كلنا شرق < الرئيسية

عمان والصين.. شراكة ثابتة ومتجددة

: مشاركة
2018-05-02 14:37:00 الصين اليوم:Source عبد الله السعدي:Author

ترتبط عمان والصين بعلاقات متجذرة وتاريخية تمتد إلى أكثر من ألفي عام. وقد استمر التواصل الحضاري بين البلدين إلى الزمن الحاضر، وصولا إلى تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينهما وافتتاح كل منهما سفارة لها بعاصمة الأخرى في 25 مايو من عام 1978. ومنذ ذلك الحين تشهد العلاقات العمانية- الصينية تطورا ملحوظا في كافة المجالات.

ينظر الشعبان العماني والصيني إلى التعاون التاريخي والحضاري الذي ربط أسلافهما في مسيرة حافلة من التجارة البحرية والتبادل الثقافي على أنه مصدر فخر واعتزاز وإرث ثقافي وإنساني يعتد به، ولذلك يحرص كلا البلدين على تخليد معالم هذه المسيرة. وفي هذا الصدد، تم بناء نصب تذكاري للسفينة "صحار" العمانية التي قامت برحلة إلى الصين في عام 1981 لتحاكي رحلات البحارة العمانيين القدماء لبلاد الصين منذ القرن الثاني الهجري، ووضع النصب التذكاري على نهر اللؤلؤ في الصين. بالمقابل تعمل عمان على بناء نصب تذكاري للرحالة الصيني تشنغ خه الذي وصل إلى عمان عدة مرات ولعب دورا كبيرا ورياديا في دفع تعزيز العلاقات التاريخية بين البلدين.

شكّل هذا التاريخ الغني من التبادلات الودية أرضية قوية لاستمرار وتعزيز العلاقات بين عمان والصين، حتى وصلت إلى مرحلة متقدمة في العمل السياسي والدبلوماسي، وخصوصا بعد تأسيس لجنة التشاور الإستراتيجي بين البلدين.

تتقارب مبادئ العمل السياسي الصيني والعماني في الكثير من الأمور، أهمها السعي لتعزيز السلام وفتح أبواب الصداقة مع الأطراف الأخرى، والإيمان بأن الحلول السلمية هي أفضل الطرق لمعالجة الأزمات أو الخلافات بين الدول. وتشكل هذه المبادئ ثوابت قوية في العلاقات الدولية. الحيادية أيضا كانت ومازالت أحد أوجه التقارب الأخرى بين السياسات العمانية والصينية. لم يشهد تاريخ الصين نزعات لاستعباد الشعوب أو التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، فقد حافظ هذا البلد الكبير بمكانته على كينونته وحرصه الدائم على المساهمة في نشر السلم والأمن الدوليين.

أما في المجال الاقتصادي، فمن المعلوم أن عمان هي أول دولة عربية قامت بتصدير البترول إلى الصين، في وقت كانت فيه الصين بحاجة إلى هذا الخام. وكما يحلو للصينيين دائما أن يصفوا علاقة عمان ببلدهم بأنها علاقة صداقة حقيقية وشراكة موثوقة، حيث استمرت تجارة السلطنة مع الصين بشكل قوي ولم تتزعزع أبدا، وخصوصا فيما يخص الإمدادات البترولية.

نحن نصدر 85% من البترول العماني إلى الصين. ومنذ البداية، حظيت الصين بمعاملة خاصة فيما يخص التجارة النفطية، فقد حافظنا على استقرار الكمية والأسعار، وكذلك نوعية النفط المصدر. وقد ساهم هذا الأمر في خدمة مصلحة البلدين واستمرارية العلاقات النفطية بينهما، التي يرى الأصدقاء الصينيون أنها تتسم بالثبات وعدم التذبذب.

قفز حجم التبادل التجاري بين عمان والصين قفزة كبيرة خلال السنوات العشر الماضية، حيث تجاوز 30 مليار دولار أمريكي ، بعد أن كان حوالي ثلاثة مليارات دولار أمريكي فقط. إلا أنه عاد وشهد انخفاضا في الآونة الأخيرة إلى حوالي 24 مليار دولار أمريكي على أثر انخفاض أسعار البترول، ولكنه في ارتفاع مستمر رغم ذلك.

تعمل عمان والصين الآن ضمن مشروع مشترك، لعله الأضخم بين البلدين، يشمل إنشاء حديقة صناعية صينية في منطقة الدقم الاقتصادية الساحلية. حظيت هذه المنطقة، التي تقع على الشريط الساحلي لبحر العرب المفتوح على المحيط الهندي وتمتاز بمناخ معتدل جميل، على دعم كبير من قبل الحكومة العمانية التي استثمرت فيها أكثر من 20 مليار دولار أمريكي في إنشاء البنى التحتية اللازمة.

دخل الأصدقاء الصينيون بقوة هذه المنطقة، وتم تدشين المشروع قبل عام، والعمل يجري حاليا على قدم وساق من أجل إنجاز هذه الحديقة، بالتوازي مع الإعفاءات والامتيازات الضخمة التي تقدمها الحكومة العمانية لجذب المستثمرين للعمل في العديد من المشروعات السياحية والصناعية وإصلاح السفن الكبرى وصناعة الاستزراع السمكي.

 تمتاز هذه المنطقة، التي تحتوي على مطار وميناء كبير، بمقومات جغرافية واقتصادية كبيرة. كما أنها خارجة عن نطاق التوتر الخليجي المجاور، مما يجعل الاستثمارات فيها آمنة ويعطي دفعا وتشجيعا إضافيا للمستثمرين. ولذلك من المأمول أن تشكل الاستثمارات الصينية القائمة في هذه الحديقة حتى الآن نموذجا هاما وعامل جذب لشركات صينية أخرى.

لا تقتصر العلاقة التجارية والاقتصادية بين عمان والصين على الاستثمارات الصينية في السلطنة، بل تواصل الاستثمارات العمانية في الصين نموها وتطورها، ومن أهمها مصنع للبتروكيماويات واستثمارات في سوق البورصة في الصين ومركز تسوق تجاري تابع للسلطنة، بالإضافة أيضا إلى بعض المشروعات الأخرى، منها شراكة اقتصادية مع شركة "الصين التجارية القابضة الدولية (China Merchants Holdings (International))"، التي يزيد عمرها على 101 سنة، لتطوير ميناء باجامويو ومنطقة اقتصادية خاصة في شرقي تنزانيا.

تتضمن خطة عمل السفارة في المرحلة القادمة، التركيز على الجانب السياحي والتعاون العلمي والتكنولوجي، لفتح فرص وآفاق جديدة للتعاون بين البلدين. تسعى الحكومة العمانية، عبر العديد من المشروعات الصينية القادمة إلى عمان، لجذب المزيد من الزائرين والسياح الصينيين إلى السلطنة، حيث لا يتجاوز عدد المقيمين الصينيين في عمان حاليا أربعة آلاف.

 بدأت عمان أيضا عقد لقاءات مع ممثلين من شركات صينية، أهمها شركة "السور العظيم المحدودة للتكنولوجيا" التي تعد من أكبر الشركات المنافسة للشركات الأمريكية والأوروبية، في سياق العمل على خطة لإنشاء قمر اصطناعي عماني لخدمات الاتصالات.

من أهم نقاط التعاون التي تربط عمان والصين الآن، في رؤية إستراتيجية متقاربة لتحقيق التنمية التي ينشدها البلدان، مبادرة الحزام والطريق التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2013.

عمان جزء لا يتجزأ من هذا الطريق، وخصوصا طريق الحرير البحري. لذلك كان من الطبيعي أن تكون عمان من أوائل الدول التي انضمت إلى المبادرة. وأتذكر جيدا الزيارة التي قام بها الرئيس التنفيذي للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية للسفارة العمانية في بكين، مبديا رغبته بأن تكون سلطنة عمان من الأعضاء المؤسسين لهذا البنك. وبالفعل بذلت سلطنة عمان جهودا كبيرة في هذا المجال ودعمت موقف الصين في هذا الجانب، بل وأثرت على بعض دول الخليج للانضمام لهذا البنك، الذي يدعم بناء البنى التحتية.

 وقد قمنا حقيقة بالاستفادة من هذا البنك في بناء خطوط السكك الحديدية في السلطنة، كمشروع أولي بدعم وإشراف من قبل هذا البنك. هناك أيضا مشاريع قيد الإنشاء مع هذا البنك تخص البنى التحتية، والقصد من ذلك لا شك هو تعزيز الشراكة بين هذا البنك والسلطنة لنتمكن من تحقيق نوع من التكاملية في العمل بين الجانبين.

نستغل هذه الفرصة لنقوم بدعوة الأصدقاء والمستثمرين الصينيين للاستفادة من المزايا الكبيرة الأخرى التي تتمتع بها سلطنة عمان، من حيث الحوافز التي تقدمها للمستثمر، والملكية الكاملة للشقق والفيلات الغير محدودة بفترة زمنية والإقامة الدائمة بعد التملك. أضف إلى ذلك، الأمان الذي تتمتع به عمان والعلاقات الجيدة التي تربطها مع دول الخليج ودول الجوار الآسيوي الأخرى، ما يجعل منها نقطة انطلاق للتعاون بين الصين وهذه الدول، بما فيها إيران، حيث من السهل للصينيين المستثمرين في إيران تحويل المبالغ المالية إلى عمان عبر العديد من البنوك التي تستقبل العملة الإيرانية وتحويلها إلى العملة الصينية بدون عوائق.

تجدر الإشارة هنا إلى الدور الذي تلعبه جمهورية الصين الشعبية، بالتعاون مع عمان، في المساهمة في تخفيف التوتر القائم في الجوار الخليجي للسلطنة، عبر إقناع جميع الأطراف بالجلوس على طاولة الحوار. لا شك أن الصين، لما يجمعها من علاقة كبيرة مع الأطراف المختلفة، تستطيع أن تلعب دورا بناء في هذه القضية، وأن تسهم مساهمة كبيرة في الوصول إلى حل سلمي لها، وهو الحل الأمثل. ليس في صالح أحد أن تطول وتكبر هذه القضية حيث تتشابك فيها مصالح دولية وجيوسياسية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، لذلك يجب تغليب لغة العقل والمنطق. وبالمقابل تعمل سلطنة عمان دائما على رفد الصين بمعلومات كاملة حول هذا الموضوع من أجل الوصول إلى حل سلمي.

يعد الجانب الثقافي ركنا أساسيا من أركان العلاقات العمانية- الصينية الوثيقة، ووسيلة مهمة لتعزيز هذه العلاقات. ويندرج ضمن هذا الجانب، التبادل العلمي والأكاديمي والطلابي الواسع القائم بين الجامعات والمؤسسات العلمية والأكاديمية في السلطنة ونظيراتها الصينية، حيث أن عددا كبيرا ومتزايدا من الطلاب العمانيين يدرسون في الصين في تخصصات علمية متعددة، كالطب البديل والهندسة والتكنولوجيا والترجمة وغيرها الكثير. ولعل من أهم مظاهر التعاون في هذا الجانب، الشراكة القوية التي تجمع بين جامعة السلطان قابوس وجامعة بكين، وإنشاء كرسي السلطان قابوس لتعليم اللغة العربية وآدابها في هذه الجامعة، الذي كان له الفضل في تخريج أفواج كبيرة من الصينيين. كما كان له الفضل كذلك في إصدار مجلدين لقواميس من اللغة الصينية إلى العربية والعكس، اعتبرا نواة للمكتبة الجامعية لكتب اللغة العربية والصينية، إلى جانب العديد من الإصدارات الأخرى.

بالإضافة إلى ذلك، عمان الآن في طريقها إلى استضافة معهد كونفوشيوس في إحدى الجامعات العمانية. وهذا سيكون أيضا رافدا كبيرا للعلاقات الأكاديمية والثقافية بين الدولتين.

وفي هذا السياق، لابد لنا من الإشارة الى الدور الكبير والهام الذي تلعبه جمعية الصداقة العمانية- الصينية وصندوق التبادل الودي العماني- الصيني، في تعزيز التبادلات الشعبية والتواصل الحضاري والتفاعل الشبابي بين البلدين. تم إنشاء هذا الصندوق ودعمه بمبالغ مالية من الحكومة العمانية ليكون رافدا لعمل هذه الجمعية وتغطية مختلف الفعاليات الثقافية من ندوات ومحاضرات وتبادل زيارات بين رجال الفكر والعلم والاقتصاد ونشاطات شبابية، للمساهمة في دفع التواصل والتفاهم المشترك بين البلدين.

أستغل هذه المناسبة لأبارك للصين تدشين مرحلة هامة جدا من تاريخها خلال الأسابيع القليلة الماضية. أولا هذا التدشين يكمن في تواجد فخامة الرئيس شي جين بينغ على رأس السلطة، هذه الشخصية المرموقة والعظيمة التي أعادت للصين هيبتها الدولية، وعملت على إدخال إصلاحات جوهرية على المستوى الداخلي للدولة الصينية. لابد أن تكون هناك شخصية مرموقة تقود الصين في هذه المرحلة الهامة من تاريخ البلاد.

في الحقيقة، التغييرات التي تم إدخالها في سياق مخرجات دورتي المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني والمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، سواء تلك المتعلقة بأعضاء مجلس الدولة أو غيرها من التغييرات، جميعها سوف تسهم في دفع وتعزيز العلاقة بين القادة الصينيين وبين المواطنين وتؤدي إلى تحسين معيشة الشعب. الحكومة الصينية تبذل جهدا كبيرا للارتقاء بمعيشة المواطن الصيني والمجتمع الصيني، وقامت مؤخرا بإعطاء الفرصة لحكام ومقاطعات معينة ليكونوا على رأس السلطة، وهذا بالتالي سيعطي حافزا لبعض المحافظات وبعض الحكام الأخرين في أن يسيروا على نهج هؤلاء ويرتقوا بهذه العلاقة الكبيرة. أنا متفائل جدا بأن لهاتين الدورتين نتائج مثمرة على الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الصين. وأنا أعتقد أن الصين ستدخل مرحلة جديدة من مراحل القوة والمنعة.

--

عبد الله بن صالح بن هلال السعدي، سفير سلطنة عمان لدى جمهورية الصين الشعبية.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4