضمن اليوان سعر صرف ملائما، وستنفق الصين اليوانات المحلية على الواردات، وستتراكم مخزونات من العملة الصينية بسرعة خارج الصين.

ويأمل الخبراء أن يصب استخدام اليوان كعملة صعبة في صالح العرب والصين، في المرحلة المقبلة، في تزايد العجز في الميزان التجاري العربي لصالح الصين، ورغبة الصين في زيادة وارداتها البترولية وغيرها من الأسواق العربية، ودفع المزيد من الاستثمارات في المناطق الواقعة في إطار مبادرة "الحزام والطريق" الصينية. ويبلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية نحو 250 مليار دولار أمريكي، منها 175 مليار دولار أمريكي لدول الخليج، و12 مليار مع مصر، وفقا لإحصائيات عام 2015. وتسعى دول عربية إلى فك ارتباط عملاتها المحلية بالدولار الأمريكي، في ظل وجود خلافات سياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية وانخفاض أسعار النفط، وتزايد العجز في ميزانياتها السنوية، وتنويع مصادر العملة الصعبة، لمواجهة تقلبات سعر الدولار الأمريكي والجنيه الأسترليني في السوق الدولية. 

ويعول كثيرون على العملاق الصيني بخصوص دعم الاقتصاد المصري، من خلال زيادة الاستثمارات المباشرة داخل مصر، خاصة بعد أن وقع الرئيس الصيني شي جين بينغ في أعقاب مباحثاته مع الرئيس عبد الفتاح السيسي في القاهرة في 21 يناير 2016 على اتفاقية يتم بموجبها، أن تضخ الصين استثمارات قدرها 15 مليار دولار أمريكي في قطاعات الطاقة الإنتاجية المصرية. ووقع البلدان  نحو 21 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مطلع عام 2016 في العديد من المجالات، أبرزها تمويل مشروعات في مجالات الكهرباء والطاقة، ومنحة للبنك المركزي المصري بقيمة مليار دولار أمريكي، و تنفيذ المرحلة الأولى من العاصمة الإدارية المصرية.

 تتبوأ الصين المرتبة الثالثة والعشرين في قائمة الدول المستثمرة في مصر، حيث تعمل 1226 شركة صينية يبلغ إجمالي تدفقاتها الاستثمارية 500 مليون دولار أمريكي.  

وأصدر المركز المصري للدراسات الاقتصادية دراسة بين فيها أن دخول اليوان لسلة العملات الدولية يتيح الفرصة لزيادة الاستثمارات الصينية في مصر. 

 

وفي تصريحات صحفية، اقترح الخبير المصرفي الدكتور هشام إبراهيم أن تتم مقايضة العملات بين مصر والصين في كافة المعاملات التجارية، مشيرا إلى أنه في حالة تفعيل نظام المقايضة، ستحتاج الحكومة المصرية إلى يوانات صينية بما يعادل 5ر10 مليار دولار أمريكي، وكذلك ستقوم الصين بدفع ما يعادل نحو 5ر1 مليار دولار بالجنيه المصري.

و قال مصرفيون إن اتفاقية مصر مع الصين على مبادلة العملة بقيمة 7ر2 مليار دولار أمريكي، في نوفمبر 2016، خطوة جديدة للحصول على قرض صندوق النقد الدولي بالإضافة إلى أن اليوان الصيني سيساهم في التصدي للتلاعب بسعر الدولار الأمريكي في السوق المصرية، في حالة زيادة حجم التبادل التجاري بين مصر والصين، وزيادة حجم السياحة الصينية لمصر. 

ويثمن مصطفى إبراهيم، نائب رئيس مجلس الأعمال المصري- الصيني هذه الخطوة مؤكدا على دورها في حل مشكلات الشركات التي تعمل في مصر، حيث تعاني من مشكلة تحويل الأرباح وليست الشركات الصينية فقط، وستدفع الصين إلى ضخ مزيد من الاستثمارات في مصر. وأوضح أنه لن يتم توفير العملة الصينية إلا في حالة زيادة معدل التجارة بين البلدين، خاصة أن مصر تستورد من الصين تسعة أضعاف ما تصدره إليها. بينما رأت الدكتورة منى ياسين، الخبيرة المصرفية، أن اتفاقية مصر مع الصين بمبادلة العملة ربما تساهم في مواجهة نقص الدولار الأمريكي في مصر، مشيرة إلى أن نسبة حل المشكلة تتوقف على حجم العملات المتبادلة، وأيضا حجم التبادل التجاري  بين البلدين. 

وتؤكد شركة غرب خليج السويس "تيدا"، التي تدير المنطقة الصناعية الصينية، بالقرب من مدخل قناة السويس على أن دخول اليوان، ضمن سلة حقوق السحب الخاصة بصندوق النقد الدولي، لن يعالج الأزمة المصرية، لكنه قد يساعد المستثمرين الصينيين في توسيع نشاطهم في مصر والحصول على اليوان الصيني منهم لأن الصين أكبر شريك تجاري لمصر.

ويبين الخبراء أن نجاح عملية تدويل اليوان، يعتمد بصورة كبيرة على استراتيجية الصين فيما يتعلق بحساب رأس المال في ميزان المدفوعات الصيني، بحيث تكون تحركات رؤوس الأموال بكافة أشكالها دون أي قيود تحد من حركتها من وإلى الصين  بعملتها "اليوان"، بهدف تمكين المستثمرين من أنحاء العالم من تكوين محافظ مالية بأدوات الدين الصينية، وبمعدلات مناسبة للعائد، فضلا عن وجود نظام مصرفي متقدم يسمح لغير المقيمين بالاحتفاظ بالمودعات بكافة أشكالها باليوان، كعملة مودعات في البنوك الصينية لغير المقيمين داخل الصين وخارجها.  

 ويشير الخبراء إلى أهمية توفير سوق حر للنقد الأجنبي يخضع لقوى العرض والطلب، وإلغاء القيود على تحركات معدل صرف اليوان الصيني، بما فيها الهوامش المعلنة حاليا للحد الأقصى للتقلب اليومي في معدل صرف اليوان، بالنسبة للدولار الأمريكي أو أي عملة أخرى. وأن تتبنى الصين سياسات للصرف الأجنبي تسهل استخدام اليوان الصيني عالميا، وإلغاء كل القيود التجارية والسماح بحرية الوصول لأسواق الأسهم والسندات الصينية، وأن يتم تداول العملة بحرية دون تدخل في سوق الصرف الأجنبي لليوان من قبل بنك الشعب الصيني.