كلنا شرق < الرئيسية

جولة إعلامية في ربوع الصين

: مشاركة
2018-12-28 17:20:00 الصين اليوم:Source كريم شكري:Author

شهدت العلاقات المصرية- الصينية تطورا غير مسبوق خلال السنوات القليلة الماضية، على كافة الأصعدة وفي جميع المجالات. وقد ساعد وجود عدد كبير من المصالح المشتركة والمواقف الدولية على تقوية وترسيخ تلك العلاقات، والتي طورها وحافظ عليها قادة ومسؤولو البلدين، كما انتهجت الدولتان سياسات متوافقة من حيث السعي والعمل من أجل السلام في كافة أرجاء العالم، والدعوة إلى ديمقراطية العلاقات الدولية وإقامة نظام دولي سياسي واقتصادي منصف وعادل قائم على احترام خصوصية كل دولة، فضلا عن تفهم كل طرف للقضايا الجوهرية للطرف الآخر. وعلى مدار العقود الستة الماضية ونيف، منذ عام 1956، أثبتت العلاقات المصرية- الصينية قدرتها على مواكبة التحولات الدولية والإقليمية والداخلية.

ومن اللافت أن العلاقات بين الدولتين تشهد حاليا دفعة قوية إلى الأمام وتطورا هائلا، خاصة مع بدء الولاية الأولى للرئيس عبد الفتاح السيسي رئيسا لمصر في عام 2014، حيث قام بزيارة للصين في نفس العام والتقى بالرئيس الصيني شي جين بينغ، وأعلن الرئيسان خلال تلك الزيارة الارتقاء بالعلاقات الثنائية بين البلدين إلى شراكة إستراتيجية شاملة. وتعاقبت بعد ذلك اللقاءات بين الرئيسين حيث عقدت ست قمم بينهما، كان آخرها في سبتمبر 2018 أثناء استضافة الصين قمة منتدى التعاون الأفريقي- الصيني.

ومن أجل توطيد وترسيخ العلاقات الإعلامية بين البلدين، تلقيت دعوة رسمية لزيارة جمهورية الصين الشعبية ضمن وفد إعلامي مصري خلال الفترة من 9 إلى 17 نوفمبر 2018. وفي الحقيقة فإنني لم أتردد في قبول الدعوة، وآثرت أن أسافر في أول زيارة لي لجمهورية الصين الشعبية، فالدعوة إلى زيارة هذا البلد دعوة لا ترد وفكرة لا تقاوم، خاصة أنها البلد الذي قال نابليون عن نهضته: "حين تستيقظ الصين يتزلزل العالم". الصين دولة تجمع بين التاريخ ممثلا في سور الصين العظيم والمدينة المحرمة، والحضارة ممثلة في ناطحات سحاب وبنايات ضخمة ومطارات وقناطر ومترو أنفاق، كما أنها تشهد عصر الانفتاح على العالم والمنافسة الاقتصادية بأحدث المنتجات في كافة المجالات.

وقد لمست أثناء اللقاءات التي تمت بين الوفد الإعلامي المصري وبين مسؤولي الإعلام الصينيين وبالأخص جيانغ جيان قوه، نائب رئيس دائرة الإعلام باللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، أن هناك رغبة أكيدة  في تطوير العلاقات مع مصر في كافة المجالات، خاصة في المجال الاقتصادي من خلال إحياء طريق الحرير الذي سوف تكون فيه قناة السويس معبرا هاما، كما أن هناك تعاونا هاما بشأن مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات.

وعلى الرغم من أن الصين، التي تبلغ مساحتها 6ر9 ملايين كيلومترات مربعة ويسكنها حوالي مليار وأربعمائة مليون نسمة، بها 55 قومية تختلف في اللغة والعادات والتقاليد، شعرت من خلال جولاتنا أثناء الزيارة في عدد من مقاطعات ومدن الصين أن الشعب الصيني يتسم بالتنوع كما أنه في ذات الوقت متحد ومتجانس، ويسعى إلى العمل والارتقاء. وقد لفت انتباهي وإعجابي أن هناك العديد من الأسر الصينية متعددة القوميات، خاصة في منطقة شينجيانغ التي تقع في شمال غربي الصين، تعيش في تآلف ومحبة وتحظى باهتمام ورعاية من الحكومة الصينية، حيث تسعى الحكومة هناك إلى تنمية المناطق التى بها أقليات وتوصيل البنى التحتية إليها وتشجيع السكان على المساهمة في النهضة التي تشهدها الصين حاليا.

وحول الحرية الدينية في الصين، لمست أثناء زيارتنا إلى مدينة أورومتشي حاضرة شينجيانغ والتي يسكنها غالبية من المسلمين من قومية الويغور، أن هناك العديد من المساجد المشيدة، كما يوجد أيضا معاهد لتعليم الدين الإسلامي واللغة العربية وتحفيظ القرآن الكريم. الإ أن بعض الأقلام المغرضة في الإعلام الغربي والأمريكي تحاول أن تشوه الصورة الحقيقية التي ينعم بها مسلمو الصين، وتسعى إلى تشجيع الدعوات الانفصالية وتأييد العمليات الإرهابية التي تقع فيها. ولكن الشعب الصيني في هذه المنطقة شعب واع ويقف صفا واحدا مع الحكومة المركزية الصينية ضد تلك الدعوات، ويؤكد أنه مهما حاول الإعلام الغربي تشويه الحقائق لن يستطيع أن يزعزع الاستقرار والأمن في تلك المنطقة. 

أما عن رحلتنا إلى العاصمة الصينية بكين، وهي العاصمة السياسية وفيها البنايات الحكومية والوزارات وبها أبراج وناطحات سحاب وطرق واسعة، كما أنها مقصد سياحي. شاهدنا إحدى عجائب الدنيا السبع وهو سور الصين العظيم، الذي يمتد حوالي 8800 كيلومتر ويبلغ ارتفاعه 6ر7 أمتار، فيما يبلغ ارتفاع أبراج المراقبة عليه اثنى عشر مترا، وهي موزعة على طول السور بمسافة 150 مترا بين كل برجين. يعود تاريخ بناء السور العظيم إلى عام 221 قبل الميلاد.  كما قمنا بزيارة المدينة المحرمة في بكين وهي عبارة عن قصر تاريخي كان بمثابة منزل الأباطرة وأسرهم وكذلك المركز الاحتفالي والسياسي للحكومة الصينية منذ ما يقرب من 500 سنة. وتقع المدينة المحرمة في وسط بكين وتعتبر من أهم الأماكن السياحية، حيث تضم الآن متحف القصر، وهو مجموعة من الأبنية تمثل الهندسة المعمارية الفخمة الصينية التقليدية.

أخيرا وليس آخرا، يبقى تسجيل هذه المشاهدات أمرا إيجابيا لأن الصين حاليا تقدم نموذجا حيا لأمة استطاعت أن تتجاوز كافة الصعوبات وتضع لنفسها مشروعا تنمويا ضخما حققت من خلاله نهضة صناعية كبرى في غضون أربعين عاما.

وسوف تظل التجربة الصينية في التنمية تثير شغفنا بمعرفة طريق نجاحها، ونقل دولة لم تكن تعتمد إلا على الزراعة وكانت مثقلة بمشكلات ضخمة مثل عدد السكان الكبير، وانتشار الفقر والمجاعات والحروب، لتنتقل من دول الجنوب الفقيرة إلى مقدمة القوى الاقتصادية العالمية. وهي تجربة تهمنا كثيرا، لأنها جديرة بأن تلهم الكثير من البلدان، خصوصا أنها حققت معدلات تنمية غير مسبوقة في العالم، وأصبحت أكبر دائن للولايات المتحدة الأمريكية، وتضع نصب عينيها توسيع تعاونها مع أفريقيا ودول الشرق الأوسط، وفي القلب منها مصر التي تشق هي الأخرى طريقا طموحا للتنمية.

--

  كريم شكري، باحث إعلامي بالهيئة العامة للاستعلامات المصرية.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4