كلنا شرق < الرئيسية

العلاقات الثقافية بين الصين ولبنان.. تطور مستمر ومستقبل واعد

: مشاركة
2020-02-21 13:55:00 الصين اليوم:Source د. تمارا برّو:Author

منذ تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح في عام 1978، والصين في تصاعد مستمر، حتى أصبح اقتصادها يحتل حاليا المركز الثاني عالميا بعد اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية. وأتت مبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقها الرئيس شي جين بينغ في عام 2013 لتدفع بالصين قدما وتعزز من مكانتها الاقتصادية والعالمية.

مبادرة "الحزام والطريق" لا تسعى فقط إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والدول الواقعة على طول طريق الحرير، بل تهدف أيضا إلى تقارب القلوب بين الشعوب. وتقارب القلوب يتوقف على تمتين العلاقات بين الصين ودول طريق الحرير، ومن بينها لبنان. وعملية تطوير هذه العلاقات تحتاج في المقام الأول إلى زيادة التبادل والتعاون الثقافي، نظرا لما للثقافة من أهمية في توطيد العلاقات.

 إن لبنان، على الرغم من صغر حجم مساحته، حظي باهتمام الصين. وإذا كانت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين تعود إلى عام 1971، إلا أن الصين ولبنان ارتبطا منذ القدم بعلاقات تجارية. وعبر السنين تطورت العلاقات اللبنانية- الصينية، إلا أن السنوات الماضية شهدت تعاونا كبيرا على جميع الأصعدة لاسيما على الصعيد الثقافي. فكلا البلدين يتمتعان بتاريخ عريق وموروث ثقافي وافر، حيث تعتبر الصين بلدا حضاريا قديما يمتد إلى ما قبل 5 آلاف سنة، كما أن لبنان يعدّ موطنا للعديد من الحضارات كالفينيقية والآشورية والفارسية والإغريقية والرومانية والبيزنطية وغيرها.

للثقافة أهمية كبيرة في توطيد العلاقات بين الشعبين اللبناني والصيني. ونظرا للرغبة الجدية من قبل البلدين في تطوير علاقاتهما، عمل الطرفان على تعزيز التعاون الثقافي من خلال زيادة التبادل الطلابي، والوفود من مسؤولين وإعلاميين وباحثين، بالإضافة إلى عقد الندوات والمؤتمرات التي يشارك فيها أكاديميون من الصين ولبنان، وتوقيع المزيد من الاتفاقيات والبروتوكولات الثقافية.

يعود أول اتفاق ثقافي بين لبنان والصين إلى عام 1992، وبعد انضمام لبنان إلى مبادرة "الحزام والطريق" في عام 2017، وقّع في عام 2018 بروتوكولا للتعاون الثقافي بين البلدين، وبهذه المناسبة قال وزير الثقافة اللبناني السابق غطاس خوري: "لمسنا حرص الصين على أفضل العلاقات وأفضل المبادرات الثقافية بين البلدين."

يشكل التعاون التربوي بين البلدين جانبا هاما من التعاون الثقافي، نظرا لما تتمتع به الجامعات الصينية من شهرة على مستوى العالم، لاسيما جامعتي تشينغهوا وبكين، اللتين تحتلان دائما مكانا ضمن أفضل جامعات العالم. ولا يفوتنا أن نذكر أن بعض اللبنانيين يدرسون في الصين، فهناك منح دراسية بمجال الهندسة والطب واللغة الصينية وغيرها. بالمقابل يأتي طلاب من الصين للدراسة في الجامعات اللبنانية، والتخصص في العلوم الإسلامية واللغة العربية. ويتزايد في السنوات الأخيرة التعاون بين الجامعات اللبنانية والصينية، فمثلا وقّعت الجامعة اللبنانية اتفاقيات مع أربع جامعات صينية منها جامعة بكين للدراسات الأجنبية وجامعة شانغهاي للدراسات الدولية، ويجري العمل حاليا على توقيع المزيد من الاتفاقيات مع جامعات صينية يشهد لها بالخبرة والمعرفة والتمييز. ويتم التحضير أيضا لإنشاء ماجستير للدراسات الصينية والذي يعتمد على استقدام أساتذة صينيين ممن يجيدون اللغة العربية لإعطاء المحاضرات حول موضوعات مختصة بالشأن الصيني؛ كالبيئة والاقتصاد والسياسة والأدب. كما تستقبل الجامعة اللبنانية كل سنة، في إطار التعاون مع الجامعات الصينية، عشرة طلاب صينيين يدرسون اللغة العربية في مركز اللغات والترجمة. وضمن برنامج التعاون الثقافي بين لبنان والصين، شارك وفد لبناني في عام 2018 في المؤتمر الدولي لرؤساء ومدراء المؤسسات التربوية الذي عقد في الصين.

أما التبادلات الثقافية بين الشباب الصيني واللبناني فلها مغزى عميق وفريد، نظرا لأهمية دور الشباب في تطوير العلاقات بين البلدين. وتلعب الرابطة اللبنانية- الصينية للصداقة والتعاون دورا رياديا في تقوية العلاقات الثقافية. فبالتنسيق مع جمعية الشعب الصيني للصداقة مع البلدان الأجنبية، عملت الرابطة اللبنانية- الصينية على تعزيز التبادل الثقافي والأكاديمي والشبابي والسياحي مع الصين. فمثلا في عام 2013 ساهمت الرابطة في عقد الملتقى الأكاديمي اللبناني- الصيني الثالث في بيروت. وفي عام 2014 أرسلت الرابطة وفدا طلابيا للمشاركة في الملتقى الأكاديمي الأول بين العرب والصين في بكين. كذلك أرسلت في عام 2016 وفدا شبابيا للمشاركة في ملتقى سفراء الشباب العربي- الصيني في بكين. وفي إطار آخر، شارك لبنان عام 2018، في المنتدى الأول للحوار بين شباب الصين والشرق الأوسط والذي عقد تحت رعاية جامعة بكين .

وفي إطار تعزيز العلاقات الثقافية بين لبنان والصين، سلّمت السفارة الصينية في لبنان للمكتبة الوطنية في بعقلين عام 2018، مائة كتاب باللغتين العربية والإنجليزية تتناول مختلف نواحي الحياة الصينية، الأمر الذي من شأنه أن يساهم في اطلاع القارئ اللبناني والتعرف على الثقافة الصينية. كما شاركت دور النشر الصينية في معرض بيروت الدولي للكتاب، بالمقابل شارك لبنان في معرض بكين الدولي للكتاب في عام 2018 عبر الدار العربية للعلوم- ناشرون، والتي شاركت بأكثر من 150 كتابا صينيا مترجما إلى العربية، في مجالات الثقافة، والعمارة والتاريخ والفلسفة وغيرها. كما أقامت مراكز الدراسات اللبنانية، بالتعاون مع مراكز الدراسات الصينية، ندوات حول الصين شارك فيها خبراء من الصين ولبنان ومختلف دول العالم.

وبالإضافة إلى تبادل المثقفين والأكاديميين الصينيين واللبنانيين، هناك أيضا تبادل فني، حيث أدت فرقة كركلا اللبنانية مسرحية "الإبحار في الزمن على طريق الحرير"، وتُجسد هذه المسرحية تلاقي الحضارات على طريق الحرير، وقدمت الفرقة مسرحيتها على مسرح دار أوبرا بكين في إبريل من عام 2018 بمشاركة أكثر من 120 شخصا من فنانين وراقصين. ونظرا للنجاح الكبير الذي حققته المسرحية، أقامت وزارة الثقافة الصينية تكريما للفرقة، وتم إبرام اتفاق بين الفرقة ودار الأوبرا في بكين لمدة خمس سنوات، واتفاق آخر على إشراك فرقة كركلا في الاتحاد الدولي للمسارح في الصين. ومن ضمن المساعدات التي قدمتها الصين، ضمن مشروع طريق الحرير، المساهمة في بناء وتجهيز المعهد الوطني للموسيقى، حيث تم إطلاق أشغال بناء مشروع المعهد الوطني في 20 ديسمبر 2019 بحضور وزير الثقافة اللبناني السابق محمد داوود وسفير الصين لدى لبنان وانغ كه جيان. وفي هذا الإطار قال الوزير محمد داوود أثناء حضوره الحفل الموسيقي الثقافي لمسرح آنهوي الصيني في لبنان عام 2019: "إن إنشاء المعهد الوطني العالي للموسيقى بتمويل صيني، إشارة واضحة إلى مدى حرص الصين على التعاون والتقارب مع لبنان توطيدًا لأواصر الصداقة بين البلدين."

لقد بدأت الثقافة الصينية تنتشر في لبنان، وهذا ما نراه من خلال المأكولات الصينية التي بدأت بدورها تتواجد بكثرة في لبنان، وباتت تقدم في المطاعم إلى جانب الأطباق اللبنانية، أو في مطاعم خاصة بها، وأشهر المطاعم الصينية موجودة في شارع مونو الأشرفية وفي منطقة الحمراء. بالمقابل تتوزع المطاعم اللبنانية في العديد من المناطق الصينية مثل بكين وشانغهاي. وأيضا تنتشر الثقافة الصينية في لبنان من خلال اللغة الصينية التي بات لها حضور كبير في الجامعات اللبنانية الرسمية والخاصة، ويوجد حاليا أكثر من عشر جامعات ومعاهد لبنانية تعلّم اللغة الصينية ولعلّ أهمها: (أ) معهد كونفوشيوس، الذي تأسس في عام 2006 في جامعة القديس يوسف بالتعاون مع جامعة شنيانغ للمعلمين في شمالي الصين، وبإشراف المكتب الوطني لتعليم اللغة الصينية (هانبان). بدأت الدراسة رسميا في هذا المعهد يوم 27 فبراير 2007، وصار اليوم مركزا هاما للغة والثقافة الصينية في الدول العربية. ومنذ بدء الدراسة فيه، التحق بمعهد كونفوشيوس مئات الطلاب تتراوح أعمارهم بين سبع سنوات وستين سنة، بعضهم طلاب من جامعة القديس يوسف والجامعات والمدارس المجاورة، وبعضهم تجار لبنانيون أو أجانب مقيمون في لبنان. ويقيم المعهد مسابقة "جسر اللغة الصينية" التي يشارك فيها عدد من الطلاب الذين يدرسون اللغة الصينية، ويمثّل الفائز لبنان في المسابقة النهائية التي تقام في الصين. ولا يقيم المعهد دورات في اللغة فقط، وإنما أيضا في الطب التقليدي الصيني الذي يحظى بقبول واسع في لبنان وأيضا دورات ومحاضرات متخصصة. (ب) مركز اللغات والترجمة في الجامعة اللبنانية، الذي تأسس في عام 1996، وهو فرع من فروع كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية، ويضم المركز قسما خاصا لتعليم اللغة الصينية أطلق في عام 2015 .وقعّت الجامعة اللبنانية عدة اتفاقيات مع جامعات صينية لدعم تعليم اللغة الصينية، وذلك بتشجيع من سفارة الصين لدى لبنان، واستقدمت لهذه الغاية أساتذة من الصين، وأصبحت تعطي إجازة في هذه اللغة، كما يتم إرسال الطلاب المتفوقين في دورات تدريبية إلى جامعات صينية مختلفة. كما ينظم مركز اللغات والترجمة سنويا نشاطات تتعلق بالثقافة الصينية، كالاحتفال باليوم الثقافي الصيني وتنظيم مسابقة في الغناء الصيني، فضلا عن تنظيم زيارات إلى قوات حفظ السلام الصينية المتواجدة في جنوبي لبنان والتواصل مع أعضاء قوة حفظ السلام الصينية. وفي إطار آخر، تستقبل الجامعة اللبنانية طلابا صينيين لمتابعة دراستهم في اللغة العربية، وما يلفت النظر شغف هؤلاء الطلاب بالثقافة اللبنانية وباللغة.

وترى الدكتورة جيزيل رياشي، مديرة قسم اللغات والترجمة في الجامعة اللبنانية، أن هناك إقبالا من قبل اللبنانيين على تعلّم اللغة الصينية كون الصين باتت اليوم تلعب دورا كبيرا وهاما على مختلف الأصعدة الاقتصادية والتجارية والثقافية، فضلا عن استعدادها لإعادة إعمار سوريا عبر لبنان. وتضيف الدكتورة رياشي أن سفارة الصين في لبنان تلعب دورا رياديا في تعزيز اللغة الصينية في لبنان من خلال تنظيم النشاطات وتقديم المنح التعليمية .

إلى جانب الجامعة اللبنانية، أضافت جامعات أخرى اللغة الصينية كمادة اختيارية في مناهجها كالجامعة الأمريكية في بيروت والجامعة اللبنانية- الأمريكية والجامعة اليسوعية. ونظمت جامعات أخرى دورات لتعليم اللغة الصينية كجامعة الجنان في طرابلس، التي تنظم دورات لتعليم اللغة الصينية مستعينة بالطلاب الصينيين الذين يقومون بدراسة اللغة العربية فيها. وفي مبادرة جديدة للتعريف بالثقافة الصينية، قامت قوات حفظ السلام الصينية المتواجدة في جنوبي لبنان بإعطاء دروس في اللغة الصينية في إحدى المدارس اللبنانية.

ومن ناحية أخرى، تسعى وزارة الثقافة اللبنانية إلى دعم تعليم اللغة الصينية في لبنان، فقد أعلن وزير الثقافة اللبناني السابق غطاس خوري في عام 2018 العمل على إقامة مركز ثقافي لتعليم اللغة الصينية، يهدف إلى زيادة وجود الناطقين بهذه اللغة، وأشار بأن مركز تعليم اللغة الصينية والترجمة المزمع إنشاؤه يختلف عن تدريب اللغة الصينية الجاري أكاديميا. ورأى أن قيام هذا المركز بقدرات صينية، يمكن أن يخدم كل الدارسين العرب ويندرج في إطار مشروعات طريق الحرير، وينشط في ترجمة الكتب خصوصا وأن الصين تبذل جهودا مرموقة في هذا المجال.

إن نشر اللغتين العربية والصينية من شأنه بناء جسر للصداقة بين الشعبين الصيني واللبناني باعتبارهما أداة هامة تحمل الحضارة الصينية الممتدة لأكثر من خمسة آلاف سنة والحضارات التي مرت على لبنان.

ولما كان للإعلام دور كبير في تعزيز العلاقات الثقافية بين لبنان والصين، وُقع في عام 2018 اتفاق تعاون بين محطة تلفزيون الصين المركزي (CCTV) وتلفزيون لبنان لعرض الأفلام الصينية على الشاشات اللبنانية. بالمقابل حقق الفيلم اللبناني "كفرناحوم" عند عرضه في صالات العرض الصينية في إبريل 2019 نجاحا كبيرا، حيث تجاوزت إيراداته 374 مليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 7 يوانات حاليا) حسب أحدث الإحصاءات. ولا يخفى على أحد ما للإعلام من تأثير في حياة الشعبين اللبناني والصيني. فمن خلاله يمكن نقل الصورة الحقيقية للأحداث الحاصلة في كلا البلدين، ويساهم عرض الأفلام والمسلسلات في التعرف على ثقافة كل من لبنان والصين، ونمط الحياة فيهما.

إنني على يقين من أن الصين ولبنان ما زال أمامهما الكثير من الأعمال والنشاطات لتطوير علاقاتهما في مختلف المجالات، ولاسيما على الصعيد الثقافي منها مثلا: 1- توسيع التبادل والتعاون الثقافي بين البلدين، وبذل الجهود في تعميق التفاهم والصداقة بين الشعبين الصيني واللبناني؛ 2- إقامة الأسابيع والمهرجانات الثقافية المتبادلة؛ 3- دعم المزيد من الزيارات المتبادلة بين الخبراء والمتخصصين في المجال الثقافي، والأكاديميين والباحثين في الشأنين الصيني واللبناني؛ 4- توقيع المزيد من الاتفاقيات والبروتوكولات الثقافية بهدف دعم التعاون والتبادل الثقافي؛ 5- إنشاء مركز ثقافي لبناني في الصين بغية تعريف الشعب الصيني على ثقافة وتراث لبنان؛ 6- مشاركة الفرق الفنية الصينية في المهرجانات الدولية التي تقام في مختلف المناطق اللبنانية، بالإضافة إلى توسيع مشاركة الفرق الفنية اللبنانية في الاحتفالات التي تقام في الصين؛ 7- تشجيع المترجمين الصينيين واللبنانيين على ترجمة المزيد من المؤلفات اللبنانية إلى اللغة الصينية والكتب الصينية إلى العربية، ودعم مشاركة دور النشر الصينية في معرض بيروت الدولي للكتاب وبالعكس؛ 8- أن تخصص المؤسسات الإعلامية الصينية واللبنانية حلقات عن كلا البلدين وباللغتين العربية والصينية؛ 9- العمل على نشر اللغتين العربية والصينية في كلا البلدين، لأن اعتماد الصين ولبنان على مصادر المعلومات الغربية والإعلام الغربي في تشكيل رؤيته ومعلوماته عن الآخر، يتسبب في نقل صورة مشوهة تؤدي إلى سوء فهم لدى كل طرف عن الآخر؛ 10- إلغاء تأشيرة الدخول بين البلدين.

--

د. تمارا برّو، باحثة لبنانية.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4