مسلمون صينيون < الرئيسية

العالم الصيني المسلم رضوان ليو لين روي

: مشاركة
2019-12-31 17:12:00 الصين اليوم:Source هناء لي ينغ:Author

من أعلام اللغة العربية في الصين، العالم المسلم الأستاذ ليو لين روي (1917- 1995)، الذي حظي بشهرة واسعة داخل الصين وخارجها بفضل إيمانه القوي ومعرفته الواسعة وأخلاقه النبيلة وحبه العميق للوطن. سافر إلى مصر للدراسة في الأزهر الشريف في عام 1938، وبعد عودته إلى الوطن عمل معلما في المعهد الوطني للغات الشرقية في مدينة نانجينغ وفي كلية اللغات الشرقية في جامعة بكين. وهو من الرواد والمؤسسين الذين نقلوا تعليم اللغة العربية من التعليم المسجدي القديم إلى التعليم النظامي العالي في الصين رسميا. وهو أول رئيس للجمعية الصينية لبحوث الأدب العربي، وعضو مراسل لمجمع اللغة العربية بالأردن وعضو مراسل للمجمع الملكي الأردني لبحوث الحضارة الإسلامية. ويحظى بالاحترام من زملائه وتلاميذه وأصدقائه وأقربائه، وظل نموذجا للأوساط الإسلامية الصينية في حياته وبعد مماته.

شعور عميق تجاه الإسلام والوطن

وُلد الأستاذ ليو لين روي (رضوان) في مدينة تسانغتشو بمقاطعة خبي، في أسرة متدينة عريقة وفقيرة ولكنها حازمة وصارمة في تربية أبنائها. توارثت أسرته إمامة المساجد، فقد كان آباؤه وأجداده أئمة في مسجد بيداسي بمحافظة تسانغتشو لسبعة أجيال. كان والده، الشيخ ليو بين يي (يحيى)، مشهورا في الأوساط الإسلامية الصينية، وشغل منصب نائب رئيس الجمعية الإسلامية الصينية وعضو اللجنة الدائمة للمجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني. في طفولته كان ليو لين روي، يصوم في شهر رمضان مع أفراد أسرته، ويرى المسلمين يتدفقون إلى المسجد القريب من بيته، فنبت شوقه لدراسة الإسلام وبدأ تعلم تلاوة القرآن الكريم. عندما تخرج في المدرسة الإبتدائية، لم يرسله أبوه إلى المسجد للدراسة، بل أرسله إلى مدرسة عامة لتلقي التعليم الحديث والعلوم الإسلامية ليكون متخصصا في الدين مواكبا للمجتمع الصيني الحديث. بعد تأسيس مدرسة تشنغدا للمعلمين، أرسله أبوه إلى هذه المدرسة التي تهدف إلى إعداد الأكفاء المتخصصين في مجالات الدين الإسلامي والتربية والتعليم والعمل الاجتماعي، وتتلمذ على يد العالم المشهور بانغ شي تشيان (محمد تواضع)، حيث كان يدرس سبع ساعات كل يوم ويؤدي الصلوات الخمس.

بفضل ذكائه الفائق وجديته في الدراسة وحبه للغة العربية، حقق ليو لين روي نتيجة دراسية جيدة وفاز بمنحة دراسية لإكمال الدراسة في الأزهر، فسافر إلى مصر مع بعض الطلاب المسلمين الآخرين. في ذلك الوقت، اندلعت حرب مقاومة الشعب الصيني للعدوان الياباني، فشارك ليو لين روي في سلسلة نشاطات دعم وتأييد مقاومة الغزو الياباني وإنقاذ الوطن في مصر، حيث عرّف الشعوب العربية بأهمية حرب الصين ضد الغزو الياباني وفضح الغزاة اليابانيين، وجمع التبرعات لدعم كفاح الشعب الصيني.

ظل الأستاذ ليو لين روي يتمسك بالانضباط القاسي طوال حياته، حيث التزم بأحكام الشريعة والعقيدة الإسلامية، ومع أنه لم يشغل أي منصب ديني، لم يخالف المعتقدات والأحكام الدينية في أقواله وأفعاله وملبسه ومأكله ومسكنه ووسائل انتقاله، وغير ذلك من كل الجوانب في الحياة اليومية. وفي أعماق نفسه كان يشتاق إلى عمل كل ما هو مفيد للمسلمين، فبعد تأليف ((في المحادثة تعريف بالمسلمين في الصين))، عبّر أكثر من مرة عن رغبته في ترجمة معاني ((القرآن الكريم)) إلى اللغة الصينية والمشاركة في مزيد من النشاطات الأكاديمية في الأوساط الإسلامية.

مناقب الأستاذ ليو لين روي لا تعد ولا تحصى، فعلى الرغم من أنه لم يكن يشغل منصبا رفيعا ولم يكن راتبه عاليا، قابل ذلك بهدوء وزهد في الثروة والشهرة والمكانة والمتعة، بل لم يكن يرغب في الحديث حول ذلك. ظل يحافظ في أعماق نفسه على نوع من احترام الذات القوي، حتى يجعل الآخرين يشعرون بأنه يتميز بشيء من الكبرياء. ظل يتحلى بالانسجام بين الظاهر والباطن في سلوكه وعمله وعلمه. لقد تشكلت جاذبيته التي تتحلى بتأثيرات واسعة بفضل التناسق بين الكرامة الذاتية القوية والمسؤولية الصادقة. وفي الوقت نفسه، كان متواضعا ولطيفا جذابا، خلال محادثاته وتواصله مع الآخرين.

من رواد تدريس العربية في الصين

في عام 1946، حصل ليو لين روي على شهادة التخرج في الأزهر وعاد إلى الصين، وبدأ عمله معلما في المعهد الوطني للغات الشرقية في مدينة نانجينغ. وفي عام 1949، تم دمج المعهد الوطني للغات الشرقية في مدينة نانجينغ وجزء من كلية سياسات المناطق النائية التابعة للجامعة المركزية ومعهد المناطق النائية في جامعة بكين، فبدأ ليو لين روي عمله مدرسا في كلية اللغات والآداب الشرقية التابعة لجامعة بكين. بذلك، أصبحت جامعة بكين أول مؤسسة للتعليم العالي في الصين تدرج اللغة العربية كفرع علمي بها، فأنشات تخصصا لها، وانتقل تعليم اللغة العربية بالصين من التعليم المسجدي إلى التعليم العالي النظامي، وبدأت مرحلة جديدة لتدريس اللغة العربية وبحوثها في الجامعات الصينية.

في بداية إنشاء قسم اللغة العربية في جامعة بكين، واجه الأستاذ ليو لين روي وزملاؤه مشكلات كثيرة. لم تكن المواد التدريسية وقواميس اللغة العربية- الصينية متوفرة، فقاموا بتأليف المواد التدريسية والبحث عن القواميس. وخلال أكثر من نصف قرن، اشتغل في تدريس وبحوث الصوتيات والقواعد ونظرية وممارسة الترجمة للغة العربية. بفضل جهود الأساتذة مثل الأستاذ ليو لين روي في قسم اللغة العربية لكلية اللغات والآداب الشرقية التابعة لجامعة بكين، نجح قسم اللغة العربية في إعداد دفعات من الأكفاء الممتازين في أوساط التعليم والدبلوماسية والدين والترجمة. بالإضافة إلى ذلك، شارك ليو لين روي في أعمال تأليف ومراجعة ((معجم العربية- الصينية)) و((معجم الصينية- العربية)) و((معجم الصينية- العربية للأمثال الصينية))، وشارك في أعمال ترجمة وتنقيح ((مختارات ماو تسي تونغ)) و((قصائد مختارة لماو تسي تونغ))، وترجم رواية ((الأرض)) للكاتب المصري عبد الرحمن الشرقاوي إلى اللغة الصينية، وترجم رواية ((منتصف الليل)) للكاتب ماو دون وثلاثية ((التيار الجارف)): ((الأسرة))، ((الربيع)) و((الخريف)) للكاتب با جين و((حكايات من بكين)) و((حكايات من قويلين)) و((حكايات من البحيرة الغربية)) وغيرها إلى اللغة العربية، وألف كثيرا من الأطروحات ذات القيمة الأكاديمية العالية في فقه اللغة. في عام 1993، حصل على جائزة المساهمات البارزة لتدريس اللغة العربية للجمعية الصينية لبحوث تدريس اللغة العربية.

جهود حثيثة لتعزيز الصداقة والتبادلات الصينية- العربية

بعد تأسيس الصين الجديدة، شارك ليو لين روي مرات كثيرة في أعمال ترجمة وتدقيق وثائق المؤتمرات الهامة وأعمال الترجمة الشفوية لقادة الحزب والدولة، ومنهم ماو تسي تونغ وشو أن لاي وليو شاو تشي وتشن يي وغيرهم. وقد بزغ بصفته خبيرا في الترجمة بين الصينية والعربية شفويا وتحريريا داخل الصين، في لقاءات قادة الحزب والدولة مع القادة العرب والوفود العربية الرفيعة المستوى والنشاطات الدولية الهامة. حضر مؤتمر السلام لآسيا والمحيط الهادئ ومؤتمر باندونغ والاجتماع العالمي للسلام في هلسنكي والمؤتمر العالمي للمعلمين في وارسو ومؤتمر نزع السلاح والتعاون الدولي في استكهولم. وتولى أعمال الترجمة الشفوية خلال زيارات قادة الدول العربية للصين. وحظي بثناء من قبل الأجهزة المعنية والقادة، وكان رئيس مجلس الدولة الصيني شو أن لاي ونائبه تشن يي يدعوان الطلاب في جامعات اللغات الأجنبية إلى التعلم من ليو لين روي.

في 21 أغسطس عام 1995، توفي الأستاذ ليو لين روي في بكين عن 78 سنة، ولكنه ما زال يعيش في قلوب الناس بأخلاقه السامية: كان جادا في التدريس وصارما في البحوث وعطوفا في معاملة الآخرين ومتشددا مع الذات، وظل يسهم بهدوء طوال حياته، زاهدا في الشهرة والثروة، ويعيش عيشة بسيطة بطمأنينة. في عام 2008، تم نشر كتاب ((رضوان ليو لين روي- من أعلام اللغة العربية بالصين)) باللغة الصينية والذي ألفته السيدة ليو هوي (فريدة) الابنة الوحيدة للأستاذ ليو. يستعرض الكتاب تفاصيل حياة الأستاذ ليو غير العادية والمملوءة بالمشقات والمصاعب. وفي عام 2019، نشر مركز البحوث والتواصل المعرفي في المملكة العربية السعودية الطبعة العربية لهذا الكتاب، مما يعرّف مزيدا من الأصدقاء في الوطن العربي بهذا الأستاذ العظيم في تاريخ تعليم اللغة العربية في الصين، وهو نموذج يجب علينا أن نتعلم منه طوال حياتنا!

البروفيسور تشو وو ليه، رئيس معهد بحوث الشرق الأوسط التابع لجامعة اللغات الأجنبية في شانغهاي وأحد تلاميذ الأستاذ ليو لين روي، كتب مقدمة لكتاب ((رضوان ليو لين روي- من أعلام اللغة العربية بالصين))، نقتبس منها ما يلي: "لم يكن السيد ليو يبخل بعلمه ومعرفته على الآخرين، وخاصة تلاميذه، برغم الصعوبات التي واجهته في الحصول عليها. كان يُخرج كل ما لديه من المعرفه ويجيب عما يسأل عنه، سواء في حجرة الدرس أو في المساعدة الإضافية بعد انتهاء الدراسة. في خمسينات وسيتنات القرن العشرين، كان عدد الأساتذة ومساعديهم في تعليم العربية في الصين قليلا مثل ريش العنقاء وقرن الوحش الأسطوري، وبالتالي قلة عدد المترجمين. فشارك السيد ليو، صاحب الشهرة والواسع الاطلاع والمعرفة، مرات عديدة في نشاطات قادة الدولة والحزب في استقبال كبار الضيوف الأجانب كمترجم، بالإضافة إلى أعمال التدريس في الجامعة، لكنه ظل يحضر كل درس بصورة كاملة ويرتب النقاط الهامة والصعبة والشواهد بصورة دقيقة، وكان يشرح كل مفردة وجملة شرحا واضحا ودقيقا، سعيا وراء إفادة تلاميذه. كان يواجه أسئلة طلابه بصبره وصدقه، فنال الثناء من كل شفة ولسان. كان لطفه يزيل قلق السائل ودقته تنير أذهان طلابه. عندما تعاون مع زملائه في كلية اللغة العربية في الترجمة وتأليف الكتب والمعاجم، كان يتبادل معهم التعلم بالمناقشة المتساوية، متواضعا رحب الصدر، سعيا وراء الوحدة وإزالة الاختلاف بعلمه الراسخ وكفاءته الأصيلة.

كانت أخلاق السيد ليو الكريمة ومعرفته الواسعة في تناغم تام. أظن أن الأخلاق الكريمة تشير هنا إلى المزاج والمزايا. كانت تصرفات السيد ليو مميزة: كان كل من يعرفه يشعر بأنه ودود حلو المعشر ولا يركض وراء الشهرة ولا الجاه. كانت طباعه قويمة فكان الجميع يرغبون، بل يسعدون، بالتواصل معه."

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4