عين صينية < الرئيسية

فصل جديد للتبادل الحضاري بين الصين والدول العربية

: مشاركة
2020-02-21 13:29:00 الصين اليوم:Source هو يو شيانغ وو سي كه:Author

تعتبر الحضارة روح الأمة ورابطة التبادلات بين الأمم ومختلف الشعوب. إن كلا من الحضارتين الصينية والإسلامية ثروة نفيسة من الحضارات الإنسانية وقدمتا إسهامات لا تُمحى في دفع تقدم المجتمع البشري. أثبت التاريخ أن الحوار والتبادل بين الحضارات المختلفة قوة هامة لتقدم المجتمع البشري وطريق جيد لتحقيق المنفعة المشتركة. تدعو كل من الصين والدول العربية إلى الانفتاح والتسامح والتفاهم ومعارضة نظرية الصراعات الحضارية والاعتراف بالاختلافات في الثقافات والتقاليد والأنظمة الاجتماعية والقيم بين مختلف الدول. لذا، تتميز التبادلات الحضارية بين الصين والدول العربية بأنها أعمق وأشمل وأكثر إفادة.

صفحة جديدة للتبادل الحضاري بين الصين والدول العربية

في يومي السابع عشر والثامن عشر من ديسمبر عام 2019، أقيمت الدورة الثامنة لندوة العلاقات الصينية- العربية والحوار بين الحضارتين الصينية والعربية في الرباط عاصمة المملكة المغربية، وشارك فيها تشاي جيون رئيس الوفد الصيني والمبعوث الصيني الخاص بشؤون الشرق الأوسط، وعبد القادر الأنصاري مدير شؤون آسيا وأوقيانوسيا بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، وسعاد السائحي مديرة إدارة الثقافة بجامعة الدول العربية وغيرهم من حوالي ثمانين نائبا من وزارة الخارجية ووزارة الثقافة والسياحة ومكتب الإعلام لمجلس الدولة الصيني ومصلحة الشؤون الدينية الصينية، فضلا عن ممثلين وخبراء من سبع عشرة دولة عربية وجامعة الدول العربية.

وقد تشرفت بالمشاركة في هذه الندوة، ولذا فإنني أعرف أهميتها ومغزاها الخاص. ناقش المشاركون موضوعات حول "مقومات رأس المال المادي واللامادي في الفضاء العربي- الصيني" والأدوار الجديدة لدبلوماسية القوة الناعمة، الثقافية والدينية والعامة في استثمار رأس المال وتوظيفه لترسيخ ثقافة السلام؛ ودور التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والنوعية والمجالية في بناء ثقافة السلام؛ واستلهام نظريات التعددية الثقافية لتدبير واقع التنوع الثقافي وكفالة الحقوق الدينية والثقافية والاجتماعية للمجتمعات بما يعزز وحدة الدول واستقرارها؛ ودور وسائل الاتصال التقليدية والثورة المعلوماتية الحديثة في نشر المعرفة الدينية الآمنة ومكافحة نزعات التطرف والكراهية والعنصرية المغذية لمختلف مظاهر العنف والإرهاب؛ والأدوار الجديدة للصناعات الثقافية والإبداعية النموذجية في ميدان نشر ثقافة السلام والحوار والتفاهم". يرى كل المشاركين الصينيين والعرب أنه يجب على الجانبين التمسك بالاحترام المتبادل والمساواة لمكافحة الإرهاب والتطرف في ظل التغيرات العميقة في الأوضاع الدولية والإقليمية. فضلا عن ذلك، ينبغي على الجانبين المشاركة في بناء "الحزام والطريق" وتبادل خبرات حوكمة الدولة لبناء رابطة المصير المشترك للبشرية. وعلى هامش هذه الندوة، دعا المشاركون إلى بناء مزيد من الآليات المتعلقة بمنتدى التعاون الصيني- العربي وتعزيز دور المنتدى في دفع الحوار الحضاري الصيني- العربي، وتعميق التعاون الجماعي الصيني- العربي ورفع الشراكة الإستراتيجية بين الجانبين.

صورة جميلة للتبادل الحضاري بين الصين والدول العربية على طريق الحرير

يرجع تاريخ الصداقة بين الصين والدول العربية إلى زمن بعيد. وفي العصر الحديث، شهد كل من الصين والدول العربية تغيرات عميقة، وتعمل الأمتان الصينية والعربية حاليا على تحقيق نهوضهما. بفضل التجارب المماثلة وأهداف التنمية المشتركة، يتمتع الجانبان بصداقة عميقة تمتد جذورها عبر التاريخ.

طريق الحرير الذي ظهر في فترة حكم الإمبراطور هان وو دي قبل أكثر من ألفي سنة، يعتبر رابطة التبادلات بين الأمتين الصينية والعربية. قال أحد وزراء الخارجية من الدول العربية إن طريق الحرير هو رمز للصداقة ببين الشعبين الصيني والعربي. تتميز التبادلات الثقافية بين الجانبين بتاريخ طويل وأشكال متنوعة. يلعب كتاب جينغشينغ للصيني دو هوان ورحلات ((ابن بطوطة)) للرحالة المغربي ابن البطوطة وتشنغ خه وغيره من الصينيين والعرب دورا كبيرا في تعزيز التعارف والصداقة ودفع الازدهار الاقتصادي والاجتماعي وتحقيق الاستفادة المتبادلة بين الجانبين.

بعد تأسيس الصين الجديدة، دخلت التبادلات الحضارية بين الصين والدول العربية إلى مرحلة جديدة. يوفر منتدى التعاون الصيني- العربي، الذي أُنشئ في عام 2004، منبرا هاما للتبادل والتعاون بين الصين والدول العربية في العصر الجديد ويمثل أيضا تطورا نظاميا في التبادل الحضاري بين الجانبين. وهناك سبع آليات متعلقة بالتبادل الحضاري من بين اثنتي عشرة  آلية تعاون في إطار المنتدى. لقد أصبحت آلية "الحوار بين الحضارات" آلية حوار هامة، وتقدم ضمانا ودعما لإجراء التبادلات والتعاون الفعال بين الجانبين؛ مما أسهم في التطور النشيط للتبادلات الحضارية بين الصين والدول العربية.

في عام 2013، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ رؤية التشارك في بناء "حزام طريق الحرير الاقتصادي" و"طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين". وفي يونيو عام 2014، في مراسم افتتاح الدورة السادسة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني- العربي، طرح الرئيس شي فكرة التشارك في بناء "الحزام والطريق" مع الدول العربية وأكد على أهمية الاستفادة الحضارية المتبادلة والتفاهم بين الشعوب. وبعد ذلك، ذكر الرئيس شي في عدة مناسبات أن الشعوب من مختلف الدول على طول طريق الحرير أسهمت في دفع التبادلات الحضارية. إن حقائق التبادلات خلال الألفي سنة الماضية تثبت أن الناس من مختلف الأمم والأديان والحضارات، يمكنهم التمتع بالسلام المشترك والتنمية المشتركة اعتمادا على المبادئ المتمثلة في التضامن والثقة المتبادلة والمساواة والمنفعة المتبادلة والتسامح والاستفادة المتبادلة والتعاون والفوز المشترك. أصدرت الحكومة الصينية أول وثيقة سياسية حول سياسة الصين تجاه الدول العربية في يناير عام 2016، حيث أكدت أن الصين تحرص على مشاركة الدول العربية في المساعي لتكريس التنوع الحضاري في العالم، وتعزيز التواصل والاستفادة المتبادلة بين مختلف الحضارات، وزيادة توثيق التواصل الإنساني والثقافي بين الصين والدول العربية، وتعزيز التعاون بين الجانبين في مجالات العلوم والتربية والتعليم والثقافة والصحة والإذاعة والسينما والتلفزيون، وذلك في سبيل زيادة التفاهم والصداقة بين شعوب الجانبين، والتكامل والتمازج بين الثقافتين الصينية والعربية، وبالتالي بناء جسور للتفاهم والتواصل تساهم في توحيد جهود الأمتين الصينية والعربية في الدفع بالتقدم والازدهار للحضارة البشرية. وأشارت الوثيقة إلى تعزيز الحوار بين الحضارات ودفع التواصل بين مختلف الأديان، وإنشاء أطر ثنائية ومتعددة الأطراف للتواصل الديني والدعوة إلى التناغم والتسامح الديني، وبحث التعاون في مجال نزع التطرف، وبذل جهود مشتركة للحد من نشأة وانتشار التطرف. تتميز هذه الأفكار في الوثيقة بالمعنى العميق في ظل الأوضاع الراهنة.

إن التبادلات الحضارية عمل هام للمشاركة في بناء "الحزام الطريق" للجانبين الصيني والعربي. ترسي التبادلات السلمية بين الصين والدول العربية على مدى أكثر من ألفي عام أساسا متينا لتعزيز الصداقة بينهما في العصر الجديد. لذا، يجب على الصين والدول العربية المساهمة في تعميق التبادلات الحضارية وتقديم قوة كاملة لبناء رابطة المصير المشترك والمنفعة المتبادلة بين الجانبين.

رحلة جديدة للتبادل الحضاري بين الصين الدول العربية في إزالة التطرف

بالرجوع إلى التاريخ، نجد أن التبادلات الحضارية تساعد على تنمية وتقدم المجتمع البشري وأن الصراعات الحضارية تؤدي إلى الأزمات والكوارث. هذه الخبرات والدروس هامة لنا من أجل معالجة المشكلات في مجال حقوق الإنسان الدولية. بسبب تنوع الحضارات الإنسانية، تتميز أنماط تطور حقوق الإنسان بأشكال مختلفة في شتى الدول، لذا، لا يوجد معيار موحد لكل الدول لمعالجة مشكلات حقوق الإنسان. أي شعب بأي بلد يتمتع بحقه في اختيار نمط تطور حقوق الإنسان؛ وأفضل معيار في هذه القضية هو تلبية متطلبات الشعب وخدمة مصالحه تحقيق الفوائد له. لا يوجد على الإطلاق نمط حسن أو نمط سيء في حقوق الإنسان. في هذه الحالة، يجب على كل الدول احترام بعضها بعضا، وتعزيز التفاهم والتعارف من أجل تحقيق التقدم المشترك. لا يمكن لأي دولة مهما كان حجمها مطالبة دولة أخرى بتنفيذ نمط معين في مجال حقوق الإنسان بدون النظر إلى الوضع الخاص وظروف هذه الدولة وخيارات شعبها. هذا ليس ديمقراطيا أو حضاريا.

اليوم، مع تفاقم الأحادية والهيمنة، يتعرض النظام الدولي لصدمات ومآزق خطيرة. فمن جهة، انسحبت إحدى الدول من مجلس حقوق الإنسان، ومن جهة أخرى هاجمت النظام السياسي والنمط السياسي لدولة أخرى عن قصد، الأمر الذي يعكس ازدواجية ونفاق هذه الدولة. لقد سعدت بموقف الباحثين والأكاديميين من الصين والدول العربية الذين أكدوا على أهمية تعددية الأطراف ومهمة دفع القانون الدولي والنظام الدولي لمعالجة مشكلات حقوق الإنسان بصورة عادلة، وموضوعية وتسوية الخلافات من خلال الحوار البناء المتكافئ.

أشار بعض الخبراء في هذه الندوة إلى أن الدولة المعنية لا تعترف بتنوع الحضارات ولا تحترم حقوق شعوب الدول الأخرى في اختيارها لطريق تطور بلادها، بل ترفع راية حقوق الإنسان وتحاول إثارة الفتن والشغب بين الشعوب وتحفزعلى القيام بثورات وتغييير الحكومات، مما يؤدي إلى اضطرابات شديدة وأزمات إنسانية، يعاني منها بعض الدول العربية. في الحقيقة، لا نبالغ إذا قلنا إن هذه السلسلة من التصرفات السيئة سبب عميق وجذري للأوضاع غير المستقرة في العالم الراهن. لذا، يجب علينا التمسك بميثاق الأمم المتحدة، واحترام سيادة الدولة وسلامتها الإقليمية ومعارضة تسييس قضية حقوق الإنسان أو تنفيذ المعايير المزدوجة. وبالإضافة إلى ذلك، تبادل ممثلو الصين والدول العربية الآراء حول إزالة التطرف حيث تحدث الباحثون الصينيون عن النتائج التي حققتها الصين من إنشاء مراكز التدريب والتعليم المهني في شينجيانغ وفقا للقانون، الأمر الذي أثار اهتماما بالغا بين الخبراء العرب، وقالوا إن الصين تدرس وتتعلم خبرات مكافحة الإرهاب من الدول الأخرى وتتخذ سلسلة من الإجراءات المفيدة جدا لمكافحة وإزالة الإرهاب من جذوره.

بسبب بطء نمو الاقتصاد العالمي والتناقضات الواضحة بين مختلف الدول، تواجه حقوق بقاء وتنمية الشعوب في بعض الدول تهديدات شديدة. في هذه الحالة، ينبغي لنا دفع نمو الاقتصاد العالمي المتميز بالانفتاح والعولمة الاقتصادية نحو التسامح والشمول والتوازن والفوز المشترك. بالإضافة إلى ذلك، يجب علينا وضع قضية التنمية في مكان الصدارة في الإطار العالمي للسياسات، والتمسك بالتنمية وتنفيذ خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030 تحت إرشاد إعلان الأمم المتحدة بشأن الحق في التنمية.

يعتبر احترام وحماية حقوق الإنسان أحد الأعمدة الثلاثة لأعمال الأمم المتحدة وجزءا هاما لبناء رابطة المصير المشترك للبشرية. أشار الرئيس شي جين بينغ إلى أنه من أجل بناء رابطة المصير المشترك للبشرية، يجب علينا التمسك بالتسامح والاستفادة المتبادلة، واحترام مختلف الحضارات لتكون جسر الصداقة بين مختلف الشعوب وعنصرا هاما للمحافظة على السلام العالمي. أعادت الصين التأكيد على إجراء الحوار والتبادلات مع الدول العربية وغيرها من الدول الأخرى على أساس المساواة والاحترام المتبادل وذلك من أجل تعزيز الحوار والتبادل ودفع التنمية السلمية لقضية حقوق الإنسان الدولية وبناء رابطة المصير المشترك للبشرية.

يتفق كل من الأكاديميين والممثلين الصينيين والعرب على أن التعاون العملي بين الصين والدول العربية يتميز بالأساس المتين والمستقبل المشرق. فلا يمكن لأي عنصر سلبي أن يعوق خطوة التعاون بين الجانبين. بصرف النظر عن الأوضاع الدولية المعقدة، لن تغير الصين تصميمها واتجاهها لتعزيز التعاون مع الدول العربية. من المنتظر أن تعمق الصين والدول العربية التعاون الفعال، وأن يعزز الجانبان التبادلات الحضارية لتحقيق تفاهم الشعوب وبناء نمط التعاون الدولي المتسم بالاحترام المتبادل والفوز المشترك وجلب المنافع والفوز لشعوب الطرفين الصديقين.

--

هو يوي شيانغ، رئيس معهد الشرق الأوسط في جامعة الدراسات الدولية ببكين.

وو سي كه، المبعوث الصيني الخاص الأسبق للشرق الأوسط ودبلوماسي مخضرم.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4