كلنا شرق < الرئيسية

مسار العلاقات الصينية- الإماراتية ما بعد جائحة كوفيد- 19

: مشاركة
2021-04-09 09:12:00 الصين اليوم:Source د. تمارا برّو:Author

قبل تفشي جائحة كوفيد- 19 كانت العلاقات الصينية الإماراتية تسير على قدم وساق، وكان الجانبان يعملان على تعزيز وتطوير العلاقات بينهما، ويساعدهما في ذلك الثقة المتبادلة والاحترام والتقدير والمصالح المشتركة.

 وعند تفشي وباء كوفيد- 19 في الصين سارعت الإمارات العربية إلى تقديم المساعدات الطبية لها. بالمقابل أرسلت الصين المساعدات الطبية إلى الإمارات عندما كانت الأخيرة تكافح الوباء. ولم يقف الأمر عند ذلك، بل اتفق الطرفان على التعاون في مجال انتاج لقاح ضد كوفيد- 19 فاستضافت الإمارات العربية المرحلة الثالثة من التجارب السريرية للقاح سينوفارم بعد توقيع اتفاقية بين شركة China National Biotec Groups الصينية وشركة الذكاء الاصطناعي والحوسبة الحسابية G42 ومقرها أبوظبي، وأعلنت الإمارات أن لقاح سينوفارم أثبت فاعليته بنسبة 86%. وتُعد الإمارات من أوائل الدول التي باشرت حملة التلقيح ضد فيروس كورونا الجديد بلقاح سينوفارم الصيني بعد أيام من الموافقة الرسمية عليه. وكان عدد من كبار مسؤولي الإمارات قد تلقوا لقاح سينوفارم، وأبرزهم حاكم دبي نائب رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ووزير الخارجية عبد الله بن زايد آل نهيان ووزير الصحة عبد الرحمن بن محمد العويس، وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدلّ على الثقة التي تبديها الإمارات باللقاحات الصينية. ومن ناحية أخرى تسعى الإمارات إلى أن تصبح مركزا إقليميا لإنتاج لقاحات فيروس كورونا الجديد وتوزيعها. فقد ذكرت صحيفة The National التي تصدر في الإمارات العربية أن الأخيرة تعتزم البدء في تصنيع لقاح سينوفارم هذا العام، كما تسعى إلى أن تكون جسرا يربط بين مصانع اللقاحات وبين الدول المرسل إليها، ويساعدها في ذلك موقعها وبنيتها المتطورة من حيث المواصلات والطرق والمرافئ. وفي هذا الصدد أعلنت شركة الإمارات للشحن الجوي، التابعة لطيران الإمارات، عن بناء مركز شحن جوي مخصص للقاحات فيروس كورونا الجديد في دبي، وفي الإطار نفسه أطلقت أبو ظبي ائتلاف "الأمل" لتخزين اللقاحات في موانئ أبوظبي وتوزيعها عن طريق الاتحاد للشحن.

هذا التعاون الصيني- الإماراتي في مجال اللقاحات والثقة المتبادلة سيكون له حتما تأثير على العلاقات بين البلدين التي ستنشط بعد انتهاء أزمة كوفيد- 19، أو على الأقل عند انخفاض نسبة الإصابات بالفيروس.

تعتبر الإمارات العربية واحدة من أهم الشركاء الإستراتيجيين للصين في منطقة الشرق الأوسط، حيث تمثل 26% من إجمالي التجارة الخارجية غير النفطية بين الصين والدول العربية، وتضم أكبر عدد من المواطنيين الصينيين في منطقة الخليج العربي. وبحسب وزارة التجارة الصينية، بلغ حجم التجارة بين البلدين خلال عام 2019 حوالي 67ر48 مليار دولار أمريكي، وبلغ حجم الاستثمارات المباشرة للشركات الصينية في الإمارات 44ر6 مليارات دولار أمريكي حتى نهاية عام 2018، ومن يناير إلى ديسمبر 2019، وصل الاستثمار المباشر للشركات الصينية في الإمارات إلى 820 مليون دولار أمريكي وشكل ما نسبته 54% من استثمارات الصين في كافة الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، وفق بيان صادر عن السفارة الصينية في الإمارات. كما تحتضن الإمارات 4200 شركة صينية و356 وكالة تجارية صينية وأكثر من 2500 علامة تجارية صينية مسجلة.

وعزز النفط العلاقات بين الصين والإمارات العربية، لا سيما إمارة أبوظبي، التي تعتبر الأغنى بين الإمارات السبع، حيث تأتي ثروتها أساسا من عائدات تصدير النفط، وتستحوذ على 95% من احتياطات النفط و94% من احتياطي الغاز في الاتحاد. والصين هي أكبر مستورد للنفط في العالم وتساهم الإمارات بـ1ر3% من إجمالي النفط الخام المستورد في الصين لتحتل المركز الثامن ضمن قائمة أكبر مصدري النفط للصين في العام 2019، وتصدر أكثر من 15% من نفطها الخام إلى الصين ويمر من خلالها أكثر من نصف حاجة الصين من النفط الخام سنويا. وفي عام 2020 وافقت شركة بترول أبوظبي الوطنية على منح شركة سينوك الصينية، أكبر منتج للنفط الخام والغاز الطبيعي في الحقول البحرية في الصين، حصصا في امتيازين بحريين في أبو ظبي. وأيضا في عام 2019، وقعت شركة الإنشاءات البترولية الوطنية، التابعة لحكومة أبوظبي مذكرتي تفاهم منفصلتين مع اثنتين من الشركات الصينية الرائدة في قطاع الطاقة هما "الشركة الصينية للهندسة والإنشاءات البترولية" CPECC التابعة لمؤسسة البترول الوطنية الصينية CNPC و"الشركة الصينية الوطنية للهندسة الكيميائية" CNCEC، وتهدف المذكرتان إلى استكشاف فرص التعاون المشترك في مشروعات تطوير حقول النفط والغاز البرية والبحرية ومجالات الاهتمام الإستراتيجية الأخرى. وفي عام 2018 وقعت شركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك"، اتفاقيتي امتياز مع مؤسسة البترول الوطنية الصينية CNPC حصلت بموجبهما الأخيرة على نسبة 10% في امتياز "أم الشيف ونصر" و10% في امتياز "زاكوم السفلي" البحريين في أبوظبي.

ومن ناحية أخرى تشهد الإمارات العربية أكبر عدد من السيّاح الصينيين في الشرق الأوسط بحيث يشكل السياح الصينيون 6% من إجمالي عدد السياح الوافدين إلى الإمارات بعد أن كانت النسبة 7ر1% في عام 2012. دبي وحدها استقبلت خلال عام 2019 حوالي 989 ألف سائح صيني بزيادة 15% عن عام 2018، وينفق السياح الصينيون أكثر من ملياري دولار أمريكي. وتعوّل الإمارات العربية المتحدة على السيّاح الصينيين لإنعاش قطاع السياحة فيها.

ويساعد موقع الإمارات العربية وبنيتها التحتية المتطورة وتسهيلات الأعمال والاستقرار الذي تتمتع به على أن يكون لها دور هام في مبادرة "الحزام والطريق"، لدرجة أن وصفها وزير خارجية الصين وانغ يي بأنها ستصبح لؤلؤة لامعة على ممر "الحزام والطريق"، وهي تسعى جاهدة للعب دور في المشروع الصيني الضخم لما يعود بفائدة لها على مختلف الأصعدة.

كما سيتعزز التعاون بين الصين والإمارات العربية في مجال الثقافة والطاقة النظيفة والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. وسبق للبلدين أن وقعا اتفاقيات تعاون في هذه المجالات مثل اتفاقية خاصة بتعاون بحثي ثنائي بين جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا وجامعة تشينغهوا (2019)، بالإضافة إلى التعاون بين جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي وعدد من المؤسسات الصينية، وفي عام 2020 وقّع مجمع كليات التقنية العليا في الإمارات وشركة التكنولوجيا الصينية العملاقة "هواوي" اتفاق تعاون بهدف التطوير والتدريب على مستوى التقنيات المتعلقة بتقنيات المعلومات والاتصال. كما وقعت مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية بين وزارة الطاقة والصناعة في الإمارات ومصلحة الدولة للطاقة في الصين (2019)، ومذكرة تفاهم بين مؤسسة الإمارات للطاقة النووية والمؤسسة الصينية الوطنية للطاقة النووية (2019). وستنشط العلاقات بين البلدين في مجال الطاقة النووية خاصة بعد أن أعلنت الإمارات عن تشغيل أول مفاعل نووي سلمي في العالم العربي في محطات براكة للطاقة النووية بأبوظبي. كما توقع تقرير أعدته مؤسسة "فيتش سوليوشنرز" البريطانية، أن تكون الإمارات والصين "نقطتين ساخنتين" رئيستين للاستثمار في مجال الطاقة الشمسية. وكان ائتلاف مكون من شركتي "كهرباء فرنسا" و"جينكو باور" الصينية قد فاز بمناقصة بناء أقوى محطة للطاقة الشمسية عالميا في الإمارات العربية المتحدة. تهدف الصين إلى زيادة إنتاجها من مصادر الطاقة المتجددة إلى 26%، بحلول عام 2030، و بالمثل، تستهدف إستراتيجية الإمارات للطاقة 2050 إلى إنتــاج 50% مــن احتياجاتهـا مـن الطاقـة مـن مصـادر نظيفـة.

لا يخفى على أحد الإنجازات التي حققها كلا البلدين في مجال الفضاء، ومن المتوقع أن يزداد التعاون في هذا المجال لاسيما بعد أن نجح مسبار "الأمل" الإماراتي في دخول مدار المريخ مؤخرا وإرسال الإمارات رائدا إلى الفضاء، وهذا التعاون سيمكّن الإمارات العربية الاستفادة من الخبرات الصينية في مجال الفضاء، وسبق أن وقع البلدان في عام 2016 على مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال الاستكشاف السلمي للفضاء.

وستلعب الصين دورا كبيرا في معرض "إكسبو دبي 2020" الذي كان من المقرر إقامته السنة الفائتة ولكن بسبب تفشي وباء كوفيد- 19 تأجل إلى أكتوبر 2021. وسيكون للصين جناح تبلغ مساحته 4636 مترا مربعا والمُتوقع أن يكون أكبر الأجنحة المشاركة في الحدث، وسيكون شعاره "إقامة رابطة المصير المشترك للبشرية- ابتكار وفرصة".

تدرك الإمارات جيدا أنها إذا أرادات تعزيز حضورها في المشهد الدولي من بوابة الاقتصاد فعليها أن تتجه نحو الصين، التي هي مستقبلها الاقتصادي. كما أن كلا البلدين يسعيان إلى تحقيق التنمية والتقدم والتطور على جميع الأصعدة. وقد أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ في مقال تحت عنوان "يداً بيد.. نحو مستقبل أفضل"، أن دولة الإمارات العربية المتحدة تمثل واحة التنمية في العالم العربي، مشيرا إلى أن البلدين الصديقين يُكمل كل منهما الآخر في التنمية، وهما شريكان هامان للتواصل والتنسيق في الشؤون الدولية والإقليمية، لما لديهما من رؤى تنموية متقاربة وأهداف سياسية متطابقة وروابط تعاون متنامية.

--

د. تمارا برّو، باحثة في الشأن الصيني.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4