تطور جديد في العلاقات المالية الصينية- العربية

تشهد العلاقات الصينية- العربية في السنوات الأخيرة، تطورا شاملا ومزدهرا في شتى المجالات، وخاصة الاقتصادية والتجارية والمالية. تنتمي الصين والدول العربية إلى الاقتصادات النامية، ويحتل التعاون المالي بينهما مكانة هامة في مجمل علاقاتهما الاقتصادية والتجارية. من أجل دفع التجارة والاستثمارات المتبادلة بين الصين والإمارات وبين الصين والسعودية وتسهيل استخدام العملة الصينية (الرنمينبي) وعملة الإمارات (الدرهم) وعملة السعودية (الريال) في تسوية الحسابات التجارية والاستثمارية، أصدر بنك الشعب (المركزي) الصيني قرارا بالتحويل المباشر بين العملة الصينية وعملتي الإمارات والسعودية في سوق تداول النقد الأجنبي بين البنوك اعتبارا من السادس والعشرين من سبتمبر عام 2016، مما حقق تطورا جديدا في العلاقات المالية الصينية- العربية.

تحتفظ الصين بعلاقات اقتصادية وتجارية وثيقة مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة منذ مدة طويلة، ويزداد إجمالي حجم التبادل التجاري بين الصين وكل من السعودية والإمارات سنويا. في عام 2015، كانت السعودية الشريك التجاري الثامن عشر للصين، بينما جاءت الإمارات في المرتبة الثالثة والعشرين. وبحسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء في السعودية، كانت الصين أكبر شريك تجاري للسعودية في 2015، بحجم تبادل تجاري بلغ 2ر49 مليار دولار أمريكي، بما يمثل 13% من العلاقات التجارية بين السعودية ودول العالم في تلك السنة. ووفقا للأرقام الرسمية السعودية، بلغت صادرات السعودية للصين 55ر24 مليار دولار أمريكي في عام 2015، بينما بلغت قيمة واردات السعودية من الصين 64ر24 مليار دولار أمريكي. تسعى الصين، منذ أن بدأت مسيرة عولمة الرنمينبي في عام 2009، على إطلاق قوة السوق لعولمة الرنمينبي من خلال الإصلاح المالي من ناحية، ومن ناحية أخرى، وضعت أساسا ثابتا لعولمة الرنمينبي من خلال التعاون الإيجابي في مجال العملات. ومع ازدياد التعاون الثنائي، ترتفع نسبة استخدام العملة الصينية في منطقة الشرق الأوسط تدريجيا. السعودية والإمارات شريكان هامان ودولتان ركيزتان بين الدول التي يمر بها "الحزام والطريق". فعلى خلفية دفع الصين لعولمة الرنمينبي واستخدام عملة كل دولة في تسوية المعاملات التجارية، جاء تأسيس نظام لسعر الصرف المباشر لليوان الصيني مع الريال السعودي والدرهم الإماراتي بين البنوك في سوق النقد الأجنبي متوافقا مع استراتيجية تنمية البلاد وملبيا لحاجة السوق.

يقصد بالصرف المباشر لليوان الصيني مع الريال السعودي والدرهم الإماراتي أن يعطي البنك سعر صرف اليوان مقابل الريال والدرهم مباشرة بدون حساب سعر صرف الدولار الأمريكي. وعندما يبدل الزبائن العملات، يمكن أن يبدلوا الريال والدرهم باليوان الصيني في البنك مباشرة بدون استخدام عملة دولية وسيطة كالدولار الأمريكي، مما يخفض تكاليف الصرف للزبائن بشكل فعال ويخفض مخاطر تقلبات سعر الصرف.

إن تأسيس نظام لسعر الصرف المباشر لليوان الصيني مع الريال السعودي والدرهم الإماراتي، حلقة حاسمة لدفع استخدام عملة كل دولة في تسوية المعاملات التجارية، وخطوة ترمز إلى أن التبادل التجاري للصين مع كل من السعودية والإمارات سيدخل عصراجديدا لاستخدام عملة كل دولة في تسوية المعاملات التجارية. ولا شك أن تأسيس نظام لسعر الصرف المباشر يرفع سرعة تداول العملات بين الصين والسعودية وبين الصين والإمارات بشكل كبير، ومن المتوقع أن يوسع ويعمق استخدام اليوان في التبادلات التجارية في السعودية والإمارات السوق الاقتصادية والمالية الدولية، ويساعد على تطوير العلاقات الاقتصادية والمالية بين الصين والسعودية وبين الصين والإمارات باستمرار. وبحسب نظام تداول النقد الأجنبي في الصين، فإن هذه الخطوة سترفع عدد العملات الأجنبية المسموح بتداولها مباشرة مع اليوان إلى ست عشرة عملة.

باعتباره واحدا من الدفعة الأولى للبنوك التي تنفذ التحويل المباشر لليوان الصيني مع الريال السعودي والدرهم الإماراتي، أنجز بنك الصين أول صفقة للتحويل المباشر لليوان الصيني مع الريال السعودي والدرهم الإماراتي بين البنوك في السادس والعشرين من سبتمبر 2016. وقالت لي شيانغ، مسؤولة قسم الشؤون الإدارية لفرع بنك الصين في دبي، إن الجانب الإماراتي يدرك أهمية السوق الصينية في السنوات الأخيرة، وأصدر سلسلة من السياسات المشجعة على التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والإمارات، مما أتاح فرصا كثيرة لتطور البنوك الصينية في الإمارات. وأعرب الجانب الإماراتي عن تقديره العالي لأعمال المؤسسات المالية الصينية، ورغبته في مشاركة المزيد من البنوك الصينية في مشروعات بالإمارات. بنك الصين هو أول بنك صيني أسس مكتبا فرعيا في منطقة الشرق الأوسط، حيث أسس مكتبا في البحرين في عام 2004 أولا، ثم أسس فروعا له في دبي وأبو ظبي وقطر. تأسس فرع بنك الصين في دبي في عام 2013، وحقق ربحا في العام الأول لافتتاحه، وتزداد أرباحه بشكل مستقر وحظي بثقة مؤسسات المراقبة المحلية.

قالت نان مينغ جيه، المسؤولة عن منصة الصفقات الفورية لقسم السوق العالمية لبنك الصين، إن بنك الصين يعمل على خدمة التبادلات الاقتصادية والمالية بين الصين والدول الأخرى، ويركز على تقديم خدمة العملات الأجنبية على مستوى عال. وبعد طرح الصين مبادرة "الحزام والطريق"، يهتم بنك الصين بالقيام بأعمال العملات للدول التي يمر بها "الحزام والطريق"، وعلى سبيل المثال بالنسبة لعملتي السعودية والإمارات، بدأ بنك الصين أعمال تسوية وبيع العملات الأجنبية لليوان الصيني مع كل من الدرهم الإماراتي والريال السعودي في سبتمبر عام 2015 ويونيو عام 2016، مما قدم تسهيلات للسكان والمؤسسات في تسوية الحسابات، كما أن بنك الصين هو أول بنك صيني بدأ هذه الأعمال. وفي الوقت نفسه، فإن بنك الصين باعتباره واحدا من الدفعة الأولى للبنوك التي تنفذ التحويل المباشر لليوان الصيني مع الريال السعودي والدرهم الإماراتي، يبادر بالإعلان عن الأسعار لسوق البنوك لتقديم مساهمته في دفع استخدام عملة كل دولة في تسوية الحسابات للتجارة الثنائية وتنفيذ استراتيجية التنمية الوطنية.

ومن جانب السعودية، يرتبط الريال السعودي بالدولار الأمريكي منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ويبلغ سعر صرفه 75ر3 ريالات لكل دولار، بحسب مؤسسة النقد العربية السعودية. وتعد الصين أكبر مستورد للنفط السعودي في العالم، بما يتجاوز 1ر1 مليون برميل يوميا، بنسبة تقترب من 15% من صادرات النفط السعودية للعالم. تأسيس نظام سعر الصرف المباشر بين اليوان الصيني والريال السعودي، مؤشر لشراء الصين للنفط السعودي باليوان مستقبلاً بدلاً من وجود الدولار الأمريكي كعملة وسيطة في المعاملات بينهما.

في عام 2016، واجهت البنوك الصينية بيئة تطور معقدة، حيث أن صغوط خفض سعر اليوان الصيني تزداد وينخفض الربح من القروض داخل الصين وخارجها، وتقل فرص ترابط الأعمال داخل الصين وخارجها؛ ولكن من ناحية أخرى، نجد أن منطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا التي يمر بها "الحزام والطريق" تحتاج إلى أعمال مالية كثيرة في مشروعات بناء المنشآت التحتية، وتتمتع بسوق مالية نشيطة. رغم أن انخفاض سعر النفط شكل إلى حد ما صدمة للنمو الاقتصادي في دول مختلفة بالمنطقة، وفرض قيودا على حركة سوق المال، فإن هذا الوضع أتاح فرصا لأعمال المؤسسات المالية الصينية في هذه المنطقة، فتبادر البنوك الصينية إلى الاندماج في السوق الدولية المحلية وتعمل على إثراء أنواع المنتجات المالية لرفع ربحها الشامل.

في يوليو عام 2015، أدرج فرع بنك الصين في أبو ظبي سندات الدين "الحزام والطريق" بقيمة ملياري يوان (الدولار الأمريكي يساوي 8ر6 يوانات) في بورصة ناسداك دبي، وفي مارس عام 2016، وقع بنك الصين اتفاقية مع بورصة دبي للذهب والسلع حول أعمال تسوية المعاملات، وأصبح بنك الصين واحدامن خمسة بنوك تسوية للبورصة، تشمل حاليا بنك الإمارات دبي الوطنيوستاندرد تشارترد وإتش.إس.بي.سي وبنك بارودا.

كما قال المراقبون والخبراء الاقتصاديون السعوديون إن تأسيس نظام سعر الصرف المباشر بين اليوان الصيني والريال السعودي يسمح للمملكة بشراء وارداتها من السلع والخدمات بعملة الريال من الصين، ما يمهد لتعزيز العلاقات التجارية بين البلدين مستقبلا، وهذه الخطوة أمر لافت للغاية، وتعني غياب الدولار الأمريكي كوسيط، وخطوة ضمن خطوات الصين لعولمة عملتها التي ما زالت في بداياتها. إن تنفيذ هذه الخطوة سيعزز التبادل التجاري والعلاقات الاقتصادية بين البلدين، ونثق بأن المؤسسات المالية الصينية ستلعب دورا نشيطا في تطوير العلاقات المالية بين الصين والدول العربية.