زيارة الرئيس شي لكل من مصر والسعودية

تلبية لدعوة من زعيمي مصر والسعودية، قام الرئيس شي جين بينغ، رئيس جمهورية الصين الشعبية بزيارة رسمية لكل من جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية في يناير 2016. وقد عملت سابقا في مصر والسعودية كسفير للصين لدى هذين البلدين، ولهذا سعدت كثيرا بهاتين الزيارتين تسعدني.

يصادف هذا العام الذكرى السنوية الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين ومصر، أنه عام كبير المغزى ونقطة هامة في تاريخ تطور العلاقات الصينية- المصرية والعلاقات الصينية- العربية. إن مبادرة "الحزام والطريق" التي طرحها الرئيس شي قبل سنتين تسعى لكسب التوافق العام بين الصين ومصر وبين الصين والدول العربية، وتدخل مرحلة التطبيق الملموس، وفي نفس الوقت، تم تأسيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وبدأ عمله. من الدول المؤسسة لهذا البنك، سبع دول عربيها من بينها مصر والسعودية. وقد دفعت جولة الرئيس شي العربية التفاهم والتعاون الثنائي على نحو عميق، وارتقت التعاون الاستراتيجي الثنائي، وصارت معلما تاريخيا جديدا للعلاقات الصينية- العربية.

العلاقات الصينية- المصرية ترجع إلى تاريخ طويل ولها آفاق واسعة

مصر هي أول دولة عربية أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين وأول دولة نامية أقامت علاقات التعاون الاستراتيجية نحو القرن الواحد والعشرين مع الصين.. في نهاية عام 2014، أقامت الصين علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع مصر، فأصبحت العلاقات الصينية- المصرية نموذجا ناجحا للتعاون الصيني- الأفريقي والتعاون الصيني- العربي والتعاون بين بلدان الجنوب. بعد تولي منصبه كرئيس لمصر، زار الرئيس عبد الفتاح السيسي الصين مرتين، وحضر فعاليات الذكرى السنوية السبعين لانتصار حرب مقاومة الشعب الصيني ضد العدوان الياباني والحرب العالمية ضد الفاشية. إلى جانب ذلك، وقعت الصين ومصر ((الاتفاق الإطاري للتعاون في قدرة الإنتاج))، وهذا الاتفاق يحدد اتجاه التعاون العملي الثنائي في الفترة الجديدة، ويزيد مفهوم الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين ومصر. مع تطبيق الصين لمبادرة "الحزام والطريق" والتطوير السريع لمشروع "تنمية محور قناة السويس" في مصر، يتمتع الهدف الاستراتيجي ومفهوم التنمية للجانبين بنقاط التقاء كثيرة، وهو ما يعني نقطة نمو جديدة لتطور العلاقات الثنائية في الفترة الجديدة. من أجل تحقيق الحلم المشترك لازدهار الوطن ونهضة الأمة وسعادة الشعب، تدفع الصين ومصر التعاون العملي الثنائي بقوة، وتظهر إمكانيات التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والمنشآت التحتية والطاقة والنقل والتعليم الإنساني وغيرها من المجالات الأخرى باستمرار. في عام 2014، بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والصين 6ر11 مليار دولار أمريكي، مسجلا رقما قياسيا تاريخيا جديدا. وفي عام 2015، وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 7ر11 مليار دولار أمريكي بزيادة قدرها 13% عن العام السابق. وبذلك تكون آفاق التطور للعلاقات الثنائية أكثر إشراقا.

فرصة تاريخية جديدة للتعاون الصيني- العربي

ظلت الصين والدول العربية تحترم وتعتمد على بعضها البعض، وتتمسك بتعاون المنفعة المتبادلة والتنمية المشتركة. قبل ألف سنة، بدأت الحضارة الصينية التبادلات والاتصالات مع الحضارة العربية والحضارة الإسلامية عبر طريق الحرير القديم، وهي مستمرة حتى اليوم. في القرن الجديد، بسبب عولمة الاقتصاد ومعلوماتية المجتمع، أصبح العالم صغيرا، العلاقات الصينية- العربية التي تقوم على أساس الاحترام المتبادل والفوز المشترك تحقق تطورا كبيرا، خاصة أنه في عام 2004، تأسس منتدى التعاون الصيني- العربي وارتقت العلاقات الثنائية إلى مستوى استراتيجي أعلى من التعاون الشامل والتنمية المشتركة. إزاء التغيرات الكبيرة بالعالم العربي وتحولات مجتمعاته، الصين تتمسك بقوة بموقفها ومبدئها الثابت: أولا، تتفهم الصين آمال ومتطلبات شعوب الدول بالإصلاحات، وتحترم إرادة واختيار الشعوب، وتعارض التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية، وتتمسك بالدعوة الثابتة إلى حل الصراعات عبر الحوار والطرق الدبلوماسية، وترفض بشدة حل الصراعات عن طريق العنف؛ ثانيا، تعزز الصين دفع حل القضايا الساخنة في منطقة الشرق الأوسط بالوسائل السياسية والدبلوماسية، وتدعم تحقيق السلام الإقليمي بقوة؛ ثالثا، تؤيد الصين الدول العربية في اختيار طرق تنميتها بشكل مستقل، وتزيد الاتصالات حول الحكم والإدارة مع الدول العربية؛ رابعا، كانت الصين، ومازالت، توفر مساعدات اقتصادية وتقنية وإنسانية للدول المعنية؛ خامسا، تدعو الصين إيجابيا وتدفع بقوة الاتصالات الإنسانية والتبادل الحضاري. كل ذلك يسهم في دفع التقدم والتطور المستمرين للعلاقات الثنائية في ظل التغيرات.

في الوقت نفسه، تأتي تغيرات الوضع الدولي والأزمة المالية العالمية ووضع الأمن الإقليمي، بتحديات جديدة للصين والدول العربية في مجالات تحقيق السلام والاستقرار، دفع تنمية الاقتصاد، الطاقة والموارد، والبيئة الإيكولوجية وغيرها. فأصبحت كيفية تحقيق التنمية المستدامة متابعة مشتركة وطلب مشترك للجانبين. في سبتمبر عام 2013، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة استراتيجية لبناء "الحزام الاقتصادي على طول طريق الحرير"، ثم في أكتوبر عام 2013، طرح مبادرة استراتيجية لبناء "طريق الحرير البحري للقرن الواحد والعشرين"، وكلاهما يجسد مفهوم التعاون الجديد والفكرة الاستراتيجية ووجهة النظر العالمية المتميزة لزعيم الصين.

في يناير عام 2014، عندما التقى الرئيس شي مع وفد مندوبي مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أكد أن الدول العربية التي تقع في التقاطع الغربي لـ"الحزام والطريق"  شريك تعاون طبيعي وهام للصين. تهتم الصين اهتماما كثيرا بالتعاون الثنائي في بناء "الحزام والطريق". وفي الخامس من يونيو عام 2014، في المؤتمر الوزاري السادس لمنتدى التعاون الصيني- العربي، طرح الرئيس شي دعوة هامة لبناء "الحزام والطريق" على أساس مبادئ "التشاور المشترك والبناء المشترك والمنفعة المتبادلة".

حاليا، البناء المشترك لـ"الحزام والطريق" أصبح خطا رئيسيا للتعاون الصيني- العربي في الوضع الجديد، وسوف يرفع مستوى التعاون الثنائي في مجالات الاقتصاد والتجارة والطاقة والمنشآت التحتية والتكنولوجيا العالية وغيرها. مراكز التعاون التي دعا الرئيس شي إلى إنشائها تم تطبيقها في الدول العربية، وهذا لا يساعد في توثيق العلاقات الصينية- العربية، واتحاد المصالح المشتركة والمصير المشترك فحسب، وإنما أيضا يدفع ابتكار النظم الداخلية ويستفيد من إمكانية الطلب المحلي ويزيد القوة الداخلية المنشأ ويخلق نقاط التنمية الاقتصادية الجديدة. تطلعا إلى المستقبل، تتيح الصين والدول العربية فرصة تاريخية لتعميق تعاون المنفعة المتبادلة وتحقيق التنمية المشتركة.

التعلم الصيني- العربي المتبادل في التواصل الإنساني مهمة هامة وطريق طويل

بالنسبة إلى البناء المشترك لـ"الحزام والطريق"، الاتصالات الإنسانية هي العماد والأساس، ويجب التمسك بالتعاون العملي والاتصالات الإنسانية معا. "الحزام والطريق" هو طريق التعاون العملي وطريق التبادلات الثقافية. كل من الصين والدول العربية هي مهد هام للحضارة البشرية، ومصدر الثقافة المتميزة الرائعة، ويمكن التعلم من بعضهما البعض. ساهمت حضارات الصين ومصر القديمة وبابل القديمة مساهمة كبيرة وفريدة في تطور الحضارة البشرية. رغم اختلاف التاريخ والثقافة والنظام الاجتماعي ونمط التنمية بين الصين والدول العربية، ترجع التبادلات الثقافية الثنائية إلى تاريخ طويل، وتدعو إلى تعددية الحضارات والتعلم المتبادل والحوار بين الحضارات المختلفة. وفي العصر الحديث، التبادلات الثقافية بين الصين والدول العربية الأخرى أضحت أكثر نشاطا، تم توقيع اتفاق وخطة تنفيذية سنوية مع معظم الدول العربية في مجالات الثقافة والتربية والتعليم والصحة، بجانب إرسال وفود ثقافية، وإقامة سلسلة من الفعاليات الثقافية، وإجراء التعاون الإعلامي والتبادلات الدينية والأكفاء، وإنشاء أجهزة الدراسة، وتنفيذ تبادلات تعليم اللغة والبحث الدراسي. تعزيز التبادلات الثقافية لا يصلح لتعزيز العلاقات الودية الثنائية فقط، بل يساعد في تخفيف الصراعات الدولية وبناء العالم المتناغم. حاليا، أتمت الصين إنشاء تسعة عشر معهد وفصل كونفوشيوس في منطقة الشرق الأوسط، وفي عام 2013  كان عدد الطلبة العرب الوافدين للصين أكثر اربع عشرة مرة مقارنة عما كان في عام 2003.

المصالح المشتركة قوة محركة حيوية مستمرة تدفع التعاون الصيني- العربي. لكن، الوضع المعقد المضطرب في منطقة الشرق الأوسط والاختلافات بين الحضارات الدولية المختلفة، يجعل الجانبين يواجهان تحديات جديدة. لذا، فإن دفع التبادلات والتعلم والاحترام المتبادل، أمامه مهمة هامة وطريق طويل. إن جولة الرئيس قد ربطت "الحلم الصيني" بخطط الدول العربية لتحقيق تحول التنمية بصورة وثيقة، وتدفع نهوض الأمتين العظيمتين، وكتبت فصلا جديدا للتواصل بين الحضارتين الصينية والعربية. في المستقبل، سوف تعمق الصين تعاونها مع والدول العربية الأخرى، وتعزز الشراكة  الاستراتيجية الثنائية الشاملة إلى فترة جديدة، وتبني وحدة المصالح المشتركة والمصير المشترك.