المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني

اختارت جمهورية الصين الشعبية، منذ تأسيسها عام 1949، نظاما سياسيا ذا خصوصية يتفق مع تاريخ وواقع الصينيين، ولا يحاكي النظام السياسي الذي روج له الغرب الأوروبي- الأمريكي واعتبره واحد من أبرز المفكرين الغربيين "نهاية التاريخ"، وفقا للرؤية التي قدمها فرانسيس فوكوياما في كتابه "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" الصادر عام 1992.

المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني أحد تجليات خصوصية النظام السياسي الصيني، فهو أعلى هيئة تشريعية في البلاد، ويضم في عضويته ممثلين لكافة القوميات الصينية الست والخمسين، باعتبار أن "الشعب هو السيد" وله السيادة على دولته. ويوجد مجلس لنواب الشعب على المستويات الإدارية المختلفة في الصين؛ المدن التابعة مباشرة للحكومة المركزية، المقاطعات، المناطق الذاتية الحكم، المدن، المحافظات، البلدات وأحياء المدن. وحسب دستور جمهورية الصين الشعبية، فإن كل مواطن صيني جاوز عمره ثماني عشرة سنة له الحق في أن يَنتخِب ويُنتخَب، بغض النظر عن أصله العرقي، جنسه، قوميته، وظيفته، خلفية عائلته، دينه، تعليمه، ثروته، أو مدة إقامته في محل إقامته المسجل، باستثناء المحرومين من الحقوق السياسية وفقا للقانون. ويوجد في الصين أكثر من ألفي مجلس لنواب الشعب على مستوى المحافظة وأكثر من ثلاثين ألفاً على مستوى البلدة، ويبلغ عدد النواب على المستويين أكثر من مليوني نائب. وحسب الدستور الصيني، يَنتخِب من يحق لهم التصويت انتخاباً مباشراً أعضاء المجالس الشعبية المحلية الأدنى من مستوى المقاطعة وما يماثلها في التقسيم الإداري للبلاد (المنطقة الذاتية الحكم والمدن التابعة مباشرة للحكومة المركزية). أما أعضاء مجالس نواب الشعب على مستوى المقاطعة وما يماثلها في التقسيم الإداري للدولة، فيتم انتخابهم انتخابا غير مباشر، عن طريق أعضاء مجلس نواب الشعب للمستوى الإداري الأدنى. أي أن أعضاء مجالس نواب الشعب على مستوى المقاطعة وما يماثلها في التقسيم الإداري للدولة يتم انتخابهم بواسطة أعضاء مجالس نواب الشعب للمستويات الإدارية الأدنى، بينما يتولى أعضاء مجالس نواب الشعب على مستوى المقاطعة وما يماثلها في التقسيم الإداري للدولة انتخاب أعضاء المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني.

بدأ تشكيل وانعقاد مجالس النواب على المستويات الإدارية الأدنى من المستوى الوطني في عام 1953. وفي العام التالي، انعقدت الدورة الأولى للمجلس الوطني الأول لنواب الشعب الصيني، وكان عدد النواب ألفاً ومائتين وستة وعشرين، منهم مائة وسبعة وأربعون سيدة، يمثلن 12% من إجمالي عدد النواب، بينما بلغ عدد النواب من الأقليات القومية مائة وثمانية وسبعين نائبا، يمثلون 5ر14% من إجمالي عدد النواب. والمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني الحالي هو المجلس الثاني عشر، وقد انعقدت الشهر الماضي، مارس 2016، الدورة الرابعة له، التي كان على رأس أولوياتها إقرار الخطة الخمسية الصينية الثالثة عشرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية (2016- 2020). ويبلغ عدد أعضاء المجلس الحالي ألفين وتسعمائة وسبعة وثمانين عضوا، من بينهم ستمائة وتسع وتسعون سيدة يمثلن أكثر من 23% من إجمالي عدد النواب، وأربعمائة وتسعون عضوا من الأقليات القومية يمثلون نحو 14% من إجمالي عدد النواب. وتقوم اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني باتخاذ قرار حول توزيع نواب المجلس الوطني لنواب الشعب، وتحديد عدد نواب المجلس من منطقتي هونغ كونغ وماكاو الإداريتين الخاصتين، وتخضع الإجراءات الانتخابية في هاتين المنطقتين لقواعد تحددها اللجنة الدائمة بشكل مستقل. فقد أصبح هناك وفد مستقل لمنطقة هونغ كونغ منذ المجلس الوطني التاسع سنة 1998، ووفد مستقل لمنطقة ماكاو منذ المجلس الوطني العاشر سنة 2003. ومنذ المجلس الوطني الرابع لنواب الشعب سنة 1975، تضمن تشكيل المجلس وفدا يمثل تايوان. ويتم تمثيل جيش التحرير الشعبي في المجلس بوفد ينتخبه الجيش انتخابا مستقلا. ويبلغ عدد النواب من جيش التحرير الشعبي في المجلس الحالي مائتين وثمانية وستين عضوا. مدة المجلس الوطني لنواب الشعب خمس سنوات، وهي نفس مدة منصب رئيس جمهورية الصين الشعبية ونائبه.
وباعتباره الهيئة التشريعية العليا للصين، يتولى المجلس الوطني لنواب الشعب السلطة التشريعية للبلاد، وتعديل الدستور ومراقبة تطبيقه، إلى جانب صياغة وتعديل القوانين الأساسية والقوانين الأخرى، وانتخاب واتخاذ القرارات بشأن كبار المسؤولين في الهيئات الإدارية والقضائية والنيابية والعسكرية، وله الحق في إقالتهم، كما يراقب عمل الحكومة بموجب الدستور والقوانين، ويدرس ويتخذ القرارات المتعلقة بقضايا الدولة الأساسية الهامة والطويلة الأمد. وتعتبر كافة الهيئات الإدارية والقضائية والنيابية والعسكرية والمؤسسات الأخرى في الدولة مسؤولة أمام المجلس الوطني لنواب الشعب وتخضع لرقابته. والأهم أن المجلس هو الذي ينتخب رئيس الجمهورية ونائبه، ويقر تعيين رئيس مجلس الدولة.

ينعقد المجلس بكامل هيئته (ما يسمى بالدورة الكاملة) مرة واحدة في ربيع كل سنة بقاعة الشعب الكبرى في تيانآنمن بمدينة بكين، ولهذا فإن له لجنة دائمة يتم انتخابها من قبل أعضائه وتتكون من مائة وأربعة وثلاثين عضوا، وتمارس السلطة التشريعية في الفترة ما بين كل دورتي انعقاد للمجلس بكامل هيئته. ولا يحق لأي عضو من أعضاء اللجنة الدائمة تولي أي وظيفة في الأجهزة التنفيذية والقضائية. والرئيس الحالي للجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني هو السيد تشانغ ده جيانغ. ويتزامن عادة انعقاد الدورة الكاملة للمجلس الوطني لنواب الشعب مع انعقاد الدورة الكاملة للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، وهو جهاز استشاري يمثل أعضاؤه فئات اجتماعية مختلفة، فيما يسمى اختصارا بالاجتماعين أو الدورتين (ليانغهوي بالصينية)، وتستمر الاجتماعات من عشرة أيام إلى أربعة عشر يوما.  

ويُشكل المجلس الوطني لنواب الشعب لجانا خاصة تعتبر أجهزة العمل الدائمة له. وخلال انعقاد المجلس الوطني لنواب الشعب بكامل هيئته، تقوم تلك اللجان بدراسة وفحص ومناقشة ووضع مشروعات القوانين والقرارات المعنية. وخلال الفترة ما بين كل دورتين، تخضع اللجان الخاصة لقيادة اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب. هذه اللجان هي: لجنة القوميات، اللجنة التشريعية، لجنة الشؤون الداخلية والقضائية، لجنة المال والاقتصاد، لجنة التعليم والعلوم والثقافة والصحة العامة، لجنة الشؤون الخارجية، لجنة حماية البيئة والموارد، ولجنة الزراعة والريف.

تنص المادة الرابعة والستين من الدستور الحالي للصين، على أن يكون تعديل الدستور بناء على اقتراح من اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب، أو اقتراح مقدم من أكثر من عشرين في المائة من نواب المجلس، بينما يتم إقرار تعديلات الدستور بأغلبية تتجاوز ثلثي عدد النواب. وقد قام المجلس الوطني لنواب الشعب بتعديل الدستور الصيني أربع مرات في أعوام 1988 و1993 و1999 و2004.

وخلال الدورة الكاملة للمجلس، يكون تقرير عمل الحكومة، الذي يلقيه رئيس مجلس الدولة، محور اهتمام وسائل الإعلام المحلية والعالمية. يستعرض التقرير أعمال الحكومة خلال العام السابق، ويحدد الميزانية وأولويات السياسة الصينية خلال العام، بما في ذلك معدل النمو الاقتصادي المستهدف، وكذلك ميزانية الدفاع الصينية التي تثير سنويا حديثا صاخبا في وسائل الإعلام الغربية. 

في الثامن من ديسمبر عام 1983، قرر الاجتماع الثالث للجنة الدائمة للمجلس الوطني السادس لنواب الشعب الصيني الانضمام للاتحاد البرلماني الدولي. وفي إبريل عام 1984، أعلن الاجتماع الرابع والثلاثون بعد المائة لمجلس الاتحاد البرلماني الدولي رسميا قبول وفد المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني عضوا بالاتحاد.

وسائل الإعلام الغربية التي ما فتئت توجه سمومها نحو الصين، تعتبر مؤسسات الدولة الصينية مجرد هيئات شكلية، وترى أن المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني مجرد أداة من أدوات حكم الحزب الشيوعي الصيني. بيد أن وسائل الإعلام الغريبة تلك، تتلقف كل ما يصدر عن المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، الذي تتصدر أخبار دورة انعقاده السنوية عناوين أخبارها، وخاصة عندما يُعلن عن أرقام ميزانية جيش التحرير الشعبي الصيني. ومرة أخرى وليست أخيرة، لا يريد الغرب أن يستوعب أن ثمة نُظما للحكم غير النظام الغربي. ولكن النظام السياسي الذي قاد الصين إلى صفوف العالم المتقدم يؤكد لكل شعوب العالم، بما فيها الشعوب العربية، أنه عندما يختار الشعب النظام الذي يتفق وظروف بلاده تكون فرص النجاح أكبر كثيرا من محاكاة نظم قد لا تتفق مع تاريخ ومرحلة نمو وثقافة بلاده. ليس بالضرورة أن ينبت في تربة بلادك النبت الذي ترعرع في تربة أخرى، حتى وإن كانت تلك التربة هي الصين. إن الدرس الصيني الذي ينبغي للجميع تأمله جيدا هو أن النظام الغربي ليس نهاية التاريخ، وإنما مجرد مرحلة معينة في بقعة معينة في ظل ظروف معينة من التاريخ. فهل نكتب تاريخنا بدلا من استنساخ ما يكتبه الآخرون؟