الصينيون بعد أن طالت أعمارهم

في الثاني والعشرين من شهر ديسمبر 2015، أعلن رئيس لجنة الصحة وتنظيم الأسرة في الصين، الوزير لي بن، أن متوسط العمر المتوقع للفرد في الدولة الأكثر سكانا بالعالم في سنة 2015 وصل إلى 83ر75 سنة، بزيادة سنة واحدة عما كان عليه في سنة 2010.  وقال المسؤول الصيني، في التقرير الذي قدمه حول إصلاح النظام الصحي في الصين، إن معدل وفيات السيدات الحوامل انخفض من 2ر34 في المائة ألف سنة 2008 إلى 7ر21 في المائة ألف سنة 2014، كما انخفضت نسبة وفيات الرضع من 9ر14 في الألف إلى 9ر8 في الألف خلال الفترة ذاتها.

وحسب تقرير "صحة وثروة الصينيين في 2015" الذي أصدرته شركتا الإنترنت الصينيتان "قودنغ" و"واتسي" في الثاني والعشرين من ديسمبر 2015، فإن الصينيين الذين تتراوح دخولهم السنوية بين مائتي ألف وخمسائة ألف يوان، ينفق الفرد منهم 2445 يوانا في السنة على الرياضة واللياقة البدنية.

لقد طالت أعمار الصينيين كثيرا، فبعد أن كان متوسط العمر المتوقع للفرد الصيني سنة 1949، عندما تأسست الصين الجديدة، ستة وثلاثين عاما، وصل في سنة 1999 إلى 55ر68 عاما  وفي عام 2000 وصل إلى 4ر71 سنة قبل أن يقترب في عام 2015 من عتبة الستة والسبعين عاما. النساء في الصين، كما هو الحال في كل العالم، أطول عمرا من الرجال. ويزيد العمر المتوقع للمواطن الصيني في المدن عن الريف، حيث مازال التفاوت بين أهل المدن والريف في مستوى المعيشة والظروف الصحية كبيرا.

 الصين، التي بلغ عدد سكان برها الرئيسي مليارا وثلاثمائة وخمسة وثمانين مليون نسمة، أصبحت بلد معمرين، إذ يوجد في الصين أكثر من عشرين ألف شخص تجاوز عمرهم المائة سنة، وبينما كان عدد الصينيين الذين تخطوا حاجز الثمانين في عام ألفين هو سبعة ملايين وستمائة وثمانين ألف فرد، وصل في عام 2010 إلى سبعة عشر مليونا، ويتجاوز حاليا عشرين مليونا، أي نصف عدد سكان كندا، ثاني أكبر دولة مساحة في العالم.

كان الصينيون قديما، ومازال كثيرون منهم، يقيمون احتفالا كبيرا لمن يبلغ سن الستين، فقد كانوا يعتبرون من يصل إلى هذا العمر حقق اختراقا جديرا بالاحتفاء. في عام 2010، تجاوز عدد من تخطوا الستين ربيعا في الصين، مائة وأربعة وسبعين مليون نسمة، منهم ثلاثة وثلاثون مليونا معاقون جزئيا أو كليا، أي 19% من إجمالي عدد المسنين. وحسب بيانات مصلحة الدولة الصينية للإحصاء، بلغ عدد الصينيين الذين جاوزت أعمارهم خمسا وستين سنة أكثر من مائة وسبعة وثلاثين مليونا في نهاية عام 2014، يمثلون 1ر10% من إجمالي عدد سكان الصين. وقد توقع الكتاب الأزرق الذي يحمل عنوان "تطوير صناعة الشيخوخة في الصين لعام 2014"، أن يصل عدد المسنين في الصين إلى أربعمائة وثمانين مليونا بحلول عام 2050، أي حوالي ربع عدد سكان الصين.  الصين حاليا هي الدولة الأكثر نموا في العالم، ليس في الاقتصاد فقط وإنما في شيخوخة مجتمعها. نسبة، وليس عدد، كبار السن في ريف الصين أكبر من المدن؛ ذلك أن معظم الشباب ومتوسطي العمر يهجرون الريف إلى المدن سعيا وراء فرص عمل أفضل وحياة أكثر رفاهية، تاركين الريف للعجائز والأطفال.

شيخوخة السكان، بكل ما تفرضه من متطلبات وأعباء على الحكومة وعلى الأسر الصينية، تمثل تحديا على الدولة التي سيتخطى ربع سكانها سن التقاعد في عام 2030، وبذلك سيتحمل عدد السكان الذين هم في سن العمل نفقات العلاج وإعالة المسنين، وستوجه الاعتمادات المالية التي كانت تخصص للتنمية الاقتصادية لتستخدم في رعاية كبار السن الذين يتزايد عددهم مع كل ثانية تمر.

تؤكد الثقافة الصينية التقليدية على الأسرة، باعتبارها مكونا هاما في بنية المجتمع، بل إن هذه الثقافة تُرجِع القيمة الفردية للشخص إلى قيمته الاجتماعية وتؤكد على واجباته والتزاماته تجاه أسرته، بالمعنى الضيق الذي يشمل الوالدين والأجداد، وبالمعنى الأكثر شمولا الذي يضم المجتمع كله. ولهذا، فإن قضية الشيخوخة وإن كانت تعني الدولة فإنها تهم الأسرة الصينية في المقام الأول، خاصة وأن كبار السن في الصين، كما في كل مكان بالعالم، لهم مشاكلهم، حيث تبلغ نسبة عدد المنتحرين من الذين جاوز عمرهم الخامسة والخمسين سنويا ثلث عدد الذين ينتحرون في الصين. وحسب الخبراء، فإن 25% من ضحايا قتل النفس المسنين يعانون من الاكتئاب والضغوط لفترة طويلة، ولهذا أقام العديد من التجمعات السكنية بالعاصمة الصينية مراكز استشارات نفسية من أجل تقليل نسبة المنتحرين من كبار السن. ويعاني أكثر من ثمانين بالمائة من كبار السن من أمراض مختلفة، ومنها ارتفاع ضغط الدم وأمراض الجهاز التنفسي وإعتام عدسة العين وأمراض القلب والدماغ والأوعية الدموية، وعدد كبير منهم يحتاجون إلى مساعدة من الآخرين في حياتهم اليومية. المسنون في الصين أدخلوا مصطلحا جديدا في قاموس الحياة الصينية هو الأعشاش الخالية، ويقصد بها البيوت التي يعيش فيه المسنون بمفردهم، والتي تمثل النساء الغالبية العظمة من قاطنيها. وحسب تقرير لصحيفة ((أخبار الصحة)) التي تصدرها وزارة الصحة الصينية، فإن عشرات الملايين من العائلات الصينية تواجه مشكلة رعاية المسنين.

تسعى الحكومة الصينية للتعامل مع قضية المسنين من خلال آليات متعددة، فحسب بيان رسمي صدر في الثاني عشر من نوفمبر 2015، بعد اجتماع تنفيذي لمجلس الدولة الصيني برئاسة لي كه تشيانغ، رئيس مجلس الدولة، ستعزز الحكومة الصينية إدماج خدمة رعاية المسنين مع الرعاية الصحية لمواجهة ضغوط شيخوخة السكان في البلاد. وستفيد هذه الجهود الملايين من الأسر الصينية من خلال توفير العديد من فرص العمل. وحث القرار، الذي صدر عن ذلك الاجتماع المؤسسات الطبية، على إنشاء وكالات رعاية عالية المستوى لتسهيل تحديد المواعيد، والتعاون بين المستشفيات المجتمعية والتجمعات السكنية وخدمات رعاية المسنين في المنازل. ووفقا للبيان، فإن الحكومة تشجع القطاع الخاص على تقديم خدمات تدمج الرعاية الصحية ورعاية المسنين، حيث توافق على تحويل المناطق ذات الموارد الطبية الوافرة من بعض المستشفيات العامة إلى مراكز لإعادة التأهيل والرعاية العالية. وتتعهد الحكومة بتقديم المزيد من الدعم في مجال التمويل واستخدام الأراضي لخدمة الرعاية الصحية للمسنين وتوسيع مشترياتها من خدمات الرعاية الصحية الأساسية ورعاية المسنين.

تعاني الصين فقرا شديدا في مرافق رعاية المسنين، فقوائم الانتظار في دور رعاية المسنين طويلة حيث أن الطاقة الاستيعابية لتلك الدور لا تكفي لأكثر من 1% من كبار السن، كما أن الخدمات في العديد من تلك الدور متواضعة، مما يجعل نزلاءها يغادرونها. ولعل ذلك كان الدافع وراء ظهور ما يسمى بدور رعاية المسنين الافتراضية، التي تقوم على تقديم خدمات متنوعة للمسنين في بيوتهم من خلال متخصصين في أعمال المسنين. 

وفي محاولة لإعادة التوازن للتركيبة العُمرية للسكان، اقترح الحزب الشيوعي أن يُسمح لكل زوج وزوجة بإنجاب طفلين، بعد عشرات السنين من تطبيق سياسة الطفل الواحد. وبحسب البيان الصادر عقب الدورة الكاملة الخامسة للجنة المركزية الثامنة عشرة للحزب، فإن الغرض من تعديل السياسة هو تحقيق التوازن بين زيادة السكان ومواجهة تحديات شيخوخة المجتمع، ومنها فقدان الصين لما يسمى بميزة العامل الديموغرافي، حيث بدأت نسبة السكان في سن العمل (15- 59) تتراجع بأكثر من ثلاثة ملايين فرد سنويا اعتبارا من عام 2012، وهذا يعني أن ميزة العامل الديموغرافي في طريقها للاختفاء من الصين، مما سيؤثر على نمو الاقتصاد الصيني، باعتبار أن قوة العمل تشكل مع رأس المال الاستثماري والإنتاجية العوامل الثلاثة المحددة لمعدلات النمو الاقتصادي.  وقد بدأت تداعيات هذا التحول في الظهور، فبينما كان معدل النمو السنوي للاقتصاد الصيني في الخطة الخمسية الثانية عشرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية أكثر من 10%، تراجع إلى أكثر من 7% خلال الخطة الخمسية الثانية عشرة، مع توقعات بأن يكون معدل النمو خلال الخطة الخمسية الثالثة عشرة نحو 6%.