كلنا شرق < الرئيسية

الولايات المتحدة الأمريكية.. طاقات الحقد السياسي على الصين

: مشاركة
2020-02-21 13:50:00 الصين اليوم:Source د. محمد حسين أبو العلا:Author

لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تمارس وصايتها السياسية والإستراتيجية المقيتة على دول العالم، ولا تزال تعبث بمفردات المشهد العالمي وإخضاعه لتكنيك الأكاذيب والمغالطات والشائعات في إطار الميثاق الفوضوي الذي اعتمدته كمنهج قويم يتسق واللحظة المعاصرة، إذ كانت آخر جولاتها هي محاولة الاشتباك مع جمهورية الصين الشعبية بعد أن خسرت معها أشواط الحرب التجارية. لكنها هذه المرة تعاود الاشتباك من منطلق ما يحركها من كوامن الحقد السياسي الذي استعمرها حين تبدت لها ملامح الغروب عن السيادة الكونية، تلك الملامح التي أحدثت هلعا غير مسبوق في الذات الأمريكية أفرز وأحيا نوازع الاستعداء لأنها الذات المتفردة بخاصية استحضار أعداء جدد مع كل حقبة زمنية. ومن ذلك، أنها مارست دورا استفزازيا حين انبرى مجلس النواب الأمريكي لإصدار مشروع قانون سياسة حقوق الإنسان للويغور لتقييم انتهاكات أوضاع تلك الحقوق في منطقة "شينجيانغ"، باعتبار ذلك يمثل قرينة وسببا حيويا يمنحها صك التدخل في الشأن الصيني، ومن ذلك انطلقت موجة الاتهامات للسياسات الصينية عموما وإدارة منطقة "شينجيانغ" بشكل أخص. وهنا نرى أن ما وراء اختلاق هذه القضية سوى إخراج شحنات الكبت السياسي الأمريكي في وجه الصين والتنديد بها وعرقلة المسيرة التنموية الرائدة تخوفا من بلوغها صدارة قوائم الإقتصاد العالمي وإزاحة الولايات المتحدة الأمريكية عن مركزيتها العتيدة. لكن قوانين التاريخ دائما ما تكون هي المعادل الرادع لكل شطح يرمي إلى إعادة صياغتها أو استبدالها او الركون إلى أولوية بعضها على بعض. لكنه الأمل الخائن الذي تتعلق به الأنظمة المتجبرة فلا تحظى منه إلا بخيبات تسحق كبريائها. ولعل بعضا من مؤشرات الفوضى العالمية المدعومة أمريكيا قد سجلته الكاتبة الفرنسية "فاليري بيجويليه" في أطروحاتها المعنونة (الأسباب الخفية للفوضى العالمية) والذي ضمنته تحليلات في الجغرافيا السياسية والإقتصادية والنقدية وانطلقت منها إلى تراجع فكرة الديمقراطية لصالح تيارات الفوضى العالمية، تأسيسا على فكرة أنه خلف السلطة السياسية الظاهرة ترتسم السلطة الحقيقية العالمية. إلى غير ذلك من صيحات الغضب المعلنة عن ضرورة معالجة الاختلالات الجذرية.

ولعل كل هذه المعاني إنما تتجسد في الموقف الأمريكي الشائن تجاه منطقة "شينجيانغ"، وهو ما يثير بالضرورة العديد من التساؤلات على غرار: هل تمثل محاولات اختلاق مشكلات للصين آلية محورية لعرقلة المسيرة التنموية خشية انزواء الكيان الأمريكي وتراجعه؟ وهل يسهم ذلك في تأجيل غروب نجم هذا الكيان عن صدارة المشهد الاقتصادي العالمي؟ وكيف لحملات التشكيك في جهود الصين لتشويه صورتها أن تنجح إزاء واقعها الديناميكي الشامخ؟ وما هو المعنى المنطوي في بروز الدافع الأمريكي للمعارضة الويغورية ربيعة قدير وهي المتهمة من قبل بإثارة الشغب في منطقة "شينجيانغ"؟ وكيف للولايات المتحدة الأمريكية أن تتجاهل تلك الإجراءات الصارمة التي مارستها السياسية الصينية فيما يرتبط بدحر الإرهاب هناك؟ بل وكيف تم تجاهل الواقع المعاصر في تلك المنطقة الصينية الذاتية الحكم من حيث سيادة السلام الاجتماعي وإعلاء حقوق الإنسان داخلها؟

ولعل هذه التساؤلات تستتبع تساؤلات أخرى عن وضعية حقوق الإنسان في بلد يقبع داخله تمثال الحرية؟ كيف لها أن تبحث عن حقوق الإنسان في أرجاء العالم، بينما هي فاعل أساسي في إحداث التوتر والاضطراب بشكل يسحق هذه الحقوق؟ كيف تصبح الرؤية الأحادية الأمريكية معيارا لتقييم حركة حقوق الإنسان في العالم؟ بل كيف للولايات المتحدة الأمريكية أن تستقصي تباينات هذه الحركة وهي لا تزال تغوص في طوفان العنصرية الذي يطمس معاني الآدمية؟

إن السياسة بالضرورة تحركها المصالح العليا والدنيا، لكن على الصعيد الآخر لا يمكن بحال الإطاحة بمصالح الآخر. فالولايات المتحدة الأمريكية الآن في حاجة ماسة لتغيير المنظومة الثقافية تلك التي أودت بها إلى مزالق الكراهية والعداء والاحتقار من كبريات الدول، ذلك أنها البؤرة المركزية لتصدير وإشاعة العنف والتطرف واختلاق الأزمات وصياغة المشكلات وإشعال فتيل الحروب، وليس ذلك من معاني السيادة بحال، فالركون إلى الإستراتيجيات القويمة يمكن أن يحقق درجة من التوازن ومنهجية البقاء لأن للرعونة السياسية أثمانا فادحة ربما تدفعها الأنظمة القائمة لكن تحصد الأجيال القادمة أصداءها وجرائرها.

--

د. محمد حسين أبو العلا، كاتب وأستاذ علم الإجتماع السياسي في مصر.

    

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4