قضايا ساخنة < الرئيسية

المنتدى الصيني- الأفريقي نموذج لتعاون الجنوب- الجنوب

: مشاركة
2018-09-03 10:45:00 الصين اليوم:Source وانغ ماو هو:Author

في المؤتمر الآسيوي- الأفريقي الذي عقد في باندونغ عام 1955، عرفت أدبيات العلاقات الدولية لأول مرة مصطلح "تعاون الجنوب- الجنوب"، الذي يشير إلى تبادل الموارد والتكنولوجيا والمعرفة بين البلدان النامية. كان مؤتمر باندونغ أول اجتماع عالمي الدول المشاركة فيه ليست مستعمرات للقوى الإمبريالية، وأول مؤتمر في تاريخ البشرية عابر للقارات للشعوب الملونة. وكانت الصين من أبرز الدول المشاركة فيه.

وبرغم التقلبات والتغيرات في الوضع الدولي خلال النصف الثاني من القرن العشرين، ظل تعزيز العلاقات مع الدول النامية سواء في آسيا أو أفريقيا أو أمريكا اللاتينية المبدأ الثابت للسياسة الخارجية الصينية. ومع انبلاج القرن الحادي والعشرين المُحمَل بتوجهات جديدة وإعادة هيكلة النظام الدولي والتقدم التقني والمعرفي، وعلى خلفية التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي حققتها الصين منذ تبنيها سياسة الإصلاح والانفتاح، شرعت بكين في تعميق تعاونها مع بلدان الجنوب، وفي مقدمتها البلدان الأفريقية، فبادرت بإنشاء منتدى التعاون الصيني- الأفريقي عام 2000، الذي انطلق بالعلاقات الصينية- الأفريقية إلى آفاق جديدة.

في الفترة الأولى للإصلاح والانفتاح، كانت الصين قد بدأت التحول تدريجيا من سياسة تقديم المعونات الاقتصادية الخارجية المباشرة إلى سياسة الكسب المتبادل (win- win)، أي الاستثمار في مشروعات تحقق منافع للصين وللدول المتلقية لتلك الاستثمارات. ومع تعاظم احتياطي الصين من النقد الأجنبي، من 170 مليون دولار أمريكي في عام 1978، إلى 9ر11 مليار دولار أمريكي في عام 1990، وصولا إلى 14ر3 تريليونات دولار أمريكي في عام 2017،  اتجهت الصين إلى توظيف قدراتها الاقتصادية لتوثيق علاقاتها مع دول الجنوب. في نوفمبر 2014، تعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ بتقديم 40 مليار دولار أمريكي لمساعدة الدول الآسيوية على تحسين الروابط التجارية، ضمن مبادرة "طريق الحرير". وعلى الرغم من تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ أثناء قمة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2015، أن الصين ستنشئ صندوق مساعدة لدعم التعاون بين بلدان الجنوب من خلال تمويل الدفعة الأولى بقيمة ملياري دولار أمريكي، وستزيد استثماراتها في البلدان الأقل نموا لتصل إلى 12 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030، مع إلغاء الديون المترتبة على القروض الحكومية المستحقة في نهاية عام 2015 الممنوحة للدول الأقل نموا والدول النامية غير الساحلية والدول النامية الجزرية الصغيرة.

 الصين حاليا هي الشريك التجاري الأول لأفريقيا للسنة التاسعة على التوالي منذ عام 2009. وفي عام 2017، زاد حجم التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا 17 ضعفا، وزاد الاستثمار الصيني في أفريقيا أكثر من 100 ضعف. وتطور التنسيق بين الجانبين ليشمل التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي والأمني والمالي والإنساني والإيكولوجي، إلخ.

في قمة جوهانسبرغ لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقي في ديسمبر 2015، أعلن الرئيس شي عن أكبر حزمة دعم مالي لأفريقيا مقدمة من الصين؛ شملت ستين مليار دولار أمريكي لمشروعات التنمية، وإلغاء بعض الديون ودعم الزراعة وفق خطة مدتها ثلاث سنوات.

وتولي الصين اهتماما بالغا لتعاونها مع القارة الأفريقية، ومن دلائل هذا الاهتمام استضافة بكين في الثالث والرابع من سبتمبر 2018، قمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقي التي سيحضرها الرئيس شي جين بينغ ويلقي في حفل افتتاحها كلمة رئيسية لعرض أفكار الصين الجديدة بشأن تعزيز العلاقات مع أفريقيا والإعلان عن إجراءات جديدة للتعاون البراغماتي بين الجانبين. وسيشارك في القمة عدد كبير من القادة الأفارقة ورئيس الاتحاد الأفريقي والأمين العام للأمم المتحدة و27 مجموعة دولية وأفريقية. وتحظى القارة الأفريقية بمكانة خاصة لدى الرئيس شي جين بينغ، ففي عام 2013، كانت أفريقيا الوجهة الأولى لأول زيارة خارجية قام بها بعد تولي منصبه كرئيس للصين، وفي عام 2018، زار أربعة بلدان في مناطق مختلفة من أفريقيا في أول جولة خارجية له بعد إعادة انتخابه لفترة ثانية.

لقد حقق منتدى التعاون الصيني- الأفريقي نتائج مثمرة وأصبح علامة بارزة في التعاون الصيني- الأفريقي منذ تأسيسه قبل 18 عاما. كما يمثل المنتدى آلية تقود التعاون الدولي مع أفريقيا وتعزز التعاون بين بلدان الجنوب، حسبما قال وزير خارجية الصين وانغ يي في مؤتمر صحفي عقده في الثاني والعشرين من أغسطس. السيد وانغ قال أيضا إن قمة بكين تهدف إلى بناء مجتمع المصير المشترك أكثر تقاربا بين الصين وأفريقيا ومواصلة ربط مبادرة الحزام والطريق الصينية بالتنمية الأفريقية وتحديد مسار جديد لتعاون صيني- أفريقي ذي مستوى أعلى وتعميق التبادلات الشعبية. كما أضاف وزير خارجية الصين: "نعتقد أنه بالجهود المشتركة للصين وأفريقيا، ستحقق قمة بكين نجاحا كبيرا وستنشئ معلما تاريخيا جديدا للتعاون الودي بين الصين وأفريقيا."

إن مساهمات الصين في أفريقيا لا تقتصر على الدعم والمعونات والاستثمارات، وإنما الأهم هو تجربة الصين في مكافحة الفقر التي يمكن لدول أفريقيا أن تستفيد منها. وكما قال بيتر غاري، المحاضر في دراسات التنمية بجامعة ويتووترساند في جنوب أفريقيا، فإن الصين تعد مثالا يحتذى به في مجال الزراعة بالنسبة للدول النامية. فقد استثمرت الصين في الزراعة للحد من الفقر وأقامت مشروعات زراعية ناجحة على المستويات القاعدية. الصين لا تقدم السمكة للأفارقة، وإنما تعلمهم الصيد. وعلى سبيل المثال، فإن شركات الاتصالات الصينية العاملة في أفريقيا أحدثت تحولا هاما في حياة الأفارقة.

بيد أن البعض في الدول الغربية، التي نهبت ثروات إفريقيا واتخذت أهلها عبيدا، يحاولون تشويه ما تقوم به الصين في أفريقيا. وقد لا يكون هناك أسوا من الكتاب الذي أصدره في عام 2014 الصحفي الأمريكي هوارد وارينغ فرنش، بعنوان "قارة الصين الثانية"، والذي حاول فيه، بطريقة خبيثة، تشويه التعاون الصيني- الأفريقي، مدعيا أن الصينيين يستغلون ثروات أفريقيا. وفي الثالث من فبراير 2017، كتبت إليزابيت مانيرو في((هارفارد بوليتيكل ريفيو)) مقالة بعنوان "استثمارات الصين في أفريقيا: استعمار جديد؟"  

ومن قبلها نشرت مجلة ((السياسة الخارجية)) التي تصدر في الولايات المتحدة الأمريكية مقالة بعنوان ((الاستعمار الجديد الصيني))، وغير ذلك من الكتابات التي تشكك في نوايا الصين.

غير أن ما حققته الصين على أرض الواقع في أفريقيا فرض نفسه وصار حقيقة لا يمكن لأحد أن ينكرها. في الحادي والثلاثين من يوليو 2018، كتب نيك فان ميد في صحيفة ((الغارديان)) البريطانية مقالة تحت عنوان "الصين في أفريقيا: تنمية الكسب المشترك أم استعمار جديد؟"

  عدّد فيها المشروعات الصينية في أفريقيا، ومنها ميناء باغامويو الجديد في تنزانيا الذي سيصبح أكبر ميناء في أفريقيا عند اكتماله، وخط نيروبي- مومباسا الحديدي في كينيا، وخط أديس أبابا- جيبوتي الحديدي، إضافة إلى خط السكك الحديدية بين تنزانيا وزامبيا الذي أنشأته الصين في ستينات القرن العشرين. واختتم نيك فان ميد مقالته التي كتبها من مدينة باغامويو قائلا:

"بينما تستعد باغامويو لتحول مزلزل من مدينة هادئة إلى ميناء ضخم ، يبدو أن السكان يشعرون إجمالا بالإيجابية. من سائقي سيارات الأجرة في البلدة القديمة بأثوابهم المصنوعة من القطن الأبيض إلى مدير المطعم الشاب، الكل واثقون من أنهم سيستفيدون من المزيد من الشركات، والمزيد من المكاتب، والمزيد من الوظائف، والمزيد من المال. كل ذلك بفضل الاستثمارات الصينية في هذه المدينة التي تعد امتدادا لـ"الحزام والطريق".

منتدى التعاون الصيني- الأفريقي نموذج ناجح للتعاون بين الجنوب والجنوب، وتجربة يمكن تعميمها إلى مناطق أخرى في العالم، من أجل بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4