كلنا شرق < الرئيسية

رابطة المصير المشترك بين مصر وأفريقيا والصين

الأبعاد التاريخية والتحديات واستشراف المستقبل

: مشاركة
2019-07-01 14:27:00 الصين اليوم:Source د. محمد نعمان جلال:Author

يواجه العالم بأسره ما يمكن أن يطلق عليه التحديات المشتركة ورابطة المصير المشترك في القرن الحادي والعشرين. ومصر والصين وأفريقيا جزء لا يتجزأ من العالم، بل شركاء في التحديات وفي الاستفادة من الإنجازات والاستمتاع بثمرات إبداعات وابتكارات مختلف الدول، إذ أن وحدة البشرية هي المحرك الرئيسي لمفهوم رابطة المصير المشترك.

أولا: تحديات رابطة المصير المشترك بين الصين وأفريقيا في إطار رابطة المصير المشترك للبشرية

التحدي الأول: تحدي التنمية. فأفريقيا مازالت منطقة متخلفة في معدلات التنمية الاقتصادية بل ومعدلات التنمية البشرية والتنمية السياسية. والصين تتشارك مع أفريقيا في مثل هذه التحديات وبخاصة تحديات التنمية البشرية والتنمية السياسية، وهي تتفوق على أفريقيا في مقدرتها على مواجهة تحديات التنمية الاقتصادية رغم أنها تواجه جوانب من التحديات والمعوقات والعقبات التي تؤثر على التنمية الاقتصادية، ومن ذلك القرصنة التي تواجه التجارة الدولية في مضيق ملقا أو في مضيق باب المندب والقرن الأفريقي أو التهديدات التي تواجه التجارة الدولية في مضيق هرمز نتيجة التوتر المرتبط بالمنطقة.

التحدي الثاني: تحدي الإرهاب. فالجماعات الإرهابية تمثل أخطرالتحديات في القارة الأفريقية أمثال جماعة بوكوحرام في نيجيريا والجماعات الإرهابية العديدة في ليبيا والتي تمولها دول وقوى سياسية إقليمية ودولية، وكذلك الإرهاب في جنوبي ليبيا وفي بعض مناطق تشاد وفي الجزائر، وهي جماعات تدعي الانتساب للإسلام الذي هو بريء من تلك الجماعات الإرهابية لأن الإسلام يرفض الإرهاب وقتل النفس البشرية ويجعل لها حرمة مشددة.

التحدي الثالث: تحدي العولمة. لا شك أن العولمة تمثل تحديا ذا شقين، منها ما هو إيجابي ومنها ما هو سلبي في معظم الأحيان. فانطلاق ظاهرة العولمة من الدول المتقدمة للدول النامية جعل تلك الدول تواجه ثلاثة مظاهر سلبية من تحديات العولمة؛ أولها، الدعوة للتبشير الديني في الدول الأخرى ونشاط الجماعات التبشيرية، وما تقدمه خاصة للفقراء في بعض البلدان النامية كحوافز للتبشير. ثانيها، تأثير العولمة على ثقافة وحضارة الشعوب النامية في أفريقيا بأخطر مظاهره، وهو تشكيك المجتمعات في تراثها وثقافتها وعدم اهتمام بعض النخب المثقفة بدراسة تراثها وثقافتها وبلورة نموذجها التنموي المستقل بدلا من نقل تجارب الخارج بدون تفكير وبدون تطوير، لكي يتلاءم مع البيئة القائمة. وأحيانا تتحول النخبة الجديدة وتصبح أهم وأخطر الدعاة ضد شعوبها مما يؤدي لحدوث انفصال في المجتمع بين النخب المتعلمة الحديثة وعامة الشعب بما في ذلك النخب المتعلمة التقليدية. في الصين، ورغم أنها دولة ذات حضارة عريقة، يمثل نقل سلوكيات الدول المتقدمة وعاداتها في الطعام واللباس تحديات. هذا فضلا عن أن تحدي العولة الاقتصادية يزيد الدول النامية تخلفا بالقضاء على صناعاتها التقليدية والمرتبطة عادة بالتراث الوطني والإقليمي في الدول الأفريقية. بالطبع مثل هذا التحدي محدود الأثر في الصين نظرا لارتفاع معدلات النمو فيها مقارنة بالدول الأفريقية بل باقتصادات دول متقدمة. ثالثها، التحدي العولمي النابع من مسعى بعض الدول المتقدمة للسيطرة على البحار والمحيطات والافتئات على المياه الإقليمية للدول النامية التي لا تستطيع أن تقاومها أو تمنعها من السيطرة على مياهها الإقليمية تحت دعاوى القانون الدولي، وخاصة قانون البحار.

التحدي الرابع: التغيرات المناخية. فهي التي تؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة في بعض الدول والأقاليم نتيجة اضطراب الأحوال المناخية، مما يؤثرعلى الزراعة ومن ثم على الصناعة والتجارة والسياحة. بل إن بعض الدول الجزرية الصغيرة تتعرض لتآكل مناطق منها نتيجة ارتفاع منسوب المياه في المحيطات المطلة عليها مما يؤدي إلى غرق أجزاء من تلك الدول المعرضة لهذه الظاهرة.

التحدي الخامس: التحدي السكاني. وهو يتمثل في الانفجار السكاني في أفريقيا وبعض الدول الآسيوية. وقد نجحت الصين في مواجهة هذا التحدي بفضل سياسة الطفل الواحد ثم تبني سياسة أكثر مرونة وهي سياسة الطفلين. والتحدي السكاني يتجلى في عدة مظاهر خطيرة ومنها: الهجرة السكانية من أفريقيا وخاصة من جنوب الصحراء، واستخدام الساحل الشمالي الأفريقي في الهجرة إلى أوروبا. وهناك تأثير لهذا التحدي السكاني على مستويات المعيشة ونسبة البطالة واحتياجات التعليم والرعاية الصحية.

ثانيا: خلفية رابطة المصير المشترك بين مصر والصين وأفريقيا

لعبت مصر عبر العصور دورا هاما في رابطة المصير المشترك الصيني- الأفريقي،  ونشير هنا إلى أهم معالمه في العصر الحديث في النقاط التالية: الأولى: الدور المصري في حركات التحرير الأفريقية واستقلال الدول الأفريقية التي عانت من الاحتلال. نشأ هذا الدور مع نشأة عصبة الأمم، ولكنه تبلور بصورة أكثر وضوحا مع نشأة الأمم المتحدة وقبلها جامعة الدول العربية. كان دور مصر في نشأة الجامعة العربية رئيسيا، بينما كان بارزا في نشأة الأمم المتحدة. الثانية: كان أول شهداء الدبلوماسية المصرية الدبلوماسي كمال الدين صلاح، حيث كانت مصر من المعارضين للضغوط الدولية على إرتيريا للانضمام إلى إثيوبيا في ظل الإمبراطور هيلا سلاسي بضغط من إيطاليا التي احتلت أثيوبيا وإرتيريا والصومال فضلا عن احتلالها لليبيا. وأدت هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية إلى تحرير إثيوبيا وإرتيريا ولكن كانت هناك ضغوط دولية لضم إرتيريا لإثيوبيا. وقد أنشأت الأمم المتحدة مجلسا استشاريا للصومال كانت مصر عضوا فيه، حيث وقع على عاتقها عبء الدفاع عن مصالح الشعب الصومالي وكان ممثل مصر في المجلس الاستشاري هو الدبلوماسي المشهور كمال الدين صلاح الذي وقفت وراء اغتياله قوى استعمارية. الثالثة: مشاركة مصر في مؤتمر باندونغ في إبريل عام 1955، بل كانت مصر من الدول الداعية الرئيسية التي لعبت دورا في عقد المؤتمر. وعقد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أول لقاء صيني- مصري مع رئيس مجلس الدولة الصيني آنذاك شو أن لاي. ومن خلال ذلك اللقاء تطورت العلاقات الصينية- المصرية وامتدت إلى العلاقات الصينية- الأفريقية وقام شو أن لاي بزيارة مصر في بداية الستينات من القرن العشرين. وهكذا توطدت العلاقات الصينية- المصرية- الأفريقية، إيمانا برابطة المصير المشترك والتعاون والتضامن الصيني- الأفريقي. وهنا تجدر الإشارة إلى أربعة أمور؛ وقوف الصين مع مصر في شراء السلاح من تشيكوسلوفاكيا، ووقوفها مع مصر لمواجهة العدوان الثلاثي. اعتراف مصر بجمهورية الصين الشعبية رسميا وإقامة علاقات دبلوماسية معها في 30 مايو 1956، فأصبحت مصر أول دولة عربية وأفريقية تعترف بالصين الجديدة رغم كل الضغوط الدولية عليها. دعم الصين للدول الأفريقية التي تحررت. وقوف مصر والدول الأفريقية التي تحررت مع جمهورية الصين الشعبية لاستعادة مقعدها الشرعي في الأمم المتحدة. الرابعة: منتدى التعاون الصيني-الأفريقي. مع نهضة الصين بعد تولي الزعيم الراحل دنغ شياو بينغ قيادتها وتحولها إلى قوة اقتصادية كبرى، طرحت الصين مفهوم "منتدى التعاون الصيني- الأفريقي"، ولعب سفراء الدول الأفريقية لدى الصين، ومن بينهم سفير مصر آنذاك (كاتب هذه السطور)، دورا هاما مع نائب وزير الخارجية الصيني السابق جي بي دينغ ومديري الإدارات الصينية المعنية بالعلاقات مع أفريقيا في بلورة  مفهوم المنتدى الذي طرحه لأول مرة في منتصف عام 2000  وزير خارجية الصين الأسبق تانغ جيا شيوان في منزل سفير مصر آنذاك، الذي كان وجه دعوة للوزير للقاء مع السفراء الأفارقة فاستجاب الوزير وحضر مع نخبة  من كبار المسؤولين في وزارة الخارجية الصينية وطرح فكرة المنتدى على مائدة الغداء، ثم تولى نائب وزير الخارجية جي بي دينغ وضع أسس المنتدى وآليات عمله. وعقد أول مؤتمر للمنتدى في بكين في أكتوبر عام 2000، وشارك فيه عدد من قادة الدول الأفريقية والوزراء وكذلك قادة الصين. الخامسة: مبادرة "الحزام والطريق". هذه المبادرة التي طرحها الرئيس شي جين بينغ عام 2013، مبادرة ذات أبعاد إستراتيجية متعددة، منها ما هو اقتصادي وما هو سياسي وما هو ثقافي وماهو إستراتيجي. ولعب الخبراء الأفارقة دورا بارزا في دعم المبادرة. واستمر التأييد الأفريقي الرسمي، وخاصة المصري، في دعم المبادرة بعد إعلانها، انطلاقا من الإيمان برابطة المصير المشترك بين الطرفين. وقد تكثفت زيارات القادة الصينيين لأفريقيا وزادت معونات الصين لدعم اقتصاد الدول الأفريقية خاصة جنوب الصحراء وتطوير مواردها الأساسية، وهو ما أثار حفيظة القوى الاستعمارية القديمة والجديدة التي اتهمت الصين بالسعي لاستعمار أفريقيا، وهو المفهوم الذي رفضته الدول الأفريقية وفي مقدمتها مصر وخبراؤها الذين نشروا العديد من الدراسات لإظهار أن التعاون الصيني- الأفريقي يعبر عن  المصلحة  المشتركة للطرفين، وليس استعمارا أو احتلالا. السادسة: مع تغير النظام السياسي في مصرعام 2011 ثم في عام 2013، زاد دعم مصر للصين ودعم الصين لمصر، بل شاركت قوات مصرية في الاحتفال الذي أقيم في بكين بمناسبة الذكرى السبعين للانتصار في الحرب العالمية الثانية في عام 2015.

ثالثا: استشراف المستقبل للعلاقات الصينية- الأفريقية تجاه مفهوم رابطة المصير المشترك

لا شك أن النظر للمستقبل هو الطريق الصحيح لمسيرة الإنسان وهو غاية من الغايات الأساسية لمسيرة البشرية المشتركة، وهدف من أهداف التطور السياسي للبشرية جمعاء. ومن هنا، كان المصطلح الأساسي للفكر السياسي والاقتصادي والثقافي والعلمي المعاصر هو رابطة المصير المشترك. ولتحقيق هذا الهدف نطرح الأفكار التالية:

(1)  ضرورة الاهتمام بالتطور الإعلامي المعاصر وآثاره البعيدة المدى، وخاصة الإعلام الرقمي والثقافة الرقمية والإعلام الاجتماعي والإعلام السيبراني، إذ أن هذه الرقمية أصبحت تؤثرعلى علاقات الدول والشعوب ببعضها البعض وعلى مسيرتها التنموية وعلاقاتها المستقبلية، خاصة ما يعرف في هذه المرحلة باسم حروب الجيل الرابع وفي مقدمتها حروب المعلومات والأمن السيبراني الذي أصبح محور مفهوم الأمن الوطني والإقليمي والدولي، ليس فقط في الدول الغربية المتقدمة وإنما أيضا في بعض الدول النامية الرئيسية.

(2)  مفهوم الحوار في المجالات العديدة، ومنها الحوار السياسي والحوار الاقتصادي والحوار الثقافي والحوار بين أصحاب الديانات والعقائد العديدة. ومن حسن الحظ أن المفاهيم الرئيسية في الفكر السياسي العالمي سواء في الصين أو العالم العربي أو أفريقيا بحضاراتها المختلفة أو في العالم الغربي، تكاد تكون متشابهة. ومن السابقين في هذه الأطروحات الفكرية الفيلسوف المعلم كونفوشيوس وقبله أخناتون في الحضارة الفرعونية. وقد أعاد الرئيس الصيني السابق هو جين تاو مفهوم التناغم ليس على المستوى الوطني فحسب، وإنما أيضا على المستوى الدولي. كما اهتم بهذا المفهوم الرئيس الصيني الحالي شي جين بينغ. ويتناغم هذا الفكر والدعوة للسلام والتعاون مع فكر ودعوات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي يدافع بقوة عن حقوق الضعفاء من المواطنين وعن مصالح الدول الفقيرة وعن التعاون والسلام على المستوى العالمي، ويتجلى ذلك في كلماته في محافل عديدة.

(3)  أهمية إعطاء الاهتمام المناسب والصحيح لدور الثقافة والدين في التنمية الوطنية، وأهمية الفصل بين الدين والسياسة فلكل منهما مجاله في تاريخ البشرية وفي نشر القيم الصحيحة والمبادئ السليمة. ومن الضروري تجنب الاتجاهات المنحرفة والأفكار الشاذة التي تدعو لها بعض الحركات المتطرفة.

(4)  أهمية التعاون لمحاربة الإرهاب واعتبار الإرهابي مجرما بغض النظر عن دينه أو عقيدته او حضارته أو عرقه. وتجنب تشويه العقائد والأديان والحضارات نتيجة بعض أفعال هؤلاء المجرمين والخارجين عن القانون الإنساني والقواعد التي أقرتها جميع الشعوب والحضارات.

(5)  ضرورة نشر وتطبيق مفهوم حقوق الإنسان بالمعنى الصحيح، وحق تقرير المصير لكافة الشعوب. وعدم الانسياق وراء الأفكار الشاذة والآراء المنحرفة لبعض الجماعات السياسية أو الطوائف الدينية أو السياسية المتطرفة في بعض الدول أو بعض الحضارات.

وختاما، فإن الدول الأفريقية والصين عليها مسؤولية أدبية وسياسية، ولا ينبغي أن تترك الساحة لكي يسيطر عليها بعض السياسيين في الشرق أو الغرب أو في هذه الحضارة أو تلك، والادعاء بأن هذه الدولة أو تلك هي وحدها حاملة مشعل الحرية أو راية حقوق الإنسان بتفسيراتها غير الصحيحة وأساليبها غير السليمة ومعلوماتها غير الدقيقة، والتي لا تستقيها من المصادر الصحيحة وإنما من فئات وجماعات لا تعتمد المبادئ والقيم الموحدة التي بلورتها الإنسانية عبر مسيرتها الطويلة.

وأخيرا نقول إنه من حسن الحظ أن تم اختيار جمهورية مصر العربية رئيسا للاتحاد الأفريقي في دورته الحالية، ويتولى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هذه الرئاسة وهو يتمتع بديناميكية منقطعة النظير وبإخلاص ودأب في العمل والإنجاز.

--

د. محمد نعمان جلال، سفير مصر الأسبق لدى الصين.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4