HOME| مقالات من المجلة

إصلاح جانب العرض واقتصاديات ريغان

2016-11-01 09:00

في نوفمبر عام 2015، طرحت حكومة الصين "الإصلاح الهيكلي لجانب العرض" لأول مرة، وفي ديسمبر نفس العام حددت خمس نواح للإصلاح، هي "تخفيض قدرة الإنتاج والمخزون من المنتجات ونسبة الرافعة المالية والتكلفة وإصلاح القصور"، لحل مشكلات فائض قدرة الإنتاج وعدم كفاية العرض في المستويين المتوسط والمرتفع وعدم التوازن الهيكلي للاقتصاد الصيني. "إصلاح جانب العرض" يختلف جوهريا عن اقتصاديات ريغان في الخلفية الزمنية والأساس النظري والإجراءات السياسية والأهداف المتوقعة وغيرها من الجوانب.

اختلاف الخلفية الزمنية 

في سبعينات القرن العشرين، أصابت أزمة النفط والارتفاع الكبير لأسعار النفط اقتصاد الدول الصناعية الرئيسية في العالم بصدمات شديدة، فكان تراجع الاقتصاد وارتفاع الأسعار وارتفاع معدل البطالة، في ذلك الوقت، وضعا طبيعيا للاقتصاد الكلي في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرهما من الدول الصناعية المتطورة. بسبب أزمة النفط الأولى عام 1973، دخل الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود، وسجل زيادة سلبية لنمو إجمالي الناتج المحلي بنسبة 5ر0% في عام 1974 وصلت إلى 2ر0% في عام 1975. لمواجهة التراجع الاقتصادي، اتخذ نظام الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأمريكي سياسات نقدية فضفاضة لحفز نمو الاقتصاد، مما أدى إلى تضخم مالي شديد نتيجة للزيادة الكبيرة في المعروض من النقود بمفهومها الموسع (M2). وفي عام 1974، ارتفع معدل التضخم المالي للولايات المتحدة الأمريكية إلى 11%، مقارنة مع 2ر6% في عام 1973. وبعد اندلاع أزمة النفط الثانية في عام 1979، عاد الاقتصاد الأمريكي إلى التراجع، وارتفع معدل التضخم المالي باستمرار. في عام 1980، تراجع الاقتصاد الأمريكي بنسبة 2ر0%، وبلغ معدل التضخم المالي 5ر13%. وفي ظل خلفية من سياسات إدارة الطلب الفاشلة، اتخذت حكومة ريغان سياسات الليبرالية الجديدة المرتبطة باقتصاديات جانب العرض، المعروفة باقتصاديات ريغان، وأصدرت ((خطة نهضة الاقتصاد)) التي كان محورها الرئيسي تخفيض أعباء الضرائب وتقليل نفقات الحكومة وتخفيف المراقبة الاقتصادية، بهدف دفع زيادة الاستثمار وإنعاش الاقتصاد. من الواضح أن سياسة اقتصاديات ريغان طُرحت في ظل خلفية من "الركود والتضخم" وفشل سياسات إدارة الطلب الكلي لجون مينارد كينز، بهدف معالجة مشكلات ركود الاقتصاد والتضخم المالي وارتفاع معدل البطالة. في نوفمبر عام 2015، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ لأول مرة المفهوم الهام: "الإصلاح الهيكلي لجانب العرض"، خلال الاجتماع الحادي عشر للمجموعة القيادية المركزية للشؤون المالية والاقتصادية. وطُرح إصلاح جانب العرض على خلفية دخول اقتصاد الصين إلى الوضع الطبيعي الجديد ونمو الاقتصاد الكلي بمعدل متوسط ومنخفض. في عام 2012، بلغ معدل نمو اقتصاد الصين 7ر7%، ليسجل معدل نمو أقل من 8% لأول مرة منذ عام 2000. وفي عام 2015، استمر تباطؤ نمو اقتصاد الصين، ووصل إلى 9ر6%. رغم أن سرعة نمو الاقتصاد الصيني تراجعت، فإنها ظلت أعلى من معدل النمو الاقتصادي للدول النامية الذي يبلغ 4% ومعدل نمو الاقتصاد العالمي الذي يبلغ 1ر3%. ومن زاوية مستوى التضخم المالي، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك (CPI) في الصين بنسبة 4ر1% في عام 2015 مقارنة بما كان عليه في عام 2014، وهو أدنى ارتفاع للأسعار سجل خلال ست سنوات. وفي فترة تباطؤ النمو الاقتصادي، ظل وضع التوظيف في الصين في حالة مستقرة. وفقا لإحصاءات وزارة الموارد البشرية والضمان الاجتماعي، خلقت الصين 12ر13 مليون وظيفة جديدة لسكان الحضر في عام 2015، وبلغ معدل البطالة المسجل في المدن 05ر4%. وهكذا، فإن الخلفية الاقتصادية لطرح إصلاح جانب العرض تختلف اختلافا تاما عن خلفية طرح اقتصاديات ريغان.

الاختلاف في الأساس النظري

تدعو اقتصاديات ريغان إلى تبني رؤية مدرسة العرض لاقتصاديات جانب العرض الليبرالية الجديدة والنظرية النقدية (monetarism) كأساس رئيسي. وباعتبارها مدرسة لعلم الاقتصاد، ولدت الليبرالية الجديدة في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، وهي توارث وتطوير لنظرية الحرية وعدم التدخل لآدم سميث في نهاية القرن الثامن عشر، وتثق الليبرالية الجديدة بأن آليات السوق تحقق التوازن تلقائيا وعدم ظهور أزمة فائض الإنتاج، وعدم الحاجة إلى تدخل الحكومة. في تسعينيات القرن العشرين، وبسبب أزمة النفط الأولى والثانية، وقعت الدول الصناعية في العالم في ورطة الركود والتضخم التي تجمع بين المستوى المرتفع من التضخم المالي والنمو الاقتصادي المنخفض. ولا ينفع اقتصاد كينزي الذي يقوم على تدخل الحكومة واتخاذ السياسات المالية والنقدية كأداة. وفي هذه الخلفية، بدأ انتعاش اقتصاد الليبرالية الجديدة الذي عانى من الإهمال لسنوات. تثق النظرية النقدية بأن الأسعار ظاهرة نقدية، وأن الإفراط في إصدار النقود يؤدي إلى التضخم المالي بالتأكيد، أما مدرسة العرض، فتدعو إلى تحفيز العرض من خلال تخفيض الضرائب وتبسيط اللوائح والنظم. في عام 1981، بعد تولي رونالد ريغان منصب الرئيس الأمريكي، اتخذ عدة إجراءات، منها تخفيض نسبة الضرائب وتقليل نفقات الرعاية الاجتماعية والسيطرة الكلية على عرض النقد وتخفيف مراقبة الحكومة، بهدف تحفيز نمو الاقتصاد الأمريكي وتخفيض مستوى التضخم المالي. استرشدت خطة حكومة ريغان لتعديل الاقتصاد بنظريات المدرسة النقدية ومدرسة العرض.

أما الإصلاح الهيكلي لجانب العرض في الصين فهو مواصلة وتعميق إصلاح نظام اقتصاد السوق الاشتراكي للصين، وطريق معالجة جذور المشكلات المختلفة التي تواجه الصين في المرحلة الجديدة لنمو اقتصادها. محور الإصلاح الهيكلي لجانب العرض هو دفع الهيكلة الصناعية وتقوية تكيف هيكل العرض مع تغير الطلب من خلال تصفية قدرة الإنتاج المتخلفة والفائضة وتلبية مستوى الاستهلاك المتزايد يوميا للمستهلكين بمنتجات عالية الجودة. الإصلاح الهيكلي لجانب العرض يتخذ الاقتصاد السياسي الماركسي كأساس نظري، وهو استخدام وتطوير المبادئ الأساسية لعلم الاقتصاد السياسي الماركسي في ممارسة إصلاح الاقتصاد الصيني.

الاختلاف في الإجراءات السياسية

بعد أن تولى ريغان الحكم في عام 1981، قبل الوجهات النظرية لمدرسة العرض بشكل شامل، ونفذ خطة إصلاح اقتصادي تقوم رئيسيا على تخفيض أعباء الضرائب وتقليل نفقات الرعاية الاجتماعية وتخفيف المراقبة الاقتصادية، أما الإصلاح الهيكلي لجانب العرض، فلا تقتصر إجراءاته السياسية على استبدال الضريبة التجارية بضريبة القيمة المضافة وتحسين نظام الضمان الاجتماعي وتبسيط الإجراءات الإدارية وتفويض الصلاحيات إلى مستويات أدنى وغيرها من الجوانب، بل تشتمل على إعادة الهيكلة الصناعية وتحويل نمط النمو الاقتصادي ورفع القدرة الإنتاجية الشاملة العناصر، وغيرها من الإجراءات الاستراتيجية والطويلة المدى. والإصلاح الهيكلي لجانب العرض له خصائص بارزة مختلفة عن اقتصاديات ريغان في استخدام السياسات. أولا، يهتم إصلاح جانب العرض بدور السوق والحكومة، ويجمع جمعا عضويا بين تعديل الهيكل وإدارة الطلب. وباعتبارها مدرسة لعلم اقتصاد الليبرالية الجديدة، تدعو مدرسة العرض إلى اقتصاد السوق الحرة، وتعارض تماما تدخل الحكومة وتعتقد أنه يخرب آلية التعديل التلقائي للسوق، وأن الإفراط في التدخل والتدخل غير المناسب يضران بالعرض الفعال، في حين تقوم فكرة التعديل والسيطرة للإصلاح الهيكلي لجانب العرض على الجمع العضوي بين إصلاح الهيكل وإدارة الطلب، وتؤكد على الدور الأساسي للسوق في توزيع الموارد، كما تؤكد على الدور المساعد للحكومة في التعديل والسيطرة على الاقتصاد. ثانيا، يرفع إصلاح جانب العرض جودة العرض من خلال تعديل هيكل الصناعة والارتقاء بمستواها. وتشتمل أهداف تنمية الصناعة لإصلاح جانب العرض على ما يلي: تعزيز بناء تحديث الزراعة ودفع التنمية المندمجة بين الصناعات الأولى والثانية والثالثة للمناطق الريفية؛ إسراع خطوات تخفيض قدرة الإنتاج والمخزون من المنتجات والتكلفة وتصفية قدرة الإنتاج المتخلفة وتطوير الصناعات الناشئة الاستراتيجية وتنفيذ استراتيجية ((صنع في الصين 2025))؛ تعزيز تطور الصناعة الثالثة، لأن الصناعة الثالثة صناعة كثيفة العمالة وغير ملوثة، فتطويرها لا يؤدي إلى خلق عدد كبير من فرص العمل فحسب، وإنما أيضا المساهمة في تطوير الصناعتين الأولى والثانية، ويتمتع نمط النمو الاقتصادي المدفوع بالخدمات بخصائص الشمول والاستمرار. ثالثا، يركز إصلاح جانب العرض على مفهوم "الاستفادة المشتركة"، ويسعى إلى تمتع المجتمع كله بثمار التنمية الاقتصادية. وتكون أهدافه السياسية الرئيسية هي زيادة الاستثمار في الضمان الاجتماعي باستمرار وتحسين الرعاية الاجتماعية وضمان معيشة الشعب في ناحية السياسات الاجتماعية.

الاختلاف في الأهداف المتوقعة

بسبب الاختلافات في الخلفية الزمنية والمشكلات الاقتصادية المطلوب معالجتها، من الطبيعي أن تكون هناك اختلافات في الأهداف السياسية بين إصلاح جانب العرض واقتصاديات ريغان، حيث أن اقتصاديات ريغان كان هدفها دفع انتعاش الاقتصاد الأمريكي في مدة قصيرة، وتخليص الاقتصاد الأمريكي من "الركود والتضخم"، بينما الهدف الأساسي للإصلاح الهيكلي لجانب العرض هو تحرير قوى الإنتاج وتطويرها وتقوية تكيف هيكل العرض ومرونته ورفع القدرة الإنتاجية الشاملة العناصر لجعل نظام العرض يتكيف مع تغير هيكل الطلب على خير وجه. واختلافا عن الهدف المنفرد لاقتصديات ريغان وهو إنعاش الاقتصاد الأمريكي، فإن إصلاح جانب العرض له مهام قصيرة المدى وأهداف طويلة المدى. من المهام القصيرة المدى، أن إصلاح جانب العرض يعمل على إنجاز المهمات الخمس المتمثلة في "تخفيض القدرة الإنتاجية والمخزون من المنتجات ونسبة الرافعة المالية والتكلفة وإصلاح القصور" لتحقيق الهدف القصير المدى وهو استقرار النمو الاقتصادي. ومن الأهداف الطويلة المدى، أن الإصلاح الهيكلي لجانب العرض يسعى إلى تحويل نمط النمو الاقتصادي المدفوع بالاستثمار والتجارة الخارجية وتحويل الاستهلاك المحلي إلى القوة المحركة الأساسية لدفع النمو الاقتصادي، لتنفيذ مفاهيم التنمية الخمسة المتمثلة في: "الابتكار والتناسق والأخضر والانفتاح والتمتع المشترك"، والتي طُرحت في الخطة الخمسية الثالثة عشرة.

جدول: المقارنة بين إصلاح جانب العرض واقتصاديات ريغان

اقتصاديات ريغان

إصلاح جانب العرض

خطة الإصلاح الاقتصادي

الولايات المتحدة الأمريكية

الصين

الدولة

الرئيس الأمريكي رونالد ريغان

الرئيس الصيني شي جين بينغ

صاحب الطرح

عام 1981

عام 2015

الوقت

الركود والتضخم المالي

الوضع الطبيعي الجديد للاقتصاد الصيني

خلفية الطرح

مدرسة العرض الليبرالية الجديدة والنظرية النقدية

علم الاقتصاد السياسي الماركسي

الأساس النظري

ركود الاقتصاد والتضخم المالي وارتفاع معدل البطالة

فائض القدرة الإنتاجية وعدم كفاية العرض على المستويين المتوسط والمرتفع والخلل الهيكلي

المشكلات المطلوب معالجتها

1-    تخفيض نسبة الضرائب

2-    تقليل نفقات الرعاية الاجتماعية

3-    السيطرة الكلية على عرض النقد

4-    تخفيف مراقبة الحكومة

1-    الاهتمام بدور السوق والحكومة والجمع العضوي بين التعديل الهيكلي وإدارة الطلب

2-    تعديل هيكل الصناعة

3-    تحسين نظام الضمان الاجتماعي

الإجراءات السياسية

المهام القصيرة المدى: تخفيض قدرة الإنتاج واستقرار النمو الاقتصادي

الأهداف الطويلة المدى: إعادة الهيكلة الصناعية وتحويل نمط النمو الاقتصادي

إنعاش الاقتصاد والتخلص من الركود والتضخم المالي

الأهداف المتوقعة

المصدر: الكاتب