هل تخلص الصين العالم من الفقر!

الفقر هو العوز والحاجة، وقد قال العرب: إذا قلّ مالُ المرء قلّ حياؤه وضاقت عليه أرضه وسماؤه وأصبح لا يدري وإن كان حازما أقُدّامه خير لـه أمْ وراؤهُ. ويُروى أن عليّاً بن أبي طالب قال: لو كان الفقر رجلا لقتلته. وقد عرَّف البنك الدولي الدول الفقيرة بأنها تلك الدول التي يقل فيها متوسط الدخل السنوي للفرد عن ستمائة دولار أمريكي. وحددت الجمعية العامة للأمم المتحدة السابع عشر من أكتوبر سنويا ليكون اليوم الدولي للقضاء على الفقر. وإذا كانت الهند تتصدر قائمة دول العالم من حيث عدد الفقراء فإن عدد فقرائها قد تراجع من أربعمائة مليون عام 2005 إلى مائتين وسبعين مليونا في عام 2014،  بفضل ما تحققه من نمو اقتصادي ملحوظ. وحسب تقرير للبنك الدولي الصادر في أكتوبر 2015، يصل عدد الفقراء في إفريقيا إلى ثلاثمائة وثمانية وثمانين مليون شخص، يشكلون نحو 43% من سكان القارة السمراء. وقال التقرير: "نسبة الذين يعيشون تحت عتبة الفقر في العالم ستنخفض هذه السنة 2015، للمرة الأولى إلى ما دون 10% من مجموع سكان العالم، إلا أن هذه النسبة تبقى مقلقة جدا في أفريقيا ما وراء الصحراء." وبالرغم من انخفاض نسبة الذين يعيشون تحت عتبة الفقر في آسيا والهند وأمريكا الجنوبية فإنها تبقى مرتفعة جداً في دول أفريقيا ما وراء الصحراء حيث تبلغ 2ر35% في عام 2015.

وفقا للمعايير الدولية للفقر، فإن الصين خلال الفترة من عام 1987، أي منذ الدورة الكاملة الثالثة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني التي دشنت سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين، وحتى عام 2010، استطاعت أن تنتشل أكثر من ستمائة مليون فرد من هاوية الفقر. ولكن، على الرغم من هذا الإنجاز غير المسبوق في تاريخ البشرية، مازال في الصين نحو سبعين مليون فرد يقل دخلهم السنوي عن 2300 يوان (الدولار الأمريكي يساوي 6.4 يوان)، يعيشون بشكل رئيسي في مناطق ذات ظروف بيئية وجغرافية صعبة.

في سنة 1980، كانت نسبة الفقراء في الصين إلى عدد السكان 84%، انخفضت إلى نحو 6% حاليا. في الثامن والعشرين من نوفمبر 2015، وخلال مؤتمر حول مكافحة الفقر والتنمية عُقد في بكين، تعهدت القيادة الصينية باتخاذ إجراءات حاسمة لمساعدة السبعين مليون فقير بالصين على التخلص من الفقر، والتمتع بالخدمات الاجتماعية الأساسية بحلول 2020. وحسب ما جاء في هذا المؤتمر، ستشمل المهام الرئيسية للحكومة خلال السنوات الخمس المقبلة، ضمان حصول الفقراء على المأكل والملبس والتمتع بالتعليم الإلزامي والخدمة الصحية والمسكن. خلال المؤتمر، وصف الرئيس شي جين بينغ مكافحة الفقر بالمهمة الشاقة، وقال: "لن تُترَك منطقة فقيرة واحدة ولا شخص يعيش في الفقر، عندما تحقق البلاد هدف بناء المجتمع الرغيد الحياة على نحو شامل (شياوكانغ بالصينية) بحلول عام 2020. وحث الرئيس الصيني الحكومات على كافة المستويات على تنفيذ إجراءات دقيقة لضمان حصول الفقراء في المناطق الريفية على الغذاء واللباس والتعليم الأساسي والرعاية الطبية والمسكن الآمن. وطالب السيد شي الحكومات المحلية والمسؤولين، وبخاصة في المناطق الأقل نموا بجعل الحد من الفقر على قمة أولوياتهم في عمل السنوات الخمس المقبلة، وقال إن التنمية الصناعية عنصر أساسي في الحد من الفقر، وينبغي الاستغلال الأمثل للموارد المحلية لتطوير الصناعات وضمان تشغيل الفلاحين المتعطلين عن العمل.

من جانبه، طالب رئيس مجلس الدولة الصيني، لي كه تشيانغ، في نفس المؤتمر بإعطاء الأولوية لتحسين البنية التحتية في المناطق الريفية، بما في ذلك الطرق وإمدادات المياه والكهرباء والإنترنت. ودعا السيد لي إلى انتشال نحو عشرة ملايين شخص من الفقر بحلول 2020 من خلال إعادة التوطين، مع ضرورة أن تتأكد الحكومات المحلية من حصول الذين يُعاد توطينهم على أعمال مستقرة لكسب أقواتهم.

بعد ستة أيام من المؤتمر المشار إليه، كان الرئيس الصيني شي جين بينغ يلقي كلمته في قمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقي التي عقدت في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا، والتي أعلن فيها  أن بلاده وإفريقيا رفعتا العلاقات الثنائية بينهما إلى شراكة تعاونية استراتيجية شاملة وفتح مرحلة جديدة في التعاون المربح للطرفين والتنمية المشتركة. وحث الرئيس شي على بذل جهود موحدة لتعزيز "خمس دعامات رئيسية"، وأعلن عن عشر خطط كبرى لتعزيز التعاون المربح للطرفين. بيد أن المفاجأة الحقيقية في كلمة السيد شي كانت إعلانه عن أن بلاده ستخصص ستين مليار دولار أمريكي للتنمية في أفريقيا، مؤكدا أن بلاده تسعى لإقامة علاقات مع دول أفريقيا تقوم على المساواة. وأشار الرئيس شي إلى أنه بعد ثلاثين عاما من الإصلاح والانفتاح، أصبحت الصين حاليا في وضع يتيح لها مساعدة إفريقيا على تحقيق التنمية الذاتية المستدامة بتقنياتها ومعداتها وخبرائها الماهرين ورأس المال. وقال إن الصين لديها التزام قوي بدعم إفريقيا في تحقيق التنمية والازدهار على وجه الخصوص. وستركز المساعدات الصينية لأفريقيا على مدى ثلاث سنوات على عشرة مجالات، أهمها جهود التصنيع وتطوير الخدمات الزراعية والمالية والتنمية الخضراء والسلام والأمن.

التعهدات الصينية في قمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقي، سبقتها تعهدات مماثلة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، عندما أعلن الرئيس الصيني في كلمته أن بلاده ستؤسس صندوقا لدعم تعاون الجنوب- الجنوب وتوفر ملياري دولار أمريكي للمرحلة الأولى لدعم الدول النامية في تنفيذ أجندة التنمية لما بعد 2015. وستواصل الاستثمار في الدول الأقل نموا لتبلغ قيمة استثماراتها اثني عشر مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030، وستقوم بشطب الديون الحكومية بدون فائدة، الواجبة السداد في نهاية عام 2015، والمستحقة على الدول الأقل نموا، والدول النامية الداخلية والدول النامية الجزرية الصغيرة. فضلا عن تقديم مساعدات عسكرية مجانية قيمتها مائة مليون دولار أمريكي  للاتحاد الأفريقي لدعم إنشاء قوة الاستعداد الأفريقية والقدرة الأفريقية على الاستجابة الفورية في الأزمات. كل هذه الجهود من شأنها أن تدعم الاستقرار وتهيئ بيئة مناسبة للنمو الاقتصادي بما يساعد على تحسين مستوى معيشة الأفارقة، والحد من الفقر، وزيادة الاستثمارات في القارة السمراء. وكان وزير خارجية الصين، وانغ يي، قال في تصريحات له قبل قمة منتدى التعاون الصيني- الإفريقي في جوهانسبرغ إن التصنيع والأمن الغذائي والصحة العامة والوقاية من الأمراض في إفريقيا تأتي في صدارة جدول أعمال المنتدى. وقال وانغ إن القمة تركز بشكل أكبر على مجالات تحسين معيشة الشعب والتخفيف من الفقر والاستثمار في الدول الأقل نموا والنساء والأطفال، مشيرا إلى أن القمة ترسل إشارة قوية إلى المجتمع الدولي حول الأهمية والاحترام والدعم الذي تمنحه الصين إلى أفريقيا.  وأضاف: "نأمل أن يقوي ذلك من ثقة المجتمع الدولي ويجذب المزيد من الخير إلى إفريقيا."

مساهمات الصين في أفريقيا لا تقتصر على الدعم والمعونات والاستثمارات، وإنما الأهم هو تجربة الصين في مكافحة الفقر التي يمكن لدول أفريقيا أن تستفيد منها. وكما قال بيتر غاري، المحاضر في دراسات التنمية بجامعة ويتووترساند في جنوب إفريقيا فإن الصين تعد مثالا يحتذى به في مجال الزراعة بالنسبة للدول النامية. فقد استثمرت الصين في الزراعة للحد من الفقر وأقامت مشروعات زراعية ناجحة على المستويات القاعدية. الصين لا تقدم السمكة للأفارقة، وإنما تعلمهم الصيد. وعلى سبيل المثال، فإن شركات الاتصالات الصينية العاملة في أفريقيا أحدثت تحولا هاما في حياة الأفارقة.

الصين، وهي من أكثر الدول تقديما للمساعدات لإفريقيا، تتعامل مع الدول الأفريقية كدول صديقة، تتبادل الاحترام والتقدير، ولا تتدخل في شؤونها وتؤكد دائما دعمها لحل القضايا الإفريقية بطريقة إفريقية. والصين هي أكبر شريك تجاري لإفريقيا، إذ يتوقع أن يكون حجم التبادل التجاري بين الطرفين في نهاية 2015 قد تجاوز ثلاثمائة مليار دولار أمريكي، مقارنة مع عشرة مليارات فقط عام 2000، عندما تأسس منتدى التعاون الصيني- الإفريقي. وبعد سنوات من مساعدة البلدان الإفريقية على بناء البنية التحتية وتقديم المعونة لها، انطلقت الشركات الصينية في إفريقيا إلى مجالات أخرى مثل الزراعة والنقل والسلع الاستهلاكية. وترحب الدول الإفريقية بالاستثمارات والمساعدات الصينية لأهميتها في دفع تطورها الاقتصادي والاجتماعي وخلوها من الشروط السياسية.

الجهود التي تبذلها الصين للقضاء على الفقر والعوز في العالم، يبدو أنها لا تروق للدول الغربية، التي نهبت ثروات إفريقيا واتخذت أهلها عبيدا، فطفق نفر من تلك الدول يحاولون تشويه ما تقوم به الصين في إفريقيا. وقد لا يكون هناك أسوأ من الكتاب الذي أصدره في عام 2014 الصحفي الأمريكي هوارد وارينغ فرنش، بعنوان "قارة الصين الثانية"، والذي حاول فيه، بطريقة خبيثة، تشويه التعاون الصيني- الإفريقي، مدعيا أن الصينيين يستغلون ثروات إفريقيا. فرنش، لا يفوته في مقدمة كتابه التعريج على سياسات الصين الداخلية وانتقادها، قبل أن ينوه بفساد حكام إفريقيا، كتوطئة لتسويق فكرة أن التعاون الصيني الإفريقي ليس في مصلحة شعوب القارة السمراء.

لن تتوقف محاولات الغرب لإثناء بكين عن دور تراه الصين واجبا، ولن تتوقف جهود الصين في محاربة الفقر في كل أنحاء العالم، فهل تنجح الصين في تخليص العالم من الفقر؟