ثقافة وفن < الرئيسية

فن نحت اليشم في بكين

: مشاركة
2021-09-24 14:27:00 الصين اليوم:Source دنغ دي:Author

اليشم حجر كريم له مكانة سامية في الصين، حيث يعتبر رمزا للفضيلة والنبل. هناك المثل الصيني القائل: "الرجل ذو المروءة يفضل أن يكون قطعة يشم مكسورة على أن يكون قطعة آجر متكاملة". هذا يعني أن الإنسان النبيل يفضل أن يموت من أجل قضية عادلة على أن يعيش في ذل وهوان.

ولأن الصينيين اعتبروا الأدوات المصنوعة من اليشم تجسيدا لجوهر السماء والأرض، فقد استخدمت كأوعية قرابين للعائلات الإمبراطورية في العصور القديمة. وكان أفراد العائلات الإمبراطورية يلبسون مجوهرات اليشم كرمز لسمو المكانة.

يحب الصينيون اليشم لما يمثله من الفضيلة. إنه حجر صلب ولكنه دافئ، جميل ولكنه مهيب، نبيل وراق. غالبا ما تُستخدم عبارة "متواضع ولطيف مثل اليشم" لوصف المرء اللطيف والرصين. وتعتبر الرموز الصينية المرادفة لليشم اختيارا مفضلا لأسماء الأطفال.

وفقا للاكتشافات الأثرية، بدأ الصينيون في معرفة واستخدام اليشم خلال حضارتي هونغشان وليانغتشو في العصر الحجري الحديث، أي منذ أكثر من عشرة آلاف عام. منذ ذلك الحين، أبدع حرفيو اليشم جيلا تلو الآخر أعمالا فنية رائعة من اليشم الطبيعي، بمهاراتهم البديعة وصنعتهم المعقدة.

من بين جميع أنواع مهارات نحت اليشم المتطورة في الصين، تشتهر حرفة نحت اليشم في بكين على مستوى العالم، بروعتها واستخدام العناصر الإمبراطورية فيها. تحظى القطع الأثرية المصنوعة على أيدي هؤلاء الحرفيين وبأسلوبهم الخاص، بتقدير عال وعلى نطاق واسع في جميع أنحاء العالم. كما أنها محمية من قبل الدولة، وهي من بين "العجائب الثمانية لكنوز بكين الرائعة".

من القصور إلى بيوت العامة

نحت اليشم في بكين حرفة مشهورة في العاصمة الصينية وكانت حرفة خاصة بالبلاط الإمبراطوري، حيث كان اليشم مملوكا في البداية بشكل رئيسي للعائلة الإمبراطورية والنبلاء، ولم يكن متاحا سوى نزر يسير منه لعامة الناس. قطعة اليشم الشهيرة على شكل الملفوف الصيني، وهي رمز للصفاء والنماء، في مجموعة متحف قصر تايبيه في تايوان تعد مثالا نموذجيا لهذه الحرفة.

نشأت هذه الحرفة في فترة أسرة يوان (1271- 1368)، ويقال إن مؤسسها هو تشيوي تشو جي، وهو شخصية مشهورة في تاريخ الطاوية في الصين. في فترة أسرة مينغ (1368- 1644)، تم إنشاء ورشة لليشم في البلاط الإمبراطوري، وجمعت تلك الورشة الحرفيين المهرة من جميع أنحاء البلاد لصنع منتجات راقية للعائلة الإمبراطورية. من تلك النقطة، انطلقت حرفة نحت اليشم. في فترة أسرة تشينغ (1644- 1911)، كان اليشم شائعا بشكل خاص في بكين، وبلغت حرفة وصناعة نحت اليشم ذروتها. بعد سقوط أسرة تشينغ، استمرت حرفة نحت اليشم في الازدهار في المجتمع، ومع ظهور بان بينغ هنغ وليو ده ينغ وخه رونغ ووانغ شو سن وغيرهم من الحرفيين البارزين، دخلت هذه الحرفة الفنية إلى عصر جديد.

بعد تأسيس الصين الجديدة في عام 1949، تطورت صناعة نحت اليشم في بكين وازدهرت بشكل كبير، حيث كرس الآلاف من الحرفيين إبداعاتهم في أعمالهم الفنية الحصرية. شهدت هذه الفترة صنع أربعة كنوز وطنية من اليشم وهي، "عجائب جبل تايشان"، "المبخرة الثمينة"، "منظر الابتهاج العالمي"، و"سلة الزهور". كل هذه الأعمال فخمة وأنيقة ومعترف بها من قبل مجلس الدولة الصيني. في عام 2008، تم إدراج حرفة نحت اليشم على طراز بكين، ضمن الدفعة الثانية لقائمة التراث الثقافي غير المادي على المستوى الوطني في الصين.

من حيث الشكل، تبدو الأعمال الفنية لنحت اليشم على طراز بكين ذات مظهر رسمي، وكثيرا ما تستخدم المنحوتات الدائرية وذات النحت البارز، لعمل أنماط معقدة. الأعمال الفنية لهذا الأسلوب الفني المميز، التي تم جمعها في متحف القصر في بكين، تجسد جميعها الطابع النبيل والأنيق للعاصمة. الحيوانات والطيور المنحوتة من اليشم، على وجه الخصوص، مفعمة بالحيوية وقوية، والأواني تبدو رائعة أيضا. بعضها يشتمل على زخارف، مثل الزهور والجذور الملتوية والأغصان المتشابكة.

من اليشم الطبيعي إلى الأعمال الفنية

يستخدم حرفيو نحت اليشم في بكين مواد رائعة، مثل اليشم الأبيض، واليشب، واليشم الرمادي، ويتبعون أسلوبا حرفيا دقيقا ورائعا لإنتاج مجموعة واسعة من الأواني والحلي.

في أيدي الحرفيين المهرة، تمر قطعة اليشم الخام بعمليات متعددة لتصبح عملا فنيا رائعا، بدءا من اختيار المواد، والتنظيف، والقطع، والتصميم، والنحت وصولا إلى التلميع أو الصقل النهائي. بالإضافة إلى ذلك، الأدوات الجيدة ضرورية أيضا. هناك أدوات مختلفة لتصنيع أحجام مختلفة من اليشم الطبيعي ولصنع منتجات مختلفة. من الأدوات المستخدمة بشكل متكرر رأس نحت الصنفرة.

القاعدة الأولى التي يجب اتباعها في عملية النحت، هي تنفيذ العمل الفني حسب المواد، لأن نسيج اليشم يختلف من قطعة إلى أخرى. العملية برمتها هي "إزالة" الأجزاء غير الضرورية وترك الجوهر، وكل خطوة عمل حاسمة. أثناء العملية، قد يحدث ما لا يتوقعه الحرفي فيحتاج إلى تصحيحات مرنة لمخططته، وفي بعض الأحيان، قد ينحرف المنتج شبه النهائي كثيرا، أو يختلف تماما عن التصميم الأصلي.

التفاني مدى الحياة

تشانغ تيه تشنغ هو وريث الجيل الثالث لحرفة نحت اليشم في بكين. تتميز أعماله بالجمال والدقة والروعة وتضم عناصر إمبراطورية. قال تشانغ: "نحت اليشم عملية متكررة. قطع وتلميع قطعة من اليشم يستهلك الكثير من الطاقة، ولكن الأمر يستحق العناء عند رؤية المنتج النهائي."

لا يزال تشانغ يتذكر بوضوح كل الخطوات في حياته المهنية. في عام 1983، عندما قررت المدرسة الفنية التابعة لمصنع اليشم في بكين قبول دفعة من الطلاب، قرر أن يجرب حظه على الرغم من أنه لم يكن يعرف شيئا عن نحت اليشم في ذلك الوقت. بشكل غير متوقع، تم قبوله. بعد أربع سنوات من التدريب، تخرج والتحق بعمل في مصنع بكين لليشم.

يتذكر تشانغ أنه عند التخرج، اختار 20% فقط من الثلاثين طالبا الذين تخرجوا في مدرسته البقاء في هذه الصناعة، نظرا لصعوبتها. مع الاجتهاد والمثابرة، وجد تشانغ ضالته وطريقه تدريجيا. أتت سنوات العمل الشاق ثمارها وأصبح الآن أستاذا في هذه الحرفة.

في حياته المهنية، كان عام 2008 عاما هاما. في ذلك العام، أقيمت دورة الألعاب الأولمبية في بكين، مما جعل الصين محور اهتمام العالم. كما تم إدخال ثقافة اليشم الصينية إلى العالم من خلال الشعار الأولمبي "ختم الصين" والميداليات الأولمبية المرصعة باليشم. وقد شارك تشانغ في تصميم كليهما.

قال تشانغ: "في الثقافة الصينية، يمثل اليشم النزاهة، بينما يمثل الذهب الثروة. قمنا بمطابقة اليشم الأبيض مع الذهب، واليشم الأخضر الفاتح مع الفضة، واليشم الرمادي مع البرونز لجعل الميداليات مزيجا مثاليا من النزاهة والشرف. وفي الوقت نفسه، فإن مشكلة حاجة اليشم المستخدم في الميداليات لمقاومة الكسر قد حلت بفضل استخدام تقنية خاصة." وأضاف: "وإذا كان الرياضيون يجوبون أنحاء العالم، فإن الثقافة الصينية التي ينقلها اليشم قد انتشرت أيضا إلى حيث تذهب الميداليات."

صنع الميداليات الأولمبية قد جلب إلى تشانغ مزيدا من التقدير من أقرانه. في عام 2010، تمت دعوته لترميم وتجديد زخرفة اليشم الداخلية لحديقة تشيانلونغ في متحف القصر. ولكنه شعر بالحزن أثناء عمله، لأن وضع السوق الحالي لنحت اليشم ليس جيدًا، وإذا لم يفعل الجميع شيئا لحفظ وتطوير هذا الفن، فستختفي هذه المهارة.

بصفته وريثا لنحت اليشم في بكين، قام تشانغ تيه تشنغ بالدمج بين جماليات العصر والعناصر الجمالية في الحرفة التقليدية. ويأمل أن يتعلم المزيد من الشباب مهارة نحت اليشم حتى تستمر هذه الحرفة القديمة في الازدهار لسنوات عديدة قادمة.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4