أخبار < الرئيسية

أسرار الحرب التجارية على الصين

: مشاركة
2019-06-21 10:52:00 الصين اليوم:Source منصور أبو العزم:Author

عندما تزور مصانع السيارات والموبايلات والطائرات والقطارات وتتعرف على التقدم الذي أنجزته الصين في مجال العلوم والتكنولوجيا والابتكارات الجديدة، وتجاوزها أسطورة "مصنع وسوق العالم" إلى آفاق أرحب من التكنولوجيا الجديدة ومن شعار "صنع في الصين" إلى شعار "ابتكر" في الصين، سوف تدرك على الفور لماذا أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحرب التجارية على الصين، ولماذا اعتبر أن الصين تهدد "عرش" التفوق الأمريكي في مجال العلوم والابتكارات. إن خطة الرئيس الصيني شي جين بينغ هي أن تكون لدي الصين التكنولوجيا الصينية في عام 2025.

التطور الذي أحرزته الصين في مجال الصناعة والابتكارات الجديدة يعد وبحق مبهرا، فهي لم تعد "مصنع العالم" وإنما أصبحت تصنع هي المصانع أي تنتج وتبتكر التكنولوجيا الخاصة بها وهذا هو أخطر ما يهدد "التفوق" الأمريكي في مجال الصناعة.

البروفيسور بيتر فرانكوبان، أستاذ التاريخ في جامعة أكسفورد وصاحب العديد من المؤلفات عن الصين، يلخص الحرب التجارية التي أعلنها ترامب على الصين قائلا: "لم يكن أمام ترامب أو أي رئيس أمريكي آخر من خيار سوى إعلان الحرب التجارية لوقف التهديد الصيني لـ "عرش" الولايات المتحدة الأمريكية وتسيدها العالم في مجال العلوم والتكنولوجيا الجديدة والابتكارات. المسألة ليست كما يبسطها بعض المحللين بالقول إن ترامب "سمسار عقارات" ويرغب في الحصول على عدة مليارات من الاحتياطي النقدي الضخم الذي نجحت الصين في تحقيقه والذي تجاوز في العام الماضي 3 تريليونات و600 مليار دولار أمريكي، من خلال فرض عقوبات تجارية عليها حتى تركع وتستسلم لابتزازه وتدفع لتوفير فرص عمل للأمريكيين وإنعاش الاقتصاد الأمريكي، كما فعلت بعض الدول الأخرى."

الامر يتجاوز ذلك بكثير، فزعامة الولايات المتحدة الأمريكية للعالم في العلوم والتكنولوجيا الجديدة مهددة من قبل الصين، الدولة الآسيوية التي يحكمها الحزب الشيوعي منذ 70 عاما.

الصين وفقاً للتقرير الأمني لإدارة ترامب، قاب قوسين أو أدنى من تولي قيادة "الثورة الصناعية الرابعة"، ولذلك طالب التقرير الإدارة بضرورة اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لضمان ألا تهدد الصين زعامة الولايات المتحدة الأمريكية للابتكارات والتكنولوجيا الجديدة، وقال إن معركة الولايات المتحدة الأمريكية مع الصين الصاعدة في التكنولوجيا الجديدة لا يمكن تجنبها حتى لا تتجاوز الولايات المتحدة.

 الحرب التجارية أكبر وأعمق من اتهامات واشنطن للصين بأن العجز في الميزان التجاري بين البلدين يبلغ حاليا 419 مليار دولار أمريكي وأنه يتعين على بكين أن تفتح أسواقها للمزيد من السلع الأمريكية وأن تشتري أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية حتى تقلل هذا العجز، لأن طائرات عملاق الصناعة الأمريكي "بوينغ" تنتج وتصنع في الصين، وهواتف عملاق الاتصالات الأمريكي "آبل" تصنع في الصين، فضلا عن أجهزة الكمبيوتر التي تحمل نفس العلامة!

وقد أتيحت لي الفرصة مؤخرا لزيارة مصنع الطائرات التجارية في مدينة شانغهاي، وشاهدت مدى الجدية التي ينفذ بها رجال الصناعة وكبار المسؤولين شعار "الحلم الصيني" بأن تكون بلادهم رقم 1 في الاقتصاد والصناعة وتقود العالم بحلول عام 2050. ففي مصنع الطائرات على سبيل المثال، قال لنا المسؤولون إنه من المتوقع أن تبدأ الصين في إنتاج 80 طائرة تجارية بطرازات مختلفة قريبا، حيث تحتاج الصين نحو 700 طائرة بحلول 2025. ونذكر هنا أن كل واحدة من الأربع وثلاثين منطقة ومقاطعة ومدينة مركزية في الصين لديها خطوط طيران خاصة بها وربما عدة مطارات أيضا، فالبلاد مترامية الاتساع وتزيد مساحتها على 6ر9 ملايين كيلو متر مربع، أي ما يعادل مساحة مصر تسع مرات ونصف المرة!

وعندما سألت: "كيف تحصلون على التكنولوجيا الحديثة في صناعة الطائرات؟" قال المسؤولون الصينيون إنهم يعتمدون فقط على التكنولوجيا المحلية أي الصينية، وإنهم لا يتعاونون مع شركات أو خبراء أجانب في المصنع باستثناء روسيا. وهذا هو قلب المعركة، نجاح الصين ليس في تقليد أو نسخ التكنولوجيا الغربية أو الأمريكية، وإنما في ابتكار تكنولوجيا خاصة بها. وفي هذا السياق ذاته يمكن أيضا فهم واستيعاب معركة واشنطن مع عملاق الاتصالات الصيني "هواوي". ولولا أن الشركة الصينية حققت اختراقات تتفوق بها على نظيرتها الأمريكية "آبل" التي تنتج الآيفون واستشعرت واشنطن بالخطر الصيني الذي يهدد العملاق الأمريكي من خلال إبداع "هواوي" تكنولوجيا جديدة لما شنت عليها تلك الحرب الشعواء، على الرغم من أن تكنولوجيا الموبايلات في هواوي تعد حصة صغيرة من إنتاج العملاق الصيني الذي ينتج كل ما يتعلق بأجهزة الاتصالات.

ترامب يقول إن الحرب التجارية مع الصين سوف تخدم الاقتصاد الأمريكي، وتجلب للخزينة الأمريكية مليارات الدولارات، وأنه يخسر مع الصين نحو 500 مليار دولار سنويا! غير أن مستشاره الاقتصادي لاري كودلو يكذبه ويقول إن الشركات الأمريكية هي التي ستدفع الرسوم الجمركية على أية بضائع تستورد من الصين، وأن المستوردين الأمريكيين- وليس الشركات الصينية- هم من سيدفعون الرسوم الجمركية في صورة ضرائب للحكومة الأمريكية، وإن المستهلكين الأمريكيين سوف يتحملون تلك التكاليف الزائدة في صورة أسعار مرتفعة للسلع التي سوف يشترونها. كما أن الرسوم التي فرضها ترامب على مجموعة كبيرة من صادرات الصين مثل الصلب والغسالات، وغيرها كلفت الشركات الأمريكية والمستهلكين نحو 3 مليارات دولار أمريكي في الشهر عبارة عن ضرائب إضافية وزيادة في الأسعار، فضلا عن مليار و400 مليون دولار أمريكي خسائر لانخفاض الطلب. وعلى سبيل المثال، ارتفعت أسعار الأحذية المستوردة من الصين في الولايات المتحدة الأمريكية من 150 دولارا للحذاء الواحد إلى 306 دولارات بعد فرض ترامب الرسوم الجمركية، حسب إحصائية للجمعية الأمريكية لبائعي الأحذية. ويقدر الاتحاد الأمريكي للملابس والأحذية الخسارة التي سوف تتكبدها أسرة أمريكية من 4 أفراد بعد فرض رسوم ترامب بما يتراوح بين 500 و800 دولار أمريكي سنويا. ليست الأسر الأمريكية أو الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد الصيني فقط سوف يخسر في تلك الحرب الاقتصادية، ولكن الاقتصاد العالمي أيضا سيخسر. تحذر منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي من أن الاقتصاد العالمي قد يخسر نحو 600 مليار دولار أمريكي، أي نحو 7ر0% من النمو العالمي بحلول 2021 إذا تواصلت الحرب التجارية بين بكين وواشنطن، وقد يتجه الاقتصاد العالمي إلى مرحلة الركود.

ويشير المحللون أيضا إلى نقطة هامة، وهي أن النجاح المتواصل الذي تحققه بادرة الحزام والطريق التي طرحها الرئيس شي جين بينغ في عام 2013، وتوسع الصين الاقتصادي في مناطق كثيرة من العالم تمتد من آسيا الوسطى حتي أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية تثير قلقا كبيرا لدى الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة بعد أن باتت روسيا في قلب المبادرة وهو ما عبر عنه الرئيس بوتين خلال قمة منتدى "الحزام والطريق" للتعاون الدولي التي عقدت في في بكين منذ أسابيع بعد أن كانت موسكو مترددة وحذرة ولديها تحفظات، ثم انضمام إيطاليا القوي للمبادرة خلال الزيارة الهامة التي قام بها الرئيس الصيني إلى روما منذ أسابيع. فقد وفرت المبادرة للصين زخما عالميا غير مسبوق، ولهذا كان لا بد لترامب أو غيره من رؤساء الولايات المتحدة أن يسعى لتحجيم قطار الصين المنطلق بسرعة الصاروخ نحو احتلال المرتبة الأولى عالميا اقتصاديا وصناعيا وتكنولوجيا، قبل أن يصبح ذلك متأخرا جدا.. تماما كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية مع اليابان في نهاية عقد الثمانينات من القرن العشرين وأصبحت تهدد العرش الأمريكي اقتصاديا وتكنولوجيا. وصدرت عشرات الكتب في الولايات المتحدة الأمريكية وقتها تحذر من "التهديد الياباني" و"الخطر الياباني تكنولوجيا وأمنيا"، فالإدارة الأمريكية الحالية تعتقد أنه حان الوقت لوقف القطار الصيني قبل أن يكون الوقت متأخرا!

--

منصور أبو العزم، مدير تحرير جريدة ((الأهرام)) المصرية.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4