كلنا شرق < الرئيسية

قراءة في خطاب الرئيس شي بمناسبة مئوية الحزب الشيوعي الصيني

: مشاركة
2021-08-17 15:57:00 الصين اليوم:Source أحمد سلام:Author

في صباح الأول من يوليو 2021، وهو اليوم المحدد للاحتفال بمئوية الحزب الشيوعي الصيني، ونظرا لفرق التوقيت بين القاهرة وبكين، حرصت على الاستيقاظ مبكرا، لمشاهدة أهم احتفالات جمهورية الصين الشعبية ومتابعة محطة التلفزيون المركزية الصينية، حيث أُقيم حفل ضخم في ميدان تيانآنمن بهذه المناسبة، حضره الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني شي جين بينغ، وهو أيضا الرئيس الصيني ورئيس اللجنة العسكرية المركزية، مع عدد كبير من قادة الحزب والمسؤولين الصينيين.

وتُمثل مئوية الحزب الشيوعي الصيني فخرا للشعب الصيني، لما حققه الحزب خلال العقود الماضية من إنجازات يمكن وصفها بأنها "معجزة صينية". أما بالنسبة لدول العالم والباحثين والمهتمين بالشأن الصيني وأنا منهم، فقد كان التركيز على الاستماع لخطاب شي جين بينغ الأمين العام للحزب بغرض التعرف بشكل واضح على هذه المعجزة الصينية التي أبهرت العالم بكل المقاييس لما حققته من نجاح مبهر. وكذلك الحال بالنسبة لوسائل الإعلام الغربية، التي دائما ما تكون لخطابات وكلمات الرئيس الصيني شي جين بينغ صدى هام لديها. ويكفي للتدليل على ذلك الإشارة إلى تأكيد صحيفة الغارديان البريطانية على أن الإنجازات التي حققتها الصين منذ تولي الحزب الشيوعي الصيني زمام السلطة عام 1949 لا يمكن إنكارها، ومن ضمنها تراجع الأمية وارتفاع متوسط ​​العمر المتوقع للفرد ومنح حقوق أفضل للمرأة والقضاء على الفقر، منوهة إلى أن الوعود التي قدمها الحزب للشعب الصيني واستطاع تحقيقها، تمكن من توفير ظروف مادية أفضل للناس، وازدهرت في عهده الطبقة الوسطى في المناطق الحضرية، وقد افتخر الرئيس الصيني وزعيم الحزب شي جين بينغ، في وقت سابق من هذا العام، بأن نظامه استطاع القضاء على الفقر المدقع في الصين. وخلصت الصحيفة إلى أن كثيرين راهنوا في السابق على زوال الحزب الشيوعي الصيني وخسارته، وفشلت محاولات كثيرة للتخلص منه، وقالت إن الدرس الحقيقي المستفاد من نجاحه هو أنه لا يمكن لأحد التنبؤ بالمستقبل.

وفي حقيقة الأمر، فإن القارئ المتفحص لكلمة الرئيس شي يجدها تمثل قراءة لتاريخ الحزب الشيوعي الصيني ورحلة النضال التي خاضها الحزب من أجل تحقيق تطلعات أبناء الشعب الصيني إلى الوحدة والتحرر والنهوض وتحقيق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر المدقع.

ليس هذا فحسب، وإنما جمع الخطاب أيضا بين مراحل هامة لتاريخ نضال الشعب الصيني، بداية من حرب الأفيون مرورا بالثورة الصينية بقيادة الحزب الشيوعي الصيني، ولوجا إلى مرحلة الإصلاح والانفتاح، ثم سياسة الصين في ظل الاشتراكية ذات الخصائص الصينية الحديثة والعمل على تحقيق حلم الأمة الصينية.

وبشكل أكثر تفصيلا، فقد حملت كلمة الرفيق شي العديد من الرسائل الهامة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وذلك على النحو التالي:

أولا: أن جمهورية الصين الشعبية ماضية في الطريق الذي رسمته لنفسها، ولن تعيقها أي قوة مهما كانت، عن المضي قُدما في مسارها التنموي، فحقبة الصين "التي تتعرض للقتل والتخويف قد ولت إلى الأبد"، وأن الشعب الصيني لن يسمح أبدا لأي قوة أجنبية بالتسلط عليه أو قمعه أو إخضاعه، و"كل من يجرؤ على القيام بذلك ستسحق رأسه"، مؤكداً أن "النهضة العظيمة للأمة الصينية تدخل في مسار تاريخي لا عودة فيه"، مشدداً على دور الشعب الصيني في تطوير بلاده وحمايتها أمام الجهات الخارجية التي تحاول تطبيق القمع والتنمر على هذا البلد، فأي "طرف يحاول ذلك سيجد نفسه في صدام مع جدار هائل من الصلب قوامه أكثر من مليار وأربعمائة مليون صيني". ويُعد ذلك رسالة واضحة من الرئيس شي بتكاتف كل أفراد الشعب أمام أي "عدوان خارجي" يحاول إعاقة مسيرة الصين التنموية.

ثانيا: أهمية الدور الذي لعبه الشعب الصيني ونضاله في تحقيق أهداف الحزب الشيوعي الصيني، فقد كرر الرئيس شي جين بينغ في خطابه المشار إليه كلمة (الشعب) حوالي 85 مرة، وذلك لتمجيده الواضح للشعب الصيني ليشكره ويبرز نضاله وأهميته في كافة مناحي وأهداف سياسات الحزب الشيوعي. كما أكد في الوقت نفسه على "النهضة العظيمة للشعب الصيني"، حيث تكررت هذه الجملة حوالي 21 مرة. كذلك، أكد الرئيس شي على أهمية "شباب الأمة" ودوره في تحقيق المزيد من الإنجازات للصين، حيث "أسهم الشباب الصينيون جيلا بعد آخر بعنفوانهم وكفاحهم في قضايا الحزب والشعب، وأصبحوا قوة طليعية لتحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية"، وهذه إشارة إلى المجموعة الأولى من الشباب الذين ساهموا في إنشاء الحزب الشيوعي الصيني في 1921، وصولا إلى شباب الصين القوية. وأبرز شي أهمية مواصلة الشباب الصيني المثابرة والعمل "لكي يسجلوا مآثر جديرة بعصرهم وشبابهم ولا يخيبوا الآمال الواسعة للحزب والشعب"، وعلى "مواصلة الأمة الصينية التقدم بزخم نحو تحقيق هدف تجديد الشباب الوطني"، مؤكداً أن الفكرة الشاملة لعمل الحزب خلال المائة عام الماضية كانت تحقيق نهضة الأمة.

ثالثا: التأكيد على أهمية التاريخ في الماضي والحاضر والمستقبل، فلم يكن تكرار الرئيس شي لكلمة "التاريخ" في خطابه، نحو 29 مرة، بهدف تمجيد وتخليد التاريخ فقط، بل أيضا من أجل الحديث عن الآثار العظيمة للتاريخ على الحاضر والمستقبل للصين وشعبها، حيث يقول: "ويقول مثل صيني قديم إنه إذا استخلص المرء دروسا من التاريخ، يعرف سبب تغير الممالك. ويجب علينا أن نعتبر التاريخ كمرآة لرؤية الواقع والتطلع إلى المستقبل، وندرك بوضوح السبب الحقيقي وراء النجاح السابق للحزب الشيوعي الصيني في كفاحه الممتد لمائة سنة ونعرف جيدا كيفية تحقيق النجاح المتواصل مستقبلا.."

رابعا: نجاح الصين في تحقيق هدف بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل، فقد قال الرئيس شي إن الحزب حقق "نهضة وطنية"، وانتشل عشرات الملايين من الفقر و"غيَّر مشهد التنمية العالمية"، مؤكدا أن الصين حققت الهدف المئوي الأول، وهو إنجاز بناء مجتمع الحياة الرغيدة في شتى النواحي، و"هذا يعني أننا توصلنا إلى حل تاريخي لمشكلة الفقر المدقع في الصين، ونحن نمضي الآن بخطوات واثقة نحو الهدف المئوي الثاني المتمثل في تحويل الصين إلى دولة اشتراكية حديثة قوية في شتى النواحي."

خامسا: تحديد المبادئ الواجب اتباعها خلال المرحلة القادمة، حيث أكد الرئيس شي حتمية التمسك بالقيادة القوية للحزب الشيوعي الصيني، واصفا إياها بأنها أساس الحزب والدولة، وشريان الحياة بالنسبة لهما، والركيزة الأساسية التي تعتمد عليها مصالح جميع أفراد الشعب الصيني وسعادته. كذلك، تعهد الرئيس شي في كلمته بالبقاء على التزامه تجاه مكافحة الفساد في الحزب، مؤكدا أنه يتحتم على الحزب مواصلة التقدم على طريق المشروع الجديد العظيم الخاص ببناء الحزب، حيث "يجب أن نوحد ونقود الشعب الصيني في العمل دون كلل من أجل حياة أفضل".. كما أن "أي محاولة للتفريق بين الحزب والشعب الصيني أو إحداث وقيعة بين الشعب والحزب، مآلها الفشل. وإن الحزب الذي يزيد أعضاؤه على 95 مليون والشعب الذي يزيد عدده على مليار وأربعمائة مليون نسمة، لن يسمح مطلقا بحدوث مثل هذا المخطط".

سادسا: تأكيد أهمية دور الجيش الصيني في حماية سيادة البلاد وتنميتها، فقد كرر الرئيس شي كلمة "الجيش" أكثر من عشر مرات، وذلك بغرض التأكيد على أن الصين ستعمل على تعزيز جيشها لحماية سيادتها وأمنها وتنميتها وصعودها إلى مستوى المعايير العالمية، مؤكدا: "يجب أن نسرع في تحديث الدفاع الوطني والقوات المسلحة". وأن الأمة القوية لابد أن تمتلك جيشا قويا وأن الصين تسعى لبناء جيش قوي يتناسب مع مكانتها الدولية ومصالح أمنها القومي وتنميتها. حيث شدد في خطابه على أنه: "ينبغي التعجيل بعصرنة الدفاع الوطني والجيش.."، وكذلك "لابد لنا من التطبيق الشامل لأفكار الحزب حول تقوية الجيش في العصر الجديد، وتطبيق المبادئ الإستراتيجية العسكرية للعصر الجديد، والتمسك بقيادة الحزب المطلقة للجيش الشعبي، والمثابرة على سلوك طريق تقوية الجيش ذي الخصائص الصينية، ودفع بناء الجيش سياسيا وتقويته عبر الإصلاح والعلوم والتكنولوجيا والأكفاء وإدارته حسب القانون على نحو شامل، وبناء الجيش الشعبي ليصبح جيشا من الدرجة الأولى في العالم، والدفاع عن سيادة الدولة وأمنها ومصالحها التنموية بقدرات أقوى ووسائل أكثر وثوقا".

سابعا: التأكيد على أهمية دور قيادة الحزب في تحقيق مصالح ورفاه الشعب الصيني، ذلك "أن قيادة الحزب هي ميزة جوهرية للاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وتشكل أكبر قوة لهذا النظام، وأن قيادة الحزب هي أساس وشريان الحياة للحزب والدولة، وأيضا المرسى الذي تعتمد عليه مصالح ورفاه جميع أفراد الشعب الصيني".

وفي الحقيقة، فإن كلمات الرئيس شي جين بينغ تُعد نبراسا وخارطة طريق لشباب الحزب وللشعب الصيني خاصة في ضوء ما حققه الحزب على مدار المائة عام الماضية من إنجازات، بل ومعجزات واضحة للقاصي والداني. ولا شك أن الحزب الشيوعي الصيني نجح في عيده المئوي في تحقيق إنجازات تاريخية.. ومن الأهمية بمكان اقتباس تجربة الحزب في إدارة البلاد والتعلم منها، باعتبارها نموذجا يقتدى به، بما يناسب كل بلد للتعلم منه والاستفادة من تجاربه، كما أنني أرى أن كافة دول العالم النامية والمتقدمة يجب أن تكون معنية بالخطاب القوي الذي وجهه الأمين العام شي جين بينغ لشعوب العالم المحبة للسلام، كي توحد جهودها وتجمع طاقاتها في إطار بناء رابطة المصير المشترك للبشرية

--

أحمد سلام، المستشار الإعلامي الأسبق بسفارة مصر لدى الصين.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4