التحول الاقتصادي في الصين يتمتع بآفاق مشرقة

لاحظت في أحاديثي مع أصدقائي العرب في الآونة الأخيرة اهتمامهم بحالة الاقتصاد الصيني، بما فيه تباطؤ النمو الاقتصادي الصيني وتأثيره على التعاون الاقتصادي الصيني- العربي، ودائما ما تكون حالة الاقتصاد الصيني موضوعا ساخنا في حواراتنا ونقاشاتنا. في مارس 2016، أصدرت الحكومة الصينية "الخطة الخمسية الثالثة عشرة" للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، وحالة نمو الاقتصاد الصيني في الربع الأول من العام الجاري، مما جعل الأطراف المعنية تدرك التغير الإيجابي لنمو الاقتصاد، وتحسُن وارتقاء هيكل الاقتصاد الصيني باستمرار، وتراكم الطاقة الحركية الجديدة للنمو الاقتصادي المتواصل، والحفاظ على أدائه في حيز معقول، وبات لدى الشعب الصيني المزيد من الثقة بآفاق النمو الاقتصادي بالبلاد على المدى الطويل في المستقبل.

مؤخرا، نشرت مصلحة الإحصاء الصينية البيانات الاقتصادية عن الربع الأول من العام الجاري، والتي أوضحت زيادة النمو الاقتصادي الصيني بنسبة 7ر6%، وهو ما يتفق مع الهدف المحدد الذي يتراوح بين 5ر6% و7% في هذا العام. وبلغ نمو الصناعة الثالثة بنسبة 6ر7%، وهي الأعلى نموا بين الصناعات الثلاث (الخدمات والزراعة والصناعة). وتشير إحصاءات التصدير إلى نهاية نموها السلبي الذي استمر ثمانية أشهر، فقد حققت نموا بنسبة 7ر18% في مارس 2016، الأمر الذي يظهر أنه في ظل الظروف المعقدة للاقتصاد العالمي، تختفي مخاطر الهبوط الكبير والسريع لأداء الاقتصاد الصيني مع نهاية عام 2015 وبداية عام 2016، وانخفاض عناصر الخطر بصورة ملموسة، مع تحسن في كل من المؤشرات الكلية والمؤشرات الجزئية بالأسواق. يظهر كثير من الإحصاءات أن الاقتصاد الصيني بات مستقرا مرة أخرى. إن الاقتصاد الحقيقي هو أساس الاقتصاد الصيني. وحيث أن الصين هي أكبر دولة مصنعة في العالم، فإن علامات التحسن الاقتصادي تتمثل في التحسن الملموس لمؤشرات أرباح الشركات الصناعية أيضا. مثلا، في عام 2016،  الحجم الإجمالي لأرباح الشركات الصناعية التي يتجاوز حجم أعمالها الرئيسية عشرين مليون يوان سنويا،بلغ 71ر780 مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي 5ر6 يوانات) بزيادة 8ر4% مقارنة مع السنة السابقة، وارتفع معدل زيادة القيمة المضافة لتلك الشركات الصناعية في الربع الأول من عام 2016  بنسبة 4ر0% مقارنة مع الربع الأول لسنة 2015، كما حققت هذه الشركات مبيعات نسبتها 3ر97% م حجم الإنتاج. كل ذلك كفيل بإزالة قلق الناس حول أساس الاقتصاد الصيني. وبالإضافة إلى ذلك، حققت صناعة التكنولوجيا الفائقة نموا أعلى، ففاقت المشروعات الصناعية التي يتجاوز حجم أعمالها عشرين مليون يوان سنويا في زيادة القيمة المضافة بنسبة 4ر3%. هذا التطور السريع يؤكد ارتقاء الهيكل الاقتصادي الصيني ويأتي بالأمل والتفاؤل للناس.

إن زخم ارتفاع حصة بعض الصناعات التي تعاني من فائض إنتاج كبير نسبيا، في السوق العالمية، مثير للانتباه أيضا. النموذج المثالي هو صناعة بناء السفن، فخلال ستة أشهر من عام 2015، انخفض حجم إنتاج سفن الاستخدامات المدنية في الصين مقارنة مع عام 2015. وفي الربع الأول من عام 2016، ازداد حجم الطلب الجديد لصناعة بناء السفن الصينية بنسبة 9ر23% مقارنة مع سنة 2015. ويشكل حجم بناء السفن المكتملة في الصين 31% من حجم السوق العالمية، ويشكل حجم الطلب الجديد لصناعة بناء السفن الصينية 2ر83% من حجم السوق العالمية، ويشكل حجم الطلب المتوقع لصناعة بناء السفن الصينية 8ر42% من حجم السوق العالمية. وفي سنة 2016، ازدادت حصة الصين من الطلب الجديد في السوق العالمية بنسبة 9ر50% مقارنة مع سنة 2015. هذا الأداء يثير الإعجاب والتفاؤل لدى جميع المراقبين. وأخيرا، فإن المؤسسات الدولية بما فيها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، رفعت توقعاتها بخصوص نمو الاقتصاد الصيني، وأعربت عن ثقتها بأن "حكومة الصين تتمتع بالسياسات المعنية للحفاظ على النمو الاقتصادي بنسبة 5ر6%".

لقد حافظت الصين، منذ تبنيها سياسة الإصلاح والانفتاح قبل أكثر من ثلاثين سنة، على نمو اقتصادي بمعدل 8ر9% سنويا في المتوسط، وتحولت من دولة منخفضة الدخل إلى دولة متوسطة الدخل، وهو الأمر الذي يعتبره المجتمع الدولي "أعجوبة في التنمية" في تاريخ الاقتصاد العالمي. في الحقيقة، مع تحولنا من دولة فقيرة إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم، تغلبنا على كثير من التحديات التي يصعب التغلب عليها.

حاليا، الاقتصاد الصيني يدخل مرحلة "الوضع الطبيعي الجديد". المفهوم الجوهري والاستراتيجي لتحول الاقتصاد الصيني هو السعي  لدفع تحقيق التحولات في خمسة مجالات، هي: تحول القوة المحركة للنمو من العوامل الدافعة إلى الابتكار الدافع، تحول الصناعة من النمو الأفقي إلى النمو المكثف، تحول النمو الاقتصادي من الاعتماد المفرط على الاستثمار إلى الاعتماد على تناسق الاستثمار والاستهلاك، تحول السوق من دورها العام إلى دورها الحاسم في ترتيب الموارد، تحول الرفاهية الاقتصادية من عدم التوازن إلى المشاركة والشمول. وقد جاء تحول الاقتصاد الصيني بإنجازات بحيث يتم تسريع ترقية وتحسن الهيكل الاقتصادي، وأصبحت نسبة الثلاث صناعات متناسقة وسليمة على نحو أكبر، وبلغ معدل مساهمة الاستهلاك في نمو الاقتصاد 60%، وتتطور صناعة التكنولوجيا الفائقة بشكل سريع ومستمر، وأصبح الدور الريادي للنمط الجديد والمنتجات الجديدة بما فيها "الإنترنت+ " قويا، مع ظهور نقاط نمو اقتصادي جديدة بما فيها توفير الطاقة وحماية البيئة والاقتصاد الأخضر وغيرها باستمرار. جدير بالذكر أن معدل مساهمة الصين في نمو الاقتصاد العالمي بلغ 30%، ولم يتراجع حجم واردات الصين السلعية في النصف الأول من عام 2015. ولمواجهة ضغط الهبوط في اقتصادها، لا تعمد الصين إلى الإمداد المفرط للعملة ولا تطبق الحوافز المالية الكبيرة الحجم ولا ترحل الضغوط والمشاكل إلى الدول الأخرى، كل ذلك يؤكد أن الصين تتحمل مسؤولية تجاه الاقتصاد العالمي. وعلى المدى البعيد، الصين تبذل جهودها في حل مشاكل عدم التوازن وعدم التناسق وعدم الاستدامة، وفي ترقية الجودة والفعالية لتنمية الاقتصاد، وتلعب دورا هاما في استقرار نمو الاقتصاد العالمي.

أثناء زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى مقر جامعة الدول العربية في يناير عام 2016، أكد في كلمته أن الصين سوف تستخدم الخمس سنوات المقبلة لبناء "الحزام والطريق" مع الدول العربية، وتحدد مفاهيم العمل بـ: السلام والابتكار والإرشاد والإدارة والاندماج لكي تكون الصين صاحبة مبادرة لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، وصاحبة مبادرة للتنمية بالشرق الأوسط، وصاحبة مبادرة لدفع التصنيع بالشرق الأوسط، وصاحبة مبادرة لدعم استقرار الشرق الأوسط، وصاحبة مبادرة لدفع التبادلات مع شعوب الشرق الأوسط، ما أحدث أصداء واسعة في العالم العربي. في ظل التعاون المشترك بين الصين والدول العربية، يبدي التعاون العملي الثنائي حيوية هائلة. الصين هي ثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية، وقد وقعت عقود لمقاولة مشروعات قيمتها 4ر46 مليار دولار أمريكي مع الدول العربية؛ وقامت الدول العربية بتأسيس مركزين للمقاصة بالعملة الصينية (الرنمينبي)، وأنشأ الطرفان صندوقين للاستثمار المشترك؛ وتم تأسيس مركز لنقل التكنولوجيا بين الصين والدول العربية رسميا، وتوصل الجانبان إلى الموافقة على بناء مركز تدريب للاستخدامات السلمية للطاقة النووية ومركز تدريب لاستخدام الطاقة النظيفة ونظام الملاحة الصيني بالأقمار الاصطناعية "بايدو" وغيرها؛ وبلغ حجم العقود التي وقعت في الدورة الثانية لمعرض الصين والدول العربية في نينغشيا 183 مليار يوان، ليكون هذا المعرض منصة هامة لبناء "الحزام والطريق" المشترك.

لقد دخل استثمار الصين الخارجي المسار السريع، بينما قدرة الصناديق السيادية للدول العربية قوية، لذا، يمكن للصين والدول العربية توقيع اتفاقات تبادل العملات والاستثمار الثنائي، وتوسيع حجم تسوية الأعمال بالرنمينبي، وتسريع عملية تسهيل الاستثمار من أجل إرشاد مشاركة صناديق الاستثمار والأموال الاجتماعية في مشروعات هامة في "الحزام والطريق". بجانب ذلك، على الطرفين تعزيز التعاون في مجال التكنولوجيا الفائقة، وإعداد ورعاية قوة محركة جديدة للتعاون، وتسريع إدخال القطار الفائق السرعة والطاقة النووية والطيران والطاقة الجديدة والهندسة الوراثية وغيرها من التكنولوجيا الفائقة إلى الدول العربية، من أجل رفع جودة التعاون العملي الثنائي. وبالإضافة إلى ذلك، يستطيع الطرفان تطبيق عمل الابتكار المشترك، واستكشاف نمط التعاون الجديد "النفط والقروض والمشروعات"، وامتداد سلسلة التعاون التقليدي في النفط والغاز، والتعاون في استثمار الطاقة الجديدة والطاقة المتجددة؛ ولهما إمكانية كبيرة في بناء حديقة صناعية، ويمكن تحقيق تكامل التصنيع والنقل والتصدير عن طريق تدريب الموظفين والتخطيط المشترك والتعاون الثنائي في إنشاء المصانع.

من أجل دفع عملية التصنيع في الشرق الأوسط، سوف تطبق الصين التعاون في الطاقة الإنتاجية مع الدول العربية، بما فيه تقديم قروض خاصة بقيمة 15 مليار دولار أمريكي للتصنيع بالشرق الأوسط، لكي تساعد الدول الإقليمية في اجراء تعاون في مجال طاقة الإنتاج وبناء مشروعات البنية التحتية، بجانب قرض تجاري بقيمة عشرة مليارات دولار أمريكي، وتقديم قروض تفضيلية بقيمة عشرة مليارات دولار أمريكي وتعزيز التفضيلية، وإنشاء صندوق استثمار مشترك بقيمة عشرين مليار دولار أمريكي مع الإمارات وقطر للاستثمار في الطاقة التقليدية وبناء المنشآت التحتية وقطاع التصنيع الراقي وغيرها. التعاون الصيني- العربي له مستقبل مشرق، ونأمل بأن الصين والدول العربية سوف تستكشفان وتوسعان مجالات التعاون وطرقه، وتعمقان التعاون في المجالات المختلفة، وتبنيان اتحاد المصالح المشتركة واتحاد المصير المشترك.