HOME| أخبار متجددة

الدورتان في عيون عربية: الدورتان السنويتان بالصين وأبرز نقاط الجذب فيهما

2017-03-10 14:47

بقلم: عباس جواد كديمي

في مطلع شهر مارس/آذار من كل عام، يبدأ في الصين، الموسم السياسي، حيث تعقد الدورتان السنويتان لمجلسي نواب الشعب والمستشارين السياسيين. وفي كل دورة من هذه الدورات، هناك الكثير من المهام الصعبة والمعقدة في هذا البلد الأكبر في تعداد السكان عالميا، والذي يتولى اقتصاده منذ عدة سنوات، قيادة قاطرة الاقتصاد العالمي.

خلال العقدين المنصرمين على الأقل، وفي كل موسم سياسي- تشريعي بالصين، تتجه الأنظار إلى هذا البلد، لما تتمتع به هاتان الدورتان من أهمية على الصعيدين المحلي والعالمي. فما هي أبرز نقاط الجذب خلال الدورتين، ولماذا تتمتع بالأهمية محليا وخارجيا؟

الدورتان تبرزان الثقة السياسية بالصين ودورها المتزايد عالميا

هاتان الدورتان محط الاهتمام العالمي لأنهما تبرزان سياسات الصين محليا وخارجيا في عدة مجالات هامة. فخلال أكثر من ربع قرن مضى، ازدادت أهمية الدور الذي تلعبه الصين على الساحة الدولية، بعد أن تعززت قوتها الشاملة بشكل لا يمكن تجاهله، وأصبح صوت الصين، وهي العضو الدائم بمجلس الأمن الدولي، أكثر مساهمةووضوحا في الشئون الدولية، لا سيما سياستها الخارجية السلمية المستقلة، ومساهماتها الإيجابية ودعواتها البناءة للتقارب والانفتاح بدل المواجهة والانغلاق، والتسويات التفاوضية السياسية بدل النزاعات والحروب، وعدم التدخل بالشئون الداخلية للدول الأخرى، واحترام التقاليد والعادات والتنوع بالعالم. هذه المساهمات والأدوار الفعالة هي نتيجة تطور هائل شهدته الصين خلال الفترة المذكورة أعلاه، وذلك بفضل التنمية الاقتصادية العجيبة وما نتج عنها من تطور هائل بكافة مستويات الحياة في الصين. وهذه التنمية الاقتصادية العجيبة لم تكن لتتحقق لولا سياسة الإصلاح والانفتاح التي تبنتها الصين منذ عام 1978، ولولا حرص الصين على تهيئة البيئة المحلية والإقليمية والدولية السلمية المناسبة. وفي ظل هذه الحقيقة، تكون حالة الاقتصاد الصيني ووضعية نموه، نقطة اهتمام بارزة محليا وعالميا.

التنمية الاقتصادية الصينية وأثرها الشامل

خلال نحو 20 سنة مضت، ظلت الصين أكبر محرك للنمو الاقتصادي بالعالم، ولذلك، لا عجب بأن يهتم بها العالم، لأن هذا المحرك مهم للجميع. وبسبب هذه الأهمية، تتركز المتابعة والتدقيق بكل صغيرة وكبيرة تتعلق باقتصاد الصين، وقد يتم التركيز – كما هو الحال في معظم وسائل الإعلام- على نقاط تثير المتابعة والقلق. ولكن هل هناك فعلا ما يدعو للقلق حول اقتصاد الصين؟ الجواب بالتأكيد هو لا، لأن حيوية اقتصاد الصين وعوامل السوق الهائلة والقوى العاملة الكبيرة جدا والمؤهلة نسبيا، وقوة جذب السوق للاستثمارات، والتطور العلمي والتكنولوجي المساعد على الابتكار، والسياسات المتزنة والتكيف المستمر، هي من تقف وراء الثقة بالاقتصاد الصيني.

في الحقيقة، أنه على مدى العام كله، هناك متابعات متواصلة لأحوال الاقتصاد والسوق محليا وعالميا، ولكن خلال الدورتين تتركز الآراء والنقاشات أكثر على نتائج دراسات ومتابعات العام المنصرم، والعام التالي، وهذا هو جوهر أو فحوى تقرير عمل الحكومة الصينية، أي ما الذي تحقق وما الذي سيتحقق. وعلى هذا الأساس، فإن أول ما تناقلته وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية، كان هدف معدل النمو الاقتصادي للصين خلال عام 2017، وهو 6.5% أو أكثر إذا أمكن خلال التنفيذ.

وقد ركزت وسائل الإعلام على عدة جوانب إثر هذا الإعلان، ولاسيما لماذا خفضت الصين هدف نموها؟ وماذا تعني عبارة إذا أمكن خلال التنفيذ؟ وما تأثير ذلك على السوق والاستثمارات والقطاعات الحيوية الأخرى بالبلاد، وتأثير ذلك على الاقتصادات الأخرى بالعالم؟، وهذا دليل على أهمية كل ما يصدر عن الدورتين، خاصة بالمجالات الاقتصادية والسياسية.

الحكومة الصينية تتحمل مسئولية كبيرة، لأنها تحت متابعة دقيقة جدا، محليا وعالميا، حتى قبل ظهور وسائل الإعلام والتواصل الحديثة. فكيف أضحى الحال مؤخرا في ظل أن الكل يراقب عمل الحكومة، ويتابع تعهداتها!. إن ما تحقق من تنمية شاملة في المجتمع الصيني، قد رفع سقف مطالبات المواطن للحكومة، ولم يعد المواطن الصيني يركز اهتمامه على الطعام والملبس والمسكن، بل تعدت الاهتمامات حاليا، لمستويات عالية ماديا ومعنويا وروحيا.الصين، حزبا وحكومة، تدرك جيدا صعوبة مهامها، ولكنها تصر على خوض النضال ومواصلة التجربة التنموية لصالح الصين وشركائها بالتنمية. ومن العوامل التي تعزز الثقة بالاقتصاد الصيني، هي سعي الصين المتواصل للتكيف مع المتغيرات محليا وعالميا. ففي ظل انكماش الاقتصاد العالمي، كان لا بد من التركيز على حفز الاستهلاك المحلي، وتعزيز جذب الاستثمارات وفعالية استخدامها في مشاريع نافعة، وتوسيع محيط الاستثمارات الصينية ودفعها نحو الخارج، وهي أهداف طموحة أفرزت مبادرة صينية كبيرة تعرف حاليا بمبادرة الحزام والطريق(الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، وطريق الحرير البحري للقرن الـ21)، وهي مبادرة هائلة بدأت فعلا، وتحقق نتائج كبيرة حيوية تعزز حيوية اقتصاد الصين.

الصين تدعو بجدية إلى تنمية تشاركية، ذات منفعة متبادلة للأطراف المشاركة على قدم المساواة بمشاريع التنمية، وتدعو للانفتاح والتعاون، وتعارض الحمائية بكل أنواعها، وهذا ما يصفه محللون اقتصاديون وسياسيون بأنه النموذج الأنجح للتنمية وتحقيق الفائدة، على عكس دعوات من الإدارة الأمريكية الجديدة، وإدارات غربية أخرى، للانغلاق والحمائية.

تدويل العملة الصينية الرنمنبي

هذه نقطة تثير اهتماما كبيرا في نقاشات الدورتين السنويتين بالصين. فمنذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، أدركت الصين ومعها الكثير من الاقتصادات في العالم، أن النظام النقدي العالمي فيه العديد من العيوب، بسبب هيمنة الدولار الأمريكي عليه. ومن أجل تخفيف تداعيات تلك الأزمة، وتحسبا لأزمات أخرى قد تحدث، تسعى الصين إلى جعل عملتها، الرنمنبي(الرنمنبي هو مصطلح للتعبير عن العملة الشعبية بالصين، واليوان هو الوحدة الأساسية للنقد بالصين، وهو مماثل للدولار أو الجنيه أو الدينار)، مستخدمة في التعاملات التجارية والمالية دوليا.

التطورات الكبيرة التي تشهدها الصين في مجال التجارة الدولية، جعلتها ثاني أكبر اقتصاد بالعالم، وكذلك أكبر مصدّر، ومن بين أقوى المستوردين والمستثمرين، والعملة الصينية حاليا من بين أكبر 5 عملات نقدية شائعة الاستخدام بالتجارة العالمية، وتستخدم في أكثر من ربع التعاملات التجارية عبر حدود الصين. وفي إطار مساعيها لجعل اليوان الصيني أكثر استخداما دوليا، أو تدويله، تسعى الحكومة الصينية خلال العقد الماضي لاتخاذ المزيد من الإجراءات المعمقة لتحقيق تدويل العملة الصينية. ومن أبرز هذه الإجراءات قيام الحكومة بتخفيف القيود تدريجيا لجعل العملة الصينية أكثر ملائمة ومساواة مع الشركاء التجاريين بالعالم، سواء الدول المتقدمة والنامية، وكذلك توسيع تداول الرنمنبي ليستخدم بالمزيد من التسويات المالية الدولية، وتشجيع المناخ الاستثماري بالرنمنبي دوليا. وبالفعل نجح بنك الشعب الصيني المركزي في جعل الرنمنبي عملة للتجارة الدولية، وعملة استثمارية أيضا، وكذلك احتياطي نقدي عالمي، وهذه النقطة بالذات تعززت من خلال إعلان البنك الدولي عام 2015، أن الرنمنبي يلبي معايير البنك لا سيما معيار استخدامه بحرية في التعاملات التجارية العالمية، ولذلك فقد قام البنك بضمّ الرنمنبي إلى سلة عملاته لحقوق السحب الخاصة، وهو ما يجعل الرنمنبي ضمن العملات الخمس الرئيسية بالعالم.

الصين تتصرف على أنها دولة مسئولة، ولا تنوي منافسة الدولار الأمريكي، ولا الدخول في حرب عملات، ولكنها تسعى لتقليل آثار المخاطر على النظام المالي والنقدي بالعالم. ربما هذه المساعي لا تعجب هيمنة الدولار الأمريكي، الأمر الذي سبب ظهور اتهامات للصين من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة، وهذه الاتهامات تكاثرت خلال الحملة الانتخابية لدونالد ترامب، الذي تصاعدت لهجته خلال الحملة، ولكنها خفتت تدريجيا، بسبب واقعية بعض مستشاريه الذين نصحوه بترك هذا التصعيد، لأنه لا أساس له، ولأنه لا يصب في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية الباحثة – حسب قول ترامب- عن تعزيز فرص العمل. فكيف يمكن لإدارته تعزيز فرص العمل، إذا كان يتهم هذا البلد أو ذاك، ويقاطع هذه الدولة أو تلك؟!

الإنفاق الدفاعي

هذه نقطة اهتمام بارزة أخرى خلال فترة انعقاد الدورتين بالصين. ويمكن القول إن الاهتمام يأتي أساسا من القوى الكبرى، بدافع من المتغيرات الاستراتيجية التي تحدث بالعالم. هذا العام، أعلنت الحكومة الصينية أنها ستزيد الإنفاق الدفاعي بمعدل 7%، وهي أدنى زيادة خلال أكثر من 6 سنوات. هذا يعني بالأرقام أن الإنفاق الدفاعي الصيني سيكون 1.04 تريليون يوان صيني(152 مليار دولار أمريكي). الصين تأخذ بالاعتبار أن هذه المخصصات، التي تمثل نحو 1.3% من إجمالي الناتج المحلي، يجب أن تتماشى مع واقع التنمية الاقتصادية للبلاد، ومع المتطلبات الدفاعية.

في هذا الإطار، ومن أجل إعطاء فكرة مقارنة، ينبغي الإشارة إلى مخصصات الدول الأعضاء بحلف الناتو مثلا، حيث تعهدت بتخصيص ما لا يقل عن 2% من إجمالي الناتج المحلي لكل منها، للشئون الدفاعية. وكذلك تجدر الإشارة إلى ميزانية الإنفاق العسكري الأمريكية، حيث اقترحت إدارة ترامب بالشهر الماضي، زيادة الإنفاق العسكري بـ10%، أي زيادة بأكثر من 54 مليار دولار لهذا الإنفاق العسكري. ولا بد من إيضاح بسيط هنا حول الفارق بالتوجهات الصينية والأمريكية للإنفاق بهذا المجال. الصين تركز على الإنفاق بما يخدم مجالات أساسية أبرزها حماية سيادة البلاد واستقلالها الوطني وحدودها البرية والبحرية والجوية، وكبح أي تهديد إرهابي، وضخ الاستثمارات لتحسين أساليب التدريب وحياة العسكريين وتجهيزاتهم، لا سيما المستويات القاعدية. وكذلك الاهتمام التام بتطوير التقنيات العلمية المتعلقة بالدفاع بما يجعل القوات المسلحة الصينية متكيفة تماما مع تغيرات الأوضاع العسكرية بالعالم. بينما تهتم الولايات المتحدة بعقلية الهيمنة على العالم.

نظام ثاد الصاروخي الأمريكي في كوريا الجنوبية

في الحقيقة، هذه نقطة ساخنة ومثيرة للقلق. ومما لا شك فيه، أن الكثير من نواب الشعب الصيني والمستشارين السياسيين، قد أثاروا هذه المسألة الحساسة في نقاشاتهم.الصين تعارض بشدة قيام الولايات المتحدة بنشر هذه المنظومة الصاروخية في كوريا الجنوبية المجاورة للصين. منظومة ثاد، أو منظومة الدفاع الجوي الصاروخي للارتفاعات العالية، هي منظومة متطورة ذات رادارات شديدة الحساسية، يمكن أن تستخدم للتجسس. وهذا هو أحد الأسباب التي تثير اعتراض الصين، لأن المنظومة يمكن أن تقوم بأعمال تجسس على الصين، وعلى بحريتها وعلى أنظمتها الأخرى المتعلقة بالأمن القومي.

وفي الوقت الذي تعارض فيه الصين، نشر هذه المنظومة في كوريا الجنوبية، بحجة الاستعداد لأي طارئ من كوريا الشمالية، فإنها، أي الصين، تدعو بحزم إلى معالجة أي قلق أمني، عبر التشاور الإقليمي للدول المعنية بالأمر وبالمنطقة، ولا داعي للاستنجاد بطرف خارجي، طالما أنه من الممكن بحث بواعث القلق بين المعنيين. يرى العديد من المحللين الآسيويين والصينيين المهتمين بهذا الشأن أنه من الأجدر والأفضل أن تتم مناقشة إحلال السلام في شبه الجزيرة الكورية عموما عبر آلية المفاوضات السداسية المباشرة، لنزع فتيل أي توتر بالمنطقة، تكون له عواقب جسيمة.

سياسات استقدام الكفاءات الأجنبية

من الأمور التي يتابعها الأجانب حول الصين، السياسات المعنية باستقدام الكفاءات الأجنبية من كل العالم، للعمل في الصين، وكذلك رجال الأعمال والمستثمرين. والمناقشات السنوية لنواب الشعب الصيني ومستشاريه السياسيين، لا تخلو في كل عام من قضايا تتعلق بالخبرات والاستثمارات الأجنبية العاملة بالصين، ولهذا يولي الأجانب اهتماما للدورتين لما يتمخض عنهما من مشاريع قرارات تخص عمل الأجانب، والقوانين والسياسات الاستثمارية.

الصين خلية نحل كبيرة تعج بفرص العمل، وسياساتها المعنية تركز على جذب الكفاءات التي تحتاجها عملية التنمية الابتكارية والخضراء بالبلاد، ولا سيما الكفاءات بالمجالات العلمية والتقنيةالحديثة وبكافة فروع الاقتصاد والمال والأعمال والبحوث العلمية والأكاديمية وحماية البيئة. مجالات العمل والاستثمار بالصين أصبحت تنافسية بقوة، والصين تبذل كل جهد ممكن لتهيئة بيئة عمل مناسبة للكفاءات وللمستثمرين الأجانب. لم تعد هناك حاجة لغير الكفاءات ولا الاستثمارات غير الصديقة للبيئة، في الصين المتطورة بحيوية يوميا، والسياسات التفضيلية تتوالى لجذب الأكفاء والاستثمارات والتقنيات الصديقة للبيئة. ولكن مازال هناك الكثير من الإصلاحات المطلوبة بإلحاح في مجال سياسات التعامل مع الخبرات الأجنبية.الصين تعترف في كل مناسبة، بأنها تدين بالكثير لجهود الخبراء الأجانب العاملين فيها، فهم يسهمون فعلا في كافة مجالات التنمية والتحديث بالبلاد. في المقابل، تنتظر الخبرات الأجنبية المزيد من الإصلاح في مجال الإقامة والرواتب والضمان الصحي والإئتمانات المصرفية، وإمكانية شراء عقار بالبلاد بشكل يماثل الصينيين. وهناك نقطة مهمة أخرى، يحتمل كثيرا أنه جرت مناقشتها بالدورتين التشريعية والاستشارية لهذا العام، وهي تأشيرة العمل، وإمكانية جعلها بطاقة خضراء Green Card لمن يستحقها. وبذلك، تكون حياة الأجانب أسهل وعملهم أكثر فاعلية. البطاقة الخضراء توفر الوقت والجهد المطلوبين في كل سنة حاليا، لتجديد إقامة العمل في الصين، ولكن إجراءاتها ومتطلباتها مازالت صعبةمعقدة وكثيرة. الأمر المشجع في الصين، سواء في هذا المجال أو غيره، هو أن المجالس التشريعية والاستشارية على كافة المستويات، تناقش وتسعى للتحسين والتكميل، وفي ظل هذه الحقيقة، لا بد من تحقيق إصلاحات فعلية في سياسات الدولة فيما يتعلق بالخبرات والكفاءات الأجنبية.

(مصدر: موقع صحيفة الشعب)