كلنا شرق < الرئيسية

الصين تكرّم إعلاميا عراقيا لإسهاماته في مجال الترجمة

: مشاركة
2019-09-29 16:05:00 الصين اليوم:Source أنسام شاكر خضر:Author

الجائزة الخاصة للكتاب في الصين، هي أعلى جائزة وطنية تمنحها الحكومة الصينية للأجانب الذين لهم مساهمات في تقديم الصين للعالم في المجالات الثقافية والأدبية من خلال تأليف كتب حول تجاربهم الشخصية في هذا البلد، أو آرائهم الواقعية عنه كباحثين مختصين بالصين (صينولوجست)، أو ترجمتهم لمؤلفات صينية وتقديمها للعالم بمختلف اللغات، أو يعملون بمجال الطباعة والنشر، بحيث تساعد إسهاماتهم في تعزيز التبادلات بين الشعب الصيني والشعوب الأخرى. أنشئت هذه الجائزة عام 2005، من قبل الإدارة العامة للطباعة والنشر في الصين، وقد عقدت بنجاح 12 دورة لها حتى الآن، وفاز بها 138 شخصا من 53 بلدا حول العالم.

يترافق منح هذه الجائزة مع الدورة السنوية الـسادسة والعشرين لمعرض بكين الدولي للكتاب، حيث جاء المعرض هذا العام قبيل أكثر من شهر بقليل، على الاحتفال بالذكرى السنوية السبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية في الأول من أكتوبر، وقبل عام 2020 الذي حددته القيادة الصينية، وعلى رأسها الرئيس الصيني شي جين بينغ، كعام يتحقق فيه هدف البلاد للقضاء على الفقر.

وخلال الدورة الثالثة عشرة للجائزة عام 2019، حظي بجائزة الترجمة الإعلامي العراقي الأستاذ عباس جواد كديمي، تقديرا لإسهاماته في عمله كخبير لغوي ومنقح ومترجم، في الصين منذ عام 1998. وفاز بالجائزة هذا العام، إلى جانب الإعلامي عباس كديمي، 11 فائزا آخر، إضافة لثلاثة من فئة الشباب، من العديد من دول العالم.

الإعلامي عباس كديمي يعمل في بكين منذ عام 1998، كمترجم ومحرر ومنقّح لغوي. وساهم في ترجمة العديد من الأعمال الأدبية الصينية، وأبرزها رواية (قصص الممالك الثلاث)، وهي واحدة من أهم وأروع جواهر الأدب الكلاسيكي في الصين.

في التراث الكلاسيكي الصيني، هناك أربع روايات تعتبر لآلئ في خزانة أدب الأمة الصينية، وهي حلم القصور الحمراء، وقصص الممالك الثلاث، وأبطال على شاطئ البحيرة، والحج إلى الغرب.

كانت الصين الجديدة، حتى قبل أربعين عاما، مشغولة تماما بمهمة أكثر إلحاحا، وهي دفع النمو الاقتصادي وتحقيق نهضة البلاد. ومع بدء مسيرة الإصلاح والانفتاح في الصين في نهاية سبعينات القرن العشرين، عام 1978 تحديدا، شهدت الصين، على مدى أربعة عقود، نموا وتطورا جياشا، وتمكنت البلاد من تحقيق أهم أهدافها وهو انتشال نحو 700 مليون مواطن من الفقر خلال الفترة من بدء الإصلاح وحتى الآن، ولديها هدف ذكرناه قبل أسطر قليلة، وهو القضاء على الفقر تماما بحلول العام المقبل 2020.

لقد غطت مسيرة النمو والتطور في الصين كافة مجالات الحياة، ومنها الجانب الثقافي ذو الصلة بهذه المناسبة، أي منح الجائزة الخاصة للكتاب في الصين. حتى عام 2000، كانت هناك دعوات حثيثة لإطلاق العنان للأدب الصيني ليتجه للعالمية، وكان المعنيون بهذا الجانب يقولون (حينئذ في عام 2000) إنهم يدركون أهمية هذه الدعوات لترجمة ونشر الأدب الصيني عالميا، ولكن المهمة العاجلة حينذاك، كانت النهوض بالواقع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد. وخلال أكثر من عقد مضى على سبيل المثال المتعلق بهذا المقال، شهدت مسيرة الترجمة والطباعة والنشر في الصين تطورا حيويا كبيرا، وتعززت التبادلات الثقافية والأدبية والأكاديمية والمنتديات التفاعلية، بشكل غير مسبوق، ومنها العلاقات الثقافية الصينية- العربية.

وبفضل هذه التطورات الهائلة، أتيحت الفرصة لعدد كبير من المهتمين بهذه العلاقات ليقدموا إسهاماتهم، وتعززت مسيرة العلاقات الأكاديمية بين الصين والدول العربية، وهناك مئات الطلاب من كلا الجانبين، يدرسون لغة الجانب الآخر، ويتبادلون الآراء ويتشاركون التجارب النافعة في مجالات الثقافة والأدب والترجمة والطباعة والنشر.

لقد اطلع عباس كديمي على الأدب الصيني عن قرب، بفضل عمله في بكين، وأحب هذا الأدب كثيرا. إن روائع الأدب في الصين لا تختلف كثيرا عن روائع الأدب العالمي. والقارئ العربي الشغوف بالأدب الإنساني العالمي، ينبغي أن يطلع أيضا على هذه الكنوز الرائعة للأدب الصيني. وهذا هو الهدف الأساسي الذي حفز الدوائر المعنية في الصين، على شحذ الهمم وبذل أقصى الجهود، لنقل المزيد من الأدب الصيني إلى القارئ العربي، ونقل المزيد من الأدب العربي إلى القارئ الصيني. التبادل الثقافي شيء لا غنى عنه لتحقيق المزيد من التعارف والتفاهم والمودة والتقارب بين الشعوب.

الصين تدرك جيدا أهمية التبادلات الثقافية. في عام 2013، اقترحت الصين، على لسان الرئيس شي جين بينغ، مبادرة "الحزام والطريق" (أي الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين). ورغم كونها تنموية بالأساس، فإنها تشمل الجانب الثقافي بصورة معمقة، ويمكن القول إن هذا الجانب في الصميم منها أيضا. لا يمكن تحقيق الهدف الأساسي للمبادرة وهو دفع التنمية من خلال تعزيز التواصل والترابط في البنى التحتية والمشروعات والسياسات ودفع التنمية للجميع، إلا من خلال تعزيز التقارب والتفاهم بين الشعوب. وتعميم التجارب الثقافية والأدبية من أهم عوامل تحقيق هذا الهدف. ومن هنا، وعلى هذا الأساس، عززت الصين اهتمامها بهذه الجوانب، وزادت من مشاركاتها بالمعارض المعنية مثل معارض الكتاب بالكثير من العواصم، ومنها العواصم العربية، وأخذت الكتب الصينية بمختلف أنواعها تظهر بأجنحة المعارض، وعلى رفوف المكتبات العربية.

التكنولوجيا الحديثة والعالم الرقمي، في غاية الأهمية العصرية، ولكن من المفرح هنا أن نقول إن الكتاب المطبوع مازال موجودا، والمترجم يحظى بالتكريم، والناشر يحقق هدفه، والقارئ يتمتع بالأدب ويثري معارفه.

يبدو واضحا أن جهود الصين ومساعيها لدفع النمو الشامل لتعمّ ثماره على الجميع، لا تقف عند حد. لقد أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ، في تقريره المقدم للمؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني عام 2017، على ضرورة أن تكون نتائج التنمية في خدمة الجميع، وأن لا يتخلف أحد عن الركب. وهذا يذكرنا بحقيقة أن الصين، بتقاليدها الحميدة، لا تنسى أحدا. وهذه الجائزة الوطنية الصينية الخاصة للكتاب المتميز، هي دليل واضح على أن هذا البلد، يردّ الجهد الإيجابي الفعال، سواء بالتأليف أو الترجمة أو النشر، بجميل مثله، أو أحسن منه.

وخلال مسيرة عمله في الصين، أيقن الإعلامي عباس كديمي أن الجهد والعمل يؤتيان ثمارهما بأوجه عديدة، منها المادي المتمثل في الأجور وفق عقد العمل، ومنها أيضا التكريم المعنوي المحفز على تطوير الإمكانية والتقدم والإسهام. في عام 2013 حصل هذا الإعلامي العراقي المجتهد على جائزة الأداء المتميز في العمل، من الدائرة التي كان يعمل فيها في بكين وهي دار النشر باللغات الأجنبية. وفي عام 2014، تكللت جهوده بالتتويج بأعلى جائزة تقديرية تمنحها الصين للخبراء الأجانب العاملين فيها بشتى المجالات، وهي جائزة صداقة الشعب الصيني. وفي عام 2017، فاز بجائزة الإخلاص في الأداء، من وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا). ثم حظي هذا العام 2019، بهذه الجائزة الوطنية التي تمنحها الصين للأجانب ممن يقدمون إسهامات في مجالات التأليف والترجمة والنشر.

يرى الإعلامي عباس كديمي أن علاقته بالصين خاصة جدا؛ فإلى جانب عمله مع زملاء لا يدخرون أي جهد ممكن لمساعدته ليشعر كما لو أنه بين أهله وناسه، يعتقد بقوة أن العلاقة الخاصة مع الصين تتجسد واضحة في حقيقة أنه رأى أولاده الثلاثة ترعرعوا وكبروا ودرسوا وتخرجوا في بكين، وهذه بلا شك من أكثر أماني العائلات أهمية في كل الدنيا.

 وبهذه المناسبة، التقت ((الصين اليوم)) بالإعلامي عباس كديمي، الذي أعرب عن سعادته بهذا التكريم الكبير، قائلا: "خلال عملي لأكثر من عشرين عاما في الصين، عاصرت النهضة التنموية لهذا الشعب الدؤوب، وشهدت بعيني التطورات الاقتصادية والاجتماعية والحياتية التي طرأت على حياة الناس هنا. وأتيحت لي الفرصة لأطلع على الأدب الصيني عن كثب، ووجدت فيه روائع تستحق أن يطلع عليها القارئ العربي الشغوف بالأدب العالمي. الشعبان العربي والصيني يتمتعان بعلاقات تقليدية طيبة لم تشبها شائبة على مدى مئات السنين. ويمكنهما العمل معا على مشتركات كثيرة، لتحقيق ما يصبوان إليه."

وعن حالة الترجمة والطباعة والنشر بين الجانبين، قال إن الأدب الصيني ونظيره العربي، كانا قليلين في مكتبات الجانبين. وبفضل جهود المعنيين، تغيرت الحالة للأفضل مؤخرا، مع تزايد التبادلات الصينية- العربية في كافة المجالات، ومنها الترجمة والطباعة والنشر والتبادلات الأكاديمية، وخاصة دراسة اللغة على الجانبين. ويرى أن كل مهتم بعلاقات الجانبين، يدرك تماما أهمية تعزيز العلاقات الشعبية بين الجانبين العربي والصيني، من خلال تقديم ما يمكن تقديمه من ترجمات أدبية وثقافية وتعريفية لتوطيد التبادلات الثقافية بين الجانبين.

لقد تطورت الصين وتغيرت بصورة كبيرة جدا. والعالم العربي يشهد طموحا متزايدا لدفع التنمية وبناء القدرات بمختلف المجالات. ومع تعزز قوة الصين الشاملة، ظهرت دعوات جادة لتحقيق تقدم ملموس بكافة مجالات العلاقات الصينية- العربية. وكان تطور العلاقات في مجالات الثقافة والأدب وأوجه التعاون الأخرى، مثمرا فعلا، وبدأت الترجمة في الجانبين تتزايد سنة بعد أخرى وعناوين الكتب تظهر تباعا على الجانبين. وهذه إشارات مشجعة فعلا.

وحول الجائزة في هذا التوقيت بالذات، قال الإعلامي العراقي: "إنها تكريم مشرف ويبعث على الفخر، وفي الوقت نفسه، هي تعزيز للشعور بالمسؤولية، لنتشارك معا، من أجل دفع العلاقات الصينية- العربية قدما للأمام بخطوات أوسع وأقوى وأكثر ثمارا في كافة المجالات. وهذا التكريم هو اعتراف واضح وتحفيز قوي لكل خطوة في اتجاه نشر الثقافة والمعرفة والحكمة، بما يخدم تقريب المسافات بين الناس."

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4