لونغ تشينغ تشيوان
صاحب الرقم العالمي الجديد

استطاع الرباع الصيني لونغ تشينغ تشيوان أن يحفر اسمه في ذاكرة عشاق الرياضة البدنية بعد حصوله على أول ميدالية ذهبية أولمبية له في أولمبياد بكين 2008، وهو في الثامنة عشرة من عمره. لونغ، الذي حقق رقما عالميا جديدا في أولمبياد ريو دي جانيرو بالبرازيل 2016، لم يكن طريقه إلى عالم الشهرة ممهدا وإنما ثابر وناضل حتى وصل إلى القمة.

من جد وجد

وُلِد لونغ تشينغ تشيوان في ديسمبر عام 1990 بقرية صغيرة ذات مناظر طبيعية جميلة في مقاطعة هونان، لأسرة تعمل بتجارة اللحوم. بفضل قوته البدنية ونشاطه، تم اختياره للالتحاق بالمدرسة الرياضية للهواة في محافظة لونغشان في مارس عام 1999، ثم بدأ التدرب على رفع الأثقال في المحافظة.

في فترة التدريب بالمدرسة الرياضية، كان لونغ تشينغ تشيوان يتدرب من السادسة إلى السابعة والنصف صباحا، قبل أن يهرع إلى مدرسته الابتدائية، وما إن ينتهي من دراسته العلمية حتى يعود إلى المدرسة الرياضية ليقضي ساعتين في التدريبات. برغم صغر سنه وقصر طوله، مقارنة مع أعضاء فريق رفع الأثقال بالمدرسة الرياضية، تميز  لونغ تشينغ تشيوان بجرأته على مواجهة الصعوبات والمثابرة على التدريبات فأحبه كل المدربين. كانت بيئة التدريب في المدرسة الرياضية متواضعة للغاية، فلا توجد قاعة للتدريب ولا أدوات وتجهيزات لرفع الأثقال. كان لونغ تشينغ تشيوان وزملاؤه يستخدمون مخلفات أنابيب المياه ويضعون فيها الرمال والصخور لزيادة وزنها لتصبح الأثقال التي يرفعونها. كان يتدرب أيضا على المهارات الأساسية لرفع الأثقال وتمارين بناء الجسم. وبفضل جهوده وذكائه، أتقن لونغ تشينغ تشيوان كل المهارات.

انضم لونغ تشينغ تشيوان إلى المدرسة الرياضية بولاية شيانغشي الذاتية الحكم لقوميتي توجيا ومياو في عام 2000، ثم بدأ التدريبات الاحترافيه، وفاز في عام 2004 بثلاث ميداليات ذهبية في منافسات النتر والخطف ومجموع الرفع لوزن 48 كيلوغراما للرجال في المهرجان الرياضي العاشر بولاية شيانغشي.

في عام 2006، حصل لونغ تشينغ تشيوان على فرصة للتدرب في فريق مقاطعة هونان لرفع الأثقال، وأدرك أن هذه فرصة ثمينة بالنسبة له، فبذل مزيدا من الجهود في التدريبات، وفاز بميدالية ذهبية بنتيجة 255 كيلوغراما لوزن 52 كيلوغراما للرجال في المهرجان الرياضي لمقاطعة هونان الذي أقيم في سبتمبر عام 2006.

بعد الفوز بميداليتين ذهبيتين لرفعة الخطف وبمجموع الرفع في البطولة الوطنية لرفع للرجال بمدينة تشونغتشينغ في عام 2007، شارك لونغ تشينغ تشيوان في أهم منافسة في حياته وهي البطولة الوطنية لرفع الأثقال للرجال والمسابقة التأهيلية لرفع الأثقال لأولمبياد بكين في إبريل عام 2008، وحصل على ميداليتين ذهبيتين لرفعة النتر ومجموع الرفع وميدالية فضية لرفعة الخطف، وتأهل للاشتراك في أولمبياد بكين. وفي الرابع والعشرين من يوليو عام 2008، انضم لونغ تشينغ تشيوان إلى الوفد الصيني لأولمبياد بكين.

أول بطل أولمبي صيني مولود في التسعينات

افتتحت دورة الألعاب الأولمبية ببكين في أغسطس عام 2008، وكان حلم كل الرياضيين الصينيين هو الفوز بالميداليات لوطنهم على أراضيه. وبالطبع كان لونغ تشينغ تشيوان يريد التأكيد على قدرته ومستواه في هذا الحدث الرياضي الضخم في وطنه.

فاز لونغ تشينغ تشيوان بالميدالية الذهبية بسهولة في منافسات رفع الأثقال لوزن 56 كيلوغراما ضمن منافسات أولمبياد بكين التي أقيمت مساء العاشر من أغسطس عام 2008. هذه الميدالية الذهبية الثمينة هي الميدالية الذهبية الأولى التي حصلت عليها الصين في هذه اللعبة منذ 24 سنة، وهي في نفس الوقت أيضا أول ميدالية ذهبية حصل عليها لونغ تشينغ تشيوان الذي شارك في الأولمبياد لأول مرة. المدهش هو أن لونغ تشينغ تشيوان الذي وقف على منصة الشرف كان عمره آنذاك ثمانية عشر عاما فقط.

في المنافسات النهائية لرفع الأثقال رجال لوزن 56 كيلوغراما ضمن منافسات أولمبياد بكين التي أقيمت في ملعب رفع الأثقال بجامعة الطيران والفضاء ببكين، أدى لونغ تشينغ تشيوان أداء ممتازا وفاز بالبطولة بنتيجة 292 كيلوغراما وسجل رقمين عالميين لرفعة النتر ونتيجة مجموع الرفع.

وعندما فشل لونغ تشونغ تشوان في الرفعة التجريبية الثالثة، أخرج لسانه بطريقة عفوية صبيانية، لتأكده من أن مجموعة رفعاته تضمن له الميدالية الذهبية حتى لو فشل في الرفعة الثالثة. بدا لونغ تشنغ تشوان الذي ولد في عام 1990 مثل طفل كبير، لكنه أظهر مستوى نفسيا عاليا عندما وقف على منصة الأولمبياد لأول مرة.

بعد انتهاء مراسم توزيع الميداليات، قال رئيس الاتحاد الدولي لرفع الأثقال تاماس أجان الذي شاهد المنافسة: "هذه بداية عصر جديد. هذا الشاب الصيني المتحمس جدا يمثل اتجاه تطور رياضة رفع الأثقال في المستقبل"، مؤكدا أن لونغ تشينغ تشيوان سيكون أكثر نجومية وتألفا بعد الرباع التركي المشهور خليل موتلو. في الحقيقة، شعر لونغ تشينغ تشيوان بالأسف إلى حد ما بسبب عدم المنافسة مع موتلو في ملعب واحد، وقال إن هدفه ليس المنافسة مع موتلو فقط. وأضاف: "أشعر بالأسف لأنني لم أتنافس مع موتلو هذه المرة. إنه هدفي وسأحققه يوما ما!"

التراجع ثم العودة إلى القمة

بعد تسجيل رقمين عالميين لرفعة النتر ونتيجة مجموع الرفعات في الملعب الأولمبي عام 2008، حافظ لونغ تشينغ تشيوان على مستواه المتفوق وفاز بالميداليات الذهبية في المهرجان الرياضي الوطني وبطولة العالم لرفع الأثقال ودورة ألعاب شرقي آسيا عام 2009.

الفوز بالميداليات الذهبية أصاب لونغ تشينغ تشيوان بالغرور، وافتقر إلى القوة الدافعة. قال: "بعد الفوز بالميداليتين الذهبيتين الأولمبيتين، تغيرت حياتي تماما، وأصبحت مندفعا، واعتقدت أن القليل من التدريبات يكفيني حينذاك."

إضافة إلى التكاسل عن التدريب، انخرط لونغ تشينغ تشيوان في اللهو مع أصدقائه. مع مرور الأيام، تراجعت نتيجة لونغ تشينغ تشيوانغ كثيرا. قالت زوجته تسنغ لي يون: "كانت أياما صعبة على لونغ تشينغ تشيوان في تلك الفترة. اقترحتُ عليه أن يقوم بالتدريبات بجد واجتهاد، لكنه كان يذهب إلى قاعة التدريب ويبقى فيها ساعة واحدة فقط كل مرة."

كانت نتيجة ذلك أن هذا البطل الأولمبي لم يتأهل لأولمبياد لندن عام 2012! واستيقظ لونغ تشينغ تشيوان منذ ذلك الوقت، وبتشجيع ومرافقة أسرته، بدأ يكرس نفسه للتدريبات، وشارك في المهرجان الرياضي الوطني عام 2013، وأظهر قدرته في هذا الملعب بالحصول على الميدالية الذهبية بنتيجة 296 كيلوغراما في وزن 56 كيلوغراما. وبعد هذا المهرجان، عاد لونغ تشينغ تشيوان إلى طريق التقدم نحو القمة خطوة بعد خطوة، فحصل على المركز السادس في البطولة الوطنية لرفع الأثقال، ثم المركز الثالث في بطولة العالم لرفع الأثقال عام 2014، ثم المركز الثاني في البطولة الوطنية لرفع الأثقال عام 2015، قبل أن يتوج بذهبية البطولة الوطنية لرفع الأثقال عام 2016.

وفي الثامن من أغسطس عام 2016، وقف الرباع الصيني لونغ تشينغ تشيوان على منصة الأولمبياد في ريو دي جانيرو للمرة الثانية، ورفع 170 كيلوغراما في رفعة النتر مسجلا رقما عالميا بمجموع بلغ 307 كيلوغرامات ليحصد الميدالية الذهبية في رفع الأثقال لوزن 56 كيلوغراما للرجال. نعم، نجح لونغ تشينغ تشيوان! رغم أنه لم يتنافس مع خليل موتلو في نفس المنصة، فإنه حطم الرقم العالمي الذي ظل مسجلا باسم موتلو لمدة ست عشرة سنة!

قال لونغ تشينغ تشيوان: "في ريو دي جانيرو كان لدي هدفان؛ الأول أن أحصل على الميدالية الذهبية، والثاني أن أسجل رقما عالميا جديدا. حققت هدفي!" نعم، حقق لونغ تشينغ تشيوان حلمين في منافسة واحدة في ريو!

من بكين إلى ريو، وقف لونغ تشينغ تشيوان على منصة التتويج بالميدالية الذهبية الأولمبية مرة أخرى بعد ثماني سنوات. لم يعد أحد يطلق عليه اسم الطفل الكبير. قال مذيع محطة BBC في البث المباشر: "نجح لونغ تشينغ تشيوان في رفعة النتر لـ170 كيلوغراما! ليسجل رقما عالميا جديدا! لكن وزنه 68ر55 كيلوغراما فقط! هذا مستحيل! هو الرجل النملة الحقيقي!"