تشهد العولمة الاقتصادية حاليا تطورا عميقا، ويتقدم التكامل الاقتصادي الإقليمي تقدما سريعا، ويشهد هيكل التجارة والاستثمار العالمي تعديلات عميقة، بينما تتفق مبادرة "الحزام والطريق" مع المتطلبات المشتركة للدول الواقعة على طولهما، وستدفع الدورة الجديدة لانفتاح الصين على الخارج التنمية المشتركة لتلك الدول. وتواصل الحكومة الصينية تعزيز دعمها للمؤسسات المستثمرة في الخارج، وتشجيع الصناعات والقدرة الإنتاجية ذات التفوقات على الانتقال إلى الدول الواقعة على طول "الحزام والطريق" لبناء دفعة من مشروعات الترابط والتواصل، ودعم بناء مناطق التعاون الاقتصادي التجاري في خارج الصين لتوسيع استثمار الصين في قطاع الإنتاج وصناعة الخدمات وغيرهما من المجالات في الدول الواقعة على طول الحزام والطريق، في وقت يجري فيه التعاون في الطاقة والموارد الطبيعية.

الآن، أصبحت المدينة الصناعية الصينية- العمانية الواقعة في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم على ساحل بحر العرب، على بعد حوالي 550 كيلومترا جنوب العاصمة العمانية مسقط، نقطة انطلاقة جديدة للصداقة والتعاون بين البلدين، كما تعتبر مشروعا نموذجيا هاما لبناء منطقة نينغشيا المنفتحة وتنفيذ إستراتيجية "التوجه إلى الخارج". في عام 2016، أدرجت لجنة الصين للتنمية والإصلاح هذه المدينة الصناعية في قائمة العشرين منطقة نموذجية للتعاون الدولي في مجال القدرة الإنتاجية، وحددتها وزارة التجارة الصينية واحدة من 16 منطقة هامة للتعاون الدولي في مجال القدرة الإنتاجية.

طريقة نموذجية لإسراع خطى "التوجه إلى الخارج"

تطوير المناطق الصناعية خبرة صينية ناجحة وهامة لتحقيق النمو الاقتصادي السريع، منذ انتهاج سياسية الإصلاح والانفتاح على الخارج، وميزة هامة لـ"النمط الصيني". منذ عام 2006، ركزت الصين قوتها على دفع بناء مناطق التعاون الاقتصادي والتجاري في الخارج، الأمر الذي حقق منجزات كبيرة، حيث دفع التعاون العميق مع الدول الأخرى في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها، وحظي بترحيب من حكومات وشعوب الدول المختلفة. وقد أصبحت مناطق التعاون الاقتصادي والتجاري، قناة هامة لتصدير نمط التنمية ومفهوم الإدارة والتعاون الصناعي وهيكلة القدرة الإنتاجية للصين.

تتمتع عمان بموقع إستراتيجي هام تتقاطع فيه الأسواق الآسيوية والأفريقية، وهي شريك تعاوني هام لدفع بناء "الحزام والطريق". منذ عام 2014، يتوسع التعاون بين الصين وعمان في شتى المجالات، حيث يشارك الجانب الصيني في بناء الموانئ وتداول البضائع والتجارة وغيرها، إضافة إلى قطاعات النفط والغاز والاتصالات وغيرها من القطاعات التقليدية. إن بناء مدينة صناعية في عمان لا يساعد على تسريع خطى المؤسسات الصينية للتوجه إلى الخارج في الوضع الطبيعي الجديد للتنمية الاقتصادية ودفع التعاون الدولي في القدرة الإنتاجية فحسب، وإنما أيضا يساعد عمان على تطوير صناعة الإنتاج ودفع إستراتيجية تنويع الاقتصاد العماني على نحو شامل، وستفيد ثمار التعاون كلا الجانبين، وذلك يتفق مع مبادرة "الحزام والطريق".

نينغشيا منطقة هامة للتجارة الخارجية على طريق الحرير القديم، كما أنها أكبر منطقة لأبناء قومية هوي في الصين، وترتبط بالدول العربية ولها تبادلات معها، وتتمتع بتفوقات مميزة وظروف ممتازة للتعاون الصيني- العربي في البناء المشترك للحزام والطريق، وتعمل على بناء منطقة رائدة للتعاون الصيني- العربي ومنطقة نموذجية لانفتاح المناطق الداخلية على الخارج ونقطة ارتكاز إستراتيجية للحزام الاقتصادي لطريق الحرير، وتبذل جهودها في البحث عن نقطة دعم للتنمية مع الدول الأخرى، وقد حققت ثمارا وافرة في التعاون والتبادل مع الدول العربية. بعد دورات من المناقشات والتشاورات مع الجانب العماني، قررت حكومة نينغشيا بناء مدينة صناعية في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم بسلطنة عمان في إطار معرض الصين والدول العربية.

جهود مشتركة لخلق "لؤلؤة لامعة على طريق الحرير"

في العاشر من سبتمبر عام 2015، وفي مدينة ينتشوان، وقعت حكومة منطقة نينغشيا الذاتية الحكم لقومية هوي وهيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم بسلطنة عمان، اتفاقية إطارية للتعاون والاستثمار. وفي التاسع والعشرين من سبتمبر نفس العام تأسست في ينتشوان عاصمة نينغشيا شركة وانفانغ الصينية لإدارة الاستثمار. أقامت هذه الشركة فرعا لها في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم بسلطنة عمان، وهو شركة وانفانغ عمان المحدودة للاستثمار في الدقم، في العاشر من إبريل عام 2016. تعتبر شركة وانفانغ عمان المحدودة مؤسسة الاستثمار الرئيسية في مدينة الدقم الصناعية، وهي الطرف المسؤول عن تشغيل وصيانة البنى الأساسية في المدينة الصناعية الصينية- العمانية في الدقم. وفي الثالث والعشرين من مايو عام 2016، وقع معالي يحيى بن سعيد بن عبدالله الجابري رئيس مجلس إدارة هيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، والسيد شا يان جيوي رئيس مجلس إدارة شركة وانفانغ عمان المحدودة، اتفاقية التعاون ومنح حق الانتفاع والتطوير بأراضي المدينة الصينية- العمانية لمدة خمسين عاما لإنشاء المدينة الصناعية الصينية- العمانية بالدقم، وذلك بحضور السيد وانغ يونغ عضو مجلس الدولة الصيني والسيد بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي أمين عام وزارة الخارجية والسيد وانغ خه شان نائب رئيس حكومة منطقة نينغشيا، وعدد من المسؤولين من الصين وعمان. وفقا للاتفاقية، يقام مشروع المدينة الصناعية الصينية- العمانية على مساحة تبلغ 7ر11 كيلومترا مربعا، ويبلغ إجمالي الاستثمارات التي سيتم ضخها فيها 71 مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي 3ر6 يوانات) حتى عام 2022. وفي سبتمبر عام 2016، قام معالي يحيى بن سعيد بن عبدالله الجابري بزيارة منطقة نينغشيا، حيث ناقش وبحث مع مسؤولي منطقة نينغشيا سبل الإسراع ببناء المدينة الصناعية الصينية- العمانية بالدقم، وزار منطقة نينغدونغ الصناعية والعديد من الشركات المشهورة في منطقة نينغشيا. في التاسع من سبتمبر عام 2016، عقد في بكين مؤتمر ترويج المدينة الصناعية الصينية- العمانية بالدقم، وشارك فيه 65 شركة من بكين وتيانجين وهيلونغجيانغ وسيتشوان وغيرها من 16 مقاطعة ومدينة صينية، تعمل في مجالات الهندسة والطاقة والتجارة والعلوم والتكنولوجيا والصحافة وغيرها. وفي السادس من أكتوبر عام 2016، بدأت المرحلة الأولى لبناء مشروع المدينة الصناعية الصينية- العمانية بالدقم. وفي السادس عشر من يناير عام 2017، خصص البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية 265 مليون دولار أمريكي للمساعدة على بناء ميناء الدقم بسلطنة عمان. وفي التاسع عشر من إبريل عام 2017، تم وضع حجر الأساس للمدينة الصناعية الصينية- العمانية بالدقم، ودخلت المدينة الصينية- العمانية مرحلة إقامة المشروعات فعليا، بعد أن أوشكت شركة وانفانغ عمان على الانتهاء من إنشاء البنية الأساسية للمدينة، باستثمار يتجاوز 370 مليون دولار أمريكي. ووقعت شركة وانفانغ عمان المحدودة تسع اتفاقيات مع تسع شركات صينية أخرى، لتنفيذ عدد من المشروعات المتنوعة في المدينة، بما فيها مشروعات لإنتاج الميثانول والسولار وصناعة أنابيب الحفر وإنشاء محطة كهرباء ومشروع مجمع سياحي. وقال السيد وانغ خه شان، في كلمته خلال حفل التوقيع، إن المشروعات العملاقة التي ستنطلق في هذه المدينة الصناعية سيبلغ حجم استثماراتها 2ر3 مليارات دولار أمريكي. وفي الخامس والعشرين من أكتوبر عام 2017، فازت المدينة الصناعية الصينية- العمانية بالدقم بجائزة مجلة ((Dossier)) البريطانية لأكبر مشروع صناعي ذي قوة كامنة. وفي الثامن والعشرين من سبتمبر عام 2017، عقد في بكين مؤتمر ترويج المدينة الصناعية الصينية- العمانية بالدقم مرة أخرى بحضور ممثلي نحو مائة شركة، حيث تم عرض الفرص الاستثمارية المتاحة بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، والحوافز التي تقدمها هيئة الدقم للمستثمرين، ومشروعات البنية الأساسية التي تشهدها المنطقة حاليا واستثمارات القطاع الخاص بالدقم وخاصة الاستثمارات الصينية، والموقع الإستراتيجي الذي تتمتع به وما تمتلكه سلطنة عمان من موارد طبيعية بالإضافة إلى سياستها المميزة والتسهيلات التي تتيحها هيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم التي تعمل على جذب وتشجيع المستثمرين، وفي المؤتمر تم أيضا توقيع دفعة من الاتفاقيات التعاونية. وفي السادس والعشرين من نوفمبر عام 2017، رأس السيد لي تشيون نائب رئيس مقاطعة شاندونغ دفعة صينية لزيارة عمان، حيث ناقش مع رئيس مجلس إدارة هيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم يحيى بن سعيد الجابر سبل زيادة أوجه التعاون والتبادل التجاري وتعزيز الاستثمارات المشتركة، والعلاقات الاقتصادية بين الصين وعمان، واستعرض مجالات التعاون الممكنة بين الجانبين في المدينة الصناعية الصينية- العمانية بالدقم. وفي السادس عشر من إبريل عام 2018، عُقدت مراسم بدء بناء مشروع العمارات الشاملة التجارية والسكنية في المدينة الصناعية الصينية- العمانية بالدقم، مما يرمز إلى أن أعمال هذا المشروع تجري بسلاسة.

يعتبر الأكفاء القوة المحركة الأولى لتنمية الشركات، وحسب خطة المدينة الصناعية الصينية- العمانية بالدقم، سيتم توظيف عشرة آلاف شخص في الشركات العاملة فيها، 10% منهم عمانيون. ويتحمل معهد نينغشيا للتعليم المهني مسؤولية تدريب وتعليم الموظفين العمانيين في نينغشيا. ووفقا لخطة تدريب الطلاب الوافدين العمانيين، سترسل عمان ألف طالب على خمس دفعات إلى المعهد، وحدد المعهد لهم سبعة تخصصات، منها الكمبيوتر والاقتصاد والطاقة والهندسة المعمارية والبتروكياويات. وقد بدأ طلاب الدفعة الأولى من الطلاب العمانيين دراستهم في نينغشيا في مارس 2018، وسيقدم هؤلاء الطلاب العمانيون مساهماتهم في بناء وتنمية المدينة الصناعية الصينية- العمانية بالدقم. وقد تقدمت جامعة الشرقية في عمان بطلب للتعاون مع جامعة صينية في إنشاء معهد كونفوشيوس في عمان.

مدينة صناعية ذات مستقبل واعد

قال السيد شا يان جيوي، إن هذه المدينة الجديدة ستقسم إلى "ثلاث فئات رئيسية"، الفئة الأولى مساحتها حوالي 870 هكتارا، وهي مساحة قابلة للتقسيم وستخصص للصناعات الثقيلة والمناطق ذات الاستخدام المتوسط والخفيف والمختلط. فيما ستقام الفئة الثانية على مساحة نحو عشرة هكتارات، وهي أرض غير قابلة للتقسيم تم تخصيصها لتنفيذ "فندق 5 نجوم"، في حين ستقام الفئة الثالثة على مساحة حوالي 292 هكتارا وسيتم تخصيصها لإقامة مصفاة نفط بسعة 230 ألف برميل يوميا ومجمع للصناعات البتروكيماوية.

وقد دخلت في المدينة الصناعية مجموعة نينغشيا للبناء وشركة يويشون لخدمات حقول البترول بمدينة ينتشوان وشركة نينغشيا لمشروعات البناء وغيرها من المؤسسات. وستشتمل المشروعات المخططة على توليد الكهرباء وتحلية مياه البحر واستخراج النفط والغاز الطبيعي ومشتقات النفط ومواد البناء وإنتاج أجزاء الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء وبناء فندق ذي خمس نجوم والزراعة الحديثة والسياحة والمنتجات البحرية والصناعة الإسلامية والتجارة الإلكترونية ومعالجة المياه المستعملة وإنشاء مستشفى وغيرها.

تعتبر المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم منطقة الأمل لعمان ويعتز بها الشعب العماني. ومن المتوقع أن توسع المدينة الصناعية الصينية- العمانية بالدقم مجال التعاون الثنائي، وأن تصبح منصة جديدة لتحقيق المنفعة المتبادلة والفوز والتنمية المشتركة لرجال الأعمال الصينيين والعمانيين تحت دعم حكومتي البلدين، لتكون جسرا جديدا للتبادلات الودية بين شعبي البلدين، على أساس العلاقات الصينية- العمانية الودية التي تعود إلى عدة قرون مضت، وستساهم في البناء المشترك لـ"الحزام والطريق" وإنشاء رابطة المصير المشترك للبشرية.