طريق التعاون الصيني- العربي يزداد اتساعا

يقول الصينيون: "عمل سنة يعتمد على حسن التدبير في الربيع". الربيع فصل حيوي وموسم بذر الحبوب.

في مارس من كل عام، تعقد الدورة السنوية للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني وللمجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، "الدورتان اختصارا"، في بكين، لاستعراض وفحص عمل الحكومة في السنة السابقة، ومناقشة وإقرار خطط عمل الحكومة في السنة المقبلة. تتمتع "الدورتان" في هذا العام بمغزى غير عادي، لأن عام 2016 هو العام الأول لتطبيق "الخطة الخمسية الثالثة عشرة" وعام كفاح حاسم لتحقيق المجتمع الرغيد الحياة على نحو شامل ("شياوكانغ" بالصينية)، وعام هام لممارسة دبلوماسية الدولة الكبرى ذات الخصائص الصينية. "الخطة الخمسية الثالثة عشرة" هي أول "خطة خمسية" تضعها المجموعة القيادية المركزية برئاسة الرئيس شي جين بينغ، وهي الاندفاع الأخير لتحقيق هدف "المئوية الأولى" أي تحقيق المجتمع الرغيد الحياة على نحو شامل، وهي أيضا مرحلة حاسمة لتحقيق نهضة الأمة الصينية. "الدورتان" في هذا العام سوف تدفعان تنفيذ المفاهيم التنموية التي حددتها "الخطة الخمسية الثالثة عشرة"، وهي: "الإبداع والتناغم والخضرة والانفتاح والمنفعة المشتركة"، في وقت دخلت فيه التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالصين الوضع الطبيعي الجديد. تجسد هذه المفاهيم الخمسة فكر واتجاه ومحور جهود تنمية الصين خلال فترة "الخطة الخمسية الثالثة عشرة"، بل ولفترة أطول.

مفاهيم جديدة

"الإبداع" هو القوة المحركة للتنمية في المستقبل. تشير "الخطة الخمسية الثالثة عشرة" إلى أنه يجب اعتبار الإبداع نقطة أساسية، وتشكيل الإطار والهيكل لدفع الإبداع، واعتماد التنمية على الإبداع. بجانب ذلك، يجب بذل الجهود في الإصلاح الهيكلي للإمداد، ورفع نوعية وفعالية نظام الإمداد، وتحسين تركيبة العناصر، وتحفيز نشاطات الإبداع وخلق فرص العمل، وإطلاق العنان للطلب الجديد، وخلق الإمدادات الجديدة، ودفع تطور التكنولوجيا والصناعات والمهن الجديدة. سوف تطبق الحكومة مشاريع التكنولوجيا الهامة المتعلقة بمستقبل الصين على المدى الطويل، وتسرع في بناء منصات الإبداع الأساسية باعتبار المختبرات الوطنية رائدة لها، وفي تطبيق ((صنع في الصين 2025))، وفي خلق ظروف السوق والآليات الملائمتين للإبداع.

"التناغم" هو المفتاح. يجب السعي إلى ترقية التناغم والتوازن للتطور والتنمية  الاقتصادية والاجتماعية في الفترة الجديدة، وتوسيع حيز التنمية بشكل متناغم، وزيادة القوة خلال ترقية المجالات الضعيفة. سوف تكمل الصين نظام وآلية التكامل بين المناطق الحضرية والريفية، وتدفع تحولا حضريا جديدا جوهره الإنسان، وتعمق إصلاح نظام الإقامة الدائمة المسجلة ("هوكو" بالصينية)، وتدفع التوزيع المتوازن للموارد العامة في المدن والأرياف، وتعزز تغطية الخدمات العامة من المناطق الحضرية إلى المناطق الريفية. كل ذلك هو ما يتطلع إليه الشعب، وسوف يأتي بقوة دافعة هائلة للتطور والتنمية في المستقبل.

"التنمية الخضراء" هي الطريقة الوحيدة لتحقيق التنمية المستدامة. خلال السنوات الأخيرة، اهتمت الصين أكثر بتوفير الطاقة وتقليل الانبعاثات، والإسراع في بناء طرق الإنتاج والاستهلاك الموفرة للموارد والصديقة للبيئة، وحققت في ذلك تقدما كبيرا، لكن الوضع العام ما زال صعبا والقضايا البيئية الرئيسية ما زالت شديدة. مطالب الشعب بالهواء المنعش والماء النقي والطعام الآمن والبيئة الجميلة، أصبحت أكثر إلحاحاً. سيتم وضع بناء الحضارة الإيكولوجية في مكانة بارزة في التنمية بالمستقبل. وفي "الخطة الخمسية الثالثة عشرة"، هناك كثير من مفاهيم وإجراءات الخضراء. سوف تواصل الصين الجهود لتوفير الطاقة وتقليل الانبعاثات وتحسين هيكل الطاقة وترقية تكنولوجيا صناعة الطاقة، وتكمل نظام إعادة استخدام الطاقات وتوفيرها، وتعزز تنمية الاقتصاد المنخفض الكربون، وتعزز قوة معالجة المشكلات البيئية وحماية البيئة وتجديدها، وتقيم وتكمل نظام الحضارة الإيكولوجية والبناء القانوني لها.

"الانفتاح" قوة محركة لا تنضب للتنمية، تثبت ذلك مسيرة أكثر من ثلاثين عاما من الإصلاح والانفتاح بالصين. ليس للإصلاح والانفتاح نهاية، لأنهما عملية دائمة. سوف تكمل الصين خطة استراتيجية للانفتاح الخارجي وتشكل نظاما جديدا للانفتاح الخارجي. تلتزم الصين بمبادئ "النقاش المشترك والبناء المشترك والمنفعة المشتركة" لدفع بناء "الحزام والطريق". "الحزام والطريق" يغطي منطقة أوراسيا وبعض مناطق في أفريقيا. من جانب،  سوف يحسن "الحزام والطريق" حيز تنمية الاقتصاد الصيني بشكل عميق، ويدفع الانفتاح الخارجي في المناطق الوسطى والغربية والساحلية للصين، ويعزز تحول وترقية الاقتصاد الصيني المفتوح في مناطق شرقي الصين الساحلية، لكي يشكل المعادلة الجديدة المتمثلة في التخطيط البحري- البري وتبادل التفوقات بين الشرق والغرب والتوجه نحو العالم. ومن جانب آخر، "الحزام والطريق" حزام اقتصاد ناشئ هو الأطول مسافة وامتدادا والأوسع مجالا في العالم، يربط بين الدائرة الاقتصادية لآسيا- المحيط الهادئ والدائرة الاقتصادية لغربي آسيا- أفريقيا والدائرة الاقتصادية الأوروبية، وسوف يكون نقطة تنموية جديدة للاقتصاد العالمي، ويبني "رابطة المصالح المشتركة" و""رابطة المصير المشترك" المتمثلين في الفوز المشترك والمنفعة المتبادلة والازدهار المشترك.

"المنفعة المشتركة" هدف وغاية نهائية للتنمية. يتمسك إصلاح الصين وتنميتها بمبادئ: التنمية للشعب، التنمية تعتمد على الشعب، الشعب يتمتع بثمار التنمية. في الخمس سنوات المقبلة، سوف تطبق الصين تخفيف حدة الفقر والخروج من الفقر بصورة دقيقة لسبعين مليون فقير، وتساعدهم في تحقيق الحياة الرغيدة؛ وتعزز الخدمات العامة بما فيها التعليم الإلزامي والتوظيف والطب والمعاشات، وتبذل جهودها في تغطيتها الشاملة وتحقيق التأمين الشامل، وتخطيط تأمين المعاشات والرعاية الطبية حتى 2020؛ وتحقيق المساواة والعدالة وضمان حقوق الشعب بالمشاركة والنمو بصورة متساوية.

تنمية الصين تتيح فرصا جديدة للتعاون الصيني- العربي

التنمية الاقتصادية الصينية تحت إرشاد المفاهيم الجديدة سوف تأتي بفرص جديدة لتعميق التعاون الصيني- العربي. أولا، "الخطة الخمسية الثالثة عشرة" جاء فيها: يجب رفع مستوى ونوعية التجارة الخارجية وتطبيق سياسة الاستيراد الإيجابية؛ تحسين قانونية وعولمة وتيسير ظروف التجارة، تخفيف القيود المفروضة على النفاذ إلى الأسواق، تطبيق المعاملة الوطنية قبل الوصول ونظام القائمة السلبية، ودعم الشركات الصينية لتوسيع استثمارها الخارجي. سوف تصبح السوق الصينية أكثر انفتاحا، وسوف تحصل الشركات الأجنبية على بيئة تنافسية أكثر عدالة وشفافية. سوف تزيد الشركات الصينية جهود "الخروج"، وسوف يستثمر المزيد من الشركات الصينية خارج الصين، الأمر الذي يقدم بالتأكيد فرصا أكثر للدول العربية التي تشهد تحولات. يمكن للجانبين إبداع مجال التعاون، تعميق التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والطاقة والاستثمار والاتصالات واستخدام الطاقة النووية السلمية وتحلية المياه وغيرها من المجالات المختلفة في إطار "الحزام والطريق".

ثانيا، التعاون المالي سوف يضخ دماء جديدة للتعاون الثنائي. "الخطة الخمسية الثالثة عشرة" تقترح تسريع إصلاح النظام المالي، توسيع الانفتاح في اتجاهين للصناعة المالية، تنشئة سوق مالية صحية وشفافة. وبالإضافة إلى ذلك، قرر صندوق النقد الدولي جعل الرنمينبي ضمن حقوق السحب الخاصة لعملاته، لذا، تتسارع عولمة الرنمينبي، ويتعزز انفتاح السوق المالية الصينية بشكل مستقر تدريجيا. يمكن للصين والدول العربية تعزيز التعاون الثنائي في المنظمات المالية المتعددة الأطراف مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي دعت الصين لإنشائه، والذي بدأ عمله. هناك سبع دول عربية أعضاء مؤسسة في هذا البنك، ولا شك أنه يضخ دماء جديدة لنظام الإدارة الاقتصادية بالعالم. تتسارع خطى استثمار الصين بالخارج، وفي نفس الوقت فإن الصناديق السيادية العربية قوية جدا، فيمكن للطرفين توقيع المزيد من اتفاقيات تبادل العملات والاستثمار المتبادل وتوسيع حجم التسويات بالرنمينبي وتسريع عملية تسهيل الاستثمار، وإرشاد صناديق الاستثمار والأموال الاجتماعية للمشاركة في مشاريع هامة في بناء "الحزام والطريق".

ثالثا، الصين تدفع بناء "الحزام والطريق" على نحو شامل، وتعزز الارتباطات الاستراتيجية التنموية مع الدول على طوله، وتم توقيع اتفاقيات تعاونية مع أكثر من عشرين دولة. إن الدول العربية التي تقع في ملتقى "الحزام والطريق" غربا شريك تعاون استراتيجي طبيعي. يجب على الصين والدول العربية تعزيز التعاون الثنائي في مجال التكنولوجيا العالية والجديدة، تنشئة قوة محركة جديدة، تسريع عملية نقل التكنولوجيا العالية والجديدة، بما فيها القطار الفائق السرعة والطاقة النووية والطيران الفضائي والطاقة الجديدة والهندسة الوراثية، استنادا إلى الأرض العربية واعتمادا على مراكز نقل التكنولوجيا ومراكز التدريب المقامة، ورفع نوعية التعاون العملي بين الصين والدول العربية. يمكن استكشاف نمط تعاون- "النفط، القروض، المشروعات"، وتمديد سلسلة تعاون النفط والغاز الطبيعي التقليدية، وتعزيز التعاون في استثمار مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة. الصين لديها خبرة وافرة في بناء المناطق الاقتصادية والصناعية، وتسهم في بناء المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، فتتمتع بقدرة على بناء منطقة صناعية لدول الشرق الأوسط، وتحقق تكامل التصنيع والنقل والتصدير عبر تدريب العمالة والتخطيط المشترك وإنشاء المصانع المشتركة، الأمر الذي يساعد في دفع تصنيع الدول العربية وإجراء تعاون في قدرة الإنتاج. التعاون في قدرة الإنتاج يتماشى مع اتجاه الدول العربية إلى تنويع اقتصاداتها، ويساعدها في خلق طريق التصنيع الاقتصادي الجديد الأخضر. حاليا، كل من الصين والدول العربية تسعى لتعزيز مشاريع بناء المنشآت التحتية ومشاريع الاتصالات والتبادلات، وهذه المشاريع الكبيرة الحجم لا يمكنها الاعتماد التام على استيراد المواد الخام والأجهزة، ومن الضروري أن يجري التصنيع المحلي. إن التعاون بين الصين والدول العربية في قدرة الإنتاج، لا يساعد الدول العربية في حل قضية نقص قدرة الإنتاج فحسب، وإنما أيضا في توفير العملة الصعبة. يمكن إنشاء خطوط الإنتاج الناقصة والعملية أو بناء منطقة صناعية لتعميق تصنيع المواد، وإمداد السلسلة الصناعية وسلسلة القيمة، دفع التعاون الثنائي بين الشركات المتوسطة والصغيرة ودفع تطور الصناعات المعنية، وتعزيز التطور والازدهار المحلي الكلي والتنمية المشتركة.

رابعا، في الفترة الجديدة، تتمسك الصين بالتنمية الخضراء، وتسرع في بناء المجتمع الموفر للطاقة والصديق للبيئة، وتدفع بناء نظام صناعي للتنمية الدورية والخضراء والمنخفضة الكربون، وهذا لا يساهم في ضمان السلامة الإيكولوجية عالميا فحسب، وإنما أيضا يأتي بفرص تاريخية جديدة لتوسيع مجالات التعاون بين الصين والدول العربية، ودفع تعديل الصناعات وخلق عملية التعاون الإبداعي. يجب على الطرفين تعزيز نمط التعاون الجديد: "النفط والغاز الطبيعي+"، وحفز إمكانية التعاون الجديدة، تقوية تعاون السلسلة الصناعية من الأعلى إلى الأسفل، ومواصلة توقيع اتفاقيات شراء النفط على المدى الطويل، لكي يتم بناء علاقة التعاون الاستراتيجي المتمثلة في المنفعة المتبادلة والصداقة الطويلة الأمد وتوسيع حيز التعاون.

تيار العصر مع السلام والتنمية والتعاون والفوز المشترك، قد أصبح أقوى في العالم حاليا، والتوجه يسير نحو السلام والتنمية. تعتبر الصين أكبر دولة نامية وتعتبر الدول العربية مجموعة دول نامية هامة، وكلاهما قوة بناءة تحافظ على سلام العالم وتدفع تنميته. كل أمر يريده ويدعمه معظم الناس سوف يتكلل بالنجاح. علينا أن نغتنم الفرص الحالية، لكي نكون قوة دافعة لتنمية وتصنيع الشرق الأوسط وداعما لاستقراره. كل من الحضارة الصينية والحضارة العربية تحتوي على المفاهيم المشتركة والطموح المشترك خلال مسيرة تقدم البشرية، وكلتاهما تساهمان مساهمة كبيرة في تطور وازدهار البشر. في طريق السعي لنهضة الأمة، المصير المشترك يربط الصين بالدول العربية. يمكن القول إن العصر الحالي هو فترة ذهبية، فعلينا أن نبذل جهودنا يدا بيد لتعميق التعاون الودي الصيني- العربي، ودفع قضايا السلام والتنمية للبشرية.