كلنا شرق < الرئيسية

دور محوري للصين في مجموعة العشرين

: مشاركة
2020-12-03 14:35:00 الصين اليوم:Source عادل علي:Author

تولي الصين اهتماما كبيرا بتعزيز وتفعيل علاقاتها مع الأطر الدولية متعددة الأطراف، التي ولدت من رحم الأزمات الكبرى التي تعرض لها الاقتصاد العالمي منذ ما يربو على عقود ثلاثة مضت، وعلى رأسها مجموعة العشرين؛ المنتدى الرئيسي للتعاون الاقتصادي الدولي، الذي يلعب دورا هاما في تنسيق الاستجابات العالمية للأزمات، وطرح إصلاحات للنمو الاقتصادي، ودعم التنمية الاقتصادية، والاستفادة من الابتكار التكنولوجي ومعالجة تحدياته.

لذا، شاركت الصين بفاعلية في القمة الخامسة عشرة لمجموعة العشرين التي عُقدت افتراضيا (عن بُعد) عبر تقنية الفيديو بالمملكة العربية السعودية يومي الحادي والعشرين والثاني والعشرين من نوفمبر 2020. وقبلها اقترحت بالتعاون مع فرنسا، وشاركت في القمة الاستثنائية الافتراضية لقادة دول المجموعة التي دعت إليها وعقدتها السعودية، الرئيس الدوري لمجموعة العشرين لعام 2020، يوم 26 مارس الماضي، لتنسيق الجهود العالمية لمكافحة جائحة كوفيد- 19 والحد من تداعياتها في مختلف المجالات ولاسيما الإنسانية والاقتصادية منها.

تحديات ملحة وتحركات دؤوبة للدبلوماسية الصينية

شهدت الفترة السابقة مباشرة لانعقاد قمة مجموعة العشرين بالرياض جهودا وتحركات دؤوبة للدبلوماسية الصينية على صعيد تعزيز وتنسيق العمل الجماعي الدولي المتعدد الأطراف، ومن ذلك حضورها الفاعل والمؤثر لعدة قمم ولقاءات إقليمية ودولية رفيعة المستوى، مثلت مناسبات هامة طرحت خلالها بكين عناصر رؤيتها ونهجها للتغلب على التحديات الدولية في ظل استمرار جائحة كوفيد- 19، وكذلك رؤيتها وأفكارها بشأن ممارسة التعددية وتحسين الحوكمة العالمية وحماية النظام الدولي.

أما من حيث المضمون، فإضافة إلى ما تمثله المجموعة كأحد أكبر التكتلات الدولية من تأثير كبير على مجمل السياسات العالمية، فإنها أيضا تضم في عضويتها الدول صاحبة أكبر عشرين اقتصادا في العالم، وتمثل مجتمعة حوالي 80% من الناتج الاقتصادي العالمي، وثلثي عدد سكان العالم، وثلاثة أرباع حجم التجارة العالمية. جاء عقد القمة في سياق عدة تحديات مشتركة ملحة يواجهها أعضاء المجموعة، تمثلت في: عدم وضوح آفاق النمو الاقتصادي واستمرار نقاط الضعف المالي، ومحدودية الفرص لفئات معينة من السكان (خاصة النساء والشباب) للعيش الكريم والعمل والازدهار، مع ما يرتبط بذلك من مخاطر التهميش الاجتماعي، وتهديدات الكوارث المناخية والطبيعية، والتحديات الديموغرافية، وتصاعد حدة التوترات التجارية، فيما تجتاح دول العالم موجة ثانية من جائحة كوفيد- 19.

وقد ركزت دول مجموعة العشرين خلال القمة على قضايا حماية الأرواح واستعادة النمو من خلال التعامل مع جائحة كوفيد- 19 وتجاوزها، والتعافي بشكل أفضل من خلال معالجة أوجه الضعف التي كشفت عنها الجائحة وتعزيز المتانة على المدى الطويل. كما سعت القمة إلى تعزيز الجهود الدولية من أجل اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع من خلال تمكين الأفراد، وحماية كوكب الأرض، وتسخير الابتكارات لتشكيل آفاق جديدة. وهي الأهداف والقضايا التي تتناغم مع الرؤية الصينية في إطار عضويتها بالمجموعة.

مكانة بارزة للصين في مجموعة العشرين

تحظى الصين بمكانة محورية وثقل كبير في إطار عضويتها في مجموعة العشرين، وتتعدد الملامح والمؤشرات الدالة على تلك المكانة، ومن أبرزها: أنها تأتي في المرتبة الثانية من بين دول المجموعة- بعد الولايات المتحدة الأمريكية- من حيث حجم الناتج المحلي الإجمالي، والذي بلغ 09ر99 تريليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 6ر6 يوانات حاليا) في عام 2019، وفقا لمصلحة الدولة للإحصاء الصينية، ويبلغ عدد سكانها مليارا وأربعمائة مليون نسمة، وتعد أكبر دولة تجارية في العالم، ووصل حجم الاحتياطي النقدي لها حتى نهاية يونيو 2020، وفقا لمصلحة الدولة للنقد الجنبي إلى 1123ر3 تريليونات دولار أمريكي، وهو الأكبر في العالم. كما أصبحت الصين أكبر مصدر لطلبات تسجيل براءات الاختراع في العالم في عام 2019. وتوقع البنك الدولي أن تتقدم الصين على الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2050، بإجمالي ناتج محلي يُقدر بنحو 5ر85 تريليون دولار أمريكي، تليها الهند بنحو 1ر44 تريليون دولار أمريكي، في حين ستتراجع الولايات المتحدة الأمريكية إلى المرتبة الثالثة عالميا بنحو 1ر34 تريليون دولار أمريكي.

وبجانب المؤشرات السابقة، تحرص الصين منذ بدء قمم مجموعة العشرين في عام 2008، على لعب دور بناء وكذلك إيلاء أهمية كبرى للتعاون الاقتصادي الدولي في إطار المجموعة، تجسدت أبرز ملامحه فيما طرحته بكين من رؤى وأفكار ومبادرات أمام قمم المجموعة، من أجل تحقيق حوكمة اقتصادية عالمية أفضل، وتطوير دور المجموعة بالتعاون مع الدول الناشئة، مما يبرهن على دورها كدولة كبرى مسؤولة تعمل على الوفاء بالتزاماتها ومسؤولياتها الدولية كمحرك لنمو الاقتصاد العالمي.

ففي مواجهة الأزمة المالية العالمية عام 2008، شاركت بكين بنشاط في تنسيق السياسات مع الأعضاء الآخرين في المجموعة، ولعبت دورا هاما في احتواء تداعيات هذه الأزمة. وخلال القمة الثامنة للمجموعة بمدينة سان بطرسبرج الروسية عام 2013، طرح الرئيس شي جين بينغ حزمة من الأفكار الجديدة، بما في ذلك التنمية الابتكارية والنمو المترابط والمصالح المتكاملة. وفي القمة التاسعة بمدينة بريسبان الأسترالية عام 2014، دعا الرئيس شي إلى نهج جديد للنمو وحث العالم على بناء اقتصاد عالمي منفتح. وخلال قمة أنطاليا بتركيا عام 2015، اقترح الرئيس شي أن تعزز الاقتصادات الرئيسية التنسيق بشأن سياسات الاقتصاد الكلي وتيسير التنمية المدفوعة بالابتكار وتنفيذ أجندة الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة، وأعلن رفض الصين للحمائية وتمسكها بتعزيز النظام التجاري متعدد الأطراف.

وفي عام 2016، وضعت الصين حجر زاوية جديدا في تاريخ تعاون مجموعة العشرين، باستضافتها قمة هانغتشو التي كانت نقطة تحول المجموعة من آلية للاستجابة للأزمات تركز على السياسات القصيرة الأجل إلى آلية حوكمة طويلة الأجل تشكل سياسات من متوسطة إلى طويلة الأجل. وأطلق الرئيس شي خلال القمة مبادرة التشارك في بناء الاقتصاد العالمي القائم على الإبداع والانفتاح والتفاعل والتسامح، لمواجهة المشكلات البارزة للاقتصاد العالمي. وخلال قمة هامبورغ بألمانيا عام 2017، دعا الرئيس شي إلى بناء اقتصاد عالمي منفتح، بما يساعد على تجاوز الأزمات المالية العالمية.

وفي قمة بوينس آيرس بالأرجنتين عام 2018، دعا الرئيس شي إلى ضرورة التمسك بالانفتاح والتعاون والنظام التجاري المتعدد الأطراف، وتكثيف تنسيق السياسات الكلية، والالتزام بالتعاون القائم على الفوز المشترك لتعزيز التنمية العالمية الشاملة. وخلال قمة أوساكا باليابان عام 2019، وعلى خلفية تصاعد الحمائية والأحادية، وحاجة العالم إلى التعددية أكثر من أي وقت مضى، حث الرئيس شي على تعددية الأطراف، وتنمية الاقتصاد العالمي باتجاه الانفتاح، وتعزيز التسامح، وتحقيق التوازن والفوائد المشتركة.

وفاء الصين بتعهداتها بإلغاء الديون

تعهد قادة دول مجموعة العشرين، خلال القمة الاستثنائية الافتراضية للمجموعة بالسعودية لمواجهة جائحة كوفيد- 19، باستعادة الثقة بالاقتصاد العالمي وتحقيق النمو، عبر إتخاذ التدابير اللازمة لتقليل الخسائر الاقتصادية من جائحة كوفيد- 19، من خلال ضخ خمسة تريليونات دولار أمريكي لحماية الاقتصاد العالمي. وقامت دول مجموعة العشرين بطرح مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الديون، ويتم بمقتضاها تأجيل سداد المدفوعات المستحقة على القروض الثنائية المقدمة من أعضاء المجموعة وبنوكها إلى 73 دولة من أفقر دول العالم. وتوفر المبادرة نحو 14 مليار دولار أمريكي كسيولة آنية من الدول الدائنة في عام 2020، بالإضافة إلى عمل المجموعة مع المنظمات الدولية لتكميل هذه الجهود، بما فيها بنوك التنمية المتعددة الأطراف التي تقدم 75 مليار دولار أمريكي خلال الفترة من أبريل إلى ديسمبر 2020 للدول المستحقة للاستفادة من المبادرة، وذلك كجزء من التزامها بتقديم مبلغ 230 مليار دولار أمريكي للدول الناشئة والنامية لدعمها في التصدي للتحديات الناشئة من الجائحة. بالإضافة إلى ذلك، ومنذ أواخر شهر مارس، ساهم صندوق النقد الدولي بتخفيف عبء الدين عن 28 دولة مستحقة للمبادرة، مع تقديم مساعدات مالية تفوق 88 مليار دولار أمريكي تشمل 81 دولة تعاني من تبعات اقتصادية لجائحة كوفيد- 19، منها 53 دولة من الدول المستحقة للمبادرة. وقد تقدمت 46 دولة من الدول المستحقة للمبادرة، منها 30 دولة أفريقية، بطلبات للاستفادة منها. وقد تم تمديد المبادرة لمدة 6 أشهر إضافية، تمتد حتى نهاية يونيو 2021، وذلك بهدف دعم الدول الأكثر فقرا في مكافحة الجائحة.

ودعت الصين، خلال مشاركتها في القمة المشار إليها، دول المجموعة إلى خفض الرسوم الجمركية، ورفع الحواجز الجمركية لتسهيل التدفقات التجارية، وإعادة الثقة في الاقتصاد العالمي في مواجهة الجائحة. كما أكدت التزامها الوفاء بتعهداتها في إطار المبادرة، بما يخفف عبء الديون على الدول الأفريقية.

وفي تنفيذ عملي لتعهداتها، حيث تُعد أكبر دولة مساهمة منفردة في مبادرة تعليق خدمة الديون حتى الآن، قامت الصين بتعليق ما لا يقل عن 9ر1 مليار دولار أمريكي من المدفوعات المستحقة هذا العام- وفقا لوثيقة داخلية لمجموعة العشرين- من بين نحو 3ر5 مليارات دولار أمريكي قام أعضاء المجموعة بتعليقها لصالح 44 دولة مدينة. كما قامت بإعفاء 15 دولة أفريقية من سداد القروض المعفاة من الفوائد والمستحقة بحلول نهاية عام 2020. وهو ما يعتبر ردا عمليا من جانب بكين على اتهامات وادعاءات- رفضتها الصين بشدة- من بعض الدول الغربية بعدم مشاركتها بشكل كامل في تخفيف عبء الديون عن كاهل الدول الأكثر فقرا في إطار المبادرة، وعدم مساعدة الدول الأفريقية في تخفيف عبء ديونها، وخلق "فخ ديون" لدول القارة هناك.

--

عادل علي، إعلامي وباحث في الشؤون الصينية من مصر.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4