مجتمع < الرئيسية

فان جين شي التي ضربت جذورها في دونهوانغ

: مشاركة
2021-09-13 15:22:00 الصين اليوم:Source آ ون:Author

تقع كهوف موقاو في مدينة دونهوانغ بمقاطعة قانسو شمال غربي الصين، وهي كهوف قديمة يرجع تاريخها إلى ما قبل 1600 سنة، وقد بدأ بناؤها في عهد الملك فو جيان (338- 385) لمملكة تشانتشين (351- 394). وبعد ترميمها وتوسيعها في فترات حكم الأسرات الشمالية وأسرة سوي وأسرة تانغ والأسرات الخمس وأسرة يوان جيلا بعد جيل، تشكلت هذه الكهوف بحجم كبير. يوجد في الكهوف 2415 نحتا ملونا و45 ألف متر مربع من الرسوم الجدارية في 735 كهفا، كلها تمتاز بقيمة فنية عالية للغاية. في عام 1987، تم إدراج كهوف موقاو في قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو).

سحر كهوف موقاو يجذب أجيالا متتابعة من الناس، ومن بينهم فان جين شي، الرئيسة السابقة لمعهد أبحاث دونهوانغ والرئيسة الفخرية للمعهد.

اللقاء الأول مع دونغهوانغ

ولدت فان جين شي في التاسع من يوليو 1938 في بيبينغ (بكين حاليا) وموطن أجدادها هو مدينة هانغتشو بمقاطعة تشجيانغ. تخرج والدها في جامعة تشينغهوا، وكان عاشقا لفنون وثقافات الصين القديمة، وكان يأمل أن تكون ابنته شخصية مثقفة مثله، فأعطاها اسم "فان جين شي" الذي يعني الكفء المتضلع من الثقافة.

تأثرت الفتاة بأبيها، فأحبت زيارة معارض الآثار التاريخية في المتاحف عندما كانت طالبة في المدرسة الثانوية. وبسبب افتتانها بالآثار التاريخية، اختارت دراسة تخصص علم الآثار (الأركيولوجيا) في جامعة بكين.

عنما تحدثت عن لقائها الأول مع دونهوانغ، قالت فان جين شي كلمة واحدة. "الصدفة". ذهبت إلى دونهوانغ لأول مرة في عام 1962 بترتيب من جامعتها، حيث أمضت هي وزملاؤها الثلاثة مرحلة التدريب العملي قبل التخرج في الجامعة في معهد دونهوانغ لبحوث الآثار الثقافية (معهد أبحاث دونهوانغ حاليا). وكشابة مفعمة بالأحلام الرومانسية في ذلك الوقت، تخيلت فان جين شي أن المعهد "مكان رومانسي مبجل". لكن ما رأته في المعهد كان مختلفا تماما عما في مخيلتها، حيث وجدت عاملين مجهدين في ملابس بالية، وتبدو على وجوههم علامات التعب، إذ كانت البلاد في ذلك الوقت تعيش في صعوبات اقتصادية. رغم ذلك، عندما دخلت الكهوف ورأت الرسوم الجدارية الرائعة الملونة، نسيت كل شيء.

كان عام 1962 علامة فارقة لكهوف دونهوانغ أيضا. في ذلك العام، أصدر رئيس مجلس الدولة الصيني آنذاك تعليماته بتخصيص مبلغ ضخم من المال لإطلاق مشروع تثبيت جرف الجزء الجنوبي لكهوف موقاو، وكان من الضروري التنقيب عن الآثار التاريخية وترتيبها من أجل التعاون مع هذا المشروع. ولكن لم يكن هناك علماء آثار محترفون في معهد دونهوانغ للآثار الثقافية في ذلك الوقت، فطلب المعهد المساعدة من جامعة بكين، التي حددت بعض الخريجين لمساعدة المعهد في هذا الأمر، ومن بينهم فان جين شي.

خشي والداها من عدم قدرتها على تحمل الظروف البيئية الصعبة في دونهوانغ، فلم يوافقا على ذهابها إلى هناك، ولكنها تجاهلت اعتراض والديها وقررت العمل في هذا المكان. قبل سفرها قال لها والدها: "طالما أن هذا العمل اختيارك، فاعملي جيدا."  قالت فان جين شي: "جعلني كلام أبي أنضج بالكامل. يجب ألا يندم المرء على اختياره."

قالت فان جين شي بصراحة: "كانت بيئة المعيشة في دونهوانغ حينذاك سيئة للغاية. المسكن المبني من التراب المدكوك كان في السابق إسطبل حيوانات، والأثاث أيضا مصنوع من التراب المدكوك، ولا توجد كهرباء فلا مفر من استخدام الشموع أو المصابيح اليدوية للإضاءة في الليل. في منتصف الليل، كانت أصوات الحشرات والقوارض مسموعة، وكثيرا ما كنت أسمع صرير الجرذان الكبيرة على الحائط، ومنها ما كان يسقط على اللحاف أثناء نومي. لن أكون صادقة إذا قلت إنني لم أتردد ولم تتزعزع ثقتي وإصراري في تلك الظروف. بالمقارنة مع بكين، كانت دونهوانغ عالما آخر مغايرا في ذلك الوقت، مع الرمال الصفراء المقفرة في كل مكان."

لم يكن من السهل أن تتكيف فان جين شي ذات البنية الرقيقة مع تلك البيئة الشاقة، حيث الرمال الصفراء المتناثرة والغبار العالق في الجو الذي يجعل التنفس صعبا. كثير من الناس الذين جاءوا إلى هنا أصيبوا بالربو، مع تراكم الغبار في الرئتين. لكن فان جين شي ثابرت على العمل ولم تتراجع. من الوقاية من أمراض الرسوم الجدارية إلى تثبيت الجروف، ومن المراقبة البيئية إلى التحكم في الرياح والرمال، حققت السيدة فان طموحها الأصلي ورسالتها في جميع مجالات حماية الآثار الثقافية في دونهوانغ.

جهد مستمر وعطاء بدون مقابل

في عام 1966، تزوجت فان جين شي من زميلها الجامعي بنغ جين تشانغ في مدينة ووهان. يعمل السيد بنغ في جامعة ووهان منذ تخرجه في الجامعة. رغم زواجهما، لم يكن ممكنا أن يجتمعا معا في معظم الأوقات، فهما يعملان في مكانين مختلفين. أرادت السيدة فان في البداية، من منطلق إيمانها بـ"بناء الوطن الأم"، أن تعمل في دونهوانغ لمدة ثلاث سنوات من أجل إكمال المهمة ثم غادرتها. ولكن، مع مرور الوقت، نشأت مشاعر عميقة بينها وبين الكهوف، وأرادت إظهار سحر كهوف موقاو بشكل أفضل أمام أعين العالم. رغم أنها كانت تقول لنفسها دائما: "سوف أغادر بعد إكمالي للمشروع"، واصلت عملها ثلاث سنوات وثلاث سنوات أخرى، في دونهوانغ. وكان على الزوجين أن يعيشا منفصلين لفترة طويلة.

في عام 1977، تولت فان جين شي منصب نائبة رئيس المعهد، وأصبحت أكثر انشغالا فأصبح وقت لقاء الزوجين أقل. من أجل حل هذه المشكلة العائلية، في عام 1986، قرر بنغ جين تشانغ الذي كان قد شارف عمره على الخمسين سنة، التخلي عن منصب نائب عميد كلية التاريخ في جامعة ووهان وترك قسم علم الآثار الذي شارك في تأسيسه، وبدأ عمله الجديد في دونهوانغ. وقد شكرته زوجته كثيرا على موقفه وتفهمه ودعمه لها، وقالت: "كان يعلم أنني لا أستطيع الاستغناء عن دونهوانغ، فقدم تنازلا كبيرا من أجل سعادتنا ومصلحة عائلتنا. ولولا تفهمه ودعمه لي، ما كنت في ما أنا عليه اليوم".

في عام 1998، أصبحت السيدة فان رئيسة المعهد. وبعد توليها المنصب بوقت قليل، طرح العديد من الناس مقترحا باستغلال كهوف موقاو تجاريا من أجل دفع الاستهلاك وتعزيز تنمية الاقتصاد في مناطق الصين الغربية. رفضت فان جين شي بحزم ذلك المقترح.  قالت: "إن حماية الآثار التاريخية عمل معقد للغاية. إذا لم يتم التعامل معه بشكل جيد، فهناك خطر كبير، قد يؤدي إلى تدميره. لا توجد كهوف موقاو أخرى في العالم." وأضافت السيدة فان أن حماية هذا التراث مسؤوليتها، وأضافت: "إذا دُمرت كهوف موقاو، سأصبح مذنبة أمام التاريخ وأمام نفسي."

حماية وتطوير الكهوف بالأفكار العلمية والتقنية المبتكرة

بفضل جهود فان جين شي وزملائها، تمكنت كهوف دونهوانغ من إظهار سحرها أمام المزيد من عشاق التراث والسياحة في مختلف أنحاء العالم، ويزداد اهتمام الناس بها مع توسع شهرتها. لكن مشكلة جديدة بدأت في الظهور، وهي كثرة عدد زوار دونهوانغ، الذي وصل إلى مائتي ألف فرد سنويا. قالت فان، ذات مرة، عند القيام بفحص أحد الكهوف، عطست فورا بسبب رائحة العرق ورائحة العطور المنبعثة من الزوار. إن المحافظة على الرسوم الجدارية عملية صعبة، إذ أنها تتآكل مع مرور الوقت، وقد ساهمت رائحة العر ق والعطور الصادرة من الزوار في تفاقم المشكلة. ومقارنة مع الرسوم الجدارية قبل مائة عام، تم تآكل ألوان الرسوم بشكل كبير، هذا الأمر يقلق فان كثيرا يوما بعد يوم. قالت وهي في حيرة وقلق: "إذا منعنا الزوار من زيارة الكهوف، من أجل حماية هذه الجواهر النفيسة للبشرية، فسيعد ذلك تصرفا أنانيا."

بعد الكثير من البحث والمناقشة، بدأ معهد أبحاث دونهوانغ في بناء مركز خدمات للزوار في أوائل عام 2003، من أجل حماية الآثار الثقافية والتخفيف من أثر كثرة الزوار على الرسوم الجدارية والمنحوتات الملونة، ومن خلال مركز الخدمات، يمكن للزوار الحصول على فهم شامل للأسلوب والطابع الإنساني، والخلفية التاريخية، وعملية تكوين كهوف موقاو، وغير ذلك، بواسطة شاشات عرض وجولات افتراضية وعرض الآثار الثقافية قبل دخول الكهوف، ثم يصحب الزوار مرشد متخصص في زيارتهم الحقيقة للكهوف.

قالت فان: "هذا لا يجعل الزوار يعرفون المزيد من المعلومات الثقافية التفصيلية عن الكهوف في فترة زمنية قصيرة فحسب، وإنما أيضا يخفف بشكل كبير الضغط الهائل والناجم عن عدد الزوار المفرط، على حماية كهوف موقاو."

وبالإضافة إلى ذلك، اقترحت السيدة فان فكرة إنشاء "دونهوانغ الرقمية"، حيث تمت معالجة وتحويل الكهوف والجداريات والمنحوتات الملونة وجميع الآثار الثقافية المتعلقة بدونهوانغ إلى صور رقمية عالية الذكاء؛ مع جمع وثائق دونهوانغ ونتائج البحوث والمواد المعنية المنتشرة في جميع أنحاء العالم في ملفات إلكترونية. قالت السيدة فان: "الرسوم الجدارية غير متجددة ولا يمكن أن تبقى إلى الأبد." وذلك دفعها لتفكر في المحافظة على معلومات دونهوانغ إلى الأبد عن طريق "الرقمنة". الحقيقة أن الجولات الافتراضية البانورامية، تمكّن الزائر من أن يشعر بتفاصيل كهوف موقاو من مسافة قريبة، ويمكن القول إلى حد ما، بأن الزائر لا يشعر بذلك حتى في المكان الحقيقي.

بعد سنوات من الجهود، تم إطلاق منصة "دونهوانغ الرقمية" رسميا في عام 2016. يمكن بها مشاهدة صور عالية الدقة لثلاثين كهفا كلاسيكيا في كهوف موقاو مجانا عبر الإنترنت بنقرة على فأرة الحاسوب، تماما مثل زيارة الكهوف. هذا لا يلبي رغبة الناس في زيارة كهوف موقاو فحسب، وإنما أيضا يقلل من الأضرار التي تسببها زيارة عدد كبير من السياح إلى كهوف موقاو، إلى حد معين.

اعترفت الأوساط الأكاديمية بالإجماع بمساهمات فان جين شي في تعزيز المحافظة على آثار دونهوانغ الثقافية. أشاد العالم الصيني الكبير الراحل جي شيان لين، بالسيدة فان جين شي بعبارة واحدة: المآثر والفضائل لا تُقاس. هذا التقييم يبين المساهمات العظيمة التي قدمتها السيدة فان، ويقدم وصفا حقيقيا لإنجازاتها في حماية الآثار الثقافية لدونهوانغ."

من عضو نموذجي للحزب الشيوعي الصيني على المستوى الوطني وعاملة متفوقة في النظام الثقافي الوطني وعاملة وطنية متفوقة، إلى واحدة من "الشخصيات المائة المؤثرة في الصين منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية"، حصلت فان جين شي على ألقاب وجوائز كثيرة. لكنها تقول دائما: "أنا ممثلة عن زملائي فقط، كلها ألقاب وجوائز للمعهد، وهي تعبر عن اهتمام الحكومة بالآثار التاريخية".

ما زالت فان جين شي، وهي في ربيعها الثالث بعد الثمانين، تواصل دورها في حماية التراث التاريخي في دونهوانغ. كرست كل حياتها لحماية دونهوانغ وحماية الآثار الثقافية الوطنية.

--

فان جين شي، ولدت في بيبينغ (بكين) في يوليو عام 1938، الرئيسة السابقة لمعهد أبحاث دونهوانغ والرئيسة الفخرية للمعهد حاليا، وهي أيضا أستاذة في جامعة لانتشو. انضمت إلى الحزب الشيوعي الصيني في عام 1974. في 18 ديسمبر 2018، مُنحت لقب رائدة الإصلاح من قبل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ومجلس الدولة الصيني. في 17 سبتمبر 2019، وقع الرئيس الصيني شي جين بينغ على قرار رئاسي بمنحها لقب "المساهم البارز في حماية الآثار التاريخية" على المستوى الوطني. في 25 سبتمبر 2019، نالت لقب "أجمل مُكافحة". وفي 17 مايو 2020، حصلت على لقب "الشخصية المؤثرة في الصين لعام 2019".

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4