ثقافة وفن < الرئيسية

بكين مازالت تبدع زهور الحرير

: مشاركة
2019-06-03 13:46:00 الصين اليوم:Source دنغ دي:Author

زهرة الحرير، التي يقال لها أيضا "زهرة بكين"، نوع من الزينة على شكل الزهرة، تصنع من خيوط الحرير أو نسيج الحرير الرقيق. وقد ظهر هذا النوع من الزينة على غطاء رأس المرأة في الصين قبل آلاف السنين. في كثير من الرسوم الصينية القديمة، يمكن رؤية صورة المرأة الصينية مع زهرة الحرير على رأسها.

في شتاء بكين البارد، يصعب أن تجد زهورا طازجة. ولهذا، أبدع الفنانون الحرفيون في المدينة الصينية العريقة زهورا مصنوعة من الحرير. وهكذا، كانت المرأة البكينية تتمتع وتتزين بمختلف أنواع الزهور الجميلة طوال السنة. حاليا، رغم عدم انتشار هذا النوع من أغطية الرأس المزينة بين نسوة الصين، مازال صنع زهور الحرير فنا مشهورا ويلقى إقبالا واسعا.

زهور الحرير في شارع هواشي

نشأ فن صنع زهرة الحرير في شارع هواشي، الذي يقع في جنوبي بكين ويمتد من شارع بايتشياو شرقا حتى شارع تشونغونمن واي غربا بطول كيلومترين. حاليا، ينقسم شارع هواشي إلى جزأين وهما شارع هواشي الشرقي وشارع هواشي الغربي.

الاسم الأصلي لشارع هواشي هو "شنموتشانغ" أي "موقع الخشب الإمبراطوري"، حيث كان منطقة لتخزين المواد الخشبية لبناء المدينة المحرمة للأسرة الإمبراطورية. وفي فترة أسرة تشينغ الإمبراطورية (1644- 1911م)، أصبحت هذه المنطقة سوقا دورية للزهور. كان فيها كثير من الدكاكين والورش التي تصنع وتبيع أنواعا مختلفة من الزهور الاصطناعية في أيام الرابع والرابع عشر والرابع والعشرين من كل شهر. مع ازدياد شهرة صنع وبيع زهور الحرير في هذا الشارع تدريجيا، اعتاد الناس على تسميته بـ"شارع هواشي"، أي "شارع سوق الزهور".

رغم أن كثيرا من الزهور التي تباع في سوق الزهور ليست زهورا حقيقية، قد لا يمكن التمييز بين الحقيقي والاصطناعي منها، بفضل دقة وجمال صنعها. وكلما فتحت سوق الزهور آنذاك، تملأ الزهور الاصطناعية الشارع مما يجذب كثيرا من التجار والزوار من داخل بكين وخارجها. هكذا، أصبح شارع هواشي مركزا وطنيا لصنع زهور الحرير، حتى شاعت مقولة إن "كل زهور الحرير في الصين تصنع في بكين وكل زهور الحرير في بكين تصنع في شارع هواشي". للأسف، في ثلاثينات القرن الماضي وبسبب احتلال القوات اليابانية لبكين، أفلت سوق الزهور في هواشي، لكن اسم هذا الشارع ظل باقيا حتى الآن. فضلا عن ذلك، هناك أكثر من عشرة شوارع في بكين ترتبط أسماؤها بالزهور.

اشتهرت زهرة الحرير في العالم بفضل شكلها الجميل ودقة صنعها وألوانها الزاهية، حتى حصلت على جائزة في معرض بنما والمحيط الهادئ الدولي عام 1915. أما اليوم فقد تم  تطوير زهرة الحرير إلى أكثر من ألفي نوع، ومنها زهرة حرير الأوبرا، زهرة حرير البونساي. في عام 2007، أدرجت زهرة الحرير في قائمة التراث الثقافي غير المادي على مستوى بكين وفي عام 2018، أدرجت في قائمة التراث الثقافي غير المادي على المستوى الوطني في الصين.

خمسة أجيال من "هواأر جين"

تصنع زهرة الحرير من الحرير الصافي، وكانت نساء الأسرة الإمبراطورية يستخدمنها  كزينة، لذا تسمى بـ"الزهرة الإمبراطورية" أيضا. تحكي رواية ((حلم القصور الحمراء)) الكلاسيكية الصينية المشهورة، أن السيدة شيويه أعطت بعض الزهور الإمبراطورية إلى عدة آنسات من الأسر الأرستقراطية، وهذا يدل على ندرة زهرة الحرير. وصلت موجة استخدام زهرة الحرير إلى ذروتها في فترة أسرة تشينغ، حيث كانت أشكالها وألوانها وأنواعها مختلفة. واستخدمت النساء زهور الحرير المختلفة في مناسبات مختلفة، ولبست النساء من الطبقات الاجتماعية المختلفة، زهور الحرير المختلفة أيضا.

في المدينة المحرمة، كان هناك معمل خاص باسم "هواأر تسوه" لصنع زهرة الحرير. كان الحرفيون يصنعون زهورا من الحرير لها وظائف مختلفة وبأشكال مختلفة. كان الناس ينادون الحرفي بلقب"هواأر" قبل اسم عائلته، تعبيرا عن الاحترام والتقدير له.

كان الحرفي "هواأر جين" (اسمه يشير الى أنه من أبناء أسرة جين) يقيم في شارع هواشي بجنوبي بكين منذ زمان، ويعتمد في معيشته على صنع زهرة الحرير لأم الإمبراطور وزوجته وبناته في المدينة المحرمة. جين تيه لينغ، وارث صنع زهرة الحرير من الجيل الخامس للأسرة. مثل كثير من الحرفيين الممتازين، بفضل تأثير أسرته، عرف زهرة الحرير منذ نعومة أظفاره، ولكن لم يبدأ حياته الفنية في صنع زهرة الحرير إلا بعد دخوله في مصنع زهرة الحرير ببكين في عام 1978.

من أجل رفع قدرته على صنع زهرة الحرير، زار جين تيه لينغ كثيرا من متاجر ومعارض الزهور، وكثيرا ما يعرض زهوره الاصطناعية أمام مزارعي الزهور لتقييم وتقدير منتجاته. بعد سنوات من الجهود الدؤوبة، ارتفعت مهارته في صنع زهرة الحرير. وحصل على جائزة الزهور الذهبية في مجال الفنون والحرف اليدوية بالصين في عام 1982، وكان عمره 26 عاما فقط.

قال جين تيه لينغ: "فضلا عن تأثيرات الأسرة عليّ، فإن الأهم في هذا المجال هوالجهود الدؤوبة. ليس هناك طريق مختصر في الفنون." أضاف أنه سافر إلى قوانغتشو للعمل في الفترة الأولى بعد تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح، ورأى كثيرا من الزهور التي لم يرها من قبل في بكين. فاشترى صندوقين من الزهور الطازجة، وحملهما إلى بكين. قال إن لكل نوع من النباتات خصائص، وكذلك لكل زهرة وورقة خصائص. لا يمكن صنع زهرة حرير جيدة  إلا بالمراقبة الدقيقة للزهرة الطبيعية.

السعي لتكون زهرة الحرير مثل الزهرة الطبيعية

مع تطور العصر، يزداد عدد عشاق الزهور الطازجة. كثير من الناس يحبون وضع الزهور في النوافذ والمكاتب، وعلى أرفف الكتب وطاولات الطعام وغيرها. الآن، يمكن التمتع بالزهور الطبيعية الطازجة طوال السنة. لكن هذا لم يضعف أو يقلل من حب الناس لزهرة الحرير. قال جين تيه لينغ إن هذا الحب يرجع إلى شكلها الجميل وعدم ذبولها.

أشار جين إلى أن عملية صنع زهرة الحرير تتكون من خطوات كثيرة؛ ويتم إكمال كل منها يدويا. الخطوة الأولى هي انتقاء المواد. يجب استخدام المواد المختلفة في صنع زهور الحرير المختلفة. بسبب نعومة خيوط الحرير ورقة نسيج الحرير، لا يمكن تشكيل الزهور منها مباشرة، بل يجب تنشيتها أولا باستخدام عجينة النشا أو الدقيق الأبيض وتجفيفها وكيّها، ثم يمكن الشروع في صنع زهرة الحرير بهذه المواد. وعملية الصنع تشمل قص الشكل المطلوب والصباغة وتحديد زاوية البتلة والصمغ وغيرها من الخطوات المعقدة. يجب على الحرفي أن يصنع بتلات بأشكال وألوان مختلفة حسب أحوال الزهور الاصطناعية المختلفة، وقد تختلف أشكال وأحجام البتلات عن بعضها البعض لزهرة واحدة، ولذلك، تحتاج عملية الصنع لوقت طويل، وقد يستغرق إنجاز عمل فني واحد شهرين أو ثلاثة أشهر. قال جين تيه لينغ بفخر: "يمكنني أن أصنع زهرة الحرير لكل نوع من الزهور الطازجة."

اليوم، مع تقدم التكنولوجيا، بإمكان الآلة إكمال بعض الأعمال. لكن، لا يزال جين تيه لينغ يكمل كل الأعمال يدويا. قال إن زهور الحرير المصنوعة بالآلة جميلة، لكنها تكون على شكل واحد، لا شخصية لها، ولا تتمتع بحياة فنية. يتمسك جين تيه لينغ بالأسلوب اليدوي في صنع زهرة الحرير، لتكون كل من زهوره المصنوعة ذات خصائصها، فهو يعطيها حياة فنية.

باعتباره وارث أسرة "هواأر جين" من الجيل الخامس، يواصل جين تيه لينغ توارث المهارات التاريخية، وفي نفس الوقت يسعى إلى الابتكار والقيام بالتجارب المختلفة، غير مقيد بالمهارات التي خلفتها الأجيال السابقة. فأشار مثلا إلى برعم لزهرة ماغنوليا اصطناعية قائلا إنه صنعها من مواد الفراء الصناعي الجديدة التي تشبه برعم الزهرة الطازجة أكثر. وقال إن السعي إلى صنع زهرة حرير مشابهة للزهرة الطبيعية هو هدف له ولأسرته. وأضاف أن زهرة الحرير ليست جميلة فحسب، وإنما أيضا لها معنى عميق، هو عدم الذبول، الذي يرمز إلى خلود فن صنع زهرة الحرير وفن صنعها في أسرته أيضا.

اليوم، يذهب جين تيه لينغ، البالغ من العمر أكثر من ستين عاما، إلى التجمعات السكنية والمدارس والشركات لإلقاء المحاضرات حول صنع زهرة الحرير، ويرى أنه يبذر حبوب فن صنع زهرة الحرير في قلوب الأشخاص الذين يحبون هذا النوع من الفن.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4