كلنا شرق < الرئيسية

بالعلم والأمل والثقة، الصين ستهزم كورونا

: مشاركة
2020-03-10 15:46:00 الصين اليوم:Source محمد علام:Author

ربما لم يعد أحد على سطح كوكبنا المعمور لا يعرف بأمر فيروس كورونا الجديد. وسائل الإعلام بمختلف اللغات تمدنا بآخر تطوراته لحظيا، ولا يتوقف الحديث عنه سواء من العلماء المتخصصين أو الباحثين، وحتى من هؤلاء الغارقين في خيالهم دون معلومة أو علم، كما لا يخلو الأمر من حضور أصحاب نظريات المؤامرة ضد الصين وغيرها من النظريات المختلفة، الجميع منذ نهاية ديسمبر 2019 يتحدث عن الفيروس الجديد الذي نال اسم COVID-19.

وسط كل هذا الضجيج، هناك حقيقة ظلت دوما ثابتة ومؤكدة، مفادها أن الصين تواجه الفيروس بعلومها المختلفة، وبأمل كبير في القضاء عليه، وثقة في النفس، وثقة الشعب في ذاته وفي الحكومة. تواجهه بمسؤولية أخلاقية كحائط الصد الأول عن العالم. لذا، فإننا سنبتعد عن الضجيج، وسنرصد ذلك الأمل الذي بناه العلم والثقة، ذلك الأمل الذي نكتب عنه حتى في أوج التحدي.

دلالة القوة

إن أول شيء يمكن ملاحظته عند الحديث عن فيروس كورونا الجديد وتأثيراته، بخلاف أنه طبعا فيروس يمكن أن ينتقل من شخص إلى آخر، هو مدى قوة وتأثير الصين كدولة مرتبطة ارتباطا وثيقا بما يستهلكه العالم، الصين هي مصنع العالم، وحوالي 20% من سكان كوكب الأرض هم صينيون، وبلادهم صاحبة الاقتصاد الثاني عالميا.

لذا، فعندما تعرضت الصين لأزمة شعر العالم كله بتأثيرها عليه؛ على أسواقه، على التجارة الدولية، على تدفق الاستثمارات منها وإليها، على قلة حضور وجوه السياح الصينيين المميزة والمعروف عنهم خصائص السياح المثاليين بكثرة الإنفاق وطول مدة الرحلة السياحية.

دلالة القوة تلك دفعت ويلبر روس، وزير التجارة الأمريكي للإدلاء بتصريحات مستهجنة وغريبة في ظل أزمة كتلك، حينما تحدث في نهاية شهر يناير عن أن فيروس كورونا الجديد مفيد لبلاده، حيث سيزيد من خلق فرص العمل فيها، وستغادر بعض الشركات الصين وتتجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

وإذا أظهر فيروس كورونا الجديد دلالة القوة الصينية، فإنه أظهر أيضا نوايا وطريقة تفكير المسؤولين الأمريكيين وأخلاقيات بعضهم التي لا تتماشى أبدا مع الحكمة الخالدة التي تقول "الصديق وقت الضيق"، بل لا تتماشى مع حقيقة أنه حتى البورصة الأمريكية عرفت اهتزازات ليست بالبسيطة في ظل أزمة فيروس كورونا الجديد، كنتيجة طبيعية لحالة الترابط الاقتصادي العالمي، وهي معلومات لا تغيب حتى عن أي اقتصادي مبتدئ.

بيان للناس

في ظل الأوقات الصعبة، يكون الحديث عن الأمل منطقيا بشرط أن يصاحبه العمل. والحقيقة أن الصين تفعل كل ما عليها في مواجهتها ضد فيروس كورونا الجديد الذي انطلق من سوق للحيوانات الحية في ووهان.

وإذا تخيلنا أن هناك "رئيسا لجمهورية الطب في العالم" فبالتأكيد سيكون هو الشاغل لمنصب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية حاليا، الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الذي زار الصين، وأصدر بيانا إعلاميا بشأن بعثة المنظمة إلى الصين، نحدد منه عدة نقاط بالغة الأهمية والايجابية كذلك، وهي نقاط مستمرة، ولا تعتبر متعلقة بتاريخ صدور البيان فحسب:

أولا: أن المناقشات مع الجانب الصيني صريحة للغاية، وقائمة على التبادل المتفاهم؛

ثانيا: الحس القيادي النادر والإلمام بأدق تفاصيل الأزمة من قبل الرئيس شي جين بينغ، واعتباره أن ما تقوم به الصين ليس لفائدتها فقط بل لبقية بلدان العالم كذلك؛

ثالثا: أن القدرات العلمية الصينية مكنتها من تحديد "العامل المسبب للمرض" في وقت قياسي، وأطلعت المنظمة الدولية عليه سريعا، مما سهل من تطوير وسائل التشخيص سريعا؛

رابعا: تشارك الصين المعلومات مع الدول التي تحتاج إليها بدون طلب من تلك الدول، (مثال: إخطار الصين لجمهورية ألمانيا الاتحادية باكتشاف إصابة سيدة عادت من ألمانيا بالفيروس ولم تكن ألمانيا قد كشفت إصابتها). ليمكن ذلك السلطات الصحية والمختصة في ألمانيا مراجعة الحالة الصحية للمتعاملين مع تلك السيدة أو الذين خالطوها في فترة بقائها هناك مما يساعد على كشف أي حالة إصابة مبكرا ويحد من احتمال انتشار الفيروس؛

خامسا: أن الصين قامت بتفضيل تقديم الحماية لباقي دول العالم ولو بإجراءات ستؤدي لإلحاق خسائر اقتصادية بها، عبر خطوات استثنائية من حكومتها، وصفها الدكتور تيدروس نفسه بالأمر الذي تستحق عليه القيادة الصينية منا خالص الاحترام والامتنان.

بعيدا عن المبالغات وعن الضجيج، فإن الأمل تشكل لدينا بناء على حقائق تقول إننا بصدد دولة فضلت الدفاع عن "الأمان الصحي للعالم" أكثر من مصالحها الاقتصادية، هذا هو ما سمعناه طويلا من مسؤوليها وصدقناه وكتبنا عنه من مبادئ حاكمة مثل "المصير المشترك للبشرية" و"المنفعة المشتركة". هذا هو ما جعل منظمة الصحة العالمية تخلص في النهاية إلى أنه لولا تلك الجهود لشهدنا اليوم عددا لا يحصى من الحالات خارج الصين بل ربما عددا كبيرا من الوفيات أيضا. خصوصا إذا وضعنا نصب أعيننا القدرات المحدودة في العديد من البلدان على مستوى العالم في اكتشاف المرض، ناهيك عن التعامل معه.

إن الأمل لا يتوقف فقط عند حدود قدرة الصين على هزيمة الفيروس الحالي، بل من الدروس المستفادة من هذه الأزمة، من تطوير الوسائل والأساليب العلمية والطبية في المستقبل لكشف أي فيروس آخر وعزله، فالحقيقة تقول أيضا إن الصين تمكنت بسرعة قياسية من عزل الفيروس واستخلاص تسلسله الجينومي وشاركت هذه المعلومات مع دول العالم. الدروس المستفادة طبيا وعلى صعيد إدارة الأزمات المماثلة هي الكنز الحقيقي الذي سيفيد البشرية كلها في قادم الأيام.

ثقة في قلب التحدي

عند عنق الزجاجة، تلك المرحلة التي تسبق التحرر من الأزمة، ينبغي للجميع أن يثق في القدرة على العبور من خلالها، وتتجمع العوامل في قصة مواجهة الصين ضد فيروس كورونا الجديد التي تجعل المتابع للأمر يشعر بتلك الثقة.

على سبيل المثال، سرعان ما شاركت التكنولوجيا الصينية المتطورة والذكية في المعركة ضد الفيروس. بأشكالها اللطيفة، تتحرك الروبوتات لتقليل التواصل المباشر مع المرضى في غير حالات الضرورة، إذ يمكنها مثلا توصيل الطعام، والعلاج لمن يستطيع تناوله بنفسه، وتستخدم أنواع منها في مهام "التطهير" داخل المستشفيات لضمان كفاءة التطهير بشكل أكبر وتقليل مخاطر العدوى في ذات الوقت. كذلك ظهرت الطائرات دون طيار لتشارك في عمليات التطهير لمناطق ذات مساحات واسعة في وقت أقل، مع توفير ميزة انعدام فرصة نقل العدوى.

كيف لا تثق في شعب يتبرع بأمواله وبالإمدادات من أجل أن يشعر الفرد فيه أنه يشارك في معركة وطنه ضد فيروس كورونا الجديد بما يستطيع تقديمه؟ بل كيف لا يثق الصينيون في أنفسهم وقد استطاعوا حشد جيش من الأطباء قوامه أكثر من 11 ألف طبيب في ووهان فقط لمكافحة الوباء هناك.

وفي الصورة أيضا نرى هؤلاء المقاتلين من العلماء والباحثين من الجامعات والمراكز البحثية الصينية، وبحثهم العلمي الذي يسابق الوباء للسيطرة عليه وهزيمته. ووسط هذا الاهتمام بالبحث لا ينسى المسؤولون في الجامعات طلابهم، فرتبوا مساعدات مالية للطلاب من الأسر الفقيرة الذين تأثرت حياتهم بما حدث.

إنك إذا أردت أن تبحث عن أفضل تعريف عملي "للاشتراكية ذات الخصائص الصينية" أو تختبر مدى "صلابة وتماسك المجتمع الصيني"، فإن أزمة مواجهة فيروس كورونا الجديد توفر الإجابة الوافية عن كلا الأمرين. ستجدها في كل ما سبق، ستجدها كذلك في القطارات الفائقة السرعة التي تطوي الأرض لتنقل عشرات الآلاف من الأطنان من الإمدادات المطلوبة سواء للحياة العادية في المناطق الموبوءة أو التي تستخدم للسيطرة على الفيروس. ستجدها في هؤلاء المهندسين والعمال والسائقين الذين شاهدهم العالم كله يبنون مستشفى هوشنشان الذي يتسع لألف سرير في ووهان في عشرة أيام فقط، ستجدها في لي كه تشيانغ رئيس مجلس الدولة الصيني الذي زار ووهان لمراقبة عملية مكافحة الفيروس، وفي نائبته سون تشون لان التي تقود المجموعة الحكومية المركزية لمواجهة الفيروس، ليس من بكين بل من داخل مستشفيات ووهان.

لقد تحدثت كثيرا عن الأمل وعن الثقة مع المحيطين بي منذ بداية الأزمة، حتى قبل أن تبدأ الأخبار الإيجابية في الظهور. تحدثت عن هذا وذاك قبل أن تزف إلينا وكالة أنباء الصين الجديدة ((شينخوا)) أخبارا مثل بداية انخفاض حالات الإصابة بشكل يومي، ثم بدء خروج الناس من المستشفيات بالآلاف بعد شفائهم تماما من الفيروس، قبل تلك البسمة مع شفاء السيد وانغ، 90 سنة، أكبر المصابين بالفيروس سنا، بعد علاجه في مدينة ييتشانغ بمقاطعة هوبي في وسط الصين. والآن أتحدث عن ثقة كاملة في أن التوصل إلى مصل وعلاج لهذا الفيروس الجديد ما هو إلا مسألة وقت، متمنيا أن نكون قد توصلنا إليه كجنس بشري قبل أن تصل أعين القراء إلى كلماتي تلك.

هذا الجنس البشري اتحد رغم المرجفين، فرهبان التبت فوق الجبال يصلون من أجل المناطق المتضررة، والتبرعات تأتي من الفلبين، تايلاند، مصر، روسيا الاتحادية، اليابان، جمهورية كوريا، فرنسا، المملكة المتحدة، الجزائر، الإمارات العربية المتحدة، والقائمة تطول. وفي ووهان، يتقدم عشرات العرب للسلطات فيها بطلبات للمشاركة في الأعمال التطوعية لمكافحة الوباء.

لكن المثير الأكبر للثقة وسط كل ما حدث هو تعامل الشعب الصيني مع الشائعات، ومع المفاهيم الخاطئة، ومع المعلومات الخاطئة والمضللة التي ينشرها البعض عبر الإنترنت وخصوصا عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وفي تقديري، فإن العامل الأكبر لاستمرار الصينيين في مواجهتهم القوية ضد الفيروس بكفاءة هو تغلبهم على تلك الشائعات والمعلومات الخاطئة وما كانت سترتبه من تأثيرات سلبية على سلوكياتهم بل على تدابير الحكومة والسلطات نفسها.

--

محمد علام، باحث مصري متخصص في الشؤون الدولية.

 

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4