الصينيون يتسيدون بارالمبية ريو

اختتمت دورة الألعاب البارالمبية في ريو دي جانيرو في التاسع عشر من  سبتمبر عام 2016، حيث احتل الوفد الصيني صدارة جدول ترتيب الميداليات، بمائة وسبع ميداليات ذهبية وإحدى وثمانين فضية وإحدى وخمسين برونزية، وسجل واحدا وخمسين رقما عالميا جديدا.

 جدير بالذكر أن الوفد البارالمبي الصيني احتل صدارة جدول ترتيب الميداليات الذهبية وجدول الترتيب العام للميداليات في أربع دورات أولمبية متتالية؛ في أثينا 2004، بكين 2008، لندن 2012، ريو 2016. كما أن هذا الوفد أظهر الروح الأولمبية والروح الرياضية خلال فترة الألعاب من 7 إلى 18 سبتمبر عام 2016.

البارالمبية تشهد على تطور رياضة المعاقين الصينيين

ألعاب ريو دي جانيرو البارالمبية عام 2016 هي النسخة الخامسة عشرة للألعاب البارالمبية الصيفية، وهي حدث دولي رياضي لمجموعة من الرياضات للرياضيين ذوي الإعاقة تنظمها اللجنة البارالمبية الدولية، تقتصر المشاركة في الألعاب على الأبطال الرياضيين من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يعانون من "إعاقات عضلية" إضافة إلى أولئك الذين يواجهون مشاكل أو اختلال في الحركة.

ضم الوفد الصيني 308 رياضيين معاقين، شاركوا في 328 مسابقة تغطى 17 رياضة،كما رافق الوفد 177 من المدربين وموظفي الدعم، فضلا عن 14 مساعدا لتقديم العون لأولئك الذين يعانون من إعاقات جسدية شديدة. ويعد هذا الوفد الذي ضم 499 فردا أكبر وفد أرسلته الصين إلى الخارج للمشاركة في دورة الألعاب البارالمبية. وقد حقق هذا الوفد أفضل نتيجة منذ مشاركة الصين في الألعاب البارالمبية.

شارك تشانغ هونغ هو، مدرب فريق السباحة الصيني، في سبع دورات بارالمبية. بعد أن رأى العلم الأحمر ذا النجوم الخمس يرتفع في سماء ريو  مرة بعد مرة، فاضت مشاعره وتذكر دورة الألعاب البارالمبية في برشلونة عام 1992، التي لم يفز فيها فريق السباحة الصيني إلا بميدالية ذهبية واحدة، وكان عدد أفراد الوفد الصيني نحو عشرين فقط. في ريو، بلغ عدد أفراد فريق السباحة أكثر من سبعين، وفاز بسبع وثلاثين ميدالية ذهبية.

تألق الصينيون في دورة ريو البارالمبية بشكل كبير، الأمر الذي يعكس تقدم وتطور رياضة المعاقين في الصين. في عام 1984، فازت الصينية بينغ يا لي بأول ميدالية ذهبية في دورة نيويورك البارالمبية، وحققت اختراقا تاريخيا لرياضة المعاقين الصينيين؛ وفي عام 2004، تصدر الوفد الصيني جدول ترتيب الميداليات الذهبية وجدول ترتيب الميداليات في دورة أثينا البارالمبية لأول مرة، ليتصدر جدول ترتيب الميداليات الذهبية وجدول ترتيب الميداليات العام في أربع دورات بارالمبية متتالية.

الرياضة تشعل أمل الرياضيين المعاقين

اعتلى السباح الصيني شيوي تشينغ، البالغ من العمر أربعة وعشرين عاما، منصة التتويج متشحا بالعلم الأحمر ذي النجوم الخمس. وعندما تسلم التميمة البارالمبية، أخذها بين كتفه وفكه الأسفل، فقد بُترت ذراعه اليسرى وساعده اليمنىوهو في السادسة من عمره في حادث مروري.السباحة وعزيمته التي لا تلين غيرت مصيره وموقفه من الحياة. ألقى بنفسه في تدريبات السباحة. خلف كتفه اليمنى وشم صغير بصورة سمك قرش، فعندما يقفز في حوض السباحة، تصفه بعض وسائل الإعلام بأنه يصبح سمك قرش حقيقيا. ويقوم هذا البطل بدفع ذراعه اليمنى المتبقية بسرعة عالية إلى الأمام وكأنها دافعة مروحية. وقد سجل حكايته الأسطورية في حوض سباحة ألعاب البارالمبية وفاز بعشر ميداليات ذهبية خلال الأربع دورات البارالمبية السابقة. ولكن هذه الإنجازات المدهشة تحجب وراءها سلسلة من الهموم والصعوبات. في بداية تعلمه السباحة، كانشيوي تشينغ يخجل من كشف ذراعه أمام الآخرين ويخاف أن يختنق داخل الماء، ولكنه كان يسبح أكثر من عشرة آلاف متر يوميا. في الحقيقة، الميداليات الذهبية شيء ثمين له، ولكن الأثمن منها هو الثقة في الحياة التي يستلهمها من رياضة السباحة.

تشيان هونغ يان، فتاة صينية معاقة خلقت مستقبلها بنفسها، رغم بتر ساقيها بعد حادث مأساوي في عام 2000 وهي في الرابعة من عمرها. بعد الحادثة، استعان جدها بكرة سلة قديمة وقطعها لتضعها الفتاة تحت الجزء السفلي من جسدها، فتسير على يديها من خلال دعم جسدها العلوي بأكمله باستخدام سنادتين خشبيتين.

باستخدام مقابض، تساعدها كرة السلة على تحقيق التوازن لجسمها، فأطلق عليها أهل منطقتها السكنية اسم "فتاة كرة السلة". انضمت تشيان إلى فريق سباحة المعاقين في مقاطعة يوننان. في البداية لم تستطع السباحة وكانت  تختنق دائما تحت الماء، لكن تعلق قلبها بهذه الرياضة جعلها تواصل التدرب. بفضل هذه الرياضة، تغيرت حياتها تماما وحصلت على ميداليات ذهبية في مسابقات على المستوى الوطني. على الرغم من أنها لم تفز بنتيجة جيدة في دورة ريو البارالمبية، قالت: "عندما كنت فتاة كرة السلة، كنت أرى العالم من الأسفل، وبعد أن قمت بتركيب أطراف اصطناعية صرت أرى العالم من ارتفاع 164 سنتيمترا، وبعد ذلك بدأت أرتبط برياضة السباحة، وشاركت في ألعاب ريو البارالمبية، ويمكن أن أقف وأرى العالم من مكان أوسع."

فاز فيّ تيان مينغ بميدالية ذهبية لسباق زوارق التجديف المزدوج (TA) مع زميلته في دورة لندن البارالمبية عام 2012، وفاز بميدالية فضية في نفس السباق مع زميلته في دورة ريو البارالمبية عام 2016. قال فيّ إن بعض الناس ينظرون إلى أفراد أسرته نظرة استعلاء بسبب إعاقته الخلقية في الرجل. ومن أجل كسب شرف لنفسه ولأسرته، يبذل جهوده في التدريب بهدوء، وقد حظي بتقدير الناس لقيمة ومكانة المعاقين.

تعزز حماية حقوق المعاقين

في عام 2007، وبدعم كبير من جمعية المعاقين في مقاطعة يوننان، أنشأ تشانغ هونغ هو نادي "يون تشي نان" لسباحة الشباب والناشئين المعاقين، الذي يعد أول ناد للسباحة للشباب والناشئين المعاقين في الصين. التحق بهذا النادي حتى الآن أكثر من مائة رياضي معاق، معظمهم من عائلات فقيرة. يتحمل تشانغ تكاليف تدريب هؤلاء الرياضيين، الذين ظهر منهم رياضيون فازوا بميداليات في السباقات الدولية. لقد أتاح لهم تشانغ هونغ فرصة تحقيق أحلامهم وكسب رزقهم.

قال تشانغ: "عندما يشارك تلاميذي المعاقين الفقراء في سباقات السباحة، بعد التدريبات الشاقة في النادي، يستعيدون الأمل في الحياة ويحصلون على اعتراف المجتمع بهم. هذا أعظم إنجاز لي كمدرب لهم."

وفقا للإحصاء، يبلغ عدد المعاقين في الصين 85 مليون فرد، وإذا أضفنا إليهم أفراد أسرهم يصل العدد إلى نحو مائتي مليون شخص. إن مشاركة المعاقين في الرياضة البدنية يمكن أن تمنحهم الأمل في الحياة. ومع التنمية الاجتماعية والاقتصادية والدعم الكبير من الحكومات على مختلف المستويات في الصين، تسير رياضة المعاقين ورياضة استعادة الصحة للمعاقين على طريق التنمية الشاملة.

قالت تشانغ هاي دي، التي أصيبت بشلل نصفي في طفولتها، وتشغل حاليا منصب رئيسة الجمعية الصينية للمعاقين: "على الرغم من أن شرف الفوز في الألعاب البارالمبية مجرد لحظات رائعة بالنسبة للرياضيين المعاقين، الذين ترافقهم آلام جسدية وعقلية طول حياتهم، يمكن للمزيد من المعاقين الآخرين الإحساس بالأمل في الحياة". وأضافت: "أنا أستطيع! أنا أستطيع بالتأكيد! ربما لا أستطيع اليوم، ولكن بعد التدريبات الرياضية الشاقة، يمكن أن أحقق ذلك!"

وأكدت تشانغ أن استعادة الصحة تحتل الأولوية القصوى في رياضة المعاقين بالصين، وأن المشاركة في الرياضة البدنية تساعد المعاقين بشكل كبير للغاية في حياتهم المستقبلية. وأضافت: "هدفنا هو أن نوفر للمعاقين ظروف ممارسة الرياضة البدنية، أملا في أن نعيد لهم القدرة على الجلوس أو الوقوف أو المشي، بل والقدرة على الجري بعد ممارسة الرياضة البدنية، وبذلك نخلصهم من قيود الإعاقة البدنية والعقلية، ونحرر أفراد أسرهم من أعباء جمة."