كلنا شرق < الرئيسية

الصين واتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة

: مشاركة
2020-12-03 14:33:00 الصين اليوم:Source خديجة عرفة:Author

بعد ثمان سنوات من التفاوض، وقعت كل من الصين وجمهورية كوريا واليابان وأستراليا ونيوزيلندة إضافة إلى الدول العشر الأعضاء في رابطة جنوب شرقي آسيا "آسيان"، اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، وذلك يوم الأحد الموافق 15 نوفمبر 2020 خلال لقاء افتراضي برعاية فيتنام.

ويهدف الاتفاق إلى خفض وإلغاء عدد من الرسوم الجمركية داخل المجموعة، يُنفذ بعضها على الفور والبعض الآخر على مدار عشرة أعوام، وفتح التجارة في قطاع الخدمات، وتشجيع الاستثمار لمساعدة الاقتصادات الناشئة. ومن المتوقع أن يدخل الاتفاق حيز التنفيذ خلال عام.

ويتكون الاتفاق من 20 فصلا و17 مرفقا و54 جدولا. ومن بين الفصول التي تضمنها، تجارة السلع والخدمات والتعاون الاستثماري الاقتصادي والتقني والممتلكات الفكرية والتنافس وتسوية النزاع والتجارة الإلكترونية والشركات الصغيرة والمتوسطة والمشتريات الحكومية.

حجم الشراكة

انسحبت الهند من الاتفاق العام الماضي، ورغم ذلك يُغطي الاتفاق حاليا نحو 1ر2 مليار نسمة وثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي (2ر26 تريليون دولار أمريكي). ليصبح بذلك أكبر اتفاق تجارة حرة عالميا، كما أنه يضم عدد دول أكبر من تلك الأعضاء في اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ والموقع عام 2006، والذي أصبح يضم إحدى عشرة دولة عقب انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منه. ومن المستبعد عودة الولايات المتحدة الأمريكية للاتفاق عقب انتخاب جو بايدن في ظل السياسة الحمائية للديمقراطيين، إذ يرفضون اتفاقيات التجارة الحرة بشكل عام والتي يرون أنها لا تفيد الاقتصاد الأمريكي. لكن الاتفاقية الأخيرة قد تجعل الرئيس المنتخب جو بايدن أكثر حرصا على الانخراط في تلك المنطقة الواعدة اقتصاديا حتى وإن لم ينضم مرة أخرى لاتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ.

وفي المستقبل فمن المتوقع أن ينمو حجم الشراكة بشكل أكبر، خاصة أن الاتفاق يضم اقتصادات هامة آخذة في النمو من بينها الاقتصاد الصيني، فقد توقع دويتشه بنك أن ينمو الاقتصاد الصيني بمعدل 24% خلال الفترة من 2019- 2023 وذلك رغم ما فرضته أزمة كورونا من تحديات. ليصبح الناتج المحلي الإجمالي الصيني مكافئا لنظيره الأمريكي بحلول عام 2028. وكذلك اقتصاد اليابان وجمهورية كوريا.

 أهمية الاتفاقية

يتوقع الخبراء أن تضيف الاتفاقية نحو 200 مليار دولار أمريكي للاقتصاد العالمي بحلول 2030، حيث تضع الاتفاقية قواعد تجارية جديدة لتلك المنطقة الهامة اقتصاديا. بموجب الاتفاق ستلغي اليابان 61% من الرسوم الجمركية على الواردات الزراعية من دول آسيان وأستراليا ونيوزيلندا، و56% من الصين، و49% من جمهورية كوريا، مع الإبقاء على التعريفات الجمركية على خمس فئات من المنتجات (الأرز والقمح ومنتجات الألبان والسكر واللحم) لحماية المزارعين المحليين. على الجانب الآخر، ستخفض الدول الأخرى 5ر91% من الرسوم الجمركية على الصادرات الصناعية اليابانية.

وفيما يتعلق بالمجالات، فمن بين المجالات التي شملتها الاتفاقية التجارة الإلكترونية والتي من المتوقع أن تشهد انتعاشا كبيرا خلال الفترة المقبلة.

ورغم ما يوجه للاتفاقية من انتقاد بشأن أنها تضم دولا متفاوتة بشكل كبير من حيث معدلات التنمية الاقتصادية، فإنه على الجانب الآخر، من شأن الاتفاقية مساعدة الدول المحدودة اقتصادية مثل لاوس وكمبوديا وميانمار من خلال تلك الاتفاقية عبر تدفق الاستثمارات لتلك الدول بما يساعد على دعم اقتصاداتها.

توقيت الاتفاقية

 جزء من أهمية الاتفاقية ترتبط بدلالات توقيت توقيعها، والذي جاء في وقت تُعاني فيه اقتصادات دول المنطقة، والتي تضررت بشدة كنتيجة لتفشي وباء كوفيد- 19 والسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تم تبينها لتحجيم انتشار الوباء. وقد توقع البنك الدولي أن يتراجع الاقتصاد الياباني بنحو 8ر5% في العام الحالي، أما الاقتصاد الفلبيني فقد تراجع في الربع الثالث من 2020 بنسبة 5ؤ11% مقارنة بالربع ذاته من عام 2019، أما إندونيسيا فقد تعرضت لأكبر حالة ركود منذ عقدين. لذا، جاء توقيع الاتفاقية في هذا الوقت تحديدا وبعد ثمان سنوات من التفاوض لإنعاش اقتصادات تلك الدول للخروج من حالة الانكماش. حيث أصبحت دول المنطقة أكثر حرصا على التكامل الاقتصادي فيما بينها للخروج السريع من الأزمة، وهو ما أكده رئيس الوزراء الماليزي الذي أشار إلى أنه "واثق من أنه يمكن استغلال الاتفاقية كإحدى أدوات الانتعاش الاقتصادي"، مشيرا إلى أن الاتفاقية ستشجع على إعادة فتح الأسوق واستمرار سلاسل الإمداد. أما رئيس وزراء سنغافورة فقد قال: "تظهر اتفاقية الشراكة دعم الدول الآسيوية لسلاسل إمداد مفتوحة ومتصلة وتجارة حرة وترابط أوثق." لذا، من المهم استكمال إجراءات التصديق على الاتفاقية داخل كل دولة من الدول الأعضاء بما يسمح بدخول الاتفاقية حيز النفاذ في أقرب وقت.

أهمية الاتفاقية بالنسبة للصين

 تُعد الصين صاحبة الاقتصاد الأكبر بين الدول الأعضاء في الاتفاقية، والاتفاقية هي اتفاقية التجارة الحرة رقم 19 التي توقعها الصين ليصل بذلك عدد شركاء التجارة الحرة للصين إلى 26 دولة. وهي أول اتفاقية تجارية متعددة الأطراف تنضم إليها الصين بما يؤكد أنها دولة ملتزمة بالتجارة الحرة. وهذا ما أكده رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ، عندما أشار إلى أن الاتفاقية "انتصار للتعددية والتجارة الحرة".

من شأن الاتفاقية تعزيز مكانة الصين كشريك اقتصادي أساسي لدول منطقة جنوب شرقي آسيا، خاصة أن الاتفاقية هي أول اتفاقية للتجارة الحرة تضم ثلاث قوى اقتصادية آسيوية كبرى هي الصين واليابان وجمهورية كوريا. وتجدر الإشارة إلى أن تجارة الصين مع باقي الدول الموقعة على الاتفاقية تُمثّل نحو ثلث تجارة الصين الخارجية، وخلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2020، بلغ حجم تجارة الصين مع دول آسيان وحدها نحو 574 مليار دولار أمريكي بزيادة 7% مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق. وهي النسبة التي من المتوقع أن تزيد في الفترة المقبلة.

وكذلك لا يمكن فصل سعي الصين لتحقيق التعاون الاقتصادي مع دول شمال وجنوب شرقي آسيا عن مبادرة "الحزام والطريق" التي تهدف لتحقيق تنمية اقتصادية للدول المختلفة على طول الطريق عبر زيادة التجارة والاستثمارات المشتركة، خاصة وأن المبادرة تركز على البنى التحتية وخاصة الموانئ والطرق، والشبكات الكهربائية، وخطوط الاتصالات، وأنابيب لنقل النفط والغاز.

وداخليا، فوفقا للباحثين في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، فإن الاتفاقية ستُضيف للناتج المحلي الإجمالي الصيني خلال السنوات العشر القادمة نموا بمعدل 22ر0% و4ر11 نموا في صادرات الصين وذلك في حال تنفيذ الاتفاقية كما هو مخطط لها.

ومع أهمية الاتفاقية لكل الدول الأعضاء في ضوء ما تمت مناقشته، تظل هناك بعض التحديات، من بينها تفوق الشراكة العابرة للمحيط الهادئ على الاتفاق الحالي من حيث حجم الرسوم الجمركية التي ستتم إزالتها والتي تصل إلى 9ر99%، وكذلك احتمال وجود تنسيق هندي- أمريكي كبديل للانسحاب الهندي من الاتفاقية. ومن التحديات الأخرى، المشكلات السياسية بين الدول الموقعة والتي قد تعرقل تنفيذ الاتفاقية ومن بينها الخلاف التاريخي بين اليابان وجمهورية كوريا بشأن العمالة القسرية فترة الحرب العالمية الثانية، إضافة إلى التوتر في بحر الصين الجنوبي.

ورغم ذلك فإن حرص الدول الموقع على الاتفاقية على تفعيله مع الجهود الصينية لتذليل العقبات من شأنه تفعيل الاتفاقية لمساعدة الدول الأعضاء على الخروج من المشكلات الاقتصادية الراهنة.

--

د. خديجة عرفة، باحثة في العلاقات الدولية من مصر.

 

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4