HOME| مقالات من المجلة

الصناعات الثقافية الإبداعية قوة جديدة لدفع النمو الاقتصادي

2016-10-01 14:22

الصناعات الثقافية الإبداعية تتمتع بمزايا في دمج الصناعات وفي القيمة المضافة العالية وحماية البيئة، وتحمل مغزى إيجابيا في دفع الاستهلاك وتوسيع التجارة الخارجية وزيادة التوظيف وتعزيز قوة الحشد المجتمعي، فتزداد أهمية مكانتها في الاقتصاد الوطني يوما بعد يوم، باعتبارها قوة محركة هامة للارتقاء بمستوى الصناعات ونمو الاقتصاد الكلي والابتكار العلمي والتقني.

 

تطور الصناعات الثقافية الإبداعية في العالم

من خلال مسار تنمية الاقتصاد العالمي، نجد أن تنمية الصناعات الثقافية الإبداعية خيارا حتميا لتحويل نمط النمو الاقتصادي، وعلامة هامة لدخول الدولة في المجتمع ما بعد الصناعي، وقد أثبت ذلك تاريخ تطور بعض الدول المتقدمة. على سبيل المثال، فإن بريطانيا وضعت في تسعينيات القرن الماضي سياسات وإجراءات لدفع تنمية الصناعات الثقافية الإبداعية، على خلفية الأزمة التي واجهها قطاع التصنيع آنذاك، واتخذت الصناعات الثقافية الإبداعية كالنقاط الهامة الرئيسية لنهوض الاقتصاد البريطاني، ونجحت في تحقيق هدف دفع نمو الاقتصاد وتخفيض نسبة البطالة.

كما أولت ألمانيا، وهي دولة كبيرة في قطاع التصنيع، اهتماما بالغا بتطوير الصناعات الثقافية الإبداعية التي تبرز مكانتها في الاقتصاد الألماني يوما بعد يوم. خلال الفترة من عام 2009 إلى عام 2012، حققت الصناعات الثقافية في ألمانيا نموا متواصلا. صحيح أن نسبة مساهمة الصناعات الثقافية الإبداعية في نمو الاقتصاد الألماني مازالت أقل من مساهمة صناعة الخدمات المالية وقطاع تصنيع الماكينات وصناعة السيارات وغيرها من الصناعات، ولكنها تجاوزت مساهمة الصناعة الكيماوية وصناعة القطارات، وغيرهما من الصناعات التقليدية.

دفع تحويل نمط نمو الاقتصاد الصيني 

في سبتمبر عام 2009، أجاز مجلس الدولة الصيني أول خطة خاصة للصناعات الثقافية في الصين وهي ((خطة نهضة الصناعات الثقافية))، فكان ذلك إشعارا بأن الصناعات الثقافية قد ارتقت إلى مستوى الاستراتيجية الوطنية. ووفقا لهذه الخطة، ستعمل الصين على دفع تنمية الصناعات الثقافية الإبداعية، بما في ذلك الابتكار والتصميم الثقافيين وإنتاج الأفلام والمسلسلات التلفزيونية والنشر والتوزيع والعروض والترفيه والمؤتمرات والمعارض الثقافية والإعلام والرسوم المتحركة.

أما الخطة الخمسية الثالثة عشرة فقد أكدت بشكل موسع على هدف جعل الصناعات الثقافية ركيزة الاقتصاد الوطني. هذا يعني أن الصناعات الثقافية الإبداعية ستصبح نقطة جديدة لنمو الاقتصاد الصيني وقوة محركة جديدة لدفع تحويل نمط نمو الاقتصاد والارتقاء بمستوى هيكل الصناعات. وقد صارت الصناعات الثقافية الإبداعية نقطة جديدة لنمو الاقتصاد الصيني.

بعد اندلاع الأزمة المالية العالمية، تعرض قطاع المال وقطاع العقارات، وغيرهما من القطاعات التقليدية لصدمة شديدة، وتراجع معدل نمو الاقتصاد العالمي، وحاولت كل دول العالم تعديل استراتيجية التنمية الاقتصادية والبحث عن نقطة جديدة لنمو الاقتصاد. تتمتع الصناعات الثقافية الإبداعية بمزايا هامة، تتمثل في الدرجة العالية للدمج بين صناعات مختلفة، والقوة الكامنة الكبيرة في الطلب، والقدرة القوية على الابتكار، وكونها ملائمة لتحقيق أهداف "ضمان النمو الاقتصادي وتوسيع الطلب الداخلي وتعزيز التوظيف" في ظل الوضع الطبيعي الجديد.

تنمية الصناعات الثقافية الإبداعية تدفع تحويل نمط نمو الاقتصاد الصيني والارتقاء بمستواه. منذ انتهاج الصين سياسة الإصلاح والانفتاح قبل ثلاثين سنة، حافظ الاقتصاد الصيني على معدل نمو سريع، تجاوز 10% سنويا، وحققت الصين منجزات ملحوظة في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية. كان نمط النمو الاقتصادي المدفوع بالاستثمار والتصدير يتفق مع واقع الصين آنذاك والمتمثل في نقص الإمدادات ومستوى التصنيع غير المرتفع وتكلفة العمالة المنخفضة. وقد لعب ذلك النمط دورا إيجابيا في مجالات دفع نمو الاقتصاد الصيني وبناء وإكمال نظام الصناعة وتحسين ظروف معيشة السكان. ومع تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية، برزت عيوب هذا النمط الانتشاري للتنمية والمفرط في الاعتماد على التصدير والاستثمار. إن تنمية الصناعات الثقافية الإبداعية تلبي الحاجة إلى تحويل نمط نمو الاقتصاد الصيني والارتقاء بمستوى الصناعات، كما أنها تساعد بشكل فعّال في التغلب على عيوب النمط الانتشاري للنمو الاقتصادي.

العناصر الرئيسية للاستثمار في الصناعات الثقافية الإبداعية هي الموارد والثمار الفكرية، في حين يكون اعتمادها على الموارد المادية محدودا، واستهلاكها للطاقة وتلويثها للبيئة قليلا، فهي صديقة للبيئة ومنخفضة الانبعاثات الكربونية. لقد باتت الصناعات الثقافية الإبداعية جزءا هاما من صناعة الخدمات الحديثة، وتساعد على دفع الارتقاء بمستوى الصناعات المعنية وتنميتها. في مارس عام 2014، أصدر مجلس الدولة الصيني ((المقترحات الخاصة للمشاركة في دفع التنمية المندمجة للثقافة والإبداع والتصميم والصناعات المعنية))، باعتبار أن دفع التنمية المندمجة لصناعات الثقافة والإبداع والتصميم وقطاع التصنيع وقطاعات البناء والسياحة والزراعة والرياضة البدنية مهمة رئيسية. هذا يعني أن تنمية الصناعات الثقافية الإبداعية تسير باتجاه الاندماج في الاقتصاد الحقيقي.

تنمية الصناعات الثقافية الإبداعية يساهم في زيادة حجم الاستهلاك وتعزيز الارتقاء بمستوى هيكل الاستهلاك. النمط الجديد لنمو الاقتصاد الصيني يقوم على جعل الاستهلاك القوة المحركة الأساسية لنمو الاقتصاد وتعزيز النمو المستدام. ولا غرو أن تنمية الصناعات الثقافية الإبداعية بقوة تساعد على توسيع الطلب الداخلي ودفع الارتقاء بمستوى الاستهلاك. وفقا لنتائج مسح أجرته مصلحة الدولة للإحصاء شمل مائة وستين ألف أسرة من سكان إحدى وثلاثين مقاطعة ومنطقة ذاتية الحكم وبلدية خاضعة للإدارة المركزية، تجاوز متوسط زيادة الإنفاق الثقافي للفرد في الحضر والريف 12% خلال الفترة من عام 2011 إلى عام 2014. مع ارتفاع متوسط نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي وزيادة دخل الفرد القابل للإنفاق، سترتفع نسبة إنفاق الصينيين على الاستهلاك الثقافي بشكل متزايد، كما أن المنتجات الثقافية الإبداعية ستدفع الارتقاء بمستوى الهيكل الاستهلاكي للسكان.

فرص للعالم 

تنمية الصناعات الثقافية الإبداعية الصينية تعني إنتاج وتصدير المزيد من المنتجات الثقافية الإبداعية، والمساهمة في إثراء السوق الثقافية العالمية وتعزيز نمو الاقتصاد العالمي، كما أنها تدفع بقوة نحو تطوير تعددية الثقافة العالمية. وفقا لتقرير ((عولمة التجارة الثقافية: التداول الدولي للمنتجات والخدمات الثقافية بين عام 2004 وعام 2013))، الصادر عن معهد اليونسكو للإحصاء في مارس عام 2016، تجاوز إجمالي حجم صادرات المنتجات الثقافية الصينية ستين مليار دولار أمريكي في عام 2013 وشكل 2ر28% من إجمالي حجم صادرات المنتجات الثقافية في العالم. هذا يعني أن الصين أصبحت أكبر دولة مصدرة للمنتجات الثقافية في العالم. ولكن الصين ليست مجرد دولة مصدرة كبيرة للمنتجات الثقافية، فهي أيضا دولة كبيرة في طلب واستيراد المنتجات الثقافية. في عام 2013، بلغ إجمالي حجم استيراد الصين للمنتجات الثقافية 84ر5 مليارات دولار أمريكي، أي ما يعادل 5ر3% من إجمالي حجم تجارة استيراد المنتجات الثقافية في العالم. (انظر إلى الجدول) وفي نفس الوقت، فإن الطلب الكبير والقوة الكامنة الضخمة لسوق استهلاك المنتجات الثقافية الصينية يوفر للمؤسسات الأجنبية فرصا تجارية للاستثمار في الصين. حاليا، يبلغ عدد متوسطي الدخل في الصين نحو ثلاثمائة مليون نسمة، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا العدد في العشر سنوات المقبلة. ومن نافلة القول إن أصحاب الدخل المتوسط يميلون إلى تلقي التعليم الرفيع المستوى والتمتع بحياة ثقافية غنية، ما يجعلهم القوة الرئيسية لاستهلاك المنتجات الثقافية الإبداعية. وفقا لتقرير ((مؤشرات الاستهلاك الثقافي الصيني لعام 2013)) الصادر عن مصلحة الصناعات الثقافية بوزارة الثقافة الصينية وجامعة رنمين الصينية، يصل الحجم الكامن للاستهلاك الثقافي في الصين إلى 7ر4 تريليونات يوان (الدولار الأمريكي يساوي 7ر6 يوانات)، مقارنة مع تريليون يوان فقط حاليا، ما يعني وجود مجال واسع لزيادة الطلب. بفضل القوة المحركة من الطلب الكبير ودعم السياسات التفضيلية، ستصبح الصناعات الثقافية الإبداعية نقطة جديدة لنمو اقتصاد الصين في ظل الوضع الاقتصادي الطبيعي، وستجلب فرصا تجارية كبيرة للمؤسسات الثقافية الصينية والأجنبية.

 

الجدول: حجم صادرات وواردات المنتجات الثقافية الصينية وترتيبها في العالم لعام 2013

الاستيراد

التصدير

المشروعات

الترتيب

حجم الاستيراد

(الوحدة: مليون دولار أمريكي)

الترتيب

حجم التصدير

(الوحدة: مليون دولار أمريكي)

7

14ر71

10

41ر1208

التراث الثقافي والطبيعي

2

53ر2079

3

1ر2017

العروض والاحتفالات

8

9ر2

1

37ر49

الفنون والأعمال الفنية المرئية

13

1ر500

4

6ر2578

الكتب والإصدارات الصحفية

14

0ر233

1

1ر6100

منتجات وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والتفاعلية

3

27ر10

6

42ر14

خدمات التصميم والابتكار

8

68ر5840

1

68ر60110

الإجمالي

المصدر: تقرير ((عولمة التجارة الثقافية: التداول الدولي للمنتجات والخدمات الثقافية بين عام 2004 وعام 2013)) لمعهد اليونسكو للإحصاءات، نشر في عام 2016.