HOME| مقالات من المجلة

اقتصاد المشاركة
الصينيون على أعتاب عصر اقتصادي جديد

2016-09-01 12:04

تشهد الصين حاليا ظواهر جديدة، الملمح الرئيسي لها هو اختيار عدد متزايد من الصينيين مشاركة الآخرين في حياتهم الاجتماعية والاقتصادية. من هذه الظواهر استخدام تطبيقات سيارات الأجرة مثل أوبر (uber) وديدي (didi)، لاستخدام السيارة معا وتقاسم الأجرة. وفي سفرهم، يستخدمون تطبيق Airbnb الذي يتيح للأشخاص عرض مساكنهم للإيجار والإقامة في أماكن أخرى. الأكثر من ذلك، أن البعض يستقدم طهاة ماهرين لطبخ الأطباق المنزلية لهم في بيوتهم. تحظى هذه التطبيقات أو المواقع على شبكة الإنترنت بإقبال واسع عند الصينيين، وخاصة الشباب، لأن أسعار الخدمات التي يحصلون عليها عبر تطبيقات الإنترنت أقل كثيرا من حجز سيارات الأجرة والفنادق بالطريقة التقليدية. على سبيل المثال، يبدأ عداد الأجرة لسيارة التاكسي العادية في بكين بثلاثة عشر يوان (الدولار الأمريكي يساوي 7ر6 يوانات)، يضاف إليها يوانان ونصف لكل كيلومتر، في حين لا تزيد أجرة سيارات شركة أوبر أو ديدي عن ستين في المائة من أجرة التاكسي العادي. في الحقيقة، هذه المنصات على الإنترنت تقوم بدور العرض والطلب فقط، وليس لديها سيارات أو فنادق. وبفضل هذه التطبيقات، يتغير أسلوب حياة الناس بشكل تدريجي، حيث يتشارك الناس في استخدام ممتلكاتهم لتخفيض نفقات المعيشة الأساسية.

من "قيمة التبادل" إلى "قيمة المشاركة"

هذه الظواهر الجديدة تجسد بزوغ اقتصاد المشاركة في الصين. يقوم اقتصاد المشاركة أو الاقتصاد التعاوني أو اقتصاد التقاسم على فكرة تقاسم الخدمات والأصول والموارد المادية والبشرية بين مختلف الأشخاص والمؤسسات العامة والخاصة. حقّق اقتصاد المشاركة نجاحا كبيرا في جذب المستهلكين الصينيين في السنوات الأخيرة، وسمح لهم بالوصول السريع إلى المنتجات والخدمات التي يرغبونها. وفي الوقت نفسه، تتنافس هذه الشركات الجديدة مع الشركات التقليدية في أسواق جديدة خاصّة، لدرجة أنها تشكل ضغطا كبيرا على الشركات التقليدية في بعض المجالات.

يعد اقتصاد المشاركة نموذجا جديدا يختلف عن النظام الرأسمالي التقليدي الذي يرتكز على الملكية الفردية. ومن أبرز سمات هذا الاقتصاد الجديد أن "قيمة المشاركة" في المنتجات والأصول تحل محل "قيمة التبادل" القديمة. عندما يعتاد الناس على استخدام منتجات وخدمات ليست مملوكة لهم فإنهم في الحقيقة يطبقون قيمة المشاركة. بدأت هذه الفكرة في فترة الأزمة المالية التي شهدتها الدول الغربية، لأن الناس باتوا يشعرون بأنهم يمتلكون أكثر من حاجتهم. في ذلك الوقت، بدأ التفكير في تأجير الغرف الزائدة في المسكن، وتأجير سياراتهم التي لا يستخدمونها.

خلال منتدى دافوس الصيفي لعام 2016 الذي أقيم في مدينة تيانجين الصينية، قال مؤسس تطبيق أوبر، السيد ترافيس كالانيك، إن حجم اقتصاد المشاركة في الصين وصل إلى ثلاثمائة مليارات دولار أمريكي، ومن المتوقع أن يواصل الزيادة بسرعة بنسبة حوالي أربعين في المائة في السنوات الخمس المقبلة. إذا صح ما قاله ترافيس كالانيك، سوف يحتل اقتصاد المشاركة عشرة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للصين بحلول عام 2020.

الثقة المتبادلة قاعدة اقتصاد المشاركة

يهتم اقتصاد المشاركة بالثقة المتبادلة بين الغرباء. فعندما تختار خدمات اقتصاد المشاركة فإنك تثق ثقة كاملة في شخص غريب؛ فأنت تأكل من طبق أعده شخص غريب وتنام في فراش شخص غريب في مدينة غريبة. أصبح اقتصاد المشاركة امتدادا للتواصل الاجتماعي على الإنترنت، وتوفر شفافية شبكة الإنترنت أساس الثقة المتبادلة أثناء هذه المسيرة.

اقتصاد المشاركة يتطلب من الفرد أن يقدم رقم بطاقة الائتمان الخاصة به أو رقم بطاقة هويته الشخصية للتحقق من قدرته على الدفع. وبعض الهيئات والشركات تضع معايير معنية لتقدير مستوى الائتمان للأفراد. وعلى سبيل المثال، تقوم مجموعة نملة للخدمات المالية  التابعة لمجموعة علي بابا بتقدير مستوى الائتمان وفق سلسلة من المعايير، فمنها "مستوى السمسم" الذي يتراوح بين 350 درجة و950 درجة، باعتماد على سجلات البنوك. المستهلك الذي يحقق درجة عالية حسب هذا المعيار، يحصل على مزايا معينة في بعض المناسبات. على سبيل المثال، من يحقق أعلى من 750 درجة، يمكنه استخدام ممر الخروج السريع في مطار العاصمة ببكين، والإعفاء من رسوم الإقامة عندما ينزل في بعض الفنادق.

ازدهار اقتصاد المشاركة في المستقبل

صار اقتصاد المشاركة مألوفا على نحو متزايد بين الصينيين. وحسب ((تقرير تنمية اقتصاد المشاركة في الصين عام 2016)) الصادر عن المركز الوطني للمعلومات، يواكب تطور اقتصاد المشاركة رقمنة المجتمع وعصر المعلوماتية. وسوف يزدهر اقتصاد المشاركة أكثر فأكثر في السنوات المقبلة على الأرجح، ولن تقتصر مجالاته على استئجار السيارات أو الشقق، بل سيشكل نمطا جديدا لحياة الناس. هناك خمس سمات لتطور اقتصاد المشاركة الصيني، هي: توسع نطاقه وتنوع مضمونه؛ والتنافس الشديد بين شركات تقديم خدمات اقتصاد المشاركة؛ ودفع تحول نمط الشركات التقليدية؛ والحاجة الملحة إلى نظام مراقبة جديد؛ والانفتاح ومواكبة تطور مجتمع المعلومات. ويشير التقرير إلى أن التطور السريع سوف يتضح أكثر في المستقبل في مجالات النقل والمواصلات، والسكن، والتمويل، والتعليم، والخدمات المنزلية.

كما أشار التقرير إلى أن اقتصاد المشاركة يجلب للشركات التقليدية فرصا وتحديات في ذات الوقت. ويبقى أن نترقب بشوق ولهفة ما الذي سوف يقدمه لنا هذا النوع الجديد من الاقتصاد.