لانغ بينغ ساحرة الملاعب

لانغ بينغ، هي واحدة من أفضل لاعبات كرة الطائرة في الصين، والتي تتولى حاليا تدريب منتخب النساء الصيني لكرة الطائرة، والتي حققت نتائج رائعة في هذه اللعبة على مستوى الصين والعالم، فصارت شخصية أسطورية في الأوساط الرياضية الصينية.

البداية   

ولدت لانغ بينغ في خريف عام 1960، في وقت كانت ظروف المعيشة في الصين صعبة للغاية. كانت طفلة ضعيفة البنية، والتحقت بالمدرسة الابتدائية وعمرها سبع سنوات. تميزت شخصيتها بالجمع بين مرح أبناء شمالي الصين ودقة أبناء جنوبي البلاد. كانت أقرب في طبيعتها إلى الذكور عندما تمارس الرياضة البدنية، ولكنها في وقت القراءة والدراسة والراحة كانت فتاة لطيفة هادئة.

والدها من عشاق الرياضة، فكان يغتنم كل فرصة ليصحب لانغ بينغ إلى ملعب العمال في بكين، القريب من بيته، لمشاهدة المباريات التي تقام هناك. تأثرت الفتاة بولع أبيها بالألعاب الرياضية، ولكن الكرة الطائرة كان لها الوقع الأكبر في نفسها. يوما بعد يوم، كانت لانغ بينغ تزداد طولا، حتى صارت مميزة بين زميلاتها. وذات يوم في شهر إبريل سنة 1972، جاء إلى مدرستها مدربو الكرة الطائرة بالمدرسة الرياضية التابعة لملعب العمال لاختيار لاعبين ناشئين، وشاركت الفتاة في سلسلة الاختبارات الصارمة، وفي النهاية تحقق حلمها وتم ضمها للمدرسة التي تعمل في أوقات الفراغ.

بدأت لانغ بينغ تشارك في التدريبات بمدرسة هواة الرياضة في يونيو عام 1974، واستمرت حتى أغسطس من نفس العام. كانت التدريبات سهلة في البداية، ومع زيادة صعوبة التدريبات، واجهت لانغ بينغ تحديا صعبا، خاصة بعد أن ترك عدد من زميلاتها التدريب، ففكرت هي الأخرى أن تتوقف عن التدريبات المملة المتعبة. هنا، قال لها والداها: "المشقات والمتاعب أمر عادي في الحياة. إذا كنت تحبين فعلا الكرة الطائرة، لا ينبغي أن تتوقفي في منتصف الطريق." بفضل تشجيع والديها، ثابرت لانغ بينغ على التدريبات، وبفضل بنيتها الجسدية وتقدم مهارتها السريع، فانتقلت من الدورة التدريبية القصيرة المدى إلى الدورة التدريبية الطويلة المدى، وأصبحت لاعبة رسمية في مدرسة هواة الرياضة.

بعد أن أتمت لانغ بينغ الدراسة في المرحلة الابتدائية وانتقلت إلى المرحلة الإعدادية في عام 1974، وجدت في مدرستها الجديدة العديد من الفرق الرياضية منها فرقة الجمباز وفرقة ألعاب القوى وفرقة السباحة وفرقة كرة السلة وفرقة الكرة الطائرة وفرقة كرة الطاولة، وبالطبع انضمت إلى فرقة الكرة الطائرة. لم تكن لانغ بينغ تشبه الفتيات في التدريبات، فكانت لا تخشى الصعوبات، بل وتثابر على التدريب، حتى وإن كانت ذراعاها متورمتين.

اجتازت لانغ بينغ اختبار اختيار اللاعبات بالمدرسة الثانية للرياضة البدينة في بكين في خريف عام 1974 لتصبح لاعبة متخصصة في الكرة الطائرة. أكملت لانغ بينغ كل التدريبات الأساسية بشكل جيد، قبل أن يتم ضمها إلى فريق بكين للكرة الطائرة، وبدأت تصعد إلى قمة اللعبة منذ ذلك الوقت.

في عام 1978، وبعد خمس سنوات من التدريب، انضمت لانغ بينغ إلى منتخب الصين للكرة الطائرة. وعلى المستوى الدولي، كانت لانغ بينغ من "أفضل ثلاث لاعبات لإرسال الكرة الطائرة في العالم". في الصين، اشتهرت لانغ بينغ بلقب "تيه لانغ تو" أي "المطرقة الحديدية"، وفي الفترة من عام 1984 إلى عام 1986، حصل منتخب سيدات الصين للكرة الطائرة على خمس ميداليات ذهبية متتالية لماسابقات الكرة الطائرة؛ في بطولة كأس العالم للكرة الطائرة عام 1981 وعام 1985، وبطولة العالم للكرة الطائرة عام 1982 وعام 1986، ودورة الألعاب الأولمبية عام 1984، وقد ساهمت لانغ بينغ في الفوز بأربع ميداليات ذهبية منها.

الاعتزال في القمة

بعد الحصول على الميدالية الذهبية الرابعة لها، وكذلك للمنتخب الصيني للكرة الطائرة في نهاية عام 1985، قررت لانغ بينغ اعتزال اللعب وعمرها خمسة وعشرون عاما، وهو العمر الذي يمثل قمة الأداء للاعبي الكرة الطائرة، فلماذا اعتزلت؟

كانت "الميدالية الذهبية العالمية" هي الهدف لمدربي ولاعبات المنتخب الصيني للكرة الطائرة قبل اعتزال لانغ بينغ هو، ولا يقتنعون أبدا بالميدالية الفضية. كانت لانغ بينغ عنصرا هاما في الفريق، وتولت مسؤوليات أكبر. في بطولة آسيا للكرة الطائرة للسيدات في نوفمبر عام 1983، خسر منتخب الصين أمام نظيره الياباني في المباراة النهائية وحصل على الميدالية الفضية. ورغم أن لانغ بينغ حصلت على جائزتي "أفضل لاعبة" و"أفضل لاعبة لإرسال الكرة"، أرادت التخلي عن ميداليتيها بسبب هزيمة فريقها في المباراة النهائية التي ظلت كابوسا يؤرقها.

كان التوتر رفيق لانغ بينغ قبل المباريات، فكتبت في يومياتها قبل أولمبياد لوس أنجليس عام 1984: "أعرف أنني أواجه قلة النوم، لكنني أفكر في المباريات، أتخيل أحوال المباريات. هل يمكنني أن أعالج كل المشاكل؟ بعض المشاكل سهلة، لكن بعض المشاكل لا حل لها، فما العمل؟"

إضافة إلى الضغط النفسي، عانت لانغ بينغ من الإصابات. بالنسبة للاعبات الكرة الطائرة، كانت الإصابات أمورا بسيطة حينذاك. حاليا، مازالت الإصابة القديمة في ركبتها خطيرة، وقد أجرت سبع عمليات جراحية لها.

في الحقيقة، الأكثر خطورة من إصابة ركبتها كان الألم في خصرها. قالت لانغ بينغ إنها كانت تقلق من الشعور بالألم في خصرها أثناء المباريات.

بالإضافة إلى ذلك، كان يُغمي عليها دائما بسبب الإرهاق الشديد ونقص الأكسجين في الدماغ. وذات مرة، في فترة بطولة كأس العالم للكرة الطائرة عام 1985، كانت لانغ بينغ لم تستطع إكمال العشاء بسبب نقص الأكسجين في دماغها، واضطرت للاضطجاع على مقعد طويل.

العوائق الجسدية والفكرية وعدم التكيف مع أسلوب التدريب بعد تغيير مدربي الفريق الوطني ورغبتها في الزواج والسفر إلى الخارج، كلها عوامل جعلت لانغ بينغ تقرر الاعتزال.

ساحرة الملاعب تواجه النزاع

بعد الاعتزال، كانت لانغ بينغ تدرس في كلية اللغة الإنجليزية بجامعة بكين للمعلمين، وسافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1987، حيث درست في جامعة نيو مكسيكو، وحصلت على درجة الماجستير، ثم لعبت الكرة الطائرة في الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا على التوالي.

بدأت لانغ بينغ العمل في مجال التدريب في عام 1989 بإيطاليا، وقادت ناديا إيطاليا للحصول على ميدالية ذهبية في بطولة كأس إيطاليا للكرة الطائرة. عادت إلى منتخب الصين للكرة الطائرة عام 1990، وقادته للفوز بالميدالية الفضية في الدورة الحادية عشرة لبطولة العالم للكرة الطائرة للسيدات عام 1990. ثم قادت فريق السيدات للكرة الطائرة بجامعة نيو مكسيكو للحصول على الميدالية الذهبية في مسابقة الكرة الطائرة للسيدات بشرقي الولايات المتحدة الأمريكية.

بعد عشر سنوات من الاعتزال، عادت لانغ بينغ إلى موطنها، وبدأت بتدريب منتخب الصين للسيدات للكرة الطائرة في وقت كان تصنيفه العالمي قد تراجع إلى المركز الثامن.

ما إن تولت لانغ بينغ منصبها، حتى بدأت في اختيار اللاعبات في قاعدة ليوتشو للتدريبات، ثم شكلت فريقا شاملا وبدأت التدريبات الجماعية. لكن المستوى الأساسي للاعبات كان ضعيفا حينذاك، فأخذت لانغ بينغ تعلمهن من البداية، وبعد سنة ونصف، دفعت لانغ بينغ فريقها إلى منصة التتويج في أولمبياد أتلانتا عام 1996، بالفوز بالميدالية الفضية.

في الحقيقة، شعرت لانغ بينغ بتعب شديد بعد أولمبياد أتلانتا. قالت: "كان الصينيون ينتظرون نتيجتي بعد عودتي إلى البلاد، فكنت أتحمل مسؤولية كبيرة، لكن مستوى الفريق لم يكن ممتازا، فلم أفكر في أي شيء إلا الكرة الطائرة ليلا ونهارا، ولم أستطع نوما إلا قليلا."

بذلت لانغ بينغ جهودها في تدريب اللاعبات الصينيات، وفاز منتخب السيدات بالميدالية الفضية في بطولة العالم للكرة الطائرة للسيدات عام 1998 والميدالية الذهبية في مسابقة الكرة الطائرة في دورة الألعاب الآسيوية في بانكوك، ولكن لانغ بينغ قررت المغادرة بسبب المعاناة من الضغوط ورغبتها في البحث عن هدف وتجربة جديدة.

عملت لانغ بينغ في الخارج، وفازت بميداليات ذهبية في دوري إيطاليا للكرة الطائرة عام 2000، ودوري أبطال أوروبا للكرة الطائرة للسيدات عام 2001 ودوري إيطاليا للكرة الطائرة وبطولة كأس إيطاليا للكرة الطائرة عام 2002، وبطولة كأس السوبر الإيطالي للكرة الطائرة ودوري إيطاليا للكرة الطائرة عام 2004.

 فاز منتخب السيدات الأمريكي للكرة الطائرة بالميدالية الفضية بقيادة لانغ بينغ في أولمبياد بكين عام 2008. لم تفكر لانغ بينغ قبل وصولها إلى بكين مع الفريق الأمريكي أن نتيجة المنتخب الأمريكي بقيادتها قد تغضب الجمهور الصيني منها. ولكن، انهالت الانتقادات الموجهة ضدها على الإنترنت، وقال بعضهم: "لقد فقدت لانغ بينغ روحها الوطنية".

قالت لانغ بينغ: "تدريبي لمنتخب النساء الأمريكي للكرة الطائرة لم يكن من أجل التغلب على المنتخب الصيني. أنا قبلت العمل كمدربة محترفة مع الفريق الأمريكي، وأتمنى أن أقدم مساهمات للكرة الطائرة في العالم. ما أريد أن أقوله للجمهور هو أن لانغ بيغ تتبع وتنتمي للصين، مهما كنت في أي مكان، أتذكر دائما أنني صينية."

عادت لانغ بينغ إلى بلدها مرة أخرى في عام 2009، حيث تولت تدريب فريق قوانغدونغ هنغدا، وقادته للفوز بالميدالية الذهبية لدوري الدرجة الثانية للكرة الطائرة للسيدات في الصين لموسم 2009- 2010، والميدالية الفضية لدوري الدرجة الأولى للكرة الطائرة للسيدات في الصين لموسم 2010-2011 وموسم 2011- 2012 وموسم 2012- 2013.

في إبريل من عام 2013، تم اختيار لانغ بينغ لتدريب منتخب سيدات الصين للكرة الطائرة، ففتحت صفحة جديدة لهذا الجيل للمنتخب الصيني.

في بطولة كأس العالم للكرة الطائرة 2015، ساعدت لانغ بينغ فريقها للعودة إلى قمة العالم مرة أخرى، بفضل خبرتها الدولية وأسلوبها في التعامل مع اللاعبات.

ستقام أولمبياد ريودي جانيرو في أغسطس 2016، ويستعد منتخب سيدات الصين للكرة الطائرة بقيادة لانغ بينغ لهذه الدورة، ونتمنى أن تحقق لانغ بينغ ولاعباتها نتيجة ممتازة فيها.