كلنا شرق < الرئيسية

دروس وعبر من الصين

: مشاركة
2018-02-05 15:53:00 الصين اليوم:Source د. أحمد خميس:Author
 

  من يزور الصين قد يجد ما يسره، ويسلب خياله، ويكون شاغله الأكبر المقارنة بين مآلات الأوضاع في دولته والصين. ومن يحالفه الحظ، ويكون ضمن مجموعة من الباحثين الشبان من مختلف دول العالم، ستتسع معه المقارنة تلقائياً. حالفني الحظ وزرت الصين ضمن برنامج للباحثين الشباب المهتمين بالشؤون الصينية. زرنا العديد من الأماكن منها بكين ولويانغ وتشنغتشو وتشنغتشو الجديدة بمقاطعة خنان، وغيرها. ماذا وجدنا في الصين؟ سأتحدث في هذه المقالة عن دروس وعبر من خلال زيارتي كباحث إلى الصين، وهي:

أولاً: استقبال حافل: وجدنا استقبالا حافلا بابتسامة وترحيب من المطار، وحتى وصولنا الأماكن التي سنزورها. وجدنا في الجامعة استقبالا ممتازا من الأساتذة والعلماء والطلاب أيضاً. يعلمون جيدا مواعيد القدوم من المطار، ستجدهم ينتظرونك مهما تأخرت بابتسامة وترحيب غير معتاد.

ثانياً: تعاون واستعداد وترحيب بالمزيد من التعاون: قبل السفر وأثنائه وبعد الوصول سواء للمطار أو للأماكن المخطط زيارتها. فأنت تطلب وثِق أن طلباتك ستتحقق في الصين. تجد في المطار من يسألك إن كنت تحتاج إلى مساعدة، حتى وإن لم يكن يعرف الإنجليزية، فسيستخدم هاتفه المحمول وبما يحتويه من برامج ترجمة، فيكتب لك بالصينية ويترجمها للإنجليزية، ويدعوك للكتابة بالإنجليزية ليترجمها إلى الصينية؛ كل ذلك من أجل مساعدتك وبلا مقابل. بل قد يدعوك لتناول بعض المشروبات على نفقته الخاصة، ويغضب إن عرضت عليه تحمل التكلفة.

ثالثاً: تطوع حقيقي وبلا مقابل: وجدت متطوعين ومتطوعات على أعلى مستوى من الثقافة والرقي والتعاون والترحيب، دون كلل أو ملل. وجدت مارك وجون وإيمي وكلير وسالي وبيني وغيرهم كثير. وبالمناسبة هذه الأسماء ليست صينية وإنما أسماء انجليزية يطلقونها على أنفسهم؛ لتسهيل التعاون مع الزائرين المتحدثين باللغة الإنجليزية.

رابعاً: أساتذة ومعلمون في الجامعات بلا تكلف أو تكبر: لم أجد من الأساتذة أو المعلمين إلا التعاون والحرص عليه. لن تشعر بفارق بينك وبينهم، فهم علماء بحق في تخصصهم، الابتسامة لا تغيب عن وجوههم مهما تكبدوا مشقة معك أو من أجلك. اطلب المساعدة، وستنفذ فورا لك.

خامساً: بنية تحتية جبارة: من سيزور الصين سيجد من وصوله إلى المطار بنية تحتية جبارة بحق، داخل المطار تجد ملامحها، وترصدها بعينيك خارج المطار سواء في الشارع أو في الأماكن المخطط لك زيارتها. من كباري وشوارع وأنفاق.

سادساً: نظافة بلا حدود: إن زرت الصين ستبحث عن أي أوراق شجر أو ورق أو مناديل ورقية في الشوارع أو الحدائق أو الجامعات أو الأماكن العامة أو المزارات التي ستزورها فلن تجد. وجدت حرصا شديدا على النظافة في كافة الأماكن، حتى الزراعية منها، وأمام الورش والمحلات والعمارات.

سابعاً:  توافر النقل والمواصلات: سترى في المترو ما يسرك، من نظام ونظافة وتعاون معك، وانضباط في حركة الخطوط رغم تعددها. فضلا عن وجود حواجز في المحطات بين عربات المترو والرصيف، مع وجود أبواب في تلك الحواجز. أما السكك الحديدية ومحطاتها، فذات مظهر حضاري كبير، وتقريبا ذات طابع واحد. إن حالفك الحظ وركبت القطار السريع فسترى خدمة كخدمة الطائرة، وانضباطا في الحركة وتحرك ووصول قبل الموعد المحدد سلفا. وسرعته قرابة 360 كيلو مترا في الساعة، ولن يزعجك صوته أو سرعته مطلقاً. كما لن ترى الرصيف إلا عندما يأتي موعد رحلتك، وعندما تنزل إلى الرصيف، ستجد مكتوبا عليه تحت قدميك أرقام العربات والمقاعد، ليقف الجميع صفا واحد أمام كل باب، دون تزاحم أو تدافع. أما عن المواصلات العامة فهي كثيرة في الشوارع ما بين المكيف وغير المكيف، الخدمة منضبطة بلا تأخير. كما أن مظهرها حضاري. فإن بحثت عن أتوبيسات نقل عام متهالكة فلن تجد أو بها أي شكل من أشكال القمامة فلن تجد، الجميع حريص على الممتلكات العامة، فهي ملك كل مواطن. أما عن التعامل في المطارات الداخلية، فتحدث عن الاستقبال بابتسامة وترحيب شديد بك، وتفاعل معك، واستجابة لطلباتك طوال رحلتك على الطائرة. فضلا عن انضباط الحركة.

ثامناً: المرور بلا زحام: عندما تسير في الشوارع، لا تستغرب وجود حارات للدراجات الهوائية أو النارية وإشارات ضوئية لها أيضا، كما لا تستغرب كمية الكاميرات المعلقة في الشوارع والميادين كافة. كما لا تستغرب إن لم يصادفك رجال المرور، فالانضباط في الشوارع سمة من سمات التحضر في الصين. لن تقف كثيرا في أي إشارة مرور، ما بين أقل من دقيقة ودقيقة، وستتحرك دون انزعاج أو ضيق؛ رغم كثرة السكان الذين تجاوز عددهم المليار وأربعمائة مليون نسمة. كما لا تستغرب إن ركبت حتى سيارة خاصة ووجدت السائق ملتزما بالسرعة المقررة، وإن قدت أنت السيارة فيدعوك للالتزام بالسرعة المقررة. وإن صادفتك- لا قدر الله- حادثة فاعلم أنها ستُزال فورا في دقائق قليلة للغاية، باستخدام الهواتف الذكية والتقاط رقم لوحة السيارة وغير ذلك من المشاهد المفرحة.

تاسعاً: تعلم احترام وتقدير الكبير: في الصين تجد أن الكبير له مقام وتقدير كبيران، وحسن إنصات لحديثه. وإقبال على مساعدة الكبير في السن والمقام أيضاً.

عاشراً: أنت مصري/ عربي فاستقبل ما يسرك: إن عرف الناس أنك مصري، في الجامعة أو الشوارع أو المزارات أو المطاعم أو المتاجر الكبيرة، فستجد ما يسرك، ترحيب وانحناء لك بقدر وطنك. ستجد من يطلب أن يلتقط بعض الصور معك هو وأسرته، وستجد من يستأذنك في قبول هديته لك، فأنت مصري. وستجد من يحدثك عن مصر وحضارتها وقيمتها الإنسانية. ستُسأل عن حال مصر وأهلها، ومستقبل العرب ومصيرهم. فليكن ردك بقدر هذه المسؤولية وحبك لوطنك.

      حادي عشر: الجامعة مجتمع متكامل: الجامعات في الصين بها الكليات وبنايات الإدارة والمطاعم والأسواق والمحلات لكل شيء. ستجد فيها أماكن التنزه والخروج بعد أداء العمل أو حضور المحاضرات. ستجد بوابات غير مغلقة أربعا وعشرين ساعة، فقط تلتقط الكاميرا رقم لوحة سيارتك فيرفع الحاجز وتدخل الجامعة، وإن دخلت على قدميك أو على دراجة كهربائية فلك بوابة أخرى، مفتوحة باستمرار. ستجد لوحات إرشادية من أبواب الجامعة حتى المكان الذي تريد أن تذهب إليه. ستجد جامعات بها قاعات مجهزة على أعلى مستوى، وتقدما تكنولوجيا ومستوى نظافة ممتازا، ومكاتب للأساتذة والمعلمين راقية المستوى. ولن تسمع صوت الطلاب في قاعات المحاضرات أو المكتبات على الإطلاق، كل طالب في حاله، يدرس وفق رؤيته ومع نفسه ولا يزعج أحدا ممن حوله. وانتبه سيكرر الأساتذة والمعلمين والباحثين أسئلتهم لك عن مصر وأحوالها، وعن مستقبلها، فكن حريصا على التعبير عن بلدك بالشكل الذي يليق بها وبك.

ثاني عشر: أكبر مكتبة عامة في الصين. ستجد هذه المكتبة مكتضة بالمواطنين من مختلف الأعمار، ولن تسمع صوت أحد، الجميع يقرأ ويتعلم في صمت، ودون إزعاج الآخرين. فضلا عن التقدم التكنولوجي الكبير والتوسع في استخدامه في المكتبة، من سهولة ويسر الوصول للمعلومات والكتب والطباعة وسرعتها الفائقة، والاهتمام بذوي الإعاقة وتوفير خدمات متقدمة لهم، فضلا عن عمليات ترميم الكتب القديمة والحرص عليها. واقبل ما تحصل عليه من هدايا من المكتبة بابتسامة. وإن كنت مصريا، فسوف يسألونك عن وجود مكتبة مثيلة في مصر، فلتكن إجابتك، لدينا مكتبة الأسكندرية، التي أتمنى أن تستفيد من مكتبة تشنغتشو.

ثالث عشر: تعلم من الاختلاف والتباين بين الزملاء: إن حالفك الحظ وتواجد معك باحثون من دول بينها نزاعات أو خلافات أو قضايا شائكة، فتعلّم كيفية احترام وطنك والدفاع عنه أمام الآخرين. فقد تواجد معي باحث من أذربيجان وآخر من أرمينيا، الأول، متفهم ومرحب ومتعاون وفخور بوطنه جدا، والثاني، لا يجلس على نفس الطاولة أو يتحدث مع الأول، ويفخر بدولته أشد فخر. فيا مصري ويا عربي في الخارج، عش وافخر بوطنك وتحدث عنه بكل خير، مهما وجد اختلاف داخله في الرأي، ففي الخارج لن تحل قضايا وطنك.

رابع عشر: نصيحة قبل سفرك للخارج: أنصحك بأن تقرأ جيدا تاريخ وطنك، وعلاقاته بالدولة التي ستزورها، على كافة المستويات. فقد تجد فاكهة محددة يقال لك إنها من مصر، فلتبادر بالقول إن هذه الفاكهة من وطني مصر مثلا. إن حضارتك تكاد تكون أقدم الحضارات في التاريخ فكن على قدر عظمتها. ستجد الأسئلة من كل صوب وحدب عن مصر الماضي والحاضر والمستقبل.

خامس عشر: فخر بتاريخهم: ستجد الصينيين فخورين بتاريخ وطنهم، يحدثونك عنه بكل فخر وعزة، وحرص عليه، والاتجاه نحو المستقبل الأفضل. فتعلم منهم درسا في حب تاريخ وطنك، وكيف تتحدث عنه.

سادس عشر: تعلم احترام قياداتك وتقديرهم: عندما يأتي الحديث عن أحد القيادات في الصين الحاليين أو السابقين- فتعلم الدرس التالي- لن تسمع إلا الفخر والاعتزاز والتقدير لجهودهم، ولسعيهم في تحقيق الحلم الصيني.

سابع عشر: عدم وجود مظهر ديني في الصين: إن كنت مسلما أو غير مسلم فلن تجد أي مظهر ديني إلا في أماكن العبادة فقط، وأمامها لن تجد أي مظهر ديني. وستجد في أحد المعابد- إن حالفك الحظ وزرته- تجمعا للعديد من المعابد لدول الجوار؛ في مظهر تقارب وود وتقدير لبعضهم البعض. 

ثامن عشر: إحرص على أخذ نقود الدولة التي ستزورها قبل السفر: في الصين للأسف رغم الصورة الذهنية الجيدة التي رسمناها بأنفسنا عنها، ورغم التاريخ الممتد بين مصر والصين وحجم العلاقات الاقتصادية بين الدولتين، ستجد صعوبة شديدة- إن لم تكن استحالة- في تغيير عملتك المحلية للعملة الصينية. وستضطر للتحويل من عملتك المحلية للدولار الأمريكي، ثم تحويل الدولار الأمريكي إلى يوان صيني. فأدعو القيادة الصينية للنظر في هذا الأمر.

تاسع عشر: احرص على تعلم بعض الكلمات الصينية قبل سفرك: لتيسير التعامل في المطارات الداخلية، وإن لم تقابلني أي متاعب في وجود بعض الموظفين ممن يتكلمون الإنجليزية، فإن الكثير منهم لا يعرف الإ الصينية. لذا لا بأس أن تتعلم بعض الكلمات أو الجمل أو حتى كتابتها والاحتفاظ بها لتيسر على نفسك وعلى المتعاملين معك التعامل والتفاهم.

عشرون: تواجد عربي قليل: لا تستغرب إن وجدت نفسك المصري والعربي الوحيد ضمن باحثين شبان من مختلف دول العالم، سيكون سؤالك أين العرب في الصين؟ فممكن أن تجد نفسك في أحد المؤتمرات في بكين أنك الشخص العربي الوحيد في هذا المؤتمر تبحث عن عرب آخرين. حالفني الحظ إذ تواجد معي باحث عماني واعد يعرف الصينية بطلاقة، وعاش في الصين مدة طويلة. فأدعو الباحثين العرب إلى مزيد من الاهتمام بالشأن الصيني. كما أدعو الحكومة الصينية لتوسيع دائرة الاهتمام وتعريف الشباب بالصين.

--

      د. أحمد خميس، كاتب وأكاديمي مصري.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4