HOME| تخفيف الفقر في الصين

تنتست مع ألف وستمائة قرية

2016-11-01 09:00

في التاسع عشر من أغسطس 2015، أطلقت شركة تنسنت منصة "مع القرية" (WeCountry)، التي يبلغ عدد القرى المشاركة فيها حتى الآن أكثر من ألف وستمائة قرية. من خلال هذه المنصة، تطبق تنسنت تجربة تغيير ملامح الريف الصيني عبر الإنترنت عن طريق الهاتف النقال.

القرية الأولى

تقطع الحافلة المسافة من قوييانغ، حاضرة مقاطعة قويتشو، إلى قرية تونغقوان بمحافظة ليبينغ بالمقاطعة في خمس ساعات. تونغقوان هي أول قرية شاركت في تجربة "مع القرية". تسعون في المائة من الأربعمائة أسرة في تونغقوان ينتمون لقومية دونغ. ومثل كثير من القرى الأخرى، ترك معظم شباب تونغقوان قريتهم وخرجوا للعمل في أماكن أخرى، فلم يعد في القرية غير المسنين والأطفال. متوسط الدخل السنوي للفرد في القرية لا يتجاوز ألفين وستمائة يوان (الدولار الأمريكي يساوي 7ر6 يوانات) فقط.

في أوائل عام 2009، بدأت تنسنت جهودها للمساهمة في تخفيف الفقر بالمناطق الريفية في مقاطعتي يوننان وقويتشو، فقادت حملات للتبرع بالسلع والمواد وتقديم المنح الدراسية. خلال هذه العملية، اكتشفت تشن يوان يوان، مديرة قسم المسؤولية الاجتماعية في تنسنت، ثلاث مشكلات متكررة في المناطق الريفية الصينية، هي: "الافتقار إلى وسائل الاتصال" و"الافتقار إلى ترابط الثروة" و"الافتقار إلى الترابط العاطفي" مع الأقارب الذين يعملون خارج موطنهم. وهنا، أدركت أن ما تحتاج إليه المناطق الريفية أكثر من الأموال والسلع، وهو القدرة على التواصل مع المناطق الحضرية.

في ذلك الوقت، كانت نسبة من لديهم هاتف نقال من أبناء تونغقوان لا تتجاوز 15%. تعاونت تنسنت مع شركة ZTE للتبرع بالهواتف الذكية للقرويين، ودعت شركة الاتصالات النقالة الصينية (China Mobile) لإنشاء محطة للجيل الرابع للاتصالات في القرية ودعت فرع شركة الاتصالات الصينية في قويتشو إلى التبرع بكمية حركة المرور على الشبكة.

الفائدة الأكبر للهاتف الذكي بالنسبة للمسنين هي التحدث بالصوت والصورة مع أبنائهم العاملين في مناطق أخرى. وأطلقت تونغقوان حسابا رسميا على ويتشات، لتكون أول قرية في الصين تتخذ هذه الخطوة. حساب تونغقوان عبارة عن منصة إعلان ومناقشة شؤون القرية، تنشر الإعلانات والتقارير المالية وصرف معاشات التقاعد، فضلا عن إجراء استطلاعات للرأي وجمع القرويين وتبادل الآراء حول الشؤون العامة وتبادل الأنشطة الثقافية. وتتيح المنصة للقرويين تقييم أعمال لجنة القرية بدرجات: "جيد"، "متوسط" أو "سَيِّءَ". مثلت هذه الخطوة إصلاحا ضخما لأعمال إدارة الشؤون الريفية، فقد صار القرويون يأخذون زمام المبادرة وتخلوا عن سلبيتهم، ودليل ذلك أن واحدة من المسنين اكتشفت، عبر الحساب الرسمي للقرية على ويتشات، أن اسمها غير مدرج في قائمة الأسر المستفيدة من الضمان الاجتماعي للحد الأدنى للمعيشة، فهرعت إلى لجنة القرية وأبلغت المسؤول. بعد تدقيق بياناتها، تم إدراج اسمها في القائمة.

قال وو تشن قانغ، أمين لجنة الحزب الشيوعي الصيني في قرية تونغقوان إنه عبر هذه المنصة يتم إعلان كل الشؤون الريفية على الحساب الرسمي، مثل أحوال الانتخابات ونتائج التقييم المتنوعة والوثائق المالية المختلفة.

وقال وو تشن قانغ إن القرية أطلقت قناة على ويتشات للإعلان عن الحالات الطارئة. أضاف: "ذات ليلة، وقعت حالة سرقة مواشي في القرية، وأرسل صاحب الماشية المسروقة رسالة ونداء عبر القناة ناشد فيها القبض على اللص. بالفعل، انطلق أكثر من ثلاثين قرويا للبحث عن الماشية، وبعد نصف ساعة، تم العثور على هذه الماشية قبل محاولة إخراجها من القرية."

التخلص من الفقر

في عام 2014، خصصت تنسنت خمسة عشر مليون يوان لبناء متحف قومية دونغ الإيكولوجي ذي الخصائص القومية التقليدية في قرية تونغقوان. هذا المتحف ليس فقط منصة لنشر ثقافة قومية دونغ، وإنما أيضا يوفر خدمات زيارة المعرض في المتحف وخدمات الحجز المسبق لبيوت المحليين لجذب السياح من أنحاء البلاد، وزيادة دخل المحليين. في الوقت نفسه، وفر المتحف فرص عمل لبعض القرويين. معظم عمال بناء المتحف من القرويين المحليين، كما عاد الكثير من شباب القرية إلى موطنهم للمشاركة في إدارة المتحف. السياحة خلقت فرص عمل لكثير من القرويين المسنين الذين يعملون في نسج الملابس التقليدية والصنادل القشية وصنع حليب فول الصويا.

في أغسطس عام 2015، أطلقت شركة تنسنت منصة "مع القرية" رسميا، لتعميم تجربة قرية تونغقوان وغيرها من ثلاث قرى نموذجية في أنحاء البلاد. بعد أن استمع تانغ تشي تشاو، وهو كادر بمكتب مكافحة الفقر في ولاية شيانغشي بمقاطعة هونان، إلى محاضرة السيدة تشن يوان يوان حول تعميم التجربة، صار مقتنعا تماما بأن مكافحة الفقر في المناطق الريفية ترتبط ارتباطا وثيقا بشبكة الإنترنت، إذ أنها وسيلة التواصل بين المناطق الريفية والمناطق الحضرية في عصر المعلومات، وأن حياة القرويين لا تنفصل عن المناطق الحضرية، لأن منتجاتهم الزراعية في حاجة إلى تسويقها في المدن، وأن أطفالهم لابد أن يذهبوا إلى مستشفيات المدن إذا أصيبوا بأمراض خطيرة، فالقرويون يحتاجون إلى شبكة الإنترنت عاجلا أو آجلا.

في سبتمبر عام 2015، وبفضل الجهود الدؤوبة للسيد تانغ، بدأت المناطق الريفية في سبع محافظات ومدينة واحدة بولاية شيانغشي التطبيق التجريبي لنمط "الإنترنت + القرى الفقيرة" للتخلص من الفقر. تمت تغطية هذه المناطق بخدمة واي فاي WIFI، وتم اختيار مجموعة القرويين ذوي الكفاءة لإنشاء الحسابات الرسمية للقرى على ويتشات لتسويق المنتجات الزراعية والجانبية ذات العلامة التجارية الريفية عبر ويتشات.

في بيأر، وهي أول قرية انضمت إلى هذه التجربة، نجح القرويون عبر قناة ويتشات، في تسويق عشرة أطنان من البرتقال بسعر أعلى ثلاث مرات من السعر الذي تدفعه الجمعية التعاونية. يدير حساب بيأر الرسمي على ويتشات مجموعة من الشباب، واحد منهم من مواليد سبعينات القرن الماضي، واثنان من مواليد الثمانينات وأربعة من مواليد التسعينات وما بعدها، ومن بينهم خمسة أفراد لهم خبرة عمل أو دراسة خارج موطنهم. يبذل هؤلاء الشباب جهودهم ويعملون بحماسة في إدارة القناة لمساعدة قريتهم على التخلص من الفقر. تشمل أعمالهم، تعديل إعلانات المنتجات الزراعية للقرية بشكل دائم، تعليم القرويين الآخرين استخدام ويتشات، وتخطيط الأنشطة المعنية. كل ذلك العمل بدون أجر.

قالت مي دان، عضو فريق إدارة حساب بيأر الرسمي على ويتشات، وهي طالبة جامعية: "في الماضي، لم تكن لدى الطلاب الجامعيين من أبناء القرية فرصة أو منصة يمكنهم من خلالها المساهمة في تنمية قريتهم. الآن، يمكننا نشر إعلانات عن القرية ومتاجرها في حساب بيأر الرسمي على ويتشات، وبذلك فقط يمكن تحقيق فوائد اقتصادية للقرويين."

مائة قرية نموذجية

الهدف الآخر لمنصة "مع القرية" هو توفير منبر للشركات والأفراد الذين لديهم الرغبة والقدرة للمشاركة في التنمية الريفية بجهودهم وبتمويل معقول.

حاليا، هناك أكثر من ثلاثين شريكا، أفرادا وشركات، يرغبون في تقديم الدعم للمنصة. تشمل أشكال الدعم، التصميم المعماري وتصميم العلامات التجارية والطلاء والعلاج الطبي والتدريب وشركات الهاتف الذكي وتطوير التكنولوجيا الزراعية وبث الفيديو المباشر والتمويل الجماعي، إلخ.

قالت السيدة تشن إن التخلص من الفقر استراتيجية وطنية، وإنها شعرت من خلال عملها بحماسة الحكومة للمشاركة في برنامج "مع القرية". ولكن، لا تزال الحكومة المركزية في حاجة إلى نماذج أكثر لدعم خطتها في توزيع رأس المال، ودعم تنمية المناطق الريفية بالمال والسياسات. وقالت إن الوظيفة الجوهرية لمنصة "مع القرية" هي توجيه القرويين لتعلم كيفية استخدام حساب قريتهم الرسمي في ويتشات، وتقديم التسهيلات للقرويين وتوفير معلومات ريفية قيمة لهم، وتعميم الخصائص الريفية لتنشيط الاقتصاد الريفي عبر حسابات القرى الرسمية في ويتشات.

تشمل خطة "مع القرية" لعام 2016، بناء مائة قرية نموذجية لتوفير نماذج أكثر في التمويل الجماعي من الحكومة والمجتمع. في الوقت نفسه، تستعد تنسنت للانسحاب تدريجيا من نمط التمويل المالي، لتلعب دور "الرابط".

قال قوه كاي تيان، نائب رئيس تنسنت ورئيس مجلس إدارة مؤسسة تنسنت الخيرية، إن وسائل الإعلام اهتمت كثيرا بالدور الذي لعبته تنسنت في خطة "الإنترنت + القرى الفقيرة"، لكن الحقيقة أن ما قامت به تنسنت هو بناء المنصة فقط، آملة أن يساهم أكفاء شبكة الإنترنت بأفكارهم لتنمية المناطق الريفية وتنشيط الموارد الريفية الكامنة.

وفقا لاستطلاع رأي أجراه المركز الصيني لمعلومات الإنترنت، وصل عدد مستخدمي الإنترنت في المناطق الريفية الصينية في يونيو عام 2016، إلى 191 مليونا، يمثلون 7ر26% من مستخدمي الإنترنت في الصين. بالإضافة إلى تنسنت، بدأت مؤسسة علي بابا وجيندونغ وسونينغ، وغيرها من شركات الإنترنت الكبيرة، ترتيب أوضاعها في سوق التجارة الإلكترونية الريفية، التي من المتوقع أن تغير وجه الريف الصيني في المستقبل.

قال تشن شياو آن، مدير مشروع "مع القرية، إن قرية تونغقوان أصدرت آلية دقيقة لتقاسم الأرباح. وأضاف: "كل قروي يلتزم بلوائح القرية وحماية البيئة ويبادر في المشاركة في الأنشطة الثقافية، ولا يستخدم المبيدات والأسمدة الكيماوية ويساهم في حماية الملامح القديمة التقليدية للقرية، ويربي أطفاله جيدا حتى التحاقهم بالجامعة، يمكنه الحصول على نقاط معينة تتيح له الحصول على مكافأة مالية."

وقال السيد تشن: "في الحقيقة، دورنا هو التوجيه والإرشاد. لا يمكن تحقيق شيء بدون مشاركة القرويين. سواء فيما يتعلق بالتراث الثقافي التقليدي، أو تعزيز ثقة القرويين بالتنمية الاقتصادية في القرية، أو حتى الإشراف على شؤون القرية والمشاركة فيها، تظل مبادرة القرويين هي مفتاح نجاح أعمالنا."